وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ, لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَلِمُسْلِمٍ: «كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا».
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (5193)، ومسلم (1436).
فقه الحديث:
مسألة: ما يجب للزوج على زوجته([1]):
أجمع العلماء على أنه يجب على المرأة طاعة زوجها إذا دعاها للاستمتاع في الجماع ودواعيه، فقد قال النبي H: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ اِمْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ، لَعَنَتْهَا المَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»، وفي رواية: «كَانَ الذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا»، أي: زوجها، وفي هذا المعنى أحاديث عديدة.
واختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها؛ فقال الشافعية والحنابلة والظاهرية: لا يجب على المرأة خدمة زوجها؛ لأن المعقود عليه من جهتها الاستمتاع، فلا يلزمها غيره، وإنما يجب عليها طاعته في الجماع ودواعيه، ويستحب لها خدمة زوجها.
وقال المالكية: يجب عليها خدمته بما جرت به العادة، كعجن وكنس وطبخ وغسل، ولو كانت غنية، إلا إذا كانت ذات شرف وقدر، وكان زوجها ذا سعة ومال.
وقال الحنفية: يجب عليها الخدمة لزوجها، إلا إذا كانت ممن لا تخدم.
وذهب بعض السلف وابن تيمية وابن القيم رحمهم الله إلى أنه يجب عليها خدمة زوجها في مصالح البيت، كالعجن والطبخ والخبز والكنس ونحو ذلك، ففي الصحيحين أن فاطمة J اشتكت للنبي H ما تعانيه من التعب فسألته خادمًا، فدلها على الأذكار، فالشاهد: أنه لم يأمر عليًّا I أن يعطيها خادمًا، أو أن يقوم بخدمة نفسه، فهذا يدل على أن خدمتها لعلي I واجبة.
ولما جاء عن أبي هريرة I قال: قال رسول الله H: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا»، رواه الترمذي (1193) وغيره، وهو حديث صحيح لغيره، وهذا يدل على تمام طاعتها له، حتى لو كان السجود لغير الله D جائزًا لكان للزوج على زوجته.
وروى أحمد (5/73) والترمذي (1197) وغيرهما عن عمرو بن الأحوص والرقاشي L أن النبي H قال: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ»، وهو حسن لغيره، والعوان: الرقيق والأسير، فالشاهد أنه شبه المرأة عند زوجها بالرقيق والأسير الذي يجب عليه خدمة سيده وطاعته ولا يعصيه.
وقوله D: ﴿ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، فكما أن لهن النفقة والكسوة والسكنى؛ عليهن بمثله: الطاعة والخدمة للزوج من الطباخة وتنظيف الثياب والبيت وغيرها.
وما جاء عن أبي هريرة I قال: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ H: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: الَّذِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ»، روه أحمد (2/251) وغيره، وهو صحيح لغيره.
وعن الحصين I عن عمته: «أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ H فِي حَاجَةٍ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ H: أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوهُ -ما أخالفه- إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ»، يعني: الزوج سبب لدخول الجنة إذا أطاعته ـ فيما لا يخالف الشرع ـ وسبب لدخول النار إذا عصته، رواه أحمد (4/341) وغيره، وسنده محتمل للتحسين، وقد حسنه الألباني V.
وهذا هو الأرجح، ويكون بحسب ما جرت به العادة والعرف، من خدمة زوجها في مصالح البيت وفي حدود استطاعتها، واختاره علماء اللجنة الدائمة وابن عثيمين رحمهم الله ([2]).
([1]) شرح مسلم (10/7)، المحلى (9/228)، المغني (10/225)، حاشية ابن عابدين (5/230)، مجموع الفتاوى (3/260)، (34/90)، زاد المعاد (5/186)، حاشية الدسوقي (3/482)، فتح الباري (10/367، 635)، الموسوعة الفقهية الكويتية (19/14)، (30/126).
([2]) الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (2/544)، فتاوى نور على الدرب للعثيمين (10/319).