وَعَنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ, فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ, وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يُؤْكَلْ مِنْهُ فَكُلْهُ, وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قُتِلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيَّهُمَا قَتَلَهُ, وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ, فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا, فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ, فَكُلْ إِنْ شِئْتَ, وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ, فَلَا تَأْكُلْ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
(1348) 03- وَعَنْ عَدِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ H عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ, وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ, فَقُتِلَ, فَإِنَّهُ وَقِيذٌ, فَلَا تَأْكُلْ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
تخريج الحديثين:
حديث عدي بن حاتم I: رواه البخاري (5477)، ومسلم (1929).
حديث عدي بن حاتم I: رواه البخاري (5486)، ومسلم (13/65).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: الصيد بالجارحة([1]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يحل الصيد بكل حيوان يقبل التعليم ويمكن الاصطياد به، من جوارح الكلاب أو السباع -كالفهد- أوالطيور -كالصقر-، فقد قال B: ﴿ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ [المائدة: ٤]، فلفظ ﴿ ٱلۡجَوَارِحِ ﴾ عام يشمل كل جارح من كلب أو سبع أو طير له مخلب.
وقوله: ﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ من التكليب، وهو التعليم للصيد والإغراء.
المسألة الثانية: شروط حل الصيد بالجارحة([2]):
المتفق عليه بين العلماء أن الكلب هو أشهر جوارح الصيد، وشرط حل الصيد به الآتي:
الشرط الأول: أن يكون الكلب معلمًا.
ولا خلاف بين العلماء في هذا الشرط، فقد نص عليه القرآن، قال D:
﴿ وَمَا عَلَّمۡتُم مِّنَ ٱلۡجَوَارِحِ ﴾ [المائدة: ٤]، ونصت عليه السنة، ففي رواية في ]الصحيحين[ من حديث عدي بن حاتم I أن النبي H قال له: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ».
ومعنى (معلم) أي: إذا أرسله صاحبه وأغراه على الصيد انطلق وطلبه، وإذا زجره انزجر.
الشرط الثاني: أن يسمي اللهَ صاحبه عند إرساله.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يجب لحل الصيد أن يسمي الله صاحب الكلب عند إرساله على المصيد، فقد أمر النبي H عدي بن حاتم I بذلك فقال له: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ».
ولعموم قوله B: ﴿ وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ ﴾ [الأنعام: ١٢١].
الشرط الثالث: أن يرسله صاحبه على الصيد.
فإذا انطلق من نفسه فاصطاد؛ فلا يحل هذا الصيد عند جمهور العلماء، وهو الراجح، فقد قال النبي H لعدي بن حاتم I: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ»، فظاهره: أن الإرسال للكلب شرط في الحل، وأنه بمنزلة الذبح، ولهذا اعتبرت التسمية معه.
الشرط الرابع: أن يدرك الصيد وقد قتله الكلب.
واما إذا أدركه حيًّا حياة مستقرة؛ فلا يحل أكله عند جمهور أهل العلم إلا بعد ذبحه، فإن تركه حتى مات؛ فلا يحل أكله، فقد قال النبي H
لعدي بن حاتم I: «فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ».
الشرط الخامس: ألا يأكل الكلب منه شيئًا عند صيده.
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه إذا وجد كلبه قد أكل منه أن هذا الصيد لا يحل، فقد قال النبي H لعدي بن حاتم I: «وَإِنْ أَدْرَكْتَهُ قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَكُلْهُ»، فقيد جواز أكله إذا لم يأكل منه الكلب عند صيده.
والعلة من منع ذلك: أنه إذا أكل منه؛ فإنه يكون قد اصطاده لنفسه لا لصاحبه، وقد قال B: ﴿ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ ﴾ [المائدة: ٤].
وفي رواية في ]الصحيحين[ من حديث عدي بن حاتم I: «فَإِنْ أَكَلَ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ».
الشرط السادس: ألا يجد مع كلبه غيره عند الصيد.
فإن وجد مع كلبه غيره؛ فلا خلاف بين العلماء أن هذا الصيد لا يحل ما دام أنه لا يعلم أيهما قتله، إلا إذا أدركه حيًّا فيذكيه بالذبح، فقد قال رسول الله H لعدي بن حاتم I: «وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ قُتِلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهُمَا قَتَلَهُ».
الشرط السابع: أن يجرح الكلب الصيد.
وأما إذا لم يجرحه، وإنما قتله بالخنق أو الصدم أو الرفس؛ فلا يباح هذا الصيد عند أكثر العلماء، وهو الراجح؛ لأن هذا الصيد يكون وقيذًا، فأشبه ما لو قتله بالحجر، وقد حرم الله D أكل الموقوذة.
المسألة الثالثة: آلة الصيد([3]):
لا خلاف بين الفقهاء في جواز الاصطياد بما له حد يصلح للقطع أو الطعن أو الخزق، كالسهم والسيف والسكين، إذا قتل الصيد بحده –أي: بالجزء المحدد.
وأما الآلات غير المحددة، التي تقتل بالثقل كالخشبة والحجر والعصا؛ فلا يحل الصيد بها عند عامة الفقهاء.
وكذلك الآلات المحددة إذا أصابت الصيد بعارضها عند جمهور العلماء، فقد سئل رسول الله H عن صيد المعراض - وهو عود محددة، وقد يجعل في رأسه حديدة ويرمى به الصيد -؛ فقال: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ، فَقُتِلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ –أي: موقوذ-»، والله E حرم أكل الموقوذة.
وكذلك ما قتله الحبل أو الشبكة، ولو حصل للحيوان جروح، لأنه قتل بما ليس له حد، وعلى هذا عامة العلماء
المسألة الرابعة: إذا غاب الصيد عن الصائد ثم وجده ميتًا([4]):
اتفق الفقهاء على أنه إذا وجد أثر سهمه فيه، ووجد أثر سهم غيره؛ فلا يحل له أكله؛ لأنه مشكوك فيه.
وأما إذا وجد أثر سهمه فقط؛ فيحل له أكله عند جمهور العلماء، وهو الراجح، فقد قال رسول الله H لعدي بن حاتم I: «وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا، فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ، فَكُلْ إِنْ شِئْتَ».
واختلفوا في مدة الغياب التي يحل معها أكل الصيد، وسيأتي الكلام عليه.
المسألة الخامسة: إذا وجد الصيد غريقًا بالماء([5]):
إذا وجده في الماء والجراح فيه من سهمه غير موجبة لقتله؛ فيحرم عليه أكله بلا خلاف بين العلماء.
واختلفوا إذا وجده في الماء والجراح فيه من سهمه موجبة لقتله، كما لو وجده وقد ذبحه السهم أو أبان حشوته:
فمذهب الحنفية، والمشهور عند الحنابلة: أنه لا يحل أكله؛ لعموم قوله H لعدي بن حاتم I: «وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي المَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ».
ومذهب المالكية والشافعية والظاهرية، وجماعة من الحنابلة: أنه يحل أكله ولا يضر وقوعه في الماء؛ لأن السهم هو الذي قتله.
وهذا هو الأرجح.
([1]) المغني (13/265)، فتح الباري (11/22).
([2]) المغني (13/258-264)، شرح مسلم (13/64)، المحلى مسألة (1082)، فتح الباري (11/22).
([3]) المغني (13/273، 282، 295)، فتح الباري (11/21، 26، 30)، شرح مسلم (13/66)، الموسوعة الفقهية (28/132).
([4]) المغني (13/275)، شرح مسلم (13/68)، المحلى مسألة (1073)، الموسوعة الفقهية (28/127).
([5]) المغني (13/278)، المحلى مسألة (1072)، الموسوعة الفقهية (28/129).