وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَنْ حَلَفِ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ, فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
حديث ابن عمر: رواه أحمد (2/6)، وأبو داود (3258)، والنسائي (7/25)، والترمذي (1531)، وابن ماجه (2105)، وابن حبان (4340)، ورجاله ثقات، ورواه عبد الرزاق (8/515)، والبيهقي (10/47) موقوفًا وهي رواية الجماعة، وصحح الشيخ الألباني الحديث مرفوعًا([1]).
مسألة: من حلف على يمين فقال معها: إن شاء الله([2]):
أجمع الفقهاء على أنه إذا قالها متصلة بيمينه، ثم خالف يمينه؛ أنه لا كفارة عليه؛ إذ المعنى: إن شاء الله فعلت، ومتى لم أفعل لم يشأ الله ذلك.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه إذا فصل بين اليمين وقوله: إن
شاء الله، أن هذا الاستثناء لا يصح، إلا إذا فصل بينهما بسكوت عارض، كالنفس، أو العطاس، أو القيء، وذلك لأن الاستثناء من تمام الكلام، فاعتبر اتصاله به، كالشرط وجوابه، وخبر المبتدأ، والاستثناء بإلا، والعرب لا تأخذ الحكم من الكلام وتعتبره جملة واحدة إلا إذا اتصل ببعضه، وفي الحديث: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ»، أي: كفارة بسبب المخالفة. فقوله: « فَقَالَ» الفاء تقتضي التعقيب والفورية.
وأما الفاصل العارض؛ فلا يعد فاصلًا أصلًا؛ لأنه عرض دون عمدٍ، ولعل السكوت بينهما إذا كان يسيرًا بغير عارض أنه لا يضر ويصح الاستثناء، وعليه بعض السلف، ورواية لأحمد، واختاره ابن تيمية وابن عثيمين؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة I، قال: قال رسول الله H: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ -: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ، أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ، يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ». والشاهد: أن هنالك فصلًا يسيرًا بين كلام سليمان S، وقول «إن شاء الله» -لو قالها-بكلام صاحبه عندما تكلم، ولو قالها سليمان S لنفعته مع وجود الفاصل من السكوت. ولما رواه أبو داود (3321) والبيهقي (10/47) عن ابن عباس L أن النبي H قال: «وَاللَّهِ لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا. ثَلاثًا، ثُمَّ سَكَتَ، فَقَالَ: «إِنْ
شَاءَ اللَّهُ». وفي سنده ضعف.
ويشترط أن يتلفظ الحالف بقوله: «إن شاء الله»، فلو نواها ولم يتلفظ بها لم يصح استثناؤه، ففي الحديث «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ»، وعلى هذا كافة العلماء.
([1]) الإرواء (2571).
([2]) شرح مسلم (11/99)، الاستذكار (15/70)، المغني (13/484).