- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
«يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي, وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ». أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
(1553) 02 - وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ, وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(1554) 03 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا, يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ, وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ, وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
حديث أبي هريرة I، الأول: رواه البخاري تعليقًا بالجزم، «فتح الباري» (15/474)، وأحمد (2/540)، وابن ماجه (3792)، والبيهقي (2/405)، وإسناده صحيح.
حديث معاذ بن جبل I: رواه ابن أبي شيبة (10/300)، والطبراني في الكبير (20/66)، وإسناده ضعيف، ففيه عنعنة أبي الزبير، وهو مدلس، وطاووس لم يسمع من معاذ I، وأيضًا اختلف في رفعه ووقفه، ورجح الدار قطني الوقف([1]).
حديث أبي هريرة I، الثاني: رواه مسلم (2699).
المسألة الأولى: فوائد الذكر:
للذكر فوائد وفضائل كثيرة جدًّا، قال ابن القيم: «إنها أكثر من مائة فائدة»، ونذكر منها الآتي:
الفائدة الأولى: أنه سبب في ذكر الله له، ففي الصحيحين عن أبي هريرة I، قال: قال رسول الله H فيما يرويه عن ربه: «مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُ».
الفائدة الثانية: أنه سبب للنجاة من النار، ففي الحديث « مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ ».
الفائدة الثالثة: أنه يحمي صاحبه من عدوه الشيطان، وينجيه منه، فعن الحارث الأشعري I، أن النبي H قال: إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس ومنها: «وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ... كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ». رواه أحمد(4/130) وغيره، بإسناد صحيح.
الفائدة الرابعة: أنه من خير الأعمال وأزكاها وأرفعها عند الله، فعن أبي الدرداء I، قال: قال رسول الله H: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، قَالَ مَكِّيٌّ: وَأَزْكَاهَا، عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ " قَالُوا: وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». رواه أحمد (5/195) وغيره، وإسناده صحيح.
الفائدة الخامسة: أنه سبب لنزول السكينة وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة، فقد قال H: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ –أي: أحاطت بهم-، وَتَغَشَّتْهُمُ الرَّحْمَةُ –أي: عمتهم-، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ -وهم الملائكة والأنبياء، وجاء فيه أيضًا-».
الفائدة السادسة: أنه سبب للظفر بمعية الله له وإعانته، قال H: «إِنَّ اللهَ D قَالَ: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي، وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ»، أي: معه بالعون والتوفيق.
المسألة الثانية: حكم الاجتماع للذكر:
كقراءة القرآن بينهم وتدارس معناه وأحكامه، أو ذكر ما فيه تعظيم وتنزيه وثناء لله تعالى.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء: أنه مستحب؛ لأدلة وردت فيه منها:
- قوله H: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا»، وفي لفظ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ».
- في مسلم أيضًا، أن رسول الله H خرج على مجلس من أصحابه، فقال: «مَا أَجْلَسَكُمْ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا، قَالَ: «آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟» قَالُوا: وَاللهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي، أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ».
لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ينبغي أن يكون هذا أحيانًا في بعض الأوقات، فلا يجعله سنة راتبة يحافظ عليها».
وأما مجالس العلم، فهي من أعظم ذكر الله، وقد أجمع العلماء على أنها من أفضل القرب، ويستحب المواظبة عليها.
([1]) علله (6/640).