- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ?»
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ».
قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ?
قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اِغْتَبْتَهُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
حديث أبي هريرة I: رواه مسلم (2589).
مسألة: حكم الغيبة([1]):
الغيبة: هي ذكر المرء بما يكرهه في ظهر الغيب، في نفسه أو عرضه.
وقد أجمع العلماء على تحريمها ـ وعدها جماعة من الكبائر ـ باستثناء حالات معينة؛ لمصلحة راجحة-كما سيأتي-قال تعالى: ﴿ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُ ﴾ [الحجرات: ١٢]، ففي الآية التحذير الشديد من الغيبة فقد نهى عنها وشبهها بأكل لحم الميت، وروى أبو داود (4877) وغيره، عن عائشة J قالت: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ H: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا، -تَعْنِي: قَصِيرَةً -، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ»، وإسناده صحيح، أي: لو خلطت بماء البحر لغيرته؛ لشدة قبحها، مع أن البحر من أعظم المخلوقات. وقد قال النبي H: «أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا الْغِيبَةُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» -أي: في خَلقه أو خُلقه، وفي نفسه أو أهله وولده-، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِنْ كَانَ فِي أَخِيكَ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ –أي: وقعت في إثم الغيبة -، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدْ بَهَتَّهُ –أي: افتريت وكذبت عليه، وهذا أكبر في الإثم-».
وتباح الغيبة لغرض صحيح شرعي، لا يمكن الوصول إليه إلا بها، ومنه:
- عند التظلم أمام القاضي وغيره، فيحكي عن خصمه في غَيْبَتِهِ ما فعل به مما يكرهه خصمه.
- عند الاستفتاء، فيذكر أخاه أو جاره أو زوجته أو قريبه بما يكرهونه.
- المجاهر بالفسق أو البدعة، فمع مجاهرته بها صار في حكم من لا يكره أن يذكر بها.
- ويباح غيبة الكافر عند عامة العلماء، يفهم من قوله H: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»، والمراد بالأخ: أي الأخ في الإسلام، والغيبة تكون بذكر الأخ المسلم بما يكره؛ فخرج الكافر.
([1]) شرح مسلم (16/117)، فتح الباري (12/89، 91)، المفهم للقرطبي (6/570)، الأذكار للنووي (ص/382).