عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ, فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ. قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ, فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ, فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ, فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1254) 02- وَلِمُسْلِمٍ: عَنْ عَلِيٍّ فِي قِصَّةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَقَبَةَ جَلَدَ النَّبِيُّ أَرْبَعِينَ, وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ, وَعُمَرُ ثَمَانِينَ, وَكُلٌّ سُنَّةٌ, وَهَذَا أَحَبُّ - إِلَيَّ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأْ الْخَمْرَ, فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْهَا حَتَّى شَرِبَهَا.
تخريج الحديثين:
حديث أنس بن مالك I: رواه البخاري (6776)، ومسلم (1706).
حديث علي بن أبي طالب I: رواه مسلم (1707).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: حد شارب الخمر([1]):
اختلف العلماء فيه على قولين:
القول الأول: حده ثمانون جلدة؛ لأن هذا الذي فعله عمر بن الخطاب I بعد استشارة الصحابة، فكان هذا إجماعًا منهم، فعن أنس بن مالك I قال: «فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اِسْتَشَارَ النَّاسَ -في شارب الخمر- فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ: أَخَفُّ الحُدُودِ ثَمَانُونَ –أي: أقلها-، فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ».
وما جاء عن النبي H أنه جلد أربعين جلدة لم يكن تحديدًا، وإنما بحسب الحال.
وهذا مذهب جمهور العلماء.
القول الثاني: حده أربعون جلدة؛ لأنه الذي فعله رسول الله H، وتبعه عليه أبو بكر I، واختاره علي I وعمل به.
وما جاء عن عمر I وغيره من الصحابة M أنه جعل حده ثمانين جلدة؛ فهو من باب التعزير إذا رأى الإمام في ذلك المصلحة، فعن أنس بن مالك I: «أَنَّ النَّبِيَّ H أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ. قَالَ: وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ»، وعن علي بن أبي طالب I قال: «جَلَدَ النَّبِيُّ H أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ –أي: أن يجلد أربعين-»، ففي أول الحديث أن عليًّا I أمر عبد الله بن جعفر L أن يجلد رجلًا شرب الخمر فقال له: «قُمْ فَاجْلِدْهُ، فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ: أَمْسِكْ»، ثم ذكر الحديث السابق.
وهذا مذهب الظاهرية، والصحيح عند الشافعية، ورواية لأحمد، عليها جماعة كبيرة من الحنابلة.
وهذا هو الراجح.
المسألة الثانية: بماذا يُحدُّ شارب الخمر([2]):
أجمع العلماء على أنه يضرب بالجريد -وهو غصن النخل- والنعال وأطراف الثياب والأيدي، فعن أنس I: «أَنَّ النَّبِيَّ H أُتَيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ، وروى البخاري عن عقبة بن الحارث I: «أَنَّ النَّبِيَّ H أُتِيَ بِنُعَيْمَانَ أَوْ بِابْنِ نُعَيْمَانَ وَهُوَ سَكْرَانُ، فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ مَنْ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ».
المسألة الثالثة: ثبوت شرب الخمر([3]):
أجمع العلماء على أن الشخص يثبت عليه أنه شرب الخمر، إما بإقراره على نفسه، وإما بشهادة عدلين عليه.
والصحيح من أقوال العلماء: أنه يثبت –أيضًا- إذا تقيأ خمرًا، ولو لم يعترف على نفسه، ولم يشهد عليه بذلك العدول، فهذا التقيؤ لا يكون إلا بعد شربها، فأشبه لو قامت عليه البينة.
ففي ]صحيح مسلم[: «أَنَّ رَجُلًا شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأَ الخَمْرَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأَهَا حَتَّى شَرِبَهَا»، فأمر عليًّا I أن يقيم عليه الحد، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة. وثبت هذا أيضًا عن عمر I.
وهذا مذهب المالكية، والمذهب عند الحنابلة.
وأما مذهب الحنفية والشافعية، ورواية لأحمد: أنه لا يحد حد شارب الخمر؛ لاحتمال أنه شربها مكرهًا أو جاهلًا أنها خمر، أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للحدود. وما جاء عن عثمان يحتمل أنه علم شرب الوليد فقضى بعلمه، قال النووي: «وهو تأويل ضعيف».
وأما إذا وجد منه ريح خمر؛ فالصحيح الذي عليه أكثر العلماء: أنه لا يحد؛ لقوة الشبهة هنا، فيحتمل أنه تمضمض بها ولم يشربها، أو لم يظنها خمرًا، فلما صارت في فمه مجها –أي: بصقها-، أو شرب شرابًا له رائحة كرائحة الخمر، أو كان مكرهًا.
([1]) شرح مسلم (11/180)، المغني (12/498)، فتح الباري (14/20)، الإنصاف (10/229).
([2]) شرح مسلم (11/181).
([3]) شرح مسلم (11/182)، المغني (12/501)، الإنصاف (10/234)، كشاف القناع (6/119)، الموسوعة الفقهية الكويتية (25/102).