وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ? قَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ?» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا?» قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «هَلْ فِيهَا مَنْ أَوْرَقَ?»، قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَنَّى ذَلِكَ?»، قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ. قَالَ: «فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: وَهُوَ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ -, وَقَالَ فِي آخِرِهِ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (5305)، ومسلم (1500)، والزيادة المذكورة رواها مسلم.
فقه الحديث:
مسألة: ثبوت النسب([1]):
أجمع العلماء على ثبوت النسب بالفراش، ولو وجد الشبه بغيره، فإذا كان للرجل زوجة أو أمة وصارت فراشًا له، فأتت بولد، لحقه الولد ونسب إليه، ولو كان لا يشبهه، فليس له نفيه لمجرد اختلاف الشبه، ففي ]الصحيحين[ عن عائشة J أن رسول الله H قال: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ»، وقال رجل: «يَا رَسُولَ الله! إِنَّ اِمْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ؟ -أي: لا يشبهه- قَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا الوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيهَا مَنْ أَوْرَقَ؟ -أي: أسمر-، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى ذَلِكَ؟، قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ –أي: كان أحد أصوله هكذا لونه-، قَالَ: فَلَعَلَّ اِبْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ –أي: كان أحد أصوله من أجداده هذا لونه-، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الانْتِفَاءِ مِنْهُ» لاختلاف الشبه.
ويشترط إمكان كونه منه فلابد من مدة الإمكان، أي: إمكان الوطء حتى يكون الولد منه، فمع عدم الإمكان لا تسمى فراشًا له، والمراد بالإمكان: الإمكان الزماني والمكاني مع القدرة على الوطء، وتقدر هذه المدة من حين اجتماعهما.
فالإمكان الزماني يقدر بستة أشهر من حين اجتماعهما، لأنه أقل مدة الحمل، فلو جاءت به أقل من ستة أشهر لم يثبت نسبه إليه.
والإمكان المكاني: أن يكونا في بلدة واحدة، فلو كان كل واحد منهما في بلدة لم ينسب إليه، لعدم الإمكان المكاني.
ويثبت النسب بالشبه عند جمهور العلماء، وهو الراجح، ففي ]الصحيحين[ عن عائشة J قالت: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ H ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا، فقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ -وكان قائفًا- دَخَلَ عَلَيَّ، فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا، وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»، فسر النبي H بقول القائف إقرارًا له.
وفي حديث المتلاعنين السابق قال النبي H: «فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا، فَهُوَ الذِي رَمَاهَا بِهِ».
وكذلك يثبت النسب بالوسائل الحديثة التي نص الأطباء والعلماء على اعتبارها في إثبات النسب، كالحمض النووي (DNA)، وأما فصيلة الدم فليست هذه الوسيلة بلازمة، ولكنها تنفع كمساعدة، وإلا ربما كانت فصيلة دم الأب تختلف عن فصيلة دم الابن، وهو ابنه يقينًا لثبوت الفراش.
فإن لم تكن هنالك أي بينة، وحصل التنازع في الطفل بين مجموعة؛ فالصحيح أنه يقرع بينهم، فيلحق نسبه بمن خرجت له القرعة، إذ هي غاية المقدور عليه، وحتى لا يضيع نسبه.
([1]) شرح مسلم (10/33)، المغني (7/371)، (11/168)، المحلى مسألة (1945)، مجموع الفتاوى (20/386)، زاد المعاد (5/206، 415، 430)، فتح الباري (13/524)، الإنصاف (9/258).