وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا. أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ, وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
تخريج الحديث:
حديث ابن عمر L: رواه أبو دواد (3785)، والترمذي (1824)، وابن ماجه (3189)، وقد جاء مرسلًا وهو الأصح، وله طريق أخرى عن ابن عمر L رواها أبو داود (3787)، وفيها الاقتصار على ذكر لبن الجلالة، وإسنادها حسن.
وله شاهد من حديث ابن عباس L، رواه أحمد (1/226)، وأبو داود (3786)، والترمذي (1825)، وفيه الاقتصار على النهي عن لبن الجلالة، وإسناده صحيح.
وشاهد آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، رواه أبو داود (3811)، وفيه الاقتصار على النهي عن لحوم الجلالة، وإسناده حسن.
وقد جاء الجمع في النهي عن لحم الجلالة ولبنها عند ابن أبي شيبة (8/146) من حديث جابر وفيه عنعنة أبي الزبير.
والخلاصة: أن حديث ابن عمر L صحيح لغيره.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: أكل لحم الجلالة وشرب لبنها([1]):
الجلالة من الدواب والطيور: هي التي تأكل النجاسات من عذرة وغيرها.
وتصير جلالة عند فقهاء الحنابلة وقول للحنفية ووجه للشافعية إذا كان كل أكلها أو أغلبه من النجاسة.
ومذهب المالكية، والصحيح عند الحنفية، والصحيح عند الشافعية: أنها تصير جلالة إذا تغير لحمها بأكل النجاسة، فالاعتبار بالنتن والرائحة لا بكثرة ما تأكله من النجاسة ولا بقلته، فالقصد تغير ريح عرقها أو لحمها أو تغير طعمها أو لونها.
وهذا هو الأرجح، ولن ينتن لحمها وتظهر منها رائحة النتن إلا إذا كان أكلها كله أو أغلبه من النجاسات.
وقد اختلف العلماء في حكم لحمها ولبنها؛
فمذهب المالكية، والصحيح عند الشافعية، وقول للحنفية، ورواية لأحمد: أنه لا يحرم أكل لحمها ولا شرب لبنها، فلا ينجس الحيوان بأكل النجاسات، كالكافر يأكل الخنزير ويشرب الخمر، ولا يكون ظاهره نجسًا.
ولأنها إذا أكلت الطعام الطيب؛ فإنه إذا صار في كرشها تنجس، فلا تتغذى إلا بالنجاسة، مع ذلك لا يحكم على اللحم واللبن بالنجاسة.
وما جاء من النهي عن أكل لحمها وشرب لبنها؛ فهو للكراهة، أو أن الغرض من النهي عنه التقذر.
والمذهب عند الحنفية، والصحيح عند الحنابلة، ووجه للشافعية، وقول ابن حزم: أنه يحرم أكل لحم الجلالة وشرب لبنها، فقد «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ H عَنْ -أكل لحم- الجَلَّالَةِ وَ-شرب- ألبَانِهَا»، لاغتذائها بالخبيث النجس، بغض النظر هل صارت نجسة في ذاتها أم لا.
وهذا هو الأرجح.
المسألة الثانية: متى يباح أكل الجلالة وشرب لبنها([2])؟
يحصل ذلك -باتفاق الفقهاء- إذا عادت لحالتها الأولى، وزال عنها ما كان سببًا لجعلها جلالة.
وقد اختلفوا في ضابطه:
فالمذهب عند الحنابلة، ورواية لأبي حنيفة: يحصل ذلك بحبسها ثلاثة أيام، لا تأكل فيها إلا الطيب، فقد صح هذا عن ابن عمر L .
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن المعتبر في إباحة أكل لحمها وشرب لبنها: زوال الرائحة المنتنة.
وما جاء من تقدير مدة عند بعض الفقهاء؛ فهو من باب الغالب.
([1]) المغني (13/328)، المجموع شرح المهذب (9/30)، بداية المجتهد (1/466)، المحلى مسألة (1000)، تفسير القرطبي (7/122)، مجموع الفتاوى (21/585)، الإنصاف (10/366)، بدائع الصنائع (5/40)، فتح الباري (11/80).
([2]) انظر المراجع السابقة وفقه الأطعمة (ص/153).