الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ  فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ, وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ,

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ  فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ, وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ,
6

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ  فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ, وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ?»، قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ, وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: وَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا.

تخريج الحديث:

حديث ابن عباس L: رواه البخاري (5273) موصولًا عن عكرمة عن ابن عباس L، ورواه مرسلًا عن عكرمة دون ذكر ابن عباس L، وإخراج البخاري له موصولًا في صحيحه معتمدًا عليه يدل على صحته عنده موصولًا.

وقد رواه البخاري بذكر أمره بالطلاق وبدونه. وقد روى هذا الحديث أيضًا عبد الرزاق (6/483)، وأبو داود (2226)، وابن ماجه (2056)، والدارقطني (3/254)، والبيهقي (7/313) وغيرهم، والأكثر في هذا الحديث بدون ذكر أمره بالطلاق، وإنما أمره بفراقها([1]).

فقه الحديث:

المسألة الأولى: رد المخالعة الصداق لزوجها([2]):

أجمع العلماء على أنه يجوز للمرأة أن ترد له جميع الصداق في الخلع، فقد جاءت امرأة ثابت بن قيس I وهي كارهة لزوجها وتريد الفراق، «فَقَالَ رَسُولُ الله H: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ -أي: التي أمهرها-، قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ الله H: اِقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً».

ويجوز بأقل مما دفع من الصداق بالتراضي، لقوله D: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦ [البقرة: ٢٢٩].

واختلفوا في رد أكثر من صداقها؛ فمذهب جماعة من السلف، ورواية لأحمد: أنه لا يجوز الزيادة على الصداق، فهو من الظلم، ولم يسرح بإحسان، وقد جاء عند عبد الرزاق (6/502)، والبيهقي (7/314) في قصة امرأة ثابت بن قيس I أن رسول الله H قال: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَزِيَادَةً، قَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلا»، قال ابن حجر V: «رجال إسناده ثقات([3])». وجاء بنحوه من حديث ابن عباس L عند ابن ماجه (2056) والبيهقي. وصحح الحديث بهذه الزيادة الشيخ الألباني V([4]).

وقوله تعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦ [البقرة: ٢٢٩]، المراد: مما أعطاها تفتدي به.

وذهب جمهور العلماء إلى جواز الزيادة على الصداق، لقوله B: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦ [البقرة: ٢٢٩]، وظاهره العموم، فتدخل فيه الزيادة على الصداق. وأما قوله H: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَزِيَادَةً، قَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلا» فيجمع بينه وبين الآية بكراهة الزيادة، أو أن هذا وقع من رسول الله H على سبيل الإشارة؛ رفقًا بها، لا على سبيل المنع، وهو الأرجح.

المسألة الثانية: رضى الزوج في الخلع([5]):

الصحيح عند الحنابلة، وقول الشافعية وابن حزم: أنه يستحب له أن يقبل ولا يجبر عليه، وأمر رسول الله H لثابت بن قيس I بالمفارقة بقوله: «اِقْبَلِ الحَدِيقَةَ وفارقها» هو أمر للاستحباب لا للإيجاب، فهو أمر إرشاد وإصلاح.

وقال بعض الحنابلة والصنعاني والشوكاني وابن باز وابن عثيمين: يجب عليه، وإلا أجبر عليه، فالأصل في الأمر الوجوب، وليس هنالك ما يدل على صرف هذا الأمر عن أصله، ولأن عدم قبوله يستلزم ضررًا على المرأة، ودفع الضرر عن المسلم واجب، وقد افتدت نفسها.

قلت: الأمر يرجع للقاضي، فإذا رأى إجباره على المفارقة؛ فله ذلك.

المسألة الثالثة: هل الخلع فسخ أم طلاق([6]):

اختلف العلماء في هذه المسالة على قولين:

القول الأول: أن الخلع طلاق بائن وليس فسخًا؛ لأن الذي يملكه الزوج هو الطلاق لا الفسخ، والعوض المبذول للزوج إنما بذلته المرأة في مقابل ما يملكه الزوج وهو الطلاق، وقد قال النبي H لثابت بن قيس I: «اِقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً»، وفي رواية: «وَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا».

وقوله في بعض الروايات: «وفارقها»، و«خلى سبيلها» المراد به: الطلاق، فلا تعارض بين الروايات.

وجاء عن عثمان I أنه قضى بالخلع بأنه طلاق. رواه ابن أبي شيبة (4/117)، وفيه ضعف. وذكر الخلع في الآية قبل ذكر الطلقة الثالثة؛ لبيان أن الطلاق يكون بغير عوض ويكون بعوض، فلا يدل على أنه فسخ.

ويكون طلاقًا بائنًا لا رجعيًا؛ لأن المرأة افتدت نفسها لأجله، فليس له مراجعتها.

وهذا مذهب جمهور العلماء.

القول الثاني: أن الخلع فسخ؛ لأنه فراق بعوض يدفع للزوج، ولأن الله D ذكر الخلع بعد الطلقتين ثم قال: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ [البقرة: ٢٣٠]، فلو كان الخلع طلاقًا؛ لكان الطلاق أربعًا، فقد قال أولًا: ﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ... الآية
[البقرة: ٢٢٩]، ثم قال: ﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِه... الآية [البقرة: ٢٢٩]، ثم قال: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥ [البقرة: ٢٣٠].

ولأن المخالعة تعتد بحيضة - كما سيأتي - فلو كان طلاقًا؛ لاعتدت بثلاثة قروء.

ولأن رسول الله H أمر ثابت بن قيس بمفارقة زوجته في نفس المجلس، ولم يسأل زوجتَه عن حالها من الحيض والطهر الذي مسها فيه، فدل هذا على أنه فسخ، لأن الطلاق لا يجوز في الحيض والطهر الذي جامع الزوج فيه امرأته.

ولأنه صح عن ابن عباس L أن الخلع فسخ لا طلاق، رواه ابن أبي شيبة (4/118)، وعبد الرزاق (6/485)، وابن عباس L هو رواي حديث مخالعة امرأة ثابت بن قيس I، وهو أعلم بمعنى ما روى، ولا يصح عن غيره من الصحابة مخالف له فيما يظهر.

وأمر ثابت بن قيس I بالطلاق لا يثبت، وإنما المحفوظ في الحديث بلفظ «المفارقة».

وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وقول للشافعي، ومذهب فقهاء أهل الحديث وجماعة من السلف.

فعليه: لو طلق الرجل زوجته مرتين، ثم خالعها؛ فلا تحرم عليه، فلو أرادا التراجع بعد ذلك فلهما ذلك.

قلت: مذهب جمهور العلماء أقوى، وقول ابن عباس يحمل على أنه اجتهاد منه، فيرى أن الخلع فسخًا ولو كان بلفظ الطلاق، أو أن ذكر الطلاق في حديث المخالعة لا يثبت.

وأما إذا خالعها بلفظ الطلاق فيقع الطلاق؛ لأنه لفظ صريح، وهي لا زالت في عصمته، فيقع طلاقه لها، وكذلك إذا كان بلفظ آخر ونوى الطلاق، وقد ذكر بعض العلماء أنه لا خلاف بين العلماء في هذا، واختار ابن تيمية V أنه فسخ أيضًا، وقال: «عليه دل كلام أحمد وقدماء أصحابه».

المسألة الرابعة: إذا ضيق على امرأته لتخالعه([7]):

الصحيح الذي عليه جماعة من السلف والشافعية والحنابلة: أن هذا الخلع باطل، والعوض مردود، فقد قال D: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ [النساء: ١٩]، ولأنه عوض أكرهت على بذله بغير حق؛ فلم يستحقه.

فعليه: إذا كان الخلع طلاقًا؛ فيكون طلاقًا رجعيًّا، لأن الرجعة إنما تسقط لأجل ملكه المال ولم يملكه هنا، وإذا كان الخلع فسخًا؛ فلا يقع شيئًا إذا لم ينوبه الطلاق.

ومذهب الحنفية والمالكية: يقع الخلع، وهو آثم بأخذ العوض.

 

([1]) الإلزامات والتتبع (ص/489).

([2]) الاستذكار (17/176)، المغني (10/269)، المحلى مسألة (1974)، أضواء البيان (1/166)، الإنصاف (8/398)، فتح الباري (10/499، 505)، بداية المجتهد (2/67).

([3]) فتح الباري (10/505).

([4]) الإرواء (2036، 2037).

([5]) فتح الباري (10/503)، الإنصاف (8/382)، المحلى مسألة (1974)، شرح سنن أبي داود لابن رسلان (10/11)، نيل الأوطار (6/248)، سبل السلام (3/351)، الشرح الممتع (12/476)، منحة العلام (7/504).

([6]) المغني (10/274)، المحلى مسألة (1974)، تفسير القرطبي (3/94)، فتح الباري (10/497)، مجموع الفتاوى (32/322-335)، (33/9، 153)، بداية المجتهد (2/69).

([7]) تفسير ابن كثير سورة البقرة، آية (229)، المحلى مسألة (1974)، البيان في مذهب الشافعي (10/9)، بداية المجتهد (2/98)، المغني (1/272)، الدرر السنية (7/267)، أحكام الخلع، د/الزيباري (ص/158).

6 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة