عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ -: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ, وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ, وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ, لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ, فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ, فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ, كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى, يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ, أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى, أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ, أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً, إِذَا صَلَحَتْ, صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حديث النعمان بن بشير L: رواه البخاري (52)، ومسلم (1599).
مسألة: تقسيم المنافع في الشريعة([1]):
تنقسم المنافع من حيث الحل والحرمة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الحلال البيِّن، وهو الواضح الذي لا لبس فيه؛ لأن الشرع نص على حله، وليس هنالك نص صحيح يعارضه؛ أو لأن العلماء أجمعوا على حله.
وكثير من المأكولات والمشروبات والملبوسات من هذا القسم.
القسم الثاني: الحرام البين، وهو الواضح الذي لا لبس فيه؛ لأن الشرع نص على حرمته، وليس هنالك نص صحيح يعارضه؛ أو لأن العلماء أجمعوا على حرمته، كحرمة شرب الخمر، وحرمة أكل الميتة والخنزير.
القسم الثالث: المتشابه، وهو المتردد بين الحل والحرمة، فيحتمل الحل من جهة، ويحتمل التحريم من جهة أخرى؛ وسبب الاشتباه في حكمه: إما لتعارض الأدلة فيه، وإما لأن النص مُحْتَمَلٌ، كالأمر –مثلًا- يحتمل الوجوب والندب، والنهي يحتمل الحرمة والكراهة: إما لاختلاف أهل العلم فيه، مع صعوبة التمييز في حكمه؛ لشدة الخلاف فيه، وإما لغير ما سبق.
والمطلوب ترك الأشياء المشتبهة؛ احتياطًا للدين، وسلامة للعرض من الوقوع فيه، فإن كان محرمًا فقد سلم المسلم من الإثم، وإن كان حلالًا لم يخسر شيئًا، فالحلال البيِّن كثير يغني عنه.
والتساهل فيه والإكثار منه يجعل المسلم يتجاسر على الحرام بالتدريج، فيقع في الحرام البين، وفي الحديث عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ L قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ H يَقُولُ - وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ - إشارة إلى أنه سمع من النبي H ما سيحدث به؛ لأنه كان صغيرًا في عهده:-: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ –أي: ظاهر واضح-، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ -أي ظاهر واضح-, وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ -أشياء مترددة بين الحل والحرمة-, لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ -لخفائه، وقد يعلمه كثير ممن اجتهد في البحث عن حكمه، ووفقه الله-, فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ –أي: اجتنبها-, فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ –أي: احتاط لدينه من الوقوع في الحرام ولعرضه من طعن الناس فيه-, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ -بالتدريج؛ بسبب الإكثار من المتشابه والتساهل فيه-, كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى -كمن معه بهائم يرعاها قريبًا من الحمى، وهو المكان المخصص للدولة، أو لبعض الناس-, يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ –أي: أن تدخل بهائمه في الحمى-, أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى –أي: مكان معين لا ترعى فيه إلا إبل الصدقة وخيول الجهاد ونحوها-, أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ –أي: ما لا يحل الاقتراب منه وهو فعل المعاصي-, أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً -المضغة: قطعة اللحم-, إِذَا صَلَحَتْ, صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
([1]) فتح الباري (1/229)، جامع العلوم والحكم (1/194)، شرح مسلم (11/23).