وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ». رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ, وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(1563) 12 - وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ».
(1564) 13 - وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ». وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ.
حديث النعمان بن بشير L: رواه أحمد (4/267)، وأبو دواد (1479)، والنسائي في الكبرى (10/244)، والترمذي (3247)، وابن ماجه (3828)، وإسناده صحيح.
حديث أنس I: رواه الترمذي (3371)، وإسناده ضعيف، انفرد به ابن لهيعة، وهو سيء الحفظ.
حديث أبي هريرة I: رواه أحمد (2/362)، والترمذي (3370)، وابن ماجه (3829)، وفي إسناده ضعف، ففيه عمران بن داور القطان، فيه ضعف.
المسألة الأولى: حكم الدعاء:
اختلف العلماء في حكمه:
القول الأول: أن الدعاء واجب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠ ﴾ [غافر: ٦٠]، فقوله: «ٱدۡعُونِيٓ» أمرٌ يفيد الوجوب، وقوله: «إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي» دلت على أن الدعاء عبادة وأن تركه من الاستكبار، واجتناب الاستكبار واجب؛ وللأمر في قوله تعالى: ﴿ ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةً ﴾ [الاعراف: ٥٤]، وهذا مذهب بعض المالكية وبعض الشافعية.
القول الثاني: أن الدعاء مستحب، ففي الصحيحين عن ابن عباس L، في المرأة كانت تصرع، وطلبت الدعاء من رسول الله H، فقال: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ أَنْ يُعَافِيَكِ. قَالَتْ: أَصْبِرُ» فحثها رسول الله H، على ترك الدعاء مع الصبر، فلو كان واجبًا لأمرها به.
ولأنه لا يعلم عن أحد من السلف أنه قال بوجوبه، والآية الأولى المراد بالدعاء فيها: دعاء العبادة، وعلى أن المراد به دعاء المسألة؛ فالوعيد فيها إنما هو في حق من ترك الدعاء استكبارًا واستغناءً عن الله، والآية الثانية الأمر فيها بإخلاص الدعاء لله وعدم صرفه لغيره، وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو الراجح.
المسألة الثانية: فضل الدعاء:
مما ورد في فضل الدعاء الآتي:
- أنه مخ العبادة، أي لبها وروحها، ولا تقوم إلا به، ففي الحديث «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ»، وفي الحديث الآخر: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»، فهذا الحصر يقتضي أن الدعاء أعلى أنواع العبادة وأشرفها وأفضلها، وإلا فالعبادة أنواع كثيرة.
- استجابة الله تعالى للداعي، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ ﴾ [البقرة: ١٨٦]، وآيات كثيرة بنحوها، منها ما في قصص الأنبياء.
- أنه أكرم شيء على الله، ففي الحديث «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ»، وذلك لأن الدعاء هو العبادة.
- أن الله يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد، فقد روى الإمام أحمد (5/277) وغيره، عن ثوبان I، قال: قال رسول الله H: «لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ». وهو حسن لغيره.
- أن الدعاء الصالح لا يحرم صاحبه من مقابل له، فعن أبي سعيد الخدري I، قال: قال رسول الله H: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ [ص:214] يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا». رواه أحمد (3/18) وغيره، وسنده صحيح.