الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

عَنْ عَائِذٍ بْنُ عَمْرِوِ الْمُزَنِيِّ  عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «الْإِسْلَامِ يَعْلُو, وَلَا يُعْلَى». أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

عَنْ عَائِذٍ بْنُ عَمْرِوِ الْمُزَنِيِّ  عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «الْإِسْلَامِ يَعْلُو, وَلَا يُعْلَى». أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
6

وَعَنْ عَائِذٍ بْنُ عَمْرِوِ الْمُزَنِيِّ  عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «الْإِسْلَامِ يَعْلُو, وَلَا يُعْلَى». أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

تخريج الحديث:

حديث عائذ بن عمرو المزني I: رواه الدراقطني (3/252)، والبيهقي (6/205)، وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن حشرج وأبوه مجهولان، وذكر الشيخ الألباني V أن له شاهدًا مرفوعًا، رواه نهشل في ]تاريخ واسط[، وإسناده ضعيف، وذكر أنه صح عن ابن عباس L موقوفا عليه([1]). ا-هـ

فقه الحديث:

المسألة الأولى: كنائس وبِيَع أهل الذمة([2]):

الأمصار الإسلامية ثلاثة:

الأول: ما مصره المسلمون أي: بناه-، كالكوفة وبغداد والقاهرة، وهذا المصر لا يجوز أن تبنى فيه كنيسة أو بِيعة، لأنه ملك المسلمين، وعلى هذا أجمع العلماء.

الثاني: ما فتحه المسلمون عنوة - أي: بالقتال -؛ فأجمع العلماء على أنه لا يجوز أن يحدث فيه شيء من الكنائس والبِيع، فـ«الإِسْلَامِ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى».

واختلفوا في إبقاء كنائسهم وبِيعهم الأولى:

فمذهب المالكية، والصحيح عند الشافعية، ورواية للحنابلة: أنها لا تبقى ويجب هدمها؛ لأنها صارت بلاد إسلام، ولأن الجهاد شرع ليكون الدين
كله لله، وإبقاؤها يقتضي جعل الدين لله ولغيره.

ومذهب الحنفية، والمذهب عند الحنابلة، وقول للشافعية: يجوز إبقاؤها ولا يجب هدمها، لأن رسول الله H فتح خيبر عنوة أي: بالقتال- ولم ينقل عنه أنه هدم بِيَعهم، ولأن الصحابة M فتحوا كثيرًا من البلدان عنوة، فلم يهدموا شيئًا من الكنائس والبِيَع التي بها، فما زالت موجودة في بلاد الإسلام.

وفصَّل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله فقالا: يفعل الإمام ما هو أصلح للمسلمين، فإذا كان إزالتها هو الأصلح؛ لكثرة الكنائس، وقلة أهل الذمة، وحاجة المسلمين إلى أرضها؛ فعل ذلك، وإن كان تركها أصلح لكثرتهم وحاجتهم إليها وغنى المسلمين عنها؛ تركها.

وهذا القول هو الأصح، فهو يتفق مع مبدئ المصالح والمفاسد المعتمد في شريعة الإسلام.

الثالث: ما صالحوا أصحابه عليه صلحًا، فتبقى كنائسهم وبيعهم عند عامة العلماء، وثبت هذا عن عمر I.

واختلفوا في ترميمها وإصلاحها وبنائها إذا انهدمت فيما أُقِر منها على بقائه؛

فذهب بعض المالكية، وبعض الشافعية، والإمام أحمد: في رواية إلى عدم جواز شيء من ذلك، لأن هذا يعتبر كإحداثها ابتداءًا، وقد جاء عن رسول الله H أنه قال: «لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَا يُجَدَّدُ مَا خَرِبَ مِنْهَا»، رواه ابن عدي كما في «تلخيص الحبير» (4/129) - عن عمر I، وإسناده ضعيف جدًّا، و«الإِسْلَامِ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى».

والمذهب عند الحنابلة: أنه يجوز ترميمها؛ لأن المنع من ذلك يفضي إلى خرابها، فجرى مجرى هدمها، وأما إذا انهدمت؛ فلا تبنى مرة ثانية، لأن هذا يعتبر شبيهًا ببنائها ابتداءً.

ومذهب الحنفية، والمشهور عند الشافعية، وقول كثير من المالكية، ورواية لأحمد: يجوز كل ما سبق من ترميم وبناء إذا انهدمت، لأن استدامتها وبقاءها جائز، وبناؤها بعد انهدامها كاستدامتها، فهي استدامة لا إنشاء، وفرق بين الشيئين.

وهذا هو الأرجح.

المسألة الثانية: انتقاض عهد أهل الذمة([3]):

الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن أهل الذمة إذا خالفوا مقتضى عقد الذمة بارتكاب ما ينافي مقصود هذا العقد -كاجتماعهم لمحاربة المسلمين، أو الإعانة لأهل الحرب عليهم، أو امتناعهم من أداء الجزية- أن العهد ينتقض؛ لأن هذا ينافي المقصود من العقد، وثبت هذا عن عمر I .

وأما إذا خالفوا بارتكاب بعض المخالفات -كأن تعدوا على مسلم بقتل، أو زنى بمسلمة أو تجسس أو قطع طرق، أو ذكروا الله أو رسوله أو كتابه بسوء أو فتنوا مسلمًا عن دينه- ففي انتقاض العقد بذلك خلاف بين العلماء:

القول الأول: ينتقض عقد الذمة بما سبق، سواءً شرطه عليهم الإمام أم لم يشترطه؛ لما فيه من ضرر على المسلمين، وهذا هو الأصح عند المالكية، والمذهب عند الحنابلة.

القول الثاني: أن عقد الذمة لا ينتقض بما سبق، إلا إذا كان الإمام قد اشترطه عليهم عند إنشاء العقد، فقد قال D: ﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡ‍ٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡ [التوبة: ٤]، فمفهومه: أنهم متى أخلوا بشيء مما شرط عليهم انتقض عهدهم، وأما بدون شرط؛ فلا ينتقض ويعاقبون بحسب جرمهم، ولو بالقتل.

ولم ينقض النبي H عقد اليهود عندما وضعت المرأة اليهودية السم لرسول الله H، وقد قتلت به بعض الصحابة M، لأن العقد كان خاليًا من اشتراط ذلك.

وهذا هو الأصح عند الشافعية، ورواية للحنابلة، وهو الأرجح.

المسألة الثالثة: إظهارهم لمنكراتهم([4]):

اتفق الفقهاء على أن أهل الذمة ملتزمون بأحكام الإسلام المدنية والجنائية.

وأما العبادات والعادات مما يدينون به كشرب الخمر وتربية الخنازير وأكلها وإقامة أعيادهم؛ فيتركون، بشرط: عدم الإظهار والمجاهرة لها، فـ«الإِسْلَامِ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى».

المسألة الرابعة: الأحق بالولد عند إسلام أحد الأبوين([5]):

قال بعض فقهاء المدينة: لا يكون الولد مسلمًا إلا بإسلام أمه خاصة، لأنه تبع للأم في الحرية، فهذا مثله.

وقال الإمام مالك وداود الظاهري: لا يكون مسلمًا إلا بإسلام أبيه خاصة، كما أنه يتبعه بالنسب.

ومذهب جمهور العلماء: أنه يلتحق بمن أسلم منهما، فيكون مسلمًا بإسلام أحد أبويه، لأنه مسلم بالفطرة، ولا يخرج عن فطرته إلا بكفر أبويه، فإذا أسلم أحدهما بقى على فطرته وهي الإسلام، وأيضًا «الإِسْلَامِ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى».

وهذا هو الراجح.

 

([1]) الإرواء (5/108).

([2]) المغني (13/238)، أحكام أهل الذمة (2/1190)، الإنصاف (4/236)، حاشية ابن عابدين (6/247)، الشرح الممتع (8/88).

([3]) المغني (13/236)، أحكام أهل الذمة (3/1360)، الإنصاف (4/252، 257)، حاشية ابن عابدين (6/258)، الفقه الإسلامي وأدلته (8/5885)، آثار الحرب (ص/367)، كتاب المعاهدات (ص/206).

([4]) المغني (13/247)، أحكام أهل الذمة (3/1223)، الإنصاف (4/254)، الفقه الإسلامي وأدلته (8/5885)، الشرح الممتع (8/91).

([5]) المغني (13/112)، المحلى (5/382)، مشارع الأشواق (1/45)، آثار الحرب (ص/423).

6 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة