وَعَن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ, وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ, وَقَالَ: «حَسَنٌ».
حديث أبي هريرة I: رواه أحمد (2/446)، والترمذي (3380)، وإسناده حسن، وله طريق أخرى رواها أحمد (2/463)، وإسنادها صحيح.
مسألة: حكم الصلاة على النبي H([1]):
أجمع العلماء على استحباب الصلاة على النبي H؛ لما فيها من الأجر والفضل، قال تعالى: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ٥٦ ﴾ [الاحزاب: ٥٦]، والآية ليس الأمر فيها للوجوب، وإلا لوجب تكرير الصلاة عليه في كل وقت؛ لأن الأمر المطلق يفيد التكرار، وقال H:«مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ, وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ H إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً-أي: ندامة- يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وعن أبي هريرة I، عن النبي H، قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا». رواه مسلم.
واختلفوا في حكم الصلاة عليه عند ذكره:
فذهب جماعة من الحنفية، وجماعة من الشافعية، وبعض المالكية: إلى أن الصلاة عليه واجبة إذا ذُكر؛ لأدلة، منها:
- ما جاء عن أبي هريرة I، قال: قال رسول الله H: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ». رواه أحمد (2/254) وغيره، وإسناده صحيح، ومعنى رغم أنف: أي التصق أنفه بالتراب، ففيه ذم له ودعاء عليه، وتارك المستحب لا يذم ولا يدعى عليه.
- ما جاء عن الحسين بن علي L، قال: قال رسول الله H: «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ». رواه أحمد (1/201) وغيره، وإسناده حسن. والبخل صفة ذم، وتارك المستحب لا يستحق الذم.
وذهب جمهور العلماء، إلى أن الصلاة عليه إذا ذكر سنة مؤكدة ولا تصل للوجوب؛ لأدلة، منها:
- أن الصحابة كانوا يذكرون رسول الله H، ولم يكونوا يقرنون الصلاة عليه باسمه، فيقولون: يا رسول الله، مقتصرين عليه.
- أن المستمع للأذان أُمر أن يقول كقول المؤذن، فيقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، ولم يُؤمر بإقرانه بالصلاة عليه.
- أن الوجوب فيه حرج ومشقة، فلو جلس إنسان يصلي على رسول الله H، فإنه يجب على كل من كان جالسًا وسمعه أن يصلي عليه، ويقطع بين حين وآخر ما هو مشتغل به.
- أن القول بالوجوب لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم، وقد نقل بعض المتقدمين الإجماع على عدم الوجوب.
- عدم وجود نص صريح يدل على الوجوب، فلو كانت واجبة لبينها رسول الله H لأمته بيانًا قاطعًا كافيًا تقوم به الحجة، وأما ما ذكروه من الأدلة، فغاية ما فيها أنها تفيد تأكيد الاستحباب، وهذا هو الراجح.
واختلفوا في وجوبها في الصلاة، وقد سبقت هذه المسألة.
([1]) جلاء الأفهام (ص/214)، فتح الباري (13/368)، الإنصاف (2/80).