وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ, فَسُئِلَ النَّبِيُّ عَنْ ذَلِكَ, فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(1354) 09- وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنِ النَّبِيِّ H قَالَ: «مَا أُنْهِرَ الدَّمُ, وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ, فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ; أَمَّا السِّنُّ; فَعَظْمٌ; وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الْحَبَشِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديثين:
حديث كعب بن مالك I: رواه البخاري (5501).
حديث رافع بن خديج I: رواه البخاري (5509)، ومسلم (1968).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: الآلة المستخدمة في الذبح([1]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه يجوز الذبح بالآلات التي تقطع وتسيل الدم، من حديد أو حجر أو خشب أو غيرها، ما عدا السن والظفر.
فقد سئل النبي H عن امرأة ذبحت شاة بحجر، فأمر بأكل الشاة، وقال H: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ –أي: أسال الدم-، وَذُكِرَ اِسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الحَبَشِ»، أي: فهي آلة الذبح عند الأحباش، فقد كانوا يطيلون أظفارهم ويذبحون بها، وهم كفار، وقد نهى الشرع عن التشبه بالكفار.
ولا فرق في السن والظفر بين أن يكونا متصلين بالشخص أو منفصلين عنه، فظاهر لفظ الحديث العموم.
واختلفوا في بقية العظام غير السن:
فمذهب الحنفية، والمشهور عند الحنابلة، ورواية لمالك: أنه يجوز الذبح بجميع العظام ما عدا السن؛ لأن النبي H إنما استثنى السن وحده، ولو أراد جميع العظام لقال: «ليس العظم والظفر».
ومذهب الشافعية، والصحيح عند المالكية، ورواية لأحمد: أنه لا يجوز الذبح بأي عظم، فقد علل النبي H سبب المنع من الذبح بالسن بأنها عظم، فقال:«أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ»، فمعناه: أنه لا يجوز الذبح بالعظم، فلا يجوز الذبح بالسن؛ لأنه منه، ونص على السن في الحديث؛ لأنه الذي كان المعهود في الذبح به.
وهذا هو الأرجح.
المسألة الثانية: ضابط الذبح المجزئ([2]):
أجمع العلماء على أن الذبح يكون في الحلق، وأنه إذا قطع الذابح أربعة آراب: وهي الحلقوم والمريء والودجان، أنه يصح هذا الذبح ويحل أكل الذبيحة.
والحلقوم: مجرى النفس. والمريء: مجرى الطعام والشراب. والودجان: عرقان غليظان محيطان بالحلقوم.
واختلفوا في الواجب قطعه منها:
القول الأول: لابد من قطع المريء والحلقوم؛ لأنهما إذا قطعا لا يستطيع الحيوان العيش بدونهما، بخلاف الودجين؛ فإنه قد يعيش الحيوان بدونهما فترة من الزمن.
وهذا مذهب الشافعية، والمشهور عند الحنابلة، ورجحته اللجنة الدائمة([3]).
القول الثاني: لابد من قطع الودجين والحلقوم، وهذا هو المشهور عند المالكية.
القول الثالث: لابد من قطع ثلاثة من هذه الأربعة الأجزاء بلا تعيين، أخذًا بالأكثر، واعتمادًا على الأغلب.
وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو وجه للحنابلة، واختاره ابن تيمية.
القول الرابع: لابد من قطع الودجين، ففي الحديث أن النبي H قال: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اِسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الحَبَشِ»، والدم ينهار – أي: يندفع بقوة - عند قطع الودجين، وأما عند قطع غيرهما فلا ينهار، ولكن يخرج يسيرًا.
وعلى هذا جماعة من السلف، وهو رواية لمالك، ورجحه ابن عثيمين V.
القول الخامس: لابد من قطع الأربعة الأعضاء؛ لأن قطعها مجمع عليه، وقطع البعض مختلف فيه، فيؤخذ بالمتفق عليه احتياطًا.
وهذا مذهب داود الظاهري، وهو رواية لمالك، ورواية لأحمد.
والظاهر -والله أعلم- أنه يكفي قطع ثلاثة منها بلا تعيين، فسيحصل الاندفاع للدم والموت السريع للحيوان
والأحوط قطع الأربعة الأعضاء؛ خروجًا من الخلاف.
المسألة الثالثة: تدارك الحيوان بالذبح قبل موته([4]):
الصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن من أدرك الحيوان عند النزع وهو في حياة مستقرة – أي: واضحة -؛ فلا زال يحرك عضوًا من أعضائه -كاليد أو الرجل- فذبحه حل أكله ولو كان في حالة لا يعيش بعدها لو ترك.
وقد جاء في حديث كعب بن مالك I: «أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِسَلْعٍ، فَعَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْ شَائِهَا، فَأَدْرَكَتْهَا الرَّاعِيَةُ، فَذَكَّتْهَا بِمَرْوَةٍ، فَسَأَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ H فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا». رواه البخاري.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية V: «إن هذا القول هو المنقول عن الصحابة، وعليه يدل الكتاب والسنة».
تنبيه: إذا كان صاحبها يعلم أنه لن يأكلها عند ذبحها وقد صارت على هذه الحالة فلا يتركها، بل المطلوب أن يذبحها ولا يضيع المال، ويعطى غيره ممن لا يعاف أكلها.
([1]) المغني (13/302)، المحلى مسألة (1051)، شرح مسلم (13/105)، فتح الباري (11/56).
([2]) المغني (13/303)، شرح مسلم (13/106)، المحلى مسألة (1046)، بداية المجتهد (1/445)، تفسير القرطبي (6/54)، فتح الباري (11/71)، الإنصاف (10/392)، الموسوعة الفقهية (20/176).
([3]) فتاواها (22/354، 390).
([4]) تفسير القرطبي (6/50)، تفسير ابن كثير (3/32)، المجموع شرح المهذب (9/91)، المحلى مسألة (1066)، الاستذكار (15/227، 244)، المغني (13/314)، مجموع الفتاوى (35/235).