المطلب الأول: الاعتكاف
المسألة الأولى: معنى الاعتكاف وحكمه:
الاعتكاف لغة: لزوم الشيء، وحبس النفس عليه، برًا كان أو إثمًا، قال تعالى: ﴿مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء:٥٢]. أي: ملازمون لها.
وشرعًا: اللبث في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة.
وسيأتي معنى هذا التعريف في المسائل الآتية.
وحكمه: أجمع العلماء على أنه مسنون، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾[البقرة: ١٨٧].
وقال تعالى: ﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة:١٢٥].
ودوام رسول الله ﷺ على اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، واعتكف أزواجه بعده دليل على استحباب الاعتكاف.
فعن عائشة قالت: «كان رسول الله r يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله U، ثم اعتكف أزواجه بعده»([1]).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله r -في المعتكف-: «هو يعكف الذنوب ويجرى له من الحسنات كعامل الحسنات كلها»([2])
ويجب الاعتكاف إذا أوجبه الشخص على نفسه بنذر.
فعن عمر ا قال: «نذرت الاعتكاف في الجاهلية، فقال لي رسول الله ﷺ «أوف بنذرك»([3]) فأمره بالوفاء به.([4])
المسألة الثانية: إذا شرع في اعتكاف تطوع ثم قطعه عمدًا:
اختلف العلماء هل يجب إتمامه بالشروع وإذا قطعه عمدًا هل عليه القضاء؟
القول الأول: إذا دخل في اعتكاف تطوع؛ لزمه إتمامه، ولا يجوز قطعه، فإن قطعه وجب عليه قضاؤه.
وهو قول المالكية، وقول للحنفية.
دليلهم: قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: ٣٣]، فحرم إبطال العمل سواء في أثنائه أو بعد إكماله.
وعندما شرع رسول الله ﷺ بالاعتكاف في العشر الأواخر في إحدى السنين ثم قطعه قضاه في شوال.
فعن عائشة ك قالت: أراد رسول الله ﷺ أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف إذا أخبية: خباء عائشة، وخباء زينب، فقال: «آلبر تُردن ؟!» ثم انصرف، فلم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال([5]).
القول الثاني: لا يجب إتمامه، ويستحب القضاء، ولا يأثم إذا قطعه عمدًا.
وهو قول الشافعية، والحنابلة، وظاهر المذهب عند الحنفية.
دليلهم: أما عند الشافعية والحنابلة؛ لأنه لم يجب ابتداء فلم يجب إتمامه بالشروع فيه، وبالتالي لم يجب قضاؤه.
وهو كسائر النوافل ما عدا التنفل بالحج والعمرة فلا يجوز قطعه بعد الشروع فيه، ويجب القضاء؛ لأن فيه أدلة منها: قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: ١٩٦]، ولا خلاف فيه بين العلماء.
ودليل الحنفية: أن الاعتكاف لا يقدر بوقت، فيكون ولو ساعة، فلو قطعه لا يكون القطع إبطالًا.
وقضاء رسول الله ﷺ للاعتكاف الذي شرع فيه ثم قطعه هذا من باب الاستحباب؛ لأنه ﷺ كان إذا عمل عملًا أثبته.
وأزواجه تركن الاعتكاف أيضًا بعد الشروع فيه، ولم ينقل عنهن أنهن أعتكفن معه في شوال قضاء.
وقد أجمعوا على أن من نوى الصدقة بمال مقدر ثم أخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه.
الترجيح: الراجح: لا يجب إتمامه بالشروع، ولا يلزمه القضاء إلا على سبيل الاستحباب.
وأما الآية فالنهي بحسب المنهي عنه، فإذا كان العمل واجبًا؛ فلا يجوز إبطاله لغير عذر، وإن كان مستحبًا فيكره إبطاله لغير عذر([6]).
المسألة الثالثة: وقت الاعتكاف:
ظاهر كلام أهل المذاهب الأربعة: أنه يستحب الاعتكاف في أي وقت من السنة، ولا يشترط له رمضان أو العشر الأواخر منه، وذلك لقوله تعالى: ﴿ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ وقوله: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: ١٨٧].
فيفهم من عموم الآيات استحبابه في كل زمان فالاعتكاف كبقية الطاعات تشرع في كل وقت، إلا الأوقات التي ينهى الشرع عن إقامة العبادة فيها، ولا دليل هنا على كراهية الاعتكاف في أي وقت من الأوقات.
وأيضًا لما في ”الصحيحين“ – وقد مر- في نذر عمر ا قال له رسول الله ﷺ: «أوف بنذرك» ولم يخصه بزمان معين.
ويكون الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان أوكد من أي وقت آخر؛ لمواظبة رسول الله ﷺ على الاعتكاف فيها فيكون الاعتكاف فيها سنة مؤكدة.
لكن قال ابن عثيمين: «لا يسن الاعتكاف إلا في العشر الأواخر من رمضان فقط؛ لأن الأحكام الشرعية تتلقى من فعل الرسول ﷺ ولم يعتكف في غير رمضان إلا قضاء، وكذلك ما علمنا أن أحدًا من أصحابه اعتكف في غير رمضان إلا قضاء، لكن من تطوع وأراد أن يعتكف في غير ذلك فإنه استئناسًا بحديث: نذر عمر ا لا ننهاه عن ذلك، ولا نقول الاعتكاف في رمضان وفي غير رمضان سنة، بل نقول الأفضل أن نقتدي برسول الله ﷺ»اهـ.
وللجنة الدائمة فتوى ظاهرها يتفق مع ما يظهر من كلام الفقهاء؛ فقد سئلت عن الاعتكاف في غير العشر من رمضان فقالت اللجنة: «نعم يجوز الاعتكاف في أي وقت وأفضله ما كان في العشر الأواخر من رمضان اقتداء بالنبي ﷺ، وقد ثبت عنه أنه اعتكف في شوال في بعض السنوات».
الترجيح: كلام العثيمين قوي، لكن لم أقف على من كرهه في غير رمضان، وترك رسول الله ﷺ والصحابة له إذا صح أنه لم يأت عن الصحابة فعله في غير رمضان يحمل على أن غيره من القرب أفضل منه، وإن كان هو كذلك قربة وعبادة مشروعة في غير رمضان([7]).
المسالة الرابعة: مكان الاعتكاف بالنسبة للرجال والنساء.
أولا: للرجال:
لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا يصح الاعتكاف من الرجل إلا في المسجد؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ فخص الاعتكاف بالمسجد.
ثانيًا: النساء:
اختلف العلماء في اشتراط المسجد العام لصحة اعتكاف المرأة:
القول الأول: يصح اعتكافها في مسجد بيتها، وهو المكان من بيتها الذي أعدته للصلاة فيه، واعتكافها فيه أفضل من الخروج للمساجد، ويشترط ألا تخرج من بيتها ولا تخرج من مسجدها هذا إلى بقية أجزاء البيت إلا لقضاء الحاجة.
أما إذا لم يكن في بيتها موضع معد للصلاة واعتكفت في أي مكان من بيتها فلا يصح اعتكافها.
وهو قول الحنفية، وبعض الشافعية.
دليلهم: أن مسجد بيتها أصون لها وأحرز، ولأن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد الحرام، فأعطى الشرع لبيتها حكم المسجد في حق الصلاة، فكذلك في حق الاعتكاف بمكان صلاتها.
ولا يصح اعتكافها في غير مسجد بيتها إذا وجد واعتكفت في مكان من بيتها غيره أو إذا لم يوجد أصلًا في بيتها مكان متخذ للصلاة، وذلك لاشتراط المسجد في الاعتكاف، قال تعالى: ﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾.
القول الثاني: لا يصح اعتكافها في مسجد بيتها، فلا بد أن تعتكف في المسجد العام.
وهو قول جمهور العلماء.
لعموم قوله تعالى: ﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ فيشمل الرجل والمرأة.
وموضع صلاة المرأة في بيتها ليس بمسجد حقيقة؛ لأنه لم يُبن أصلًا للصلاة فيه، وإنما سمي مسجدًا مجازًا، كقوله ﷺ: «جعلت لي الأرض مسجدا»([8]).
ولأن أزواج رسول الله ﷺ أردن الاعتكاف معه بالمسجد – كما مر معنا-، ولو كان الاعتكاف في غير المسجد أفضل لدلهن عليه، لا سيما وقد ترك الاعتكاف بسبب المنافسة منهن على أن تكون كل واحدة معه في المعتكف.
وجاء عن عائشة ك قالت: «اعتكفت مع رسول الله ﷺ امرأة من أزواجه مستحاضة، فكانت ترى الحمرة والصفرة، فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي»([9]).
فقد مكنها رسول الله ﷺ أن تعتكف في المسجد وهي مستحاضة، ولو كان الاعتكاف في البيت جائزًا؛ لأمرها به؛ فإنه أسهل لها، وأبعد عن تلويث المسجد بالنجاسة، وأخف من مشقة حمل الطست ونقله.
الترجيح: قول الجمهور هو الراجح: لا يصلح اعتكافها إلا في المسجد العام كمسجد حيَّها([10]).
المسألة الخامسة: المسجد الذي يصلح للاعتكاف:
فيها خلاف بين العلماء:
القول الأول: في أي مسجد كان، ولا يشترط المسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة والجماعة، أو الجماعة فقط، وإذا خرج لصلاة الجمعة بطل اعتكافه.
وهو المشهور عند المالكية، والصحيح عند الشافعية، ورواية لأحمد، وقول للحنفية.
دليلهم: عموم قوله تعالى: ﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ فلم يقيد في الآية بالمسجد الجامع الذي تقام فيه الجمعة والجماعة أو الجماعة فقط.
وإذا تخلل اعتكافه جمعة في اعتكاف واجب وهو النذر، أو اعتكاف تطوع فيجب عليه الخروج لحضور الجمعة؛ لأنها واجبة ويبطل اعتكافه؛ لأن الاعتكاف شرطه المكث في المسجد، ولا يخرج إلا لقضاء حاجته، إلا إذا كان ممن لا تجب عليه الجمعة كالعبد والمريض والمرأة، فيبقى ولا يأثم بترك الجمعة.
القول الثاني: يصح في أي مسجد، ولو لم يكن مسجد جامع، ويخرج للجمعة، ولا يبطل اعتكافه.
وهو قول للمالكية، ووجه للشافعية.
دليله: أما كونه يصح في أي مسجد فللآية –كما مر-.
وأما كونه لا يبطل اعتكافه إذا تخلل اعتكافه جمعة وكان ممن تجب عليه الجمعة؛ وذلك لأنه خروج لا بد منه، فأشبه الخروج لقضاء الحاجة.
القول الثالث: يصح اعتكافه في كل مسجد، ومن وجبت عليه الجمعة والجماعة؛ يجب عليه الخروج لأدائها، ولا يبطل اعتكافه.
وهو قول الظاهرية.
دليلهم: عموم الآية السابقة، ومن وجب عليه الجمعة أو الجماعة فيخرج ولا بد، لأداء الواجب، ولا يبطل اعتكافه؛ لأنه من الخروج الذي لا بد منه فيعذر.
القول الرابع: يشترط المسجد الجامع الذي تقام فيه جمعة.
وهو قول بعض السلف، ووجه للحنابلة.
دليله: أن قوله: ﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ المراد المسجد الجامع، ولأنه يجب عليه حضور الجمعة، فيحتاج للخروج، فيبطل اعتكافه بسبب خروجه، ولكي يسلم اعتكافه فلا بد من مسجد تقام فيه الجمعة.
القول الخامس: يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد جماعة، أي: تقام فيه الجماعة، ولا يشترط أن تقام فيه الجمعة.
وهو المشهور عند الحنفية، والمشهور عند الحنابلة، ورجحته اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية.
دليلهم: الأول: أن المسجد موضع السجود ومحله، وهذا الاسم إنما يتم له ويكمل إذا كان معمورًا بالسجود وبالصلاة فيه، أما إذا كان معطلًا عن إقامة الصلاة فيه، فلم تتم حقيقة المسجد له، وإنما يسمى مسجدًا بمعنى أنه مهيأ للسجود معد له، كما تسمى الدار الخالية مسكنًا، وبهذا يعلم أن قوله: ﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ إنما يفهم منه المساجد التي فيها الصلاة.
الثاني: ما جاء عن حذيفة ا قال: قال رسول الله ﷺ: «كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح»([11]).
الثالث: أنه قول الصحابة وعامة التابعين، إلا ما جاء عن حذيفة ا: أنه خصه في المساجد الثلاثة فقط.
فعن علي ا قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة»([12]).
وعن ابن عباس م قال: «لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة»([13]).
الرابع -عند من يقول بوجوب صلاة الجماعة-: ما دام أن صلاة الجماعة واجبة، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يلزم أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة، وإما تكرار الخروج في اليوم والليلة، وذلك ينافي معنى الاعتكاف، الذي هو لزوم المسجد وعدم الخروج، إلا لما لا بد منه كقضاء الحاجة.
ولا يشترط فيه إقامة الجمعة؛ لأنها عذر ضروري حصوله نادر، فلا ينافى الخروج لأدائها معنى الاعتكاف، وربما اعتكف في مدة بين جمعتين، فلا تمر عليه جمعة أصلًا في أثناء اعتكافه.
وعن علي ا قال: «المعتكف يشهد الجمعة»([14]).
القول السادس: لا يصح الاعتكاف إلا في ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
وهو قول حذيفة ا، وسعيد بن المسيب، واختاره الشيخ الألباني.
دليله: ما جاء عن حذيفة أنه قال لعبد الله بن مسعود: عكوف بين دارك ودار أبي موسى ولا تُغير وقد علمت أن رسول الله ﷺ قال: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: الحرام، والمدينة، وبيت المقدس»، فقال ابن مسعود: «لعلك نسيت وحفظوا، أو أخطأت وأصابوا»([15]).
وحديث حذيفة لم يأخذ بظاهره جمهور الصحابة والتابعين والفقهاء.
وردوا عليه بأجوبة:
الأول: أنه لا يصح مرفوعًا، إنما هو من قول حذيفة.
ثانيًا: الاضطراب في متنه – كما مر-، قال ابن حزم: «هذا شك من حذيفة أو ممن دونه ولا يقطع على رسول الله ﷺ بشك، ولو أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «ولا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» لحفظه الله علينا، ولم يدخل فيه شك» اهـ
ثالثًا: أخطأ فيه حذيفة، فقد كان الصحابة يرون الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، وقد وهن ابن مسعود كلام حذيفة بقوله: «لعلهم أصابوا وأخطأت وذكروا ونسيت» دليل على أن المعروف عندهم خلاف ما قال حذيفة، والإنسان معرض للخطأ والنسيان.
رابعًا: يحمل على أن المراد بالنفي هنا نفي الكمال، لا نفي الصحة، أي: لا اعتكاف تام وأكمل إلا في المساجد الثلاثة، مع جوازه في غيرهاح جمعًا بينه وبين العموم في قوله تعالى: ﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﴾ مع فتوى الصحابة في مشروعية الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة.
الترجيح: الراجح: جواز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، والاعتكاف فيها أفضل، ويشترط في المسجد الذي يعتكف فيه أن يكون مسجد جماعة، وذلك لوجوب شهود صلاة الجماعة في مسجد الجماعة على الراجح من أقوال أهل العلم.
ولا يشترط أن يكون مسجد جمعة؛ لأنه خروج نادر لما لا بد منه، فلا ينافي معنى الاعتكاف.
وأما من لا تجب عليه الجماعة كالمريض والمرأة والعبد، فلا يشترط لهم مسجد جماعة على الصحيح من أقوال العلماء، وهو الصحيح عند الحنابلة أيضًا.
تنبيه: يذهب للجمعة قبيل الشروع فيها مباشرة إلا إذا كان المسجد بعيدًا فيجتهد برأيه في المسافة ويبكر حتى يصل قبيل الشروع فيها.
قاله الحنفية كما في ”البحر الرائق“ (2/473) ([16]).
المسألة السادسة: خروج المعُتكِف من المعتْكَف لحاجة:
هذه المسألة فيها عدة حالات:
الحالة الأولى: الخروج لقضاء الحاجة أي للبول والغائط:
أجمع العلماء على أنه يجوز له ذلك؛ لحديث عائشة قالت: «كان رسول الله ﷺ لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفًا»([17]).
وقولها: «لحاجة الإنسان»: تكنية عن قضاء الحاجة من بول وغائط، فهذا مما لا بد منه([18]).
الحالة الثانية: الخروج من المعتكف لأجل الأكل والشرب:
فيه خلاف:
القول الأول: يجوز له الخروج للأكل في بيته، ولو أمكن الإتيان به إليه في معتكفه، أما الشرب إذا وجد في المسجد فليس له أن يخرج من المسجد لأجله.
وهذا القول هو الصحيح عند الشافعية.
دليلهم: أن الأكل في المسجد دناءة، وترك للمروءة، وقد يكون غيره في المسجد، فيستحي أن يأكل دونه، وإن أطعمه معه لم يكفهما، ولا يجوز له الإقامة في البيت بعد فراغه من الأكل؛ لأن بقاءه إنما هو بقدر حاجته فقط.
أما الشرب فلا يجوز الخروج إلى البيت من أجله إذا وجد في المسجد؛ لعدم حصول المفاسد العائدة من تناول الطعام في المسجد.
القول الثاني: يجوز الخروج من المسجد للأكل والشرب أيضًا، وإن وجد الماء في المسجد.
وهو وجه للشافعية، وقول بعض الحنابلة.
دليله: أنه من حاجة الإنسان فأشبه الخروج للأكل.
القول الثالث: لا يجوز الخروج من المسجد لأجل الأكل والشرب إذا أمكن الإتيان بهما إلى المسجد.
وهو قول المالكية، والحنفية، والمذهب عند الحنابلة، وقول بعض الشافعية.
دليله: أن عائشة ك ذكرت أن رسول الله ﷺ إنما كان يخرج لحاجة الإنسان، وهذا كناية عن البول والغائط يفهم منه أنه كان لا يخرج إلى بيته لغيرهما من أكل أو شرب.
ولأن الاعتكاف لزوم المسجد للعبادة، فلا يخرج منه إلا لما لا بد منه، والأكل والشرب يمكن حصولهما في المسجد، فالخروج لأجلهما خروج لما له منه بدٌّ، وليس بضرورة، فإن لم يكن له من يأتيه بالمأكول والمشروب جاز له الخروج للإتيان بهما، ولا يبطل اعتكافه؛ لأنه في حكم المضطر.
الترجيح: الراجح: القول الثالث: لا يشرع الخروج من المسجد لأجل الأكل والشرب لإمكان إرسالهما إلى المسجد([19]).
الحالة الثالثة: الخروج من المعتكف لشهود الجنازة وعيادة المريض:
فيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: يجوز ذلك للمعتكف، ولا يبطل اعتكافه.
وهو قول بعض السلف، وهو رواية للإمام أحمد.
دليله: ما جاء عن علي ا أنه قال: «المعتكف يشهد الجنازة، ويعود المريض، ويشهد الجمعة»([20]).
وأيضًا: الغرض من الاعتكاف التفرغ للعبادة والقربات، وشهود الجنازة وعيادة المريض من القربات والطاعات.
القول الثاني: ليس له الخروج لعيادة المريض وشهود الجنازة، وإن فعل بطل اعتكافه، سواء كان اعتكافا واجبًا وهو النذر، أو تطوعًا.
وهو قول بعض السلف، ومذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، والمذهب عند الحنابلة.
دليله: الأول: أن الاعتكاف هو الحبس والإقامة واللزوم للمسجد، والخروج لغير ضرورة ينافي معنى الاعتكاف، وعيادة المريض وشهود الجنازة ليست واجبة متعينة حتى يجب عليه الخروج لأدائه ويكون من الضرورة.
الثاني: أن رسول الله ﷺ إنما كان يخرج لحاجة الإنسان، ولم ينقل عنه أنه خرج لعيادة مريض، أو شهود جنازة، وجاء عن عائشة ك قالت: «كان النبي ﷺ يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يعرج يسأل عنه»([21]).
الثالث: عن عائشة ك: أنها قالت: «السنة للمعتكف أن لا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع»([22]).
الترجيح: الراجح: أنه لا يشرع له عيادة المريض، وشهود الجنازة ما دام معتكفًا، وإلا بطل اعتكافه؛ للأدلة المذكورة لأهل هذا القول، ولا بأس أن يسأل عن المريض في أثناء ذهابه لقضاء حاجته دون الجلوس والمكث عنده، كما جاء عن عائشة ونص عليه جماعة من الفقهاء([23]).
المسألة السابعة: جلوس المعتكف في الأماكن التابعة للمسجد:
الكلام فيه على قسمين:
القسم الأول: رحبة المسجد:
وهي الساحة التابعة للمسجد الخارجة عن بنية المسجد، وتكون متصلة به في نفس الوقت.
وقد حصل كلام عند العلماء حول الاعتكاف فيها أو الأكل والشرب فيها أو الخروج إليها:
فقال الإمام مالك: «ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه في رحبة من رحاب المسجد، ولم أسمع أن المعتكف يضرب بناء بيت فيه إلا في المسجد أو في رحبة من رحاب المسجد».
قال الإمام الباجي المالكي: «قول مالك: "إلا أن يكون خباؤه في رحبة المسجد": يريد صحن المسجد داخله، أما خارجه فلا يجوز الاعتكاف فيه»اهـ
وصحن المسجد ساحة وسط المسجد وليست الساحة التي خارج المسجد المتصلة به التابعة له، والله أعلم.
وقال الدسوقي المالكي: «يكره أكله في خارج المسجد بالقرب منه، كفنائه أي قدام بابه ورحبته، وهي ما زيد ب
بالقرب منه لتوسعته، وأما أكله خارجًا مما يكره أكله فيه؛ فهو مبطل للاعتكاف، وهذا التفصيل هو ظاهر المدونة والمجموعة»اهـ
وقال الشافعي: «يصح الاعتكاف في رحاب المسجد؛ لأنها من المسجد، والمراد بالرحبة ما كان مضافًا إلى المسجد محجرًا عليه»اهـ
وقال المرداوي الحنبلي: «رحبة المسجد ليست منه على الصحيح من المذهب، والروايتين، وعنه: أنها منه جزم به بعض الأصحاب».
وجمع بعض الحنابلة بين الروايتين أن الرحبة إن كانت محوطة فهي منه، وإلا فلا، فقد نُقل عن أحمد أنه أذَّن العصر وهو في رحبة المسجد فانصرف ولم يصل فيه، وقال:«ليس هو بمنزلة المسجد، هذا المسجد هو الذي عليه حائط وباب»اهـ
الترجيح: الذي عندي والله أعلم: أن الرحبة إذا كانت محوطة بسور المسجد متصلة به، وتقام فيها شعائر المسجد: من تحية مسجد، وطهارة، وترك البيع، وإنشاد الضالة، ومع الصلاة فيها؛ فيصح الاعتكاف فيها، والخروج إليها، والأكل بها.
أما إذا اختل شيء من ذلك؛ فلا تأخذ حكم المسجد، وبالتالي لا يجوز للمعتكف الخروج إليها إلا لضرورة، ولو على أقل الأحوال من باب الاحتياط للاعتكاف([1]).
القسم الثاني: الغُرف التابعة للمسجد:
قال الإمام الباجي: «المنار – يعني الصومعة- لا يجوز الاعتكاف فيه؛ لأنه موضع متخذ لغير الصلاة، وإنما اتخذ للإعلام بالصلاة، فلم يجز الاعتكاف فيه كالبيت المتخذ فيه اختزان حصر المسجد، وسرجه وغير ذلك»اهـ ([2]).
قلت: فقوله: كالبيت المتخذ فيه أي متخذ في المسجد لحاجات المسجد.
وقالت اللجنة الدائمة: «الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مشرعة على المسجد لها حكم المسجد، أما إن كانت خارج المسجد؛ فليست من المسجد، وإن كانت أبوابها داخل المسجد»([3]).
قلت: فليس العبرة اتصالها بالمسجد وكون أبوابها إلى داخل المسجد إنما المعتبر أولًا: هل هي مبنية داخل المسجد أم خارجه؟
فالأمر على ما قالته اللجنة الدائمة والله أعلم.
المسألة الثامنة: اشتراط الصوم في الاعتكاف:
هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء:
القول الأول: يشترط في صحة الاعتكاف الصوم، فلا يصح اعتكاف بلا صوم، سواء كان اعتكافا واجبًا أو تطوعًا.
وهو قول جماعة من السلف، والمشهور عند المالكية، ورواية لأحمد، وقول للحنفية.
دليلهم: الأول: أن الله تعالى ذكر آية الاعتكاف ضمن ذكره لآيات الصيام تنبيها منه إلى أن الاعتكاف ملازم للصوم.
الثاني: ما جاء عن عائشة ك قالت: «من السنة: أن لا اعتكاف إلا بصوم» - وقد سبق تخريج هذا الحديث- والصحيح أن لفظ (السنة) مدرجة في قول عائشة وليست من قول عائشة.
الثالث: حديث ابن عمر عن عمر أنه قال لرسول الله ﷺ: إن عليَّ يومًا اعتكفه فقال: «اذهب فاعتكف وصم»([4]).
الرابع: أنه قد ثبت عن عائشة وابن عمر وابن عباس ي قالوا: «لا اعتكاف إلا بصوم»([5]).
القول الثاني: يشترط الصوم في الاعتكاف الواجب إذا نذر الاعتكاف فلا يصح إلا بصوم، ويصح الاعتكاف في النفل بدون صوم.
وهو المذهب عند الحنفية.
ودليلهم: أما اشتراطه بالواجب فللأدلة المذكورة عند أصحاب القول الأول.
وأما عدم اشتراطه في اعتكاف التطوع؛ فلأن التطوع مبني على التسهيل والمسامحة، كما في بعض أحكام الصلاة، وبعض أحكام الصوم.
القول الثالث: لا يشترط الصيام للمعتكف، فيصح الاعتكاف ولو بدون صوم، سواء كان اعتكافا واجبًا أو تطوعًا.
وهو قول جماعة من السلف، ومذهب الشافعية، والظاهرية، والصحيح عند الحنابلة، وبعض المالكية.
دليلهم: الأول: أن الله سبحانه ذكر الاعتكاف، فقال: ﴿وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ وقال: ﴿طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ﴾ [البقرة: ١٢٥].
ولم يخص صائمًا من غيره، فالعكوف في المسجد عبادة مستقلة بنفسه كسائر العبادات.
الثاني: أن النبي ﷺ أمر عمر أن يعتكف يومًا وفاءً بنذره كما في ”الصحيحين“ – مر تخريجه- ولم يأمره بالصوم، دل ذلك على صحة الاعتكاف بغير صوم.
وما جاء أن رسول الله ﷺ أمره بالصوم أو أنه نذر اعتكافا مع صوم كل هذا لا يصح – كما مر- .
الثالث: حديث ابن عباس م قال: قال رسول الله ﷺ: «ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه»([6])
وما جاء عن ابن عباس أنه قال: «لا اعتكاف إلا بصوم» يحمل على الاستحباب فقط، فقد ثبت عنه أنه لا يرى على المعتكف الصوم –كما مر-.
فلم يتفق الصحابة على اشتراط الصوم للمعتكف.
ويستحب الصوم بالاعتكاف؛ لأن المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات، والصوم من أفضلها، ولأن الصوم أعون له على كف النفس عن الفضول فيجتمع له حبس النفس عن الخروج، وحبسها عن الشهوات.
الترجيح: الراجح: القول الثاني لا يشترط الصوم للمعتكف، وإن كان يستحب له الصوم([7]).
المسألة التاسعة: أقل الاعتكاف وأكثره:
الكلام على هذه المسألة على قسمين:
القسم الأول: أكثر مدة الاعتكاف:
اتفقوا على أنه لا حد لأكثره.
القسم الثاني: أقل مدة الاعتكاف:
فيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: أقله يوم كامل، فلا يصح اعتكاف جزء من يوم سواء في الاعتكاف الواجب أو النفل.
وهو قول المالكية، وقول للحنفية، ووجه للشافعية، ورواية لأحمد.
دليلهم: أنه لا يعلم أن رسول الله ﷺ أو أحدًا من الصحابة اعتكف أقل من يوم، يفهم من صنيعهم هذا أنه لا يشرع الاعتكاف أقل من يوم؛ لأنهم لم يفعلوه.
ولأنه يشترط للاعتكاف الصوم، والصوم لا يكون أقل من يوم.
القول الثاني: لا حد لأقل مدة الاعتكاف فيكفي فيه ما يسمى به عكوفًا أو إقامة ولو جزء من اليوم، سواء هذا في اعتكاف واجب أو نفل بلا فرق.
وهو قول الظاهرية، والمذهب عند الحنابلة، والصحيح عند الشافعية.
دليلهم: عدم وجود دليل على اشتراط اليوم الكامل في الاعتكاف.
ولما لم يأت دليل بتحديد مدة الاعتكاف، فيكفي ولو ساعة من يوم بنية الاعتكاف، والأفضل ألا يقل اعتكافه عن يوم؛ لأنه لم ينقل عن رسول الله ﷺ أو أصحابه الاعتكاف أقل منه، وخروجًا من الخلاف.
القول الثالث: لا يصح الاعتكاف الواجب في أقل من يوم، ويصح اعتكاف النفل في أقل من يوم.
وهو المذهب عند الحنفية.
دليلهم: أن الواجب يشترط فيه الصوم، والصوم لا يكون في أقل من يوم، أما النفل فلا يشترط له الصوم، فيصح في أقل من يوم، ولأنه متبرع به فكان تقدير زمانه عائدًا إليه.
الترجيح: الراجح: القول الثاني: يصح الاعتكاف واجبًا كان أو نفلًا في أقل من يوم لعدم وجود الدليل المانع لذلك([8]).
المسألة العاشرة: متى يدخل المعتكف معتكفه ومتى يخرج منه؟
المسألة هذه تشتمل على قسمين:
القسم الأول: متى يدخل المعتكف في معتكفه؟
القول الأول: إن أراد الشخص أن يعتكف شهرًا أو عشرًا أو أسبوعًا أو يعتكف العشر الأواخر من رمضان نذرًا كان أو تطوعًا، فإنه يدخل معتكفه من فجر أول أيامه دون ليلته.
وهو قول بعض السلف، ورواية لأحمد.
دليلهم: ما جاء عن عائشة ك قالت: «كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فإذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه»([9]).
فمعنى هذا أنه يبتدأ الاعتكاف من فجر اليوم الحادي والعشرين.
القول الثاني: إذا أراد أن يعتكف شهرًا أو أقل أو أكثر نذرًا أو تطوعًا؛ فإنه يدخل معتكفه من ليلة أول يوم، وكذلك إذا أراد اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فإنه يدخل ليلة واحد وعشرين.
وهو قول المالكية، والشافعية، والظاهرية، والمشهور عند الحنفية، والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أن الليلة تابعة لليوم، والليلة تسبق اليوم، فليلة الجمعة -مثلًا- هي الليلة التي قبل يوم الجمعة.
ومما يدل على دخول ليلة أول أيام الاعتكاف فيه: أن ليلة الواحد والعشرين من العشر الأواخر من رمضان هي من الليالي التي يلتمس فيها ليلة القدر، بل هي تعد من أرجى الليالي التي يلتمس فيها ليلة القدر -كما سيأتي-، فيستبعد أن يترك رسول الله ﷺ الاعتكاف فيها، وهو إنما اعتكف لأجل تحصيل فضيلة هذه الليالي والتماسًا لليلة القدر.
وقد قال تعالى: ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: ٢]، ولا تكون عشرًا إلا بدخول الواحد والعشرين فيها، لهذا يقال العشر الأواخر بغير (هاء) أي عدة الليالي فإنها عدد المؤنث.
ولما جاء من حديث أبي سعيد الخدري ا قال: اعتكفنا مع رسول الله ﷺ العشر الأوسط من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبنا رسول الله ﷺ صبيحة عشرين فقال: «إني رأيت ليلة القدر، وإني نُسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، ومن كان اعتكف مع رسول الله ﷺ فليرجع إلى معتكفه»([10]).
وفي رواية: قال رسول الله ﷺ: «فمن كان اعتكف معي فليلبث في معتكفه».
وهذا بعد أن خطبهم وكان في صبيحة العشرين، أي: أنهم سيعتكفون مع رسول الله ﷺ ولا بد في ليلة واحد وعشرين.
وأما حديث عائشة السابق فيحمل على أحد أمرين:
الأول: أنه دخل من أول الليل، وإنما تخلى بنفسه في المكان الذي أعده لأجل الاعتكاف به بعد صلاة الصبح.
الثاني: أن يكون دخوله معتكفه صبيحة العشرين قبل الليلة الحادي والعشرين؛ فإنه ليس في حديث عائشة أنه كان يدخل معتكفه صبيحة إحدى وعشرين، وإنما ذكرت أنه كان يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر، فلعله من صبيحة عشرين فيكون هذا منه زيادة في البر والخير.
القسم الثاني: متى يخرج من معتكفه؟
قال الفقهاء: ينتهي الاعتكاف بغروب الشمس من آخر أيام الاعتكاف؛ لأن تلك الليلة هي لليوم الذي بعدها، وليست لليوم الذي قبلها، وكذلك في اعتكاف العشر الأواخر ينتهي الاعتكاف بغروب شمس ليلة العيد.
واختلفوا هل الأفضل للمعتكف البقاء إلى فجر يوم العيد أم الخروج عند غروب الشمس ليلة العيد؟
القول الأول: يستحب له أن لا يخرج إلا صبيحة يوم العيد، ويبيت ليلة العيد في المعتكف.
وهو قول جماعة من السلف، والمالكية، والحنابلة، والشافعية.
دليلهم: الأول: حتى يصل نسكًا بنسك، أي نسك الاعتكاف بنسك صلاة العيد.
الثاني: لأنه طاعة فيكون أكثر له بالأجر فيكون مستحبًا.
الثالث: أنه في ليلة الفطر تنزل الجوائز للصوَّام؛ لما اجتهدوا به من صوم وعبادة في رمضان، فينزل أجره وهو في حال عبادة أفضل.
الرابع: لوجود آثار في هذا، فعن ابن عمر م: أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر، ثم يغدو منه إذا صلى الصبح، ولا يأتي منزله([11]).
وعن النخعي قال: «كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان: أن ينام ليلة الفطر في المسجد، ثم يغدو إلى المصلى من المسجد»([12]).
والنخعي من صغار التابعين وروى عن كبار التابعين من أصحاب ابن مسعود وغيره.
ونقله هذا يفهم منه اتفاق السلف على ذلك.
القول الثاني: الأفضل أن يخرج ليلة العيد، ولا يبيت في المعتكف إلى فجر يوم العيد.
وهو قول أبي حنيفة، ونُقل عن الشافعي.
دليله: وذلك لأنه لم ينقل عن رسول الله ﷺ: أنه كان يبقى ليلة العيد في المعتكف، فقد نقل الصحابة أنه كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وليلة العيد هي أول ليلة من شوال، فيدل على عدم اعتكافه هذه الليلة، وهو لا يفعل إلا الأفضل والأكمل، ولا دليل على استحباب مواصلة الاعتكاف إلى يوم العيد.
وما جاء عن ابن عمر لا يعلم عن غيره من الصحابة، فهو اجتهاد منه على خلاف ما كان عليه رسول الله ﷺ .
الترجيح: الراجح: الثاني: يستحب الخروج عند غروب شمس ليلة عيد الفطر؛ لما يفهم من الأحاديث السابقة: أنه من فعل رسول الله ﷺ([13]) .
المسألة الحادية عشرة: الجماع ومقدماته للمعتكف:
تحتوي هذه المسالة على قسمين:
الأول: المباشرة في الفرج:
أجمع العلماء على أن من جامع ذاكرًا للاعتكاف عالمًا بالتحريم بطل اعتكافه، سواء حصل ذلك منه بالمسجد – مع حرمة الجماع أصلًا بالمسجد-، أو حصل ذلك منه خارج المسجد عند خروجه لقضاء الحاجة، وذلك لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: ١٨٧].
أما إذا جامع ناسيًا للاعتكاف؛ ففيه خلاف.
القول الأول: يبطل اعتكافه.
وهو قول المالكية، والحنفية، والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أنه فعل يبطل الاعتكاف إذا فعله ذاكرًا، فيكون كذلك إذا فعله ناسيًا، ولعدم توقع أن يجامع ناسيًا لاعتكافه، فالنسيان هنا شبه متعذر.
القول الثاني: لا يبطل اعتكافه.
وهو قول الشافعية، والظاهرية، وبعض الحنابلة.
دليلهم: أن الله تعالى يؤاخذنا بما تعمدت قلوبنا، ولا يؤاخذنا بما نسينا، وهنا لم يتعمد المعتكف إبطال اعتكافه، ولأن النسيان عذر لا تبطل معه الصلاة والصوم، فكذلك الاعتكاف فلا فرق بينها.
الترجيح: الراجح: القول الثاني: لا يبطل الاعتكاف إن أمكن حصول مثل ذلك.
الثاني: المباشرة دون الفرج كالقبلة والمداعبة:
فيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: يفسد الاعتكاف بأي نوع من أنواع المباشرة بشهوة أو بدون شهوة.
وهو قول ابن حزم.
دليله: لعموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [البقرة: ١٨٧]، إلا في ترجيل المرأة شعر زوجها خاصة لثبوت الدليل فيه.
فعن عائشة ك قالت: «إنها كانت ترجل النبي ﷺ وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه»([14]).
القول الثاني: المباشرة دون الفرج تفسد الاعتكاف، إذا كانت بشهوة سواء أنزل الماء أم لم ينزل.
وهو قول الإمام مالك، وقول للشافعي.
دليله: لعموم الآية، أما المباشرة للمرأة بدون شهوة، كلمس تنظيف، أو ترجيل شعر، أو قبلة عطف وشفقة، فلا بأس بها؛ لحديث عائشة السابق، فهي إذا رجلته فلا شك أنه ستلمسه.
القول الثالث: يفسد الاعتكاف إذا باشر بشهوة، وأنزل الماء – المني- فإن لم ينزل الماء فلا يبطل الاعتكاف.
وهو قول الحنفية، والحنابلة، وقول للشافعي.
دليله: أن المقصود بالمباشرة في الآية الجماع، فالمباشرة في غير الفرج دون إنزال الماء لا تسمى جماعا، وأما إذا أنزل الماء فهو في معنى الجماع، فالغرض من الجماع إذهاب الشهوة، وهذا يحصل بالمباشرة دون الفرج مع الإنزال، فيأخذ حكمه، وقياسًا على إبطال الصوم بالمباشرة مع الإنزال.
القول الرابع: لا يفسد الاعتكاف بالمباشرة دون الفرج، ولو أنزل الماء فلا يفسد إلا بالجماع خاصة.
وهو قول للشافعي، ذكر بعض الشافعية أنه الصحيح من أقواله.
دليله: أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع خاصة.
قال ابن المنذر: «المباشرة التي نهى الله عنها المعتكف الجماع لا اختلاف فيه أعلمه».
وعن ابن عباس قال: في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ ﴾ قال: «المباشرة والمس والملامسة جماع كله، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء»([15]).
فعليه لا دليل على بطلان الاعتكاف بالمباشرة دون الفرج بشهوة ولو أنزل الماء.
الترجيح: الراجح: القول الأخير: لا يبطل الاعتكاف إلا بالجماع خاصة، وهذا كقوله تعالى في الصائم: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾، فالمباشرة هنا بلا شك: الجماع؛ لأن ما عدا الجماع لا يحرم على الصائم مطلقًا،
وقياسه على الصوم في بطلانه بالمباشرة مع إخراج الماء لا يصح لوجود نص في الصيام، وهو قوله تعالى في الحديث القدسي: «يدع طعامه وشرابه وشهوته»، فالعلة فيه ترك الشهوة مطلقًا، كترك الأكل والشرب، ولا دليل على أن هذه العلة مطلوبة كذلك مطلقًا في المعتكف؛ لهذا المعتكف لا يجب عليه ترك طعامه وشرابه في وقت اعتكافه على الصحيح – كما مر-.
والأحوط للمعتكف ترك مباشرة المرأة بشهوة مطلقًا؛ ([16]) .
المسألة الثانية عشرة: البيع والشراء للمعتكف:
مذاهب الفقهاء فيه كالتالي:
أولا: الحنفية: يكره كراهة تحريم للمعتكف البيع والشراء لغرض التجارة؛ لأنه منقطع باعتكافه للعبادة، فلا ينبغي له الاشتغال بأمور الدنيا، وللنهي عن البيع والشراء في المسجد، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ا قال: «نهى رسول الله ﷺ عن البيع والشراء في المسجد»([17]).
ويجوز للمعتكف البيع والشراء فيما لا بد منه، وإن كان لا يجوز لغير المعتكف، وذلك لوجود الضرورة، ويكون بيعه وشراؤه بالمسجد؛ لأنه لا يجوز له الخروج منه بسبب اعتكافه، ولا يجوز له إحضار المبيع في المسجد؛ لأن المسجد محرز عن حقوق العباد فهو يشغل المسجد.
ثانيًا الحنابلة: المذهب عندهم: يحرم البيع والشراء للمعتكف لسببين:
الأول: أن التجارة تشغل عن مقصود الاعتكاف، فلا يفعله في المسجد، ولا إذا خرج من المسجد لحاجة.
الثاني: للنهي عن البيع والشراء في المسجد، فإذا كان بيعه وشراؤه لما لا بد منه؛ فيجوز إذا كان خارج المسجد للضرورة، ونقل بعضهم عن أحمد ما يحتمل أنه يجوز أن يبيع ويشتري في المسجد ما لا بد منه، كما يجوز خروجه له إذا لم يكن له من يأتيه به.
ثالثًا: الشافعية: على قولين: الصحيح: يكره البيع والشراء في المسجد؛ للنهي عنه، فإذا كان الشراء قوته وما لا بد منه؛ فلا يكره البيع والشراء في المسجد.
الترجيح: الراجح: أنه يحرم على المعتكف وغيره البيع والشراء في المسجد للنهي عن ذلك، وزيادة في المعتكف أنه ينافي الغرض من الاعتكاف، وهو الاشتغال بأمور الآخرة عن الدنيا، ولا يبطل اعتكافه لو فعله، ويجوز له لما لا بد منه، أي إذا اضطر لذلك ولم يوجد من يقوم له بذلك ويكفيه ذلك.
لكن الإشكال هو هل يبيع ويشتري في المسجد أم يسمح له بالخروج لأجله؟
فيه تردد عندي، وذلك أن البيع أو الشراء في المسجد الأصل فيه التحريم، والخروج للبيع والشراء خارج المسجد ينافي معنى الاعتكاف من اللبث والمكث في المسجد، مع إمكانية أن يبيع أو يشتري وهو في المسجد، أما إذا لم يمكنه البيع والشراء في المسجد فليس هنا إلا خيار واحد وهو الخروج؛ لأجل ذلك فيجوز له مع الضرورة، والله أعلم([18]).
المسألة الثالثة عشرة: اشتراط المعتكف الخروج أثناء اعتكافه لبعض أغراضه الدنيوية أو الأخروية:
كأن يشترط أن يخرج لعيادة مريض، أو لشهود جنازة، أو لاشتغال بعلم، أو لأجل معالجة، أو لقيام بحاجة شخصية، أو لأي غرض آخر من أغراض الدنيا والآخرة.
وفيه خلاف بين العلماء:
فمذهب مالك: أنه لا يشترط في الاعتكاف، وأي شرط فيه لغو، ويبقى على اعتكافه، فلا يصح شرطه، وذلك لأن الشرط ينافي مقتضى الاعتكاف، وكما لو شرط الخروج للجماع فإنه يبطل بالاتفاق.
وقال الحنفية: ولو شرط أن يخرج لعيادة مريض، وصلاة جنازة، وحضور مجلس علم جاز ذلك.
وعند الحنابلة: إذا شرط ما فيه قربة جاز، كعيادة مريض، وشهادة جنازة، وإذا شرط ما ليس بقربة لكنه يحتاج إليه كالعشاء في بيته، أو المبيت فيه، أو التسحر مع أهله فالصحيح من المذهب جوازه أيضًا، وفي رواية: المنع من ذلك؛ لأنه ليس بقربة، وإنما يجوز الشرط هنا في القربة والعبادة.
وكذلك إذا شرط الخروج عند وجود عذر أو عارض، كمرض فالصحيح من المذهب: جوازه.
أما الأمور الدنيوية ولغير حاجة أو عذر أو عارض؛ فلا يصح.
وعند الشافعية: كما عند الحنابلة إلا في الأشغال الدنيوية المباحة فجوزوه، ولا يبطل الاعتكاف بها كالخروج للقاء السلطان، ومطالبة الغريم، أما الأمور الدنيوية التي لا تعتبر من الشغل كاشتراط الخروج للنزهة والفرجة فلا يجوز الخروج لمثل هذا.
ودليل من قبل الشرط في الجملة -وهم الحنفية والشافعية والحنابلة-: أنه إذا شرط الخروج، فكأنه شرط الاعتكاف في زمان دون زمان وهذا جائز بالاتفاق.
الترجيح: الراجح: قبول شرط الخروج في الاعتكاف، ولو في الأغراض الدنيوية إذا كان فعلًا يصح أن يكون غرضًا أو شغلًا، كما هو في المذهب الشافعي([19]).
المسألة الرابعة عشرة: القرب التي يشتغل بها المعتكف:
أما القرب والعبادات المحضة المقتصر نفعها عليه غير المتعدية النفع للغير كالصلاة، وتلاوة القرآن، والاستغفار، والدعاء وذكر الله؛ فلا خلاف بين العلماء في استحبابه.
واختلفوا في القرب والطاعات التي يتعدى نفعها للغير أي المتعلقة بالناس، كإقراء القرآن وتدريس العلم ودراسته ومناظرة الفقهاء وكتابة الحديث:
القول الأول: لا يستحب الاشتغال بالقرب المتعدية وإنما يستحب له الاشتغال بنفسه، فيشتغل بالطاعات التي بينه وبين الله، وليست متعلقة بالآخرين.
وهو قول المالكية، والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم: الأول: أن رسول الله ﷺ لم ينقل عنه: أنه كان يشتغل بهذه العبادات، وأنه كان يجالس أصحابة كما كان يفعل قبل الاعتكاف، وإنما كان يشتغل بنفسه.
الثاني: ولأن الاعتكاف عبادة من شرطها المسجد، فأشبه الصلاة والطواف، ولهذا قرن الله تعالى بينها: ﴿أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة: ١٢٥]، والصلاة والطواف يشتغل فاعلها بنفسه فكذلك الاعتكاف.
وأما كون النفع المتعدي أفضل؛ فالجواب عنه: أنه لا يلزم من كون الشيء أفضل أن يكون أفضل في كل عبادة، فقراءة القرآن أفضل من التسبيح، وهي مكروهة في الركوع، والسجود في الصلاة والتسبيح أفضل فيهما، وأيضًا ليس النفع المتعدي أفضل مطلقًا بل ينبغي أن يكون للعبد ساعات يناجي فيها ربه، ويخلو فيها بنفسه وقت الاعتكاف من هذا القبيل.
تنبيه: للمالكية وجه باستثناء إقراء القرآن؛ لأنه من الذكر كالتلاوة، والمذهب عندهم: أنه كغيره من القرب المتعدية.
القول الثاني: يستحب الاشتغال بها كما يشتغل بنفسه في القرب القاصرة عليه.
وهو قول الحنفية، والشافعية، ورواية لأحمد، وبعض الحنابلة.
دليلهم: الأول: أنها تعتبر من جنس الطاعات والعبادات، فأشبهت الطاعات والعبادات المحضة التي يشتغل به المعتكف فيما بينه وبين الله دون الناس، والمعتكف أراد التفرغ للعبادة وهذا من العبادات.
الثاني: أن جنس الطاعات المتعدية النفع للغير أفضل من الطاعات المقتصر نفعها على الشخص نفسه فقط.
وكيف يقال: لا يستحب تعليم العلم أو تعلمه وهو فرض كفاية، ويستحب الذكر وصلاة النافلة وتلاوة القرآن وهي نوافل؟!
ولا يشبه الاعتكاف بالصلاة والطواف؛ لأن فيها صفات مخصوصة يمتنع معها المدارسة مع الآخرين بخلاف الاعتكاف.
الترجيح: الراجح: القول الثاني الذي عليه الشافعية والحنفية: أن هذه العبادات الجماعية تشرع بلا كراهة، كالعبادات الفردية.
لكن لا يكثر منها بل يجمع بين الأمرين، فهو يحتاج إلى اختلاء بنفسه، ويحتاج إلى استفادة من الآخرين بالتعلم منهم، أو إفادتهم بتعليمهم.
وقد يقال: إن العبادات المتعدية هنا تساوي العبادات القاصرة ولا تفضل عليها، كما هو الأصل، فالعبادات المتعدية أفضل من ناحية التعدي والنفع للغير، والعبادات القاصرة أفضل من ناحية أنه الظاهر من حال رسول الله ﷺ في أيام اعتكافه فاستويا في الفضل.
وقد تكون العبادات المتعدية في الاعتكاف أفضل إذا احتاج الناس إلى توجيه وإرشاد وتفقيه في الدين، مع خشية فتورهم وضعفهم عن العبادات القاصرة، وقد تكون العبادات القاصرة أفضل إذا لم توجد دواعي لإقامة الدروس العلمية والمناقشات الفقهية والسماع لأسئلة وإشكالات الحاضرين([20]).
المسألة الخامسة عشرة: إذا حاضت المعتكفة:
هذه المسألة مبنية على مسألة عامة، وهي هل يجوز للحائض دخول المسجد والمكث فيه أم لا؟
فالقول الأول: لا يجوز للحائض المكث في المسجد.
وهو مذهب الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، واختارته اللجنة الدائمة، والعثيمين.
دليلهم: الأول: حديث أم عطية ك: «أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين وذوات الخدور، فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزل الحيض المصلى»([21]).
والشاهد: أنه أمر الحُيَّض باعتزال المصلى، ومصلى العيد يعتبر مسجدًا، فهو دليل على منع الحائض من المكث في المسجد.
الثاني: حديث عائشة ك قالت: قال رسول الله :r «إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب»([22]).
والشاهد: قوله: «لا يحل المسجد لحائض» أي يحرم المسجد على الحائض والجنب.
الثالث: قياسها على الجنب، فإنه يحرم على الجنب المكث في المسجد؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا﴾ [النساء: ٤٣].
فالشاهد: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾ أي: المساجد وأنتم جنب إلا مرورًا حتى تغتسلوا، فرخص للجنب أن يمر في المسجد مجتازًا فقط.
كما جاء هذا التفسير عن جماعة من السلف، فتكون كذلك الحائض بل أولى.
القول الثاني: يجوز للحائض المكث في المسجد.
وهو قول الظاهرية، واختاره الشيخ الألباني، وشيخنا الوادعي.
دليلهم: الأول: حديث عائشة ك قال لها رسول الله ﷺ: «ناوليني الخمرة من المسجد» قالت: "إني حائض". قال: «إن حيضتك ليست في يدك»([23]).
الشاهد: أنه طلب منها أن تناوله الخمرة من المسجد مع أنها حائض، وأخبرها أنها لا ذنب لها بسبب حيضتها حتى تُمنع من دخول المسجد.
الثاني: أن المشرك يجوز له دخول المسجد والجلوس فيه، ولا يبعد أن يكون جنبًا، أو إذا كانت امرأة أن تكون حائضًا، فبالأولى المسلم أو المسلمة إذا كانا جنبين، والمسلمة إذا كانت حائضًا.
الثالث: البراءة الأصلية، فلا دليل صحيح صريح يثبت في منع الحائض من دخول المسجد، والمكث فيه.
وأدلتهم الجواب عليها:
الأول: حديث أم عطية، فاعتزال الحائض للمصلى ليس لأجل منعها من البقاء في المسجد، وإنما لأجل أنها لن تصلي فتبتعد حتى توسع على المصليات، ولا تضيق عليهن، وإلا فالمصلى لا يعد مسجدًا، قال ابن حجر: «وحمل جمهور العلماء الأمر هنا على الندب؛ لأن المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحُيض من دخوله».اهـ ”فتح الباري“ له (4/563).
وقال ابن رجب: «الصحيح عند الشافعية والحنابلة: أنه ليس بمسجد، فللجنب والحائض المكث فيه» ”فتح الباري“ له (2/142).
والثاني: حديث عائشة ضعيف – كما مر-.
الثالث: قياسها على الجنب في منعه من المكث في المسجد لا يقبل منهم، وذلك لأن الصحيح جواز مكث الجنب في المسجد، والآية المذكورة لها تفسير ثاني هو الصواب ذهب إليه جماعة من السلف، وصح عن ابن عباس أن معنى: ﴿ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ أي: لا يقرب الجنب الصلاة حتى يغتسل قبل الصلاة إلا أن يكون عابر سبيل، أي مسافر فيتيمم ويصلي، ما دام أنه لا يجد الماء كما ذكره الله تعالى بعدها في نفس الآية: ﴿ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا ﴾ فالأية في المسافر وفي السفر.
ومما ذكر في الرد على أدلة من أجاز مكثها في المسجد بالآتي:
أما حديث عائشة ك فهو أن الرسول ﷺ قال لها ذلك وهو في المسجد لتناوله الخمرة من خارج المسجد، لا أن رسول الله أمرها أن تخرجها له من المسجد؛ لأنه ﷺ كان في المسجد معتكفًا، وكانت عائشة ك في حجرتها وهي حائض، كما في ”شرح صحيح مسلم“ للنووي (3/180).
قلت: قد جاء عن أبي هريرة ﷺ أنه قال: بينما رسول الله ﷺ في المسجد فقال: «يا عائشة ناوليني الثوب» فقالت: إني حائض فقال: «إن حيضتك ليست في يدك» فناولته([24]).
فالشاهد: أن رسول الله ﷺ كان في المسجد.
وأما دخول المشركين المسجد، فالجواب: عدم صحة القياس على المشرك؛ لأن الشرع فرق بينهما، فإن الشرع يجوز حبس بعض المشركين في المسجد، وحكم الشرع بتحريم مكث الجنب والحائض في المسجد، وأيضًا أن الكافر لا يعتقد حرمة المسجد فلا يكلف بها، بخلاف المسلم يعتقد حرمة المسجد فلا يعامل مثله.
الترجيح: الأقرب عندي هو: القول الثاني: أنه يجوز للحائض دخول المسجد والمكث فيه؛ لعدم وجود دليل صحيح صريح في منعها من ذلك.
ولكن الأحوط لها عدم المكث في المسجد؛ لأن أدلة الجمهور في منعها من المكث في المسجد وإن لم تكن صريحة بالمنع فلم نأخذ بها، ولكنها محتملة.
والمرأة الحائض قد تحتاج المسجد لأمور:
الأول: لأجل ذكر الله، ومنه الاعتكاف فهذا الأفضل لها بلا شك البقاء في بيتها، والخروج من المسجد؛ لأن الأفضل للمرأة أن تبقى في بيتها تذكر الله فيه، وإن لم تكن حائضًا، فالحائض من باب أولى التي لا صلاة لها.
الثاني: لأجل سماع المحاضرة، فهذا كذلك الأفضل عدم مجيئها المسجد وعدم البقاء فيه، فيمكنها أخذ شريط مسجل فيه المحاضرة أو سماع محاضرات أخرى من أشرطة.
الثالث: لتحصيل العلم، فإن كان هذا الدرس تحتاج إليه وتخسر بفواته ولا يمكنها تحصيله من شريط أو كتاب أو من زميله لها فالأمر فيه أسهل والله أعلم([25]).
فعلى هذا تكون مسألتنا وهي إذا حاضت المعتكفة كالتالي:
القول الأول: لا بد من خروجها من المسجد، ومتى انتهت الحيضة رجعت المعتكف.
وهو قول الأئمة الأربعة.
دليلهم: أنه لا يحل للحائض المكث في المسجد.
وقال المالكية والحنفية والشافعية وبعض الحنابلة: تخرج إلى بيتها مباشرة.
والصحيح عند الحنابلة: أنه يستحب لها أن تخرج من المسجد، وتبقى في رحبة المسجد – الصرح الخارجي- إذا كان للمسجد رحبة، وتضرب لها خباء فيها، ولو رجعت إلى بيتها فلا بأس.
ودليل استحباب اعتكافها في الرحبة ما جاء عن عائشة ك قالت: «كن المعتكفات إذا حضن أمر رسول الله بإخراجهن عن المسجد، وأن يضربن الأخبية في رحبة المسجد حتى يطهرن»([26]).
القول الثاني: لها البقاء في المسجد.
وهو مذهب الظاهرية.
دليلهم: عدم وجود دليل يمنعها من البقاء في المسجد.
الترجيح: الراجح: جواز بقائها بالمسجد.
لكن الأفضل لها الخروج منه لثلاثة أمور:
1- لحديث عائشة في إخراج من حاضت من المعتكفات في المسجد إلى رحبته – كما مر-
2- حتى لا تضيق مساحة المسجد على غير الحيض لأداء الصلاة.
3- خروجًا من خلاف الجمهور، فأدلتهم محتملة لما يقولون، وإن لم نأخذ بها لعدم الجزم بحملها على منع الحائض من المسجد، فلا نستطيع منعها لكن الاحتمال فيها يوقع نوع من الشبهة التي يتطلب الأمر معها الاحتياط.
تنبيه: حديث عائشة – السابق في إخراج الحُيض من المسجد لا يلزم منه تحريم المسجد على الحيُض، وإنما لأجل التوسعة على المصليات فهو من الأدلة المحتملة مع وجود الشك في ثبوت السند؛ لكونه غير موجود في المصنفات المشهورة([27]).
([1]) مراجع: ”المدونة“ (1/294)، ”منتقى الأخبار“ (2/79)، ”حاشية الدسوقي“ (2/190)، ”المجموع“ (6/507)، ”المغني“ (4/472)، ”الإنصاف“ (3/364)، ”كتاب الصيام“ (2/722)
([2]) ”المنتقى“ (2/79).
([3]) ”فتاوى اللجنة الدائمة“ (10/411)
([4]) ضعيف منكر: رواه أبو داود (2474)، والبيهقي (4/316) وهو في ”الصحيحين“ بدون ذكر الصوم كما مر.
وله طريق أخرى عن ابن عمر عن عمر أنه نذر أن يعتكف في الشرك وليصومن، فأمره رسول الله ﷺ أن يفي بنذره. وسنده ضعيف. رواه البيهقي (4/317) وقال: "ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف غريب".
وقد ضعف زيادة ذكر الصوم في حديث نذر عمر الألباني في ”ضعيف أبي داود“ (533).
([5]) انظر: ابن أبي شيبة (2/333)، وعبد الرزاق (4/353)، والبيهقي (4/317)، و”مشكل الآثار“ (10/346).
([6]) سنده ضعيف، وصح موقوفًا على ابن عباس: رواه الدارقطني (2/199) والبيهقي (4/319) وصوبا وقفه على ابن عباس وقالا: رفعه وهمٌ.
([7]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/384)، ”فتح باب العناية“ (1/593، 594)، ”حاشية الخرشي“ (3/67)، ”المجموع“ (6/987)، ”المغني“ (4/459)، ”زاد المعاد“ (2/87)، ”كتاب الصيام“ (2/751)، ”الإنصاف“ (3/358)، ”المحلى“ مسألة/625).
([8]) مراجع: ”فتح باب العناية“ (1/595) ”الاستذكار“ (10/314)، ”المجموع“ (6/489-491)، ”فتح الباري“ (4/806)، ”الإنصاف“ (3/359)، ”كتاب الصيام“ (2/65-87).
([9]) رواه البخاري (2033، 2041) ومسلم (1173).
([10]) رواه البخاري (2040) ومسلم (1167)
([11]) سنده صحيح: رواه عبد الرزاق (3/309).
([12]) سنده صحيح إلى النخعي: رواه ابن أبي شيبة (2/337)
([13]) مراجع لهذه المسألة: ”بداية المجتهد“ (1/315) ”الاستذكار“ (10/295، 311، 321)، ”المجموع“ (6/475، 492)، ”روضة الطالبين“ (2/255)، ”المغني“ (4/489، 490) كتاب الصيام (2/777، 846)، ”الإنصاف“ (3/369)، ”المحلى“ لابن حزم (636).
([14]) رواه البخاري (2028، 2046) ومسلم (297).
([15]) سنده صحيح: رواه البيهقي (4/321).
([16]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/393)، ”بداية المجتهد“ (1/316) ”الاستذكار“ (10/317)، ”المجموع“ (6/524، 527) طرح التثريب للعراقي (4/176)، ”المغني“ (4/473، 475)، ”الإنصاف“ (3/382)، ”المحلى“ مسألة/626).
([17]) سنده حسن: رواه أحمد (2/179)، وأبو داود (1079)، والنسائي (2/47)، والترمذي (322)، وابن ماجة (1/247).
([18]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/391)، ”فتح باب العناية“ (1/596)، ”المجموع“ (6/535، 529)، ”المغني“ (4/478)، ”الإنصاف“ (3/385، 387)، ”كتاب الصيام“ (2/797).
([19]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/391)، ”مواهب الجليل“ (3/411)، ”المجموع“ (6/537)، ”الإنصاف“ (3/375) كتاب الصيام (2/810)، ”مواهب الجليل“ (2/75).
([20]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/393)، ”مواهب الجليل“ (3/406، 407) ”حاشية الخرشي“ (3/81)، ”المجموع“ (6/528)، ”المغني“ (4/479)، ”الإنصاف“ (3/383)، ”كتاب الصيام“ (2/787).
([21]) رواه البخاري (324) ومسلم (890).
([22]) سند الحديث ضعيف: رواه أبو داود (232)، وأيضًا رواه ابن ماجة (640) لكنه عنده عن أم سلمة ، والحديث ضعفه الألباني في ”تمام المنة“ (ص/118).
([23]) رواه مسلم (298).
([24]) رواه مسلم (299).
([25]) مراجع: ”فتح القدير“ (1/165) ”حاشية الخرشي“ (1/390)، ”بداية المجتهد“ (1/48)، ”المجموع“ (2/160، 358)، ”المغني“ (1/200)، ”الأوسط“ (5/132)، ”تفسير ابن جرير“ (8/379)، ”المحلى“ (262) و(234)، ”تمام المنة“ (ص/118)، ”فتاوى اللجنة الدائمة“ (5/437).
([26]) ظاهر إسناده الصحة: رواه ابن بطة، وساق سنده عن ابن بطة إلى عائشة ك ابن مفلح الحنبلي في كتابه ”الفروع“ (3/131) وقال: ”إسناده جيد“.
قلت: والضعف في ابن بطة لا يضر؛ لأنه يرويه عن القاضي المحاملي، وقد قال ابن تيمية في كتابه الصيام من ”شرح العمدة“ (2/837) رواه ابن بطة والمحاملي وغيرهما اهـ
والمحاملي صاحب مصنفات فيكون رواه المحاملي في أحد مصنفاته وهو ثقة إمام.
والمشكل أن هذا الحديث من حديث عبد الرزاق الصنعاني، ولم يروه أصحاب المصنفات المشهورة فيما أعلم مع الحاجة إليه وأهميته، وليس هو في مصنفه فالله أعلم بحقيقة أمره.
([27]) مراجع: ”حاشية الخرشي“ (1/390)، ”حاشية الدسوقي“ (2/197)، ”المجموع“ (6/520)، ”المغني“ (4/487)، ”الإنصاف“ (3/374)، ”المحلى“ (634).
([1]) رواه البخاري (2026) ومسلم (1172).
([2]) سنده ضعيف رواه ابن ماجة (1781) وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجة (رقم/394).
([3]) رواه البخاري (2032) ومسلم (11/104).
([4]) مراجع: ”فتح باب العناية“ (1/592)، ”مواهب الجليل من أدلة خليل“ (2/66)، ”المجموع“ (6/474، 475)، ”فتح الباري“ (4/805)، ”المغني“ (4/455).
([5]) رواه البخاري (2034) ومسلم (1173).
([6]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/386) ”فتح القدير“ (2/393)، ”الاستذكار“ (10/305)، ”فتح الباري“ (4/805، 812)، ”المغني“ (4/457)، كتاب الصيام ”شرح العمدة“ (2/715).
([7]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/383) ”فتح القدير“ (2/389) ”الاستذكار“ (10/320)، ”المجموع“ (6/475، 489)، ”الإنصاف“ (3/358)، ”نيل الأوطار“ (3/221)، ”فتاوى اللجنة الدائمة“ (10/410)، ”الشرح الممتع“ لابن عثيمين (6/504).
([8]) رواه البخاري (335) ومسلم (521) عن جابر ا.
([9]) رواه البخاري (2937)
([10]) مراجع: ”فتح القدير“ (2/394)، ”فتح باب العناية“ (1/598)، ”حاشية الدسوقي“ (2/181)، ”المجموع“ (6/484)، ”المغني“ (4/464).
([11]) سنده ضعيف جدًا: رواه الدارقطني (2/200).
([12]) ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (2/337) وعبد الرزاق (4/346) من طريقين؛ الأولى: فيها جابر الجعفي والثانية: فيها الحارث الأعور وكلاهما متهم فالظاهر أنه لا يصح عن علي.
([13]) سنده صحيح: رواه البيهقي (4/316)، ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا ولكن جاء متصلًا في مسائل عبد الله بن أحمد (2/673) فسنده صحيح.
([14]) سنده صحيح: رواه عبد الرزاق (4/356)، والدارقطني (2/200).
([15]) وهذا الحديث رواه عبد الرزاق (4/347)، وابن أبي شيبة (2/337)، والبيهقي (4/316)، والفاكهي في ”أخبار مكة“ (2/149)، والطحاوي في ”مشكل الآثار“ (7/201)، والطبراني في ”الكبير“ (9/301) وابن حزم في ”المحلى“ (3/431) وغيرهم.
وقد حصل اختلاف في سنده ومتنه:
أولًا: في سنده:
فاختلف في رفعه ووقفه، فجاء مرفوعًا صريحًا، كما في هذا المتن، وجاء عن حذيفة دون ذكر رسول الله ﷺ وفيه: أنه قال لابن مسعود: «أما علمت أنه لا اعتكاف إلا في المساجد» فذكره.
وهذا موقوف، لكن له حكم الرفع عندي، والله أعلم.
وجاء موقوفًا صريحًا من طريق أخرى عن حذيفة ا قال لابن مسعود: «عكوف بين دارك وأبي موسى ولا تنهاهم» فقال ابن مسعود: «لعلهم...» فذكره.
ثانيًا: في متنه:
فجاء باللفظ المذكور سابقًا، وجاء بلفظ: «وقد علمت أنه لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام، أو في المساجد الثلاثة» هكذا بالشك.
وجاء بلفظ: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو قال مسجد جماعة».
وجاء بلفظ: «فقد علمت أنه لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة».
والأقرب عندي أن الحديث موقوف له حكم الرفع، وقد قال الذهبي في ”سير أعلام النبلاء“ (15/81): «صحيح غريب عال». وصححه الألباني مرفوعًا في ”الصحيحة“ (2786)
قلت: وبقي معنا الاضطراب في متنه.
([16]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/381) ”فتح القدير“ (2/394)، ”فتح باب العناية“ (1/598)، ”المنتقى“ للباجي (2/79)، ”فتح الباري“ (4/806)، ”المجموع“ (6/483، 513)، ”المغني“ (4/461)، ”الإنصاف“ (3/364)، ”المحلى“ مسألة رقم/633)، كتاب الصيام ”شرح العمدة“ (2/723-743)، ”رسالة قيام رمضان“ للألباني (ص/36). ”فتاوى اللجنة الدائمة“ (10/410)، ”فتاوى ابن باز“ (15/440).
([17]) رواه البخاري (2029) ومسلم (297).
([18]) مراجع: ”المغني“ (4/466)، ”فتح الباري“ (4/808).
([19]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/391)، ”فتح باب العناية“ (1/596)، ”حاشية الدسوقي“ (2/190)، ”المجموع“ (6/505) ”الحاوي الكبير“ (3/493)، ”المغني“ (4/468)، ”الإنصاف“ (3/372).
([20]) سنده حسن: رواه عبد الرزاق (4/356)، والدارقطني (2/200)، وابن أبي شيبة (2/334).
([21]) سنده ضعيف: رواه أبو داود (2472)، وضعفه الألباني في ”ضعيف أبي داود“ (532)، لكن صح نحو هذا عن عائشة من فعلها، فقد قالت: «إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا ماره» رواه مسلم (3/179) فلم تقصد المريض بالعيادة وإنما تسأل عنه في أثناء مرورها من دون أن تجلس.
([22]) رواه أبو داود (2473) والبيهقي (4/315، 321) والدارقطني (2/201).
قال أبو داود عقبه: «وغير عبد الرحمن بن إسحاق لا يقول فيه: قالت: (السنة) قال أبو داود: جعله قول عائشة»اهـ
وقال البيهقي في ”سننه“ (4/321): «قد ذهب كثير من الحفاظ إلى أن هذا الكلام من قول من دون عائشة وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه»اهـ
وقال ابن عبد البر في ”التمهيد“ (8/30) لم يقل أحد في حديث عائشة هذا (السنة) إلا عبد الرحمن بن إسحاق ولا يصح هذا الكلام كله عندهم إلا من قول الزهري»اهـ
قلت: وعند النظر في طرق الحديث تجد أن الأمر كما ذكر هؤلاء الحفاظ: أنه لا يثبت عن عائشة ك أنها قالت: (السنة) إنما هو من قول من دونها أدرجه في الحديث.
وأما الشيخ الألباني فقد صححه من قول عائشة أي أنها قالت: (من السنة) وليست مدرجة. كما في ”الإرواء“ (966).
([23]) مراجع: ”حاشية ابن عابدين“ (3/389) المنتقى (2/78) ”الاستذكار“ (10/281)، ”بداية المجتهد“ (1/313)، ”المجموع“ (6/509)، ”الحاوي الكبير“ (3/492، 495)، ”معالم السنن“ للخطابي (2/120)، ”المغني“ (4/469) ”كتاب الصيام“ (2/804، 844)، ”الإنصاف“ (3/375، 376).