وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ, تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
1429 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ, وَلَا يُزَكِّيهِمْ, وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ, يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ; وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ, فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ: لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا, فَصَدَّقَهُ, وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ; وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا, فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى, وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حديث جابر I: رواه أحمد (3/344)، وأبو داود (3246)، والنسائي في الكبرى (5/437)، وإسناده صحيح.
حديث أبي هريرة I: رواه البخاري (2672)، ومسلم (108).
مسألة: تغليظ الأيمان([1]):
لا خلاف بين الفقهاء في مشروعية تغليظ الأيمان في الخصومات بزيادة الأسماء والصفات، كقوله: والذي نفسي بيده، ومقلب القلوب، وفاطر السماوات والأرض، ثم يذكر المقسم عليه؛ لأن من الناس من يمتنع من اليمين إذا غلظ عليه، ويتجاسر بدونها.
واختلفوا في تغليظها بالزمان والمكان:
فمذهب الشافعية: يشرع تغليظها، بالمكان والزمان، إذا كان الحلف على أمر عظيم خطير، وذلك بأن يطلب من المدعى عليه أداء اليمين في زمان أو مكان معظم، كبعد صلاة، العصر أو عند منبر رسول الله H، أو عند الركن الأسود، واستدلوا بقول النبي H: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ -أي كاذبة- تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ -أي اتخذ له مكانًا من النار ».
واستدلوا بقوله H: «ثلاثة لا يكلِّمهم اللَّهُ يومَ الْقيامة، ولا ينظُرُ إِلَيهم، ولا يُزَكِّيهِمْ، ولهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ على فضل ماءٍ بِالفلاة-أي معه من الماء أكثر من كفايته في أرض عامة-، يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ-أي المسافر-، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ-وهذا زمن معظم ففيه تصعد الملائكة بأعمال الناس، -، فحلف له باللَّه: لأخذها بكذا وكذا، فصدَّقهُ، وَهُوَ عَلَى غير ذلك»، وهذا هو الشاهد من الحديث.
ومذهب المالكية: مشروعية تغليظ اليمين بالمكان، ولا تغلظ بالزمان.
ومذهب الحنفية والحنابلة: أنه لا تغلظ اليمين في حق المسلمين، لا بالزمان ولا بالمكان، وإنما يحلف المدعى عليه في المكان وفي الزمان الذي حصلت فيه الخصومة، ولا ينتقل من مكان إلى آخر أو يُغيَّر من زمان إلى آخر؛ لعدم وجود دليل عليه؛ ولأن المقصود تغليظ المقسم به، وهو اسم الله أو صفته، وهذا حاصل في أي مكان أو زمان، والحديثان السابقان يدلان على عظم إثم من حلف كاذبًا عند منبر رسول الله H أو بعد صلاة العصر.
ولا دليل فيهما على مشروعية تغليظ اليمين في الزمان أو المكان.
وهذا هو الأرجح.
([1]) شرح مسلم (2/100)، فتح الباري (5/619)، المفهم للقرطبي (1/307)، الموسوعة الفقهية (13/68).