وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَأَبُو دَاوُدَ. وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
(1422) 09 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ, وَالتِّرْمِذِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
حديث ابن عباس L: رواه مسلم (1712).
حديث أبي هريرة I: رواه أبو داود (3610)، والترمذي (1343)، وإسناده حسن.
المسألة الأولى: العدد المطلوب من الرجال في الشهادة([1]):
اتفق الفقهاء على أن شهادة عدلين من الرجال في الأموال والحدود أنها كافية، ما عدا الزنى؛ لخطورة أمره، فلا بد فيه من أربعة شهود، قال تعالى:
﴿ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ ﴾ [الطلاق: ٢]، وقال تعالى: ﴿ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ ﴾ [المائدة: ١٠٦]، وقال تعالى: ﴿ وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡ ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
وفي الشهادة على الزنى، قال تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [النور: ٤]، وقال تعالى: ﴿ لَّوۡلَا جَآءُو عَلَيۡهِ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ [النور: ١٣].
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أن الدعوى تثبت بشاهد واحد مع يمين المدعي، إذا كانت الدعوى في الأموال، فعن ابن عباس L: «أَنَّ
رَسُولَ اللهِ H قَضَى بِيَمِينٍ –أي: يمين المدعي- وَشَاهِدٍ».
المسألة الثانية: شهادة النساء([2]):
اتفق العلماء على قبول شهادة النساء في دعوى الأموال، كالبيع والقرض والشراء والإجارة والشركة والهبة والوصية، ولا بد من امرأتين معهن رجل، لقوله تعالى:
﴿ وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
وعامة العلماء على أن شهادتهن لا تقبل في الحدود؛ لأن الأصل درأ الحدود بالشبهات، وقد قال تعالى في شهادتهن: ﴿ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰ ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، فيستفاد منه: أن في شهادتهن نوع ضعف وشبهة.
واختلفوا في قبول شهادتهن في ما لا يطلع عليه في الغالب إلا الرجال، وليس بمال ولا حد؛ كعقد النكاح والطلاق والرجعة والعتق:
فمذهب الحنفية والظاهرية، ورواية لأحمد: تقبل شهادة امرأتين ورجل؛ قياسًا على قبول شهادتهن في الأموال، ولا مانع منه.
ومذهب جمهور العلماء: أن شهادتهن لا تقبل؛ لأن الشرع إنما نص على قبول شهادتهن في الأموال، وأما فيما لا يطلع عليه إلا الرجال في الغالب، فنص فيه على شهادة الرجال، منه قول تعالى: ﴿ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ ٢ ﴾ [الطلاق: ٢]، وهذا في الطلاق والرجعة، وقال رسول الله H: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ » -سبق تخريجه-.
ولما جاء عن سعيد بن المسيب عن عمر I قال: «لا تجوز شهادة النساء في الطلاق والنكاح والحدود والدماء». رواه عبد الرزاق (8/331) وغيره، ورجاله ثقات. وهذا هو الأقرب.
واتفق الفقهاء على قبول شهادة النساء منفردات، فيما لا يطلع عليه في الغالب إلا النساء؛ كالشهادة على الحيض، والبكارة واستهلال المولود، والعيوب تحت الثياب والرضاع.
واختلفوا في العدد المطلوب في الشهادة من النساء:
فمذهب الشافعية والظاهرية: لابد من أربع نساء؛ لأن كل امرأتين برجل، يفهم من نص الشرع على العدد المطلوب منهن في الشهادة في الأموال.
واستثنى الظاهرية الرضاع، فقبلوا شهادة واحدة؛ للنص فيه.
ومذهب المالكية، ورواية لأحمد: لابد من امرأتين؛ لأنهنَّ قمن مقام الرجال في هذه الشهادة، فوجب أن يقمن في العدد مقام الرجال؛ لسقوط اعتبار الذكورية.
ومذهب الحنفية، والصحيح عند الحنابلة: تقبل شهادة امرأة واحدة، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لِأَبِي إِهَابِ بْنِ عُزَيْزٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلاَ أَخْبَرْتِنِي، فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ H بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ. رواه البخاري.
وهذا القول هو الأقرب، ولا دليل على اعتبار العدد في هذه الشهادة.
([1]) شرح مسلم (12/5)، المغني (14/128)، شرح السنة للبغوي (10/104)، المفهم للقرطبي (5/151)، مجموع الفتاوى (35/394)، التمهيد لابن عبد البر (2/153)، فتح الباري (5/616).
([2]) المغني (12/229)، (14/126، 135)، بداية المجتهد (2/465)، تفسير القرطبي (3/255)، تفسير البغوي (1/268)، شرح البخاري لابن بطال (8/12، 22)، فتح الباري (5/578، 597)، المحلى (9/396)، الطرق الحكمية (ص/79، 154)، فتح باب العناية (2/130)، الإنصاف (12/84)، آداب القضاء (ص/315)، روضة القضاة (1/208).