عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ; أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ, ثُمَّ يُرَاجِعُ, وَلَا يُشْهِدُ? فَقَالَ: أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا, وَعَلَى رَجْعَتِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا مَوْقُوفًا, وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ.
(1098) 02- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ, - أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، قَالَ النَّبِيُّ H لِعُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديثين:
حديث عمران بن حصين L: رواه أبو داود (2186)، وابن ماجه (2025)، وسنده صحيح، وفيه أن عمران I قال له: «طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ».
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (5251)، ومسلم (1471).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: مراجعة المطلقة([1]):
أجمع العلماء على أن للزوج الحق في مراجعة زوجته في العدة، إذا كان الطلاق رجعيًّا، قال D: ﴿ وَٱلۡمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٖ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وفي حديث ابن عمر L: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا».
ولا يشترط في المراجعة رضى المرأة ولا رضى وليها بإجماع العلماء؛ لأن الله E خاطب بها الأزواج، قال E: ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ ﴾، وقال النبي H: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا».
وإذا انتهت العدة؛ فلا رجعة له عليها بالإجماع، فلا بد من عقد جديد ومهر جديد.
وأجمعوا على أن المطلقة ثلاثًا لا رجعة له عليها حتى تنكح زوجًا آخر فيفارقها، فترجع بعقد ومهر جديد، قال D: ﴿ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥ ﴾ [البقرة: ٢٣٠].
وأجمعوا على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة، ولا رجعة له عليها؛ لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول، لقوله D: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمۡ عَلَيۡهِنَّ مِنۡ عِدَّةٖ تَعۡتَدُّونَهَا ﴾ [الأحزاب: ٤٩]، فإن رغب فيها، فهو خاطب من الخطاب، لا ترجع إليه إلا بعقد ومهر جديدين.
وأما مراجعة المختلعة؛ فقد سبق الكلام عليها.
المسألة الثانية: بما تحصل المراجعة([2]):
أجمع العلماء على أن الرجعة تحصل بتلفظ المطلق بها، كأن يقول: «أشهدكم أني قد راجعت زوجتي».
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه إذا جامعها في العدة بنية المراجعة ولم يتلفظ بالمراجعة؛ أن الرجعة تحصل بالوطء، لأن الطلاق سبب لزوال الملك ومع المطلق خيار في العدة، فوطؤه يمنع عمله، كوطء البائع لأَمته المبيعة في مدة خيار البيع، وأيضًا خشية وقوع الحمل، وإن كان آثمًا بعدم التلفظ بالرجعة أولًا.
المسألة الثالثة: الإشهاد على الرجعة([3]):
ذهب بعض العلماء إلى وجوب الإشهاد عند الرجعة، فقد قال D: ﴿ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ ﴾ [الطلاق: ٢]، فأمر بالإشهاد بعد ذكر الرجعة، والأمر يقتضي الوجوب، وحتى لا ينكر الزوج ويدوم مع امرأته وقد صارت محرمة عليه.
وقد أمر عمران بن حصين L بالإشهاد على الرجعة، فقال: «أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَعَلَى رَجْعَتِهَا»، وقال لمن راجع ولم يشهد: «وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ».
وهذا قول للشافعي، ورواية لأحمد، واختاره ابن حزم وابن تيمية.
وذهب جمهور العلماء إلى استحباب الإشهاد عند الرجعة وليس بواجب، فقد أمر النبي H ابن عمر L بمراجعة زوجته ولم يأمره بالإشهاد. ولأن الرجعة لا تحتاج إلى قبول المرأة ووليها فلم تحتج إلى الإشهاد، بعكس عقد النكاح.
وتشبيهًا للرجعة بسائر الحقوق، والإشهاد لا يجب فيها، كالأمر بالإشهاد في البيع، فهو للاستحباب لا للوجوب.
ويحمل ما في الآية وحديث عمران L على الاستحباب.
وهذا القول هو الأرجح، لكن يحرص المراجع على الإشهاد، امتثالًا لأمر الله تعالى ولا يتساهل فيه.
المسألة الرابعة: إذا ادعى الرجل أنه راجع مطلقته في العدة فأنكرت([4]):
إذا حصلت الدعوى قبل انقضاء العدة فيقبل قول الزوج؛ لأنه لما كان له حق المراجعة في العدة قُبلت دعوى الرجعة فيها.
وإذا كانت الدعوى بعد انقضاء العدة؛ فيقدم قول المرأة، لأن دعواه في زمن لا يحق له المراجعة فيه، والأصل عدم وقوع المراجعة، وإلا لجاء بالبينة أو لأخبر بها في عدتها.
وهذا مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم.
المسالة الخامسة: إذا راجعها في عدتها ولم تعلم إلا بعد انقضاءها([5]):
إذا كانت لم تتزوج بعد؛ فترجع لزوجها بلا شك، ما دام أنها ثبتت صحة مراجعته لها في العدة.
وأما إذا كانت قد تزوجت بآخر؛ فالصحيح الذي عليه أكثر الفقهاء أنها أيضًا ترجع لزوجها الأول، فالنكاح الثاني فاسد، لأنه تزوج امرأة غيره، كما لو لم يطلقها، ما دام أنه أقام البينة على مراجعتها.
ولا ترجع إليه إلا بعد انقضاء عدتها من الرجل الثاني لاستبراء الرحم.
([1]) بداية المجتهد (2/85)، المغني (10/547، 553، 573)، مجموع الفتاوى (33/6)، فتح الباري (10/606).
([2]) المغني (10/558)، تفسير القرطبي (3/80)، بداية المجتهد (2/85)، فتح الباري (10/606)، الإنصاف (9/53).
([3]) المغني (10/559)، بداية المجتهد (2/85)، تفسير القرطبي (3/80)، روضة الطالبين (6/192)، الإنصاف (9/152)، مجموع الفتاوى (33/33، 100).
([4]) المغني (10/567)، الإنصاف (9/163)، البيان للعمراني (9/250).
([5]) المغني (10/573)، الإنصاف (9/160).