وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِوٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ. فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ?»، قَالَ: نَعَمْ: قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1275) 05- وَلِأَحْمَدَ, وَأَبِي دَاوُدَ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ, وَزَادَ: «ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا, فَإِنْ أَذِنَا لَكَ; وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا».
تخريج الحديثين:
حديث عبد الله بن عمرو L: رواه البخاري (3004)، ومسلم (2549).
حديث أبي سعيد I: رواه أحمد (3/75) وأبو داود (2530)، وهو من رواية دراج أبي السمح عن أبي الهيثم، وهي رواية فيها ضعف.
فقه الحديثين:
مسألة: استئذان الوالدين في الجهاد([1]):
عامة العلماء على أنه يجب أخذ إذن الأبوين في الجهاد الكفائي، لأن طاعتهما فرض عين، فهو مقدم على الفرض الكفائي إذا كان الأبوان مسلمين أو أحدهما.
ولأن النبي H قدم حق الوالدين على الجهاد، ففي ]الصحيحين[ عن ابن مسعود I: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ H أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، و«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ H يَسْتَأْذِنُهُ فِي الجِهَادِ، فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟، قَالَ: نَعَمْ: قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»، أي: اجعل جهادك في خدمتهما، وأصرح منه ما جاء في حديث أبي سعيد I أن النبي H قال للرجل: «ارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا».
فإن كان أبواه كافرين؛ فمذهب الحنفية والمالكية أن فيه تفصيلًا، فإذا منَعاه مخافة عليه أو كانا محتاجين لخدمته؛ فلا يخرج للجهاد، لأن طاعتهما فرض عين.
وإذا منَعاه لكراهة قتاله لأهل الكفر؛ فلا يطعهما.
ومذهب الشافعية والحنابلة: أنه لا إذن لهما، فإن أصحاب رسول الله H كانوا يجاهدون وفيهم من له أبوان كافران من غير استئذانهما، ولأنهما متهمان في الدين ولا يحبان قتال أهل الكفر.
وهذا القول هو الأرجح.
وأما إذا كان القتال فرض عين على المسلم، كما إذا كان في الصف عند التحام القتال، أو هجم العدو على قومه، أو طلب الإمام خروجه معهم؛ فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا إذن لوالديه ولو كانا مسلمين، لأنه صار فرض عين عليه، كالحج والصلاة وصيام رمضان، فتركه معصية، ولا طاعة لأحد في معصية الله.
([1]) المغني (13/26)، بداية المجتهد (1/384)، المحلى مسألة (922)، حاشية ابن عابدين (6/154، 156)، الإنصاف (4/122)، فتح الباري (6/247)، مشارع الأشواق (1/99)، أحكام المجاهد (1/320).