وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَغَارُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى بَنِيَّ الْمُصْطَلِقِ, وَهُمْ غَارُّونَ, فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ, وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ. حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(1281) 11- وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ, وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا, ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ, فِي سَبِيلِ اللَّهِ, قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ, اغْزُوا, وَلَا تَغُلُّوا, وَلَا تَغْدُرُوا, وَلَا تُمَثِّلُوا, وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا, وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ, فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا, فَاقْبَلْ مِنْهُمْ, وَكُفَّ عَنْهُمْ:
ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ.
ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ, فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ, وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ, فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ, فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ.
وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ, فَلَا تَفْعَلْ, وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ; فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنَّ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ, وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ, فَلَا تَفْعَلْ, بَلْ عَلَى حُكْمِكَ; فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ لَا». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديثين:
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (2541)، ومسلم (1730).
حديث بريدة I: رواه مسلم (1731).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: دعوة العدو إلى الإسلام قبل القتال([1]).
أجمع العلماء على أنه لا يجوز مقاتلة الأعداء إلا بعد إبلاغهم دعوة الإسلام وبعد إنذارهم، إذا كانت لم تبلغهم دعوة الإسلام قبل ذلك، فقد كان النبي H يقول لأمير جيشه: إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ المُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ أَجَابُوكَ إِلَيْهَا، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، اُدْعُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثُمَّ اُدْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ –أي: بعد إسلامهم-، فَإِنْ أَبَوْا فَأَخْبَرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ -وهم سكان البادية-، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ وَالفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا –أي: الدخول في الإسلام- فَاسْألهُمْ الجِزْيَةَ -وهي مال يؤخذ من الكفار مقابل بقائهم في دار الإسلام آمنين-، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا –أي: الدخول في الإسلام أو الجزية- فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ»، فأمر بقتالهم بعد دعوتهم إلى الإسلام وعرض الجزية عليهم.
وأما إذا كانت دعوة الإسلام قد بلغتهم قبل ذلك؛ فالمشهور عن مالك: أنهم أيضًا لا يقاتلون إلا بعد دعوتهم إلى الإسلام وبعد إنذارهم، لحديث بريدة السابق، وفي ]الصحيحين[ من حديث سهل بن سعد I أن النبي H أرسل عليًا I إلى خيبر فقال له: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ... الحديث»، فأمره بدعوتهم إلى الإسلام قبل قتالهم، مع أنهم ممن بلغتهم دعوة الإسلام قبل ذلك.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا تجب دعوتهم إلى الإسلام قبل قتالهم، ولا إنذارهم، وإنما تستحب إذا كانت دعوة الإسلام قد بلغتهم قبل ذلك، فقد «أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ H عَلَى بَنِيَّ المُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ –أي: غافلون-، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ -وهم الرجال المقاتلون-، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ -وهم النساء والأطفال-».
ويستحب إبلاغهم وإنذارهم قبل الهجوم عليهم؛ لحديث سهل بن سعد I في قصة قتال علي I لأهل خيبر، وحديث بريدة يحمل على من لم تبلغهم دعوة الإسلام قبل ذلك.
المسألة الثانية: وصية الإمام لأمير الجيش:
أجمع العلماء على أنه يستحب للإمام أن يوصي أمير جيشه عند الخروج للغزو بتقوى الله وطاعته واجتناب ما حرم الله ورسوله وبالرفق بمن معه والإحسان إليهم والمشاورة مع عقلائهم، فقد قال بريدة I: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ المُسْلِمِينَ خَيْراً –أي: أوصاه بهم خيرًا-، ثُمَّ قَالَ: اُغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ –أي: على بركة الله-، فِي سَبِيلِ اللَّهِ –أي: خالصًا لوجه الله-، قَاتِلُوا مِنْ كَفَرَ بِالله... الحديث».
المسألة الثالثة: التمثيل بالقتلى([2]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجوز للمسلمين التمثيل بقتلى الكافرين بقطع بعض أعضائهم بعد قتلهم، كالأنف أو الأذن أو نحوهما، فقد كان النبي H ينهى عنه، فكان يقول لأمراء جيشه: «اُغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا -وهو الأخذ من الغنيمة قبل القسمة-، وَلَا تَغْدُرُوا –أي: تنقضوا العهد الذي بينكم وبينهم-، وَلَا تُمَثِّلُوا –أي: بقتلى المشركين-، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيداً -أي صغيرًا-».
وأما إذا كان الأعداء يمثلون بقتلى المسلمين؛ فيجوز التمثيل بقتلاهم من باب: الجزاء والعدل في القصاص، لقوله E: ﴿ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ ﴾ [البقرة: ١٩٤]، ولقوله سبحانه: ﴿ وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦ ﴾ [النحل: ١٢٦].
المسألة الرابعة: استسلام العدو على ذمة الأمير وإنزالهم على حكمه:
قال الفقهاء: إذا استسلم العدو، وطلب من أمير الجيش أن يجعل لهم
عهد الله ونبيه؛ فلا يقبل منهم ذلك، بل يجعل لهم عهده أو ذمته، وذلك لأنه إذا نقض العهد الذي بينهم لسبب شرعي أو لغير سبب يكون ناقضًا لعهده، وليس لعهد الله ونبيه.
وأما إذا جعل لهم عهد الله ونبيه، ثم نقضه، فيظَن به أنه خان وغدر
بعهد الله ورسوله.
وإذا طلبوا منه أن يكون الحكم بينهم على حكم الله فلا يقبل، وإنما يجعل الحكم بينهم على اجتهاده وحكمه، لأنه ربما أخطأ، فيكون نسب إلى حكم الله ما ليس منه، وإن كان يلزمه بعد أن يحكم بينهم بحكم الله تعالى إذا علمه، فقد كان رسول الله H يقول لأمير جيشه: «إِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ –أي: تجعل لهم عهد الله وعهد نبيه-، فَلَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ اِجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ –أي: عهدك-، فَإِنَّكُمْ إِنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ –أي: تنقضوا عهدكم-، أَهْوَنُ مِنْ أَنَّ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ الله -أي تنقضوا عهد الله-، وَإِذَا أَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ –أي: يكون الحكم بينكما- عَلَى
حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تَفْعَلْ، بَلْ عَلَى حُكْمِكَ –أي: أنزلهم على اجتهادك في الحكم-، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ لَا –أي: ما حكمت به بينكم هل يوافق حكم الله أم لا-».
وسيأتي فيما بعد الكلام على الغلول والغدر وقتل الأطفال في المعركة وأخذ الجزية وأحكام العهد وسبي الذراري.
([1]) شرح مسلم (11/32)، المغني (13/30)، شرح السنة للبغوي (11/7)، بداية المجتهد (1/386)، المفهم للقرطبي (3/518)، مشارق الأشواق (2/1021)، آثار الحرب للزحيلي (ص/152).
([2]) المغني (13/200)، مشارق الأشواق (2/1059)، سبل السلام (4/92)، آثار الحرب (ص/483).