وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رُوَيْجِلٌ ضَعِيفٌ, فَخَبَثَ بِأَمَةٍ مِنْ إِمَائِهِمْ, فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: «اضْرِبُوهُ حَدَّهُ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ, فَقَالَ: «خُذُوا عِثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ, ثُمَّ اضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً». فَفَعَلُوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالنَّسَائِيُّ, وَابْنُ مَاجَهْ, وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. لَكِنْ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ
تخريج الحديث:
حديث سعيد بن سعد L: رواه أحمد (5/223)، والنسائي في الكبرى (6/473)، وابن ماجه (2574) وغيرهم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد L، وجاء عن أبي أمامة بن سهل مرسلًا دون ذكر سعيد بن سعد L، رواه عبد الرزاق (16134)، والنسائي في الكبرى (6/473)، والدارقطني (3/100)، والبيهقي (8/230) وهو الأرجح، ولا يضر، فأبو أمامة بن سهل بن حنيف من صغار الصحابة، فمرسله مقبول، فالصحابي لا يرسل غالبًا إلا عن صحابي.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: إقامة الحد على المريض([1]):
إذا كان المريض يرجى برؤه؛ فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يؤخر الحد إذا كان حده جلدًا حتى يبرأ، خشية الإضرار به، وفي ]صحيح مسلم[ عن علي H قال: «إِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ H زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ H فَقَالَ: اتْرُكْهَا حَتَّى تَمَاثَلَ».
وأما إذا كان المريض لا يرجى برؤه؛ فإن لم يخشَ عليه من الجلد؛ فيقام عليه الحد بجلده مائة.
وإذا كان يخشى عليه من الجلد؛ فمذهب المالكية: أنه لا بد أن يجلد مائة جلدة لعمومات الأدلة، وحديث سعيد بن سعد L ضعيف.
ومذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية: يؤخذ غصنًا غليظًا يتفرع منه مائة غصن دقيقة، فيضرب به ضربة واحدة، فعن سعيد بن سعد L قال: «كَانَ بَيْنَ أَبْيَاتِنَا رُوَيْجِلٌ ضَعِيفٌ –أي: معيب-، فَخَبَثَ بِأَمَةٍ مِنْ إِمَائِهِمْ -أي زنى بها-، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ H فَقَالَ: اضْرِبُوهُ حَدَّهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: خُذُوا عِثْكَالًا –أي: غصن من نخل- فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ –أي: فيه مائة غصن-، ثُمَّ اِضْرِبُوهُ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً».
ولأن الأمر لا يخلو من أن يقام عليه الحد بجلد مائة، ونخشى هلاكه، أو ألا يقام عليه الحد أصلًا، أو أن يضرب ضربة واحدة بغصن غليظ عليه فروع دقيقة، وهذا أولى.
وهذا هو الراجح.
وأما إذا كان حده الرجم؛ فقال الفقهاء: يرجم ولا ينظر إلى صحته، لأن مآله إلى الهلاك.
المسألة الثانية: حالة المحدود عند الجلد([2]):
اتفق الفقهاء على أن المرأة تجلد وهي قاعدة؛ لأنه أستر لها، ولا تجرد من ثيابها إلا من اللباس الخارجي الغليظ -كالفرو أو الجبة المحشوة-.
وأما الرجل؛ فعند جمهور العلماء: أنه يجلد قائمًا حتى يعطى كل عضو حظه من الضرب.
وعند مالك ورواية لأحمد: يجلد قاعدًا.
وعند الحنفية والمالكية: يجرد من جميع ملابسه ما عدا عورته، لأن الأمر بجلده يقتضي مباشرة جسمه.
وعند الشافعية والحنابلة: لا يجرد إلا من الفرو أو الجبة؛ لأنها لو تركت عليه لم يبال بالضرب، ولا يجرد من غيرها، فقد جاء الجلد عن رسول الله H وأصحابه، ولم ينقل عن أحد منهم التجريد.
والراجح: أنه يجلد قائمًا ولا يجرد.
المسألة الثالثة: صفة الضرب ومكانه من البدن([3]):
قال الفقهاء: ضرب الحد وسط، لا شديد فيقتل أو يكسر، ولا ضعيف فلا يردع ويزجر، وقد جاء عن بعض الصحابة M أنهم قالوا: «ضرب بسوط بين سوطين»، يعني بين الشديد وبين الخفيف.
ومذهب مالك: أن الجلد يكون في الظهر وما يقاربه.
ومذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: أن الجلد يوزع على جميع الأعضاء، لأن اجتماعها في عضو واحد قد يؤدي إلى إتلافه أو تمزيق جلده، ويجتنب الرأس والوجه والمذاكير، لأنه يخشى عليها التلف، وقد روى ابن أبي شيبة (10/49) والبيهقي (8/327) عن علي I أنه قال للجلاد: «اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاتَّقِ وَجْهَهُ وَمَذَاكِيرَهُ»، وفي رواية: «واتق وجهه ورأسه».
وهذا هو الراجح.
([1]) المحلى مسألة (2194)، المغني (12/329)، شرح مسلم (11/178)، المفهم للقرطبي (5/125)، الإنصاف (10/158)، عون المعبود (12/111).
([2]) المغني (12/507)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5388).
([3]) المغني (12/508)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5390).