وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِمَنْكِبِي, فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ, أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ, وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ, وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِسَقَمِك, وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
حديث ابن عمر L: رواه البخاري (6412).
مسألة: حقيقة الدنيا:
الدنيا دار غرور، وجسر عبور إلى الآخرة، فينبغي للمؤمن أن يشتغل بالعبادة والطاعة، وأن يتوقع الرحيل عنها في أي ساعة، فيكون متهيئًا لأسباب الارتحال، برد المظالم، وبالتوبة من المعاصي والإكثار من الطاعة، غير مشتغل بما لا يعنيه من الأمل الطويل والحرص الكثير، فلا ينبغي للمؤمن أن يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا، فيطمئن فيها، وإنما يكون حاله فيها، إما كأنه غريب مقيم في بلد غربة، همه التزود بما ينفعه للرجوع إلى وطنه، فهو في الدنيا غريب، فيتزود بما ينفعه عند عودته إلى وطنه.
وإما كأنه مسافر غير مقيم البتة، بل هو دائمًا سائر إلى بلد الإقامة، فهو يسير في الدنيا ليله ونهاره، حتى ينتهي به السفر إلى آخره وهو الموت.
فعليه: ليس له هم في الاستكثار من متاع الدنيا.
وقد قال ابن عمر L: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي -وذلك لينتبه ويعي لما سيقوله له رسول الله H -، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ –أي: لست في بلدك- أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ –أي: مسافر-». » وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ -أي توقع الموت قبل مجيء الصباح-، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ –أي: توقع الموت قبل مجيء المساء-، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ –أي: استفد من صحتك بالإكثار من الطاعة-، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ -إذ لا طاعة ولا توبة بعد الموت ».