وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ, فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا, فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ, وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا, ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ, وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا, ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ, فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا, فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
(1223) 08- وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَهُوَ فِي «مُسْلِمٍ» مَوْقُوفٌ.
تخريج الحديثين:
حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (6837) ومسلم (1703).
حديث علي I: رواه أحمد (1/95)، وأبو داود (4473)، وإسناده ضعيف، فيه عبد الأعلى بن عامر الثعلبي ضعيف، ورواه مسلم (6706) عن علي I موقوفًا عليه.
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: حد الزاني من المماليك([1]):
اختلف العلماء في حد المملوك إذا زنى:
فقال بعض السلف، وبعض الشافعية: إذا كان العبد والأَمة محصنين –أي: متزوجين- فعليهما نصف الحد، وهو الجلد خمسون، لقوله E: ﴿ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ ﴾ [النساء: ٢٥]، ولا رجم عليهما؛ لأن الرجم لا يتنصف.
وإن كانا غير محصنين؛ فلا حد عليهما، وإنما التعزير؛ لأن الآية إنما خصت المحصنات بالعذاب وهو الحد، فيستفاد منه: أن غير المحصنات لا يدخلن في هذا الحكم.
والمشهور عند الظاهرية: أن الأمة إذا كانت محصنة؛ فحدها خمسون جلدة للآية السابقة، وإن لم تكن محصنة؛ فلا حد عليها، وإنما التعزير.
والعبد عليه ما على الحر، فإن كان محصنًا؛ فيرجم، وإن لم يكن محصنًا جلد مائة، لعموم الأدلة، وهي لم تفرق بين حر وعبد، وخصت الأمة بتنصيف الحد للآية.
ومذهب جمهور العلماء: أن العبيد والإماء حدهم خمسون جلدة، سواء أحصنوا أم لم يحصنوا، للآية السابقة، ولا رجم عليهم، لأن الرجم لا ينصف.
وهذه الآية وإن كانت في المحصنة فيدخل في حكمها غير المحصنة، لأنه ثبت في الشرع عليها الحد، فقد قال رسول الله H: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ»، وفي ]صحيح مسلم[ عن علي I أنه قال: «أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ».
ويؤخذ مقدار الحد من الآية، ما دام أنه لم يذكر مستقلًّا.
ويلتحق العبد بحكم الأمة، لأنه لا فرق بينه وبين الأمة، فالنص على أحدهما يثبت حكمه في حق الآخر.
وهذا القول هو الأرجح.
واختلفوا في تغريب العبد والأمة:
فقال بعض الشافعية وبعض الحنابلة: يغربان نصف عام، لعموم قوله E: ﴿ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ ﴾ [النساء: ٢٥].
ومذهب جمهور العلماء: أنه لا تغريب عليهما، لعدم وجود دليل عليه، فقد قال النبي H: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ، وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا –أي: لا يوبخها-»، فذكر الجلد ولم يذكر التغريب، ولأن في تغريبهما إضرارًا بالسيد، فتكون عقوبة لهما وللسيد.
وهذا هو الراجح.
المسألة الثانية: إقامة السيد الحد على مملوكه([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن المملوك إذا كان حده الجلد -كحد الزنى أو القذف أو شرب الخمر- أن سيده يقيمه عليه، ففي حديث أبي هريرة I قال: «فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ»، أي: سيدها. وعن علي I أن رسول الله H قال: «أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ».
واختلفوا فيما إذا كان حده غير الجلد، كحد السرقة والردة والسحر:
فمذهب المالكية، والمذهب عند الحنابلة، ووجه للشافعية: أن السيد لا يقيمه على مملوكه، وإنما هو على السلطان، لأن الأصل أن الحدود للسلطان، وإنما فُوض الجلد للسيد؛ لأن له أن يؤدب مملوكه بالجلد، وليس له أن يؤدبه بالقطع أو القتل.
وأيضًا ربما أراد السيد قتله، فادعى أنه ارتد، وربما أراد قطع يده للتمثيل به، فيدعي أنه سرق.
وما جاء عن حفصة J أنها قتلت جارية لها سحرتها قد صح عن عثمان I أنه أنكر عليها.
ومذهب الظاهرية، والصحيح عند الشافعية، ورواية لأحمد: أن للسيد إقامة الحد عليه، لعموم قوله: «أَقِيمُوا الحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»، وعن علي I أنه قال: «أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ»، وهذا عموم لم يفرق بين أنواع الحدود.
ولأن الأصل في الحدود التسوية، فإذا جاز تفويض البعض للسيد، جاز تفويض البعض الآخر له.
وقد صح «أَنَّ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ J سَحَرَتْهَا جَارِيَةٌ لَهَا، فَأَقَرَّتْ بِالسِّحْرِ وَأَخْرَجَتْهُ فَقَتَلَتْهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ I فَغَضِبَ، فَأَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَقَالَ: جَارِيَتُهَا سَحَرَتْهَا، أَقَرَّتْ بِالسِّحْرِ وَأَخْرَجَتْهُ، قَالَ: فَكَفَّ عُثْمَانُ I»، فهذا دليل على رضى عثمان I بعد ذلك.
وصح عن ابن عمر L: «أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ غُلامٍ لَهُ سَرَقَ، وَجَلَدَ عَبْدًا لَهُ زَنَى، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَهُمَا»، ولم يعلم له مخالف من الصحابة.
وهذا هو الأرجح.
المسألة الثالثة: بيع الأمة إذا زنت الثالثة([3]):
اتفق الفقهاء على أن سيدها مأمور ببيعها إذا زنت في المرة الثالثة، لقوله H: «ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ، فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ»، وهذا للتقليل من قيمة الجارية الزانية، فلا حاجة له بها.
واختلفوا في حكم بيعها:
فمذهب الجمهور: أنه مستحب ولا يجب، لأنها ملكه، ولا يجب على الشخص أن يبيع ما يملكه.
ومذهب الظاهرية: أنه واجب، وهذا ظاهر الحديث، فلا صارف له.
([1]) المحلى مسألة (2204، 2205، 2274)، شرح مسلم (11/177)، بداية المجتهد (2/437)، المغني (12/331، 333)، المفهم للقرطبي (5/126)، أضواء البيان (6/70)، منحة العلام (8/401).
([2]) المحلى مسألة (2185)، المغني (12/335)، فتح الباري (14/134)، الإنصاف (10/151).
([3]) شرح مسلم (11/175)، فتح الباري (14/135).