الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَ نْصَارِيِّ  أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ, إِلَّا فِي حَدِّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَ نْصَارِيِّ  أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ, إِلَّا فِي حَدِّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
5

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ الْأَ نْصَارِيِّ  أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ, إِلَّا فِي حَدِّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تخريج الحديث:

حديث أبي بردة الأنصاري I: رواه البخاري (6848)، ومسلم (1708).

فقه الحديث:

المسألة الأولى: قدر التعزير بالضرب([1]):

مذهب الظاهرية، والمشهور عن أحمد، وقول بعض الشافعية: أن التعزير بالضرب لا يزاد على عشرة أسواط، لقوله H: «لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلَّا فِي حَدِّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»، فالجلد بأكثر من عشرة أسواط لا يكون إلا في جريمة فيها حد.

وأما التعزير؛ فبعشرة أسواط فما دونها.

والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يجوز التعزير بالضرب أو بالجلد بأكثر من عشرة أسواط، فبعض المعزَّرين جريمته يستحق الجلد عليها أكثر من عشرة أسواط، وبعضهم لا يؤثر فيه هذا القدر من الجلد؛ فلا ينزجر ولا يرتدع.

وردوا على حديث أبي بردة I بالآتي:

  1. أنه منسوخ، فلم يعمل به أحد من الصحابة.
  2. أنه مختص بزمن النبي H، فقد كان المعزر ينزجر بهذا القدر من الجلد.
  3. أن الحديث خرج مخرج الغالب، فهذا القدر من التعزير ينفع غالبًا، ولا بأس بالزيادة عند الحاجة.
  4. أن المراد بالحد فيه: الحكم الشرعي من فعل المحرم وترك الواجب، فمعنى الحديث: لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في معصية من فعل محرم أو ترك واجب، وأما ما ليس بمعصية -وإنما للتأديب- فلا يجلد فوق عشرة أسواط.

واختلفوا في أكثر التعزير بالضرب:

فمذهب الحنفية، والمشهور عند الشافعية، ورواية لأحمد: لا يصل التعزير بالضرب إلى أدنى حد وهو حد شارب الخمر، وإنما يكون أقل منه، لأن الحد أعظم من التعزير.

والصحيح عند المالكية، ومذهب بعض الحنفية، وبعض لحنابلة، ووجه للشافعية: أنه لا حد لأكثر التعزير بالضرب، وإنما يرجع بحسب المصلحة وعلى قدر الجريمة؛ لأن المقصود بالتعزير الردع والزجر، ولا يحصل ذلك إلا باعتبار أحوال الجنايات والجناة.

فعليه: لا بأس بالجلد بنفس العدد الذي يجلد به من عليه الحد أو أكثر.

ومذهب جماعة من الشافعية والحنابلة، ورواية لأحمد: أن الجريمة إذا كانت من جنس ما فيه الحد -كحد الزنى والسرقة والقذف وشرب الخمر-؛ فلا يعزر المجرم بما يصل إلى قدر العقوبة في الحد.

فمثلًا: حد الزنى الجلد مائة؛ فمن اختلى بامرأة وفعل معها كل شيء إلا الزنى؛ فلا بأس بجلده، بشرط أن لا يصل إلى مائة جلدة.

ومثلًا: من قذف شخصًا بالزنى أو اللواط؛ فإنه يجلد ثمانين جلدة، فمن قذفه بغير الزنى أو اللواط فيجلد بأقل من ثمانين جلدة.

وما ليس من جنس ما فيه الحد من المعاصي أو الجرائم؛ فلا قدرَ معين فيه، فهو بحسب المصلحة.

وهذا القول هو الأقرب، ومال إليه ابن تيمية V، وقال ابن القيم V: «هو أحسنها».

المسألة الثانية: التعزير بالحبس([2]):

اتفق الفقهاء على أن الحبس يصلح للتعزير، فقد قال E: ﴿ وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ [النساء: ١٥].

وروى أبو داود (3625)، والنسائي (8/67)، والترمذي (1417) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: «أَنّ النَّبِيَّ H حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ، ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ»، وإسناده حسن.

وثبت أن عمر I كان له سجن، وتبعه عثمان وعلي L على ذلك.

والحبس على عهد رسول الله H وأبي بكر I هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه بجعله في بيت أو مسجد، ولم يكن في عهدهما حبسًا معدًّا لسجن الناس، فلما انتشرت الرعية في زمن عمر I ابتاع بمكة دارًا وجعلها سجنًا وحبس فيها.

المسألة الثالثة: التعزير بالنفي([3]):

وهو إخراج المعزر من بلده، وهو مشروع بلا خلاف بين الفقهاء، فقد قال D في حد الحرابة: ﴿ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ [المائدة: ٣٣]، وهذا وإن كان في الحد؛ فهو يدل أيضًا - على مشروعيته في التعزير.

ونفى رسول الله H بعض المخنثين من الرجال، ونفى عمر I نصر بن حجاج لافتتان النساء به، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، ونفى عثمان I إلى مصر وعلي I إلى البصرة.

المسألة الرابعة: التعزير بالقتل([4]):

ذهب جماعة من فقهاء المذاهب الأربعة إلى جواز التعزير بالقتل في جرائم معينة بشروط مخصوصة، فأجاز الحنفية قتل من اعتاد الإجرام، وأجاز المالكية والحنابلة قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين، وأجاز جماعة من المالكية والشافعية والحنابلة قتل الداعية إلى البدع الكبرى، وقال ابن تيمية V: «المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل»، وقال أيضًا في التعزير: «قد يقال بقتله لحاجة»، وقال ابن القيم V: «يسوغ التعزير بالقتل إذا لم تندفع المفسدة إلا به». وكل هذا لا يكون إلا بقضاء القاضي.

والأصل عدم التعزير بالقتل، فقد قال النبي H: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»، ونحوه من الأدلة، لهذه منعه مطلقًا كثير من الفقهاء.

المسالة الخامسة: التعزير بالمال([5]):

ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز التعزير بالمال؛ لتحريم أخذ مال المسلم إلا بطيب نفسه، ولأن الشرع لم يأمر به، ولما فيه من تسليط الظلمة من الحكام على أخذ أموال الناس.

وما جاء عن النبي H من التعزير بالمال في مواضع؛ فكثير منه لا يثبت، والبعض الآخر إما منسوخ وإما مؤول.

والمشهور عند المالكية، والمشهور عن أحمد، وقول للشافعي: يجوز التعزير بالمال في مواضع مخصوصة، لا مطلقًا، فقد جاء عن رسول الله H وعن أصحابه التعزير بالمال في مواضع، منها: سلب أدوات من يصطاد في حرم المدينة، ومنها: أمره H لعبد الله بن عمرو بأن يحرق الثوبين المعصفرين الذين عليه، ومنها: أمره H يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الأهلية، ومنها: أمره بهدم مسجد الضرار، ومنها: أخذ شطر مال مانع الزكاة، ومنها: قطع نخيل اليهود إغاظة لهم، ومنها: إضعاف الغرم على السارق من غير الحرز، وتحريق عمر وعلي L المكان الذي يباع فيه الخمر.

ولا يجوز التعزير بالمال مطلقًا؛ لحرمة مال المسلم، وحتى لا يتسلط عليه الظلمة.

ومذهب ابن تيمية وابن القيم - رحمهما الله - وبعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض المحدثين، وعلماء اللجنة الدائمة وابن عثيمين V: جواز التعزير بالمال مطلقًا إذا ناسب ذلك ووجدت فيه المصلحة، فما جاء عن رسول الله H وأصحابه M يدل على جواز التعزير بالمال إذا احتيج لذلك.

والتعزير بالمال يكون إما بحبسه عن صاحبه حتى يتوب ثم يعاد إليه، وإما بتغييره بالكسر أو القطع، وإما بإتلافه كتحريقه، وإما بإعطائه للمعتدى عليه، وإما بالصدقة به.

والأحوط: قصر التعزير المالي على مواضع مخصوصة.

 

([1]) المغني (12/523)، شرح مسلم (11/184)، المحلى مسألة (2305)، المفهم للقرطبي (5/138)، مجموع الفتاوى (28/108، 344)، (35/404)، الطرق الحكمية (ص/106)، الإنصاف (10/244)، فتح الباري (14/523)، الشرح الممتع (6/190).

([2]) مجموع الفتاوى (28/109)، المغني (12/526)، الطرق الحكمية (ص/265)، الإنصاف (10/247)، الموسوعة الفقهية الكويتية (12/268)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5592).

([3]) انظر المراجع السابقة.

([4]) مجموع الفتاوى (28/108)، (35/404)، الطرق الحكمية (ص/265)، الإنصاف (10/249)، الموسوعة الفقهية (12/263)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5595).

([5]) المغني (12/526)، مجموع الفتاوى (28/109، 118)، الطرق الحكمية (ص/266)، الاعتصام للشاطبي (2/115)، إعلام الموقعين (2/91)، الموسوعة الفقهية (12/270)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5596)، بحوث فقهية في قضايا اقتصادية (1/329)، فتاوى اللجنة الدائمة (22/217)، فتح ذي الجلال والإكرام (13/508).

5 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة