- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَلِمُسْلِمٍ: إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ, فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا.
تخريج الأثر:
أثر ابن عباس L، اللفظ الأول: رواه البخاري (5266). واللفظ الثاني: رواه مسلم ( 1473).
فقه الأثر:
مسألة: إذا حرم الرجل زوجته([1]):
كأن يقول لها: «أنت حرام» أو «أنت محرمة». وفي المسألة أقوال، منها:
القول الأول: ليس بشيء، فلا يقع به طلاق ولا ظهار ولا يمين، فهو لغو؛ لأن التحريم والتحليل ليس في يد العبد، ولأن هذا العمل ليس مشروعًا، فكان مردودًا، وفي الحديث: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، وهذا مذهب الظاهرية.
القول الثاني: يحسب ثلاث طلقات؛ لأن المرأة تكون محرمة على زوجها إذا طلقها ثلاثًا، وهذا مذهب المالكية.
القول الثالث: يعتبر ظهارًا، ولو نوى الطلاق أو اليمين؛ لأن مراد المظاهر تحريم زوجته، فإذا قال: «أنت علي كظهر أمي» لزم منه تحريمها، وهذا ظهار، وقوله: «أنت حرام علي» أصرح في التحريم، فهو أولى أن يكون ظهارًا، وهذا هو الصحيح عند الحنابلة، واختاره ابن تيمية وابن القيم وابن باز رحمهم الله([2]).
القول الرابع: يقع عليه بحسب نيته، فإن نوى ظهارًا كان ظهارًا، وإن نوى طلاقًا كان طلاقًا، وإن نوى يمينًا ـ وذلك بأن ينوي الامتناع منها ـ كان يمينًا؛ لأنه لفظ محتمل لهذه الثلاثة، فما نواه منها انصرف إليه، وقد قال E:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ... ١ قَدۡ فَرَضَ ٱللَّهُ لَكُمۡ تَحِلَّةَ أَيۡمَٰنِكُمۡ ﴾ [التحريم: ١ - ٢]، فجعل التحريم يمينًا، وهو يفيد العموم، فلا فرق بين تحريم الزوجة وغيرها، وإنما كفارة الظهار إذا حرمها بأعلى درجات التحريم، وهي الأم وبقية محارمه.
وعن ابن عباس L قال: «إِذَا حَرَّمَ اِمْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ»، أي: ليس بظهار ولا طلاق، ثم قال: «... فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا»، فجعلها يمينًا، وقال: ﴿ لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ ﴾ [الأحزاب: ٢١]، يقصد الآية السابقة.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية، ورواية لأحمد، واختاره ابن عثيمين V([3])، وهو الأقرب.
وإذا حرم امرأته وأطلق التحريم، ولم ينوِ شيئًا -لا ظهارًا ولا طلاقًا ولا يمينًا-؛ فقيل: لا شيء عليه، فهي كذبة.
وقيل: ظهار؛ لأنه بمعناه، فلا ينصرف عنه إلا بنية.
وقيل: عليه كفارة يمين، وهذا الذي عليه جماعة من الصحابة، فقد قال ابن عباس L: «فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا»، وعليه جماعة من التابعين، وهو رواية للحنفية، والأظهر عند الشافعية، ورواية لأحمد، وهو الأقرب، والله أعلم.
([1]) شرح مسلم (10/63)، الأوسط لابن المنذر (9/188)، المغني (10/396)، البيان للعمراني (10/101)، فتح الباري (10/467)، إعلام الموقعين (2/65)، زاد المعاد (5/303)، الإنصاف (8/486).
([2]) مجموع فتاواه (22/164).
([3]) الشرح الممتع (13/79).