وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ النَّبِيَّ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
1293 - وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي - قِصَّةِ قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ - قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ, ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَخْبَرَاهُ, فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ? هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا?» قَالَا: لَا. قَالَ: فَنَظَرَ فِيهِمَا, فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ, سَلْبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِوِ بْنِ الْجَمُوحِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديثين:
حديث عوف بن مالك I: رواه أحمد( (6/26)، وأبو داود (2719) مطولًا بإسناد صحيح، ورواه مسلم (1753) مختصرًا.
حديث عبد الرحمن بن عوف I: رواه البخاري (3141)، ومسلم (1752).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: سلب المحارب المقتول([1]):
لا خلاف بين العلماء أن قاتل الكافر المحارب له سلبه، فقد قضى النبي H بالسلب للقاتل، وقضى بسلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح I.
والغرض منه: التشجيع والتحفيز للمقاتل المسلم.
وسلب المقتول: هو ما يوجد معه من الملبوس وآلة الحرب، كالعمامة والدرع والقلنسوة والخف والسيف والرمح.
والصحيح الذي عليه الجمهور: أن دابة المقتول مع آلاتها تدخل في السلب، فتصير ملكًا للقاتل، وفي حديث عوف بن مالك I أن الرجل المسلم الذي قتل الفارس الرومي في غزوة مؤتة حاز على فرسه وسلاحه، وكانا سلبًا له، فذكر عوف بن مالك I: «أَنَّ النَّبِيَّ H قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ».
والصحيح الذي عليه أكثر العلماء: أن ما يوجد مع المحارب المقتول مما لا يحتاج إليه في الحرب أنه يكون أيضًا سلبًا للقاتل، كالتاج والسوار والطوق وكيس النقود إن وجد، ففي ]الصحيحين[ عن أبي قتادة I أن النبي H قال: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ»، فهذا عام، وكذلك العموم في بقية الأدلة.
المسألة الثانية: تخميس السلب([2]):
أي: أن يؤخذ منه الخمس لبيت مال المسلمين، والباقي للقاتل.
وقد اختلف العلماء في تخميسه:
فذهب بعض السلف، والإمام مالك في رواية: إلى أن السلب يخمس، فيؤخذ خمسه لبيت المال، لعموم قوله D: ﴿ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ ﴾ [الأنفال: ٤١]، وهذا عام لم يستثنِ منه شيئًا.
وجاء عن عمر I أنه أخذ خمس سلب البراء بن مالك I عندما بارز مشركًا فقتله وأخذ سلبه، رواه عبد الرزاق (5/233) والبيهقي (6/311)، وصححه الشيخ الألباني V([3]).
وذهب جمهور العلماء إلى أن السلب لا يخمس، فكله للقاتل، فقد «قَضَى النَّبِيَّ H بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ»، ولم يأمر بأخذ الخمس منه، وهذه الأدلة تكون مخصصة لعموم الآية السابقة.
وما جاء عن عمر I فقد جاء فيه أن عمر I قال: «إِنَّا كُنَّا لا نُخَمِّسُ السَّلَبَ، وَإِنَّ سَلَبَ الْبَرَاءِ قَدْ بَلَغَ مَالا كَثِيرًا، وَلا أُرَانِي إِلا خَامِسَهُ»، فظهر أن هذا اجتهاد من عمر I لم يكن على عهد رسول الله H وأبي بكر I. وأيضًا لعل البراء I أعطاه الخمس بطيب من نفسه.
وهذا هو الراجح.
([1]) المحلى مسألة (955)، شرح مسلم (12/50)، المغني (13/63)، بداية المجتهد (1/397)، المفهم (3/540)، فتح الباري (6/378)، مشارع الأشواق (2/1033)، الإنصاف (4/148).
([2]) انظر المراجع السابقة.
([3]) الإرواء (1224).