بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الدَّمِ
أي: الوضوء بسبب الدم، أي: من سيلان الدم من بدن الإنسان.
197 - حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى الرَّجُلُ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ، حَتَّى رَمَاهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الدِّمَاءِ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ أَلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا.
رجال السند:
- أبو توبة، الربيع بن نافع أبو توبة، ثقة حجة عابد.
- ابن مبارك، عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة ثبت فقيه عام جواد مجاهد.
- محمد بن إسحاق، ابن يسار، أبو بكر المطلبي المدني، إمام في المغازي، صدوق يدلس.
- صدقة بن يسار، الجزري، ثقة.
- عقيل بن جابر، ابن عبد الله الأنصاري، مقبول.
- جابر، ابن عبد الله L.
شرح الحديث:
«خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ»، سميت بذات الرقاع لأن الصحابة تجرحت أقدامهم فكانوا يعصبون أقدامهم بالخرق.
«فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»، رجل من المسلمين أصاب امرأة مشركة بسهم فقتلها.
والأصل أنه ينهى المسلم في الحرب عن قتل النساء، ولكن قد يحصل هذا بدون قصد أو بسبب عدم تمييز كالإعارة ليلًا أو أن تخرج تقاتل وكذلك لو تترس الكفار بنسائهم.
«فَحَلَفَ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهَرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ»، حلف زوجها أنه لا يرجع حتى يصيب دمًا في أصحاب النبي H فيقتل فيهم قتيلًا.
«فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، أي: خرج خلف النبي H.
فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا» نزل للراحة.
«فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا؟» أي: يحرسنا ويحفظنا.
«فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ»، وقد جاء في رواية عند غير أبي داود أن الذي من المهاجرين هو عمار بن ياسر، والذي من الأنصار هو عباد بن بشر L.
«فَقَالَ: كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ»، الشعب هو مسيل الماء في بطن من الأرض.
والمقصود بفم الشعب، أي: أعلى الشعب ليظهر القادم من بعيد.
«قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ»، اضجع: استراح.
«وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي»، أي: قام يصلي ويحرس.
«وَأَتَى الرَّجُلُ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ»، أي: حارس للقوم.
«فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ»، أي: فأصابه في جسده.
«فَنَزَعَهُ، حَتَّى رَمَاهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ»، وهو لازال باقيًا يصلي.
«ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ»،
«ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ»، استيقظ صاحبه.
«فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ هَرَبَ»، أي: لما عرف أنهم قد شعروا به هرب.
«فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالْأَنْصَارِيِّ مِنَ الدِّمَاءِ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ أَلَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى؟» سبحان الله للتعجب.
«قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا». أي: كان يصلي ويقرأ سورة فأراد أكملها وجاء في رواية أنها سورة الكهف.
وهذا الحديث فيه أن الأنصاري استمر في صلاته مع أن الدم كان ينزل من جسده، ولو كان خروج الدم ينقض الوضوء لترك الصلاة.
وبهذا الحديث استدل جماعة من أهل العلم منهم المالكية والشافعية والظاهرية على أن خروج الدم من غير السبيلين لا ينقض الوضوء.
ومن أدلتهم عدم وجود دليل على أن خروج الدم ناقض الوضوء، وما جاء من أدلة في انتقاضه بخروج الدم فهي أحاديث ضعيفة.
والثالث: أن الصحابة لم يسلموا من الجروح فكانوا يصلون ولم يأمرهم رسول الله H بالوضوء بسبب خروج الدم.
ومذهب الحنفية والحنابلة وبعض أهل العلم أن خروج الدم إذا سال فإنه ينقض الوضوء إلا أن الحنابلة يقيدونه بالكثير. واستدلوا بأحاديث ضعيفة، منها:
حديث عائشة J: «من رعف أو قاء أو أمذى في صلاته فلينصرف فليتوضأ».
وقالوا: قياسًا على الخارج من السبيلين.
وردوا على هذا الحديث بأن فيه راو لم يوثق وهو عقيل بن جابر، وأيضًا لعل الصحابي كان يجهل الحكم.
والقول الأول أقوى، لكن احتياطًا للعبادة إذا خرج الدم بكثرة يعيد الشخص الوضوء.
وأما إذا استمر الخروج ولم ينكفء فهو في حكم الحدث الدائم لا يجب الوضوء.
وعليه يحمل ما كان يحصل من الصحابة أنهم كانوا يصلون بدمائهم فهو كالمستحاضة.