وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ.
تخريج الحديث:
حديث عائشة J: رواه أحمد (6/181)، وأبو داود (4375)، والنسائي في الكبرى (6/468)، والبيهقي (8/267) وغيرهم، وفي إسناده عبد الملك بن زيد العدوي، مختلف فيه، وللحديث طرق متعددة وشواهد جميعها فيها ضعف، فلعل الحديث يكون حسنًا بمجموعها، وقد حسنه الشيخ والألباني V([1]).
فقه الحديث:
مسألة: حكم التعزير([2]):
مذهب المالكية، والمذهب عند الحنابلة: أن التعزير واجب كوجوب الحد، فليس للحاكم العفو عنه، فلا يسقط التعزير كما لا يسقط الحد
ومذهب الحنفية والشافعية، ورواية لأحمد: أن التعزير إذا كان في حق الآدمي وجب على الحاكم إقامته إذا طالب به صاحب الحق، وليس للحاكم العفو عنه والامتناع منه.
وأما إذا كان في حق الله -كما لو أفطر في نهار رمضان، أو أكل الخنزير، أو تعامل بالربا، أو قبَّل امرأة أجنبية-؛ فليس التعزير واجبًا وإنما يستحب، فللحاكم العفو عن الفاعل.
فقد حصلت وقائع على عهد رسول الله H تستحق التعزير، ولم يعزر النبي H الفاعل، كالرجل الذي قبل امرأة فأمره النبي H أن يصلي مع الناس ولم يعزره، والرجل الذي قال عن قسمة النبي H: «إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله» ولم يعزره، والرجل الذي خاصم الزبير I فحكم رسول الله H للزبير I فقال الرجل: «إن كان ابن عمتك؟»، ولم يعزره.
وأيضًا النبي H أمر بالعفو عن ذوي الهيئات، فلو كان التعزير واجبًا؛ لم يجز العفو فيه عن أحد كالحدود، فقد قال النبي H: «أَقِيلُوا ذَوِي الهَيْئَاتِ –أي: تجاوزوا واعفوا عمن لم يعرف بالشر والفساد- عَثَرَاتِهِمْ –أي: زلاتهم وهفواتهم- إِلَّا الحُدُودَ -لا يعفى عنها فالكل فيها سواء-».
وهذا هو الراجح، إلا إذا كان المخالف لا ينزجر إلا بالتعزير، أو كان في تعزيره مصلحة عامة؛ فيكون واجبًا، كما نص عليه بعض أهل العلم.
([1]) السلسلة الصحيحة (638).
([2]) المغني (12/526)، إعلام الموقعين (2/93)، الإنصاف (10/240)، الفقه الإسلامي وأدلته (7/5602)، الشرح الممتع (6/185)، الطبعة المصرية.