وَعَنْ أَمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديث:
حديث أم سلمة J: رواه مسلم (2915).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: إذا اقتتلت طائفتان من المسلمين([1]):
قال العلماء: الواجب الإصلاح بينهما، ولا يبتدأ أحدهما بالقتال قبل السعي في الإصلاح، فإذا بغت إحداهما بعد ذلك قوتلت من قبل المسلمين، لأنها لم تترك القتال ولم تقبل الصلح، فلم يندفع شرها إلا بالقتال، فقد قال E: ﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِ ﴾ [الحجرات: ٩]، والأمر فيها ليس لإحدى الطائفتين لتقاتل الأخرى، وإنما هو أمر لسائر المسلمين.
وهذا القتال إذا علمت الباغية لا يسمى قتال فتنة، فقتال الفتنة المنهي عنه مختص بما إذا وقع القتال بسبب التغالب في طلب الملك والحكم، فالمسلم مأمور بالإمساك وترك المشاركة في القتال.
المسألة الثانية: قتال علي I لمعاوية I ومن معه([2]):
الذي عليه أئمة السنة وعلماء الحديث أن عليًّا كان أولى بالحق وأقرب إليه، كما دل عليه قوله H: «تَقْتُلُ عَمَّارًا الفِئَةُ البَاغِيَةُ»، وكان عمار بن ياسر L يقاتل مع علي I، فقتله جيش معاوية I.
وقد وصف بعض أهل العلم من قاتل عليًّا I بالباغي لهذا الحديث، واستراب أكثر أهل العلم من وصفهم بظلم أو بغي.
واختلفوا في حكم القتال مع علي I؛ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الواجب كان القتال مع علي I، لهذا الحديث، ولقوله E: ﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِ ﴾ [الحجرات: ٩]، ولأن عليًّا هو الإمام فتجب طاعته.
ومذهب جمهور العلماء: ترك القتال مطلقًا، واعتبروه قتال فتنة للأحاديث التي تأمر بترك القتال في الفتنة، وقد ندم علي I على قتالهم، وغبط من توقف عن القتال، ولأنه قد وقع من المفاسد أكثر مما وقع من خروجهم عن طاعته، فبالقتال زاد البلاء وسفكت الدماء وتنافرت القلوب وخرجت على علي I الخوارج، ولم يحصل بهذا القتال مصلحة راجحة.
وأكثر الصحابة لم يشارك في هذا القتال، وأيضًا كان معاوية I يتأول حديث عمار I بأنه قتله من جاء به للمعركة، وكل الناس كانوا منكرين لقتل عمار I، حتى معاوية وعمرو بن العاص L.
([1]) المغني (12/237، 243)، تفسير القرطبي (16/28)، شرح مسلم (14/234)، قتال البغاة لابن تيمية (ص/67)، مجموع الفتاوى (4/438)، فتح الباري (14/530).
([2]) مجموع الفتاوى (4/439).