عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْسِمُ, فَيَعْدِلُ, وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ, فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ, وَلَكِنْ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ إِرْسَالَه.
(1067) 02- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ, فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا, جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالْأَرْبَعَةُ, وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ
تخريج الحديثين:
حديث عائشة J: رواه أحمد (6/144)، وأبو داود (2134)، والنسائي (7/64)، والترمذي (1172)، وابن ماجه (1971) وغيرهم، وقد جاء موصولًا ومرسلًا، والصحيح فيه الإرسال، كما رجحه الترمذي والنسائي وأبو زرعة([1]) وغيرهم، والشطر الأول من الحديث يشهد له حديث عروة عن عائشة J الآتي.
حديث أبي هريرة I: رواه أحمد (2/295)، وأبو داود (2134)، والنسائي (7/63)، والترمذي (1173)، وابن ماجه (1969)، وسنده صحيح، وصححه الشيخ الألباني V وقال: «تتابع العلماء على تصحيحه»([2])، وروي مرسلًا ولا يضر، فقد زاد الوصل ثقة حافظ فتقبل زيادته.
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: التسوية بين الزوجات في القسم([3]):
أجمع العلماء على أنه يجب على الزوج أن يسوي بين نسائه في قسم المبيت، فقد كان النبي H يقسم بين نسائه ويعدل، وقال D: ﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ﴾ [النساء: ٣]، وعامة العلماء على أن الزوج يقسم للمريضة والحائض والصغيرة؛ لأن الغرض من القسم: الأنس والسكنة، وإن لم يحصل الجماع، ولإمكانه أن يستمتع بها بغير الوطء.
المسألة الثانية: التسوية بين الزوجات في الحب والجماع([4]):
لا خلاف بين العلماء أنه لا يجب على الزوج التسوية بين نسائه في الحب والجماع؛ لصعوبة ذلك عليه، وفيه نزل قوله D: ﴿ وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡ ﴾ [النساء: ١٢٩]، أي: في الحب والجماع.
وفي حديث عائشة J أن رسول الله H كان يقول: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ -كالمبيت ونحوه-، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ -مما يشق وهو الحب والجماع-».
وفي ]الصحيحين[ أن عمر I قال لحفصة J: «لقد علمت أنها -يعني عائشة J - أحب إلى رسول الله منك».
المسألة الثالثة: التسوية بين الزوجات في المسكن والنفقة([5]):
اختلف العلماء فيها على قولين:
القول الأول: يجب التسوية بينهن في المسكن والنفقة، فلا يزيد إحداهن على البقية في المأكل والمشرب والملبس والمسكن؛ لعموم قوله D: ﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ﴾ [النساء: ٣]، وقوله H: «مَنْ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ»، فالآية والحديث يشملان الكسوة والنفقة والسكنى.
وهذا هو المذهب عند الحنفية، واختاره ابن تيمية والشوكاني وابن باز وابن عثيمين.
القول الثاني: لا يجب عليه التسوية بين نسائه في النفقة والكسوة والمسكن، إنما يستحب له ذلك إذا قام بالواجب لكل واحدة منهن في النفقة والكسوة والمسكن.
فما زاد على الحد الواجب؛ فهو تطوع منه، فله أن يفضل إحداهما على الأخرى إذا أعطى الأخرى ما يكفيها من نفقة وكسوة ومسكن، لأن التسوية في كل هذا تشق، فلو وجب عليه لم يمكنه القيام به إلا بحرج، فسقط وجوبه كالتسوية في الحب والجماع.
وأما التسوية في القسم؛ فهو ممكن وبدون مشقة، والآية والحديث المذكوران إما يحملان على القسم في المبيت، وإما أن المراد بهما إعطاء الحق الواجب، فهذا هو العدل، وليس فيهما وجوب التسوية.
وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية.
قلت: الأحوط للرجل والأسلم لدينه وعرضه أن يسوي بينهن فيما زاد على القدر الواجب.
المسألة الرابعة: الجمع بين الزوجات في مسكن واحد([6]):
لا يجوز ذلك إلا برضاهن، سواء كان البيت صغيرًا أم كبيرًا؛ لأن فيه ضررًا على المرأة، لما بين الضرائر من العداوة والغيرة، واجتماعهن يثير المخاصمة، وكما أنه يجب عليه أن يعطي لكل واحدة ملبسًا مستقلًا فكذلك المسكن، وهذا الذي فعله رسول الله H مع نسائه مع شدة فقره.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وهو كما قالوا.
([1]) علل ابن أبي حاتم (1/425).
([2]) الإرواء (2017).
([3]) المغني (10/225)، المجموع شرح المهذب (16/425)، مجموع الفتاوى (32/269)، حاشية ابن عابدين (4/282)، حاشية الدسوقي (3/204).
([4]) المغني (10/245)، فتح القدير لابن الهمام (3/432)، مجموع الفتاوى (32/269).
([5]) حاشية ابن عابدين (4/282)، المنتقى للباجي (3/353)، المغني (10/242)، مجموع الفتاوى (32/270)، فتح الباري (10/392)، فتح ذي الجلال والإكرام (11/431)، الفتاوى الإسلامية للمسند (2/366)، السيل الجرار (2/302).
([6]) المغني (10/234)، روضة الطالبين (5/661)، حاشية ابن عابدين (4/291)، حاشية الدسوقي (3/208).