الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

المبحث الثاني: تعجيل المهر وتأجيله:

المبحث الثاني: تعجيل المهر وتأجيله:
1

المبحث الثاني: تعجيل المهر وتأجيله:

فيه مسائل:

المسألة الأولى: تعجيل المهر أو تأجيله إلى أجل مسمى أو مسكوت عنه([1]).

الذي عليه أهل المذاهب الأربعة أنه يجوز تأجيل دفع كل المهر أو بعضه إلى أجل مسمى بعد عقد النكاح ولو إلى بعد الدخول بها فقد سبق من حديث عقبة بن عامر بسند صحيح أن رجلا تزوج امرأة ودخل بها ولم يفرض لها صداقا. ففيه أنه لم يفرض لها صداقا أي أن دفعه سيكون مؤجلا فلا فرق بين أن يؤجله ولم يفرضه وبين أن يفرضه أي يسميه ثم يؤجل دفعه.

وعن عائشة J قالت: أمرني رسول الله H أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا([2]). أي: أن مهرها كان مؤجلا وليس في الحديث أنه لم يسمه حال العقد. ولأنه عوض على عقد معاوضة فلم يشترط تسليمه قبل الاستمتاع بالمرأة كالثمن في عقد البيع لا يشترط تسليمه قبل قبض السلعة.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا سمى لها المهر فلا يجوز تأجيله إلى بعد الدخول بها لما جاء عن ابن عباس L أن رسول الله H منع عليا أن يدخل بفاطمة حتى يعطيها شيئا فقال: ما عندي شيء. فقال: «أين درعك الحطمية»([3]). فمنعه رسول الله H من الدخول بفاطمة حتى يعطيها مهرها فمنعه هذا يدل على عدم جواز تأخير المهر المسمى إلى بعد الدخول.

قلت: والصواب جواز تأجيله إلى بعد الدخول بالمرأة وحديث ابن عباس هذا يحمل على الاستحباب حيث يستحب تعجيل المهر والمنقول عن السلف الصالح أنهم كانوا يعجلون الصداق كله ولم يكونوا يؤخرون منه شيئا وأيضًا لئلا يتذرع الناس إلى النكاح بدون مهر ويظهرون أن هنالك مهرا مؤجلا وكذلك قطعا لاحتما النزاع بعد ذلك بين الزوج والزوجة وفي تعجيله أيضًا إدخالا للمسرة على المرأة وتألفا لها.

المسألة الثانية: تسمية المهر دون تعيين وقت التسليم([4]).

اختلف الفقهاء فيما لو تم العقد مع تسمية المهر وسكتوا عن تعيين زمن التسليم فهل يكون المهر حالا أم مؤجلا؟

القول الأول: يكون حالا كله.

وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

دليلهم: القياس على الثمن في البيع فإنه يكون حالا عند الإطلاق فكذلك هنا ولأن الأصل الحلول وعدم الأجل.

القول الثاني: يرجع بحسب العرف عند أهل هذه البلدة.

وهو مذهب الحنفية.

دليلهم: عدم التصريح بكونه مؤجلا أو حالا فيرجع إلى المتعارف عليه عندهم في مثل هذا.

الترجيح: الراجح أنه يكون حالا فللمرأة المطالبة به فورا كما قاله أهل المذهب الأول وهذا هو الأصل والمتعارف عليه بين الناس.

المسألة الثالثة: تأجيل المهر أو بعضه إلى أجل غير مسمى([5]).

إذا اتفق الزوج مع الزوجة أو أوليائها على تأجيل كل المهر أو بعضه إلى أجل ولم يحددوا وقتا معلوما لتسليمه ففيه خلاف بين أهل العلم:

القول الأول: يصح النكاح ويفسد هذا المهر المسمى ويلزم مكانه مهر المثل.

وهو مذهب الشافعية ورواية لأحمد وهو المشهور عند المالكية إلا أنهم قالوا: إذا كان قبل البناء بها يفسخ النكاح أصلا ولم يفرق الشافعية بين قبل البناء وبعده.

دليل أهل هذا القول: أن المهر هنا عوض مجهول محل الأجل أي وقت التسليم فيلغى هذا المهر لجهالة المحل.

القول الثاني: يبقى المهر المسمى ويلغى الأجل ويصير المهر حالا.

وهو قول بعض السلف وبعض الحنفية وهو رواية لأحمد.

دليل أهل هذا القول: لعل دليلهم كون الأصل في المهر الحلول مع جواز التأجيل فإذا لم تتوفر شروط التأجيل رجع للأصل.

القول الثالث: يصح الأجل ويكون وقت حلوله الفرقة بينهما إما بموت أو طلاق فهذا أجله ولا يحق للزوجة مطالبته به إلا بموت أو فرقة.

وهو الصحيح عند الحنفية والصحيح عند الحنابلة واختاره ابن تيمية.

دليل أهل هذا القول: أن الغاية معلومة في نفسها وهي الموت أو الطلاق والعادة في المهر الآجل ترك المطالبة به إلى حين الفرقة فيصير حينئذ معلوم الأجل بذلك.

الترجيح: الراجح القول الأخير فأجله يكون معلوما عرفا وهو وقوع الفرقة بينهما بموت أو طلاق أو فسخ وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين([6]).

فائدة: ما تعارف عليه الناس مما يسمى بالمهر المؤخر يدفع للمرأة إذا حصل من الزوج مفارقة لها ويلزم على الزوج هذا المهر إذا اشترط عليه من البداية، قالت اللجنة الدائمة: اشتراط المرأة أو وليها عند عقد الزواج مبلغا من المال يدفع في حالة تطليق زوجته شرط صحيح؛ لأنه جزء من الصداق اتفق على تأخيره، فإذا وافق الطرفان عليه وجب الوفاء به في حالة حصول موجبه وهو الطلاق، ويدل لذلك ما رواه عقبة بن عامر I قال: قال رسول الله H: «أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج». أخرجه البخاري في صحيحه([7]).

المسألة الرابعة: هل للمرأة أن تمنع نفسها من زوجها حتى يوفيها مهرها([8]).

الكلام على هذه المسألة على قسمين:

القسم الأول: إذا كان المهر معجلا كله أو بعضه.

لا خلاف بين أهل العلم في أن لها منع نفسها من زوجها حتى تقبض مهرها المعجل لتعين حقها في البدل وهو المهر كما تعين حقه في المبدل منه وهو البُضع كالبيع فإن البائع له أن يحبس المبيع حتى يقبض الثمن. وأيضًا دفعا لضرر فوات البضع قبل استيفاء الحق.

القسم الثاني: إذا كان المهر مؤجلا كله أو بعضه.

اختلف العلماء هنا في جواز منعها لنفسها حتى تقبض كل مهرها:

القول الأول: لها منع نفسها منه حتى تقبض مهرها كاملا ولو لم يحل أجل التسليم.

وهو قول أبي يوسف الحنفي.

دليله: أن حق الاستمتاع بمقابل المهر فلما رضي بتأجيل المهر كان هذا منه دليلا على رضاه بتأخير حقه من الاستمتاع.

القول الثاني: ليس لها منع نفسها من زوجها في المهر المؤجل ولو حل أجله ولم يسلمه لها.

وهو المذهب عند الحنفية والأصح عند الشافعية ومذهب الحنابلة.

دليلهم: لا تمنع نفسها منه إذا لم يحل أجل التسليم فلأنها رضيت بالتأجيل فكان هذا إسقاطا منها لحقها ولا تمنع نفسها منه إذا حل الأجل ولم يسلم لها مهرها كاملا فلأن هذا العقد لم يوجب لها حق الامتناع من زوجها قبل حلول الأجل فلا يثبت لها بعد حلوله فقد وجب عليها تسليم نفسها قبل الحلول فلم يكن لها أن تمتنع منه بعد حلول الأجل.

القول الثالث: ليس لها منع نفسها منه قبل حلول الجل ولها الامتناع منه بعد حلول الأجل قبل تسليمه لها.

وهو وجه للشافعية.

دليله: أنه لما حل الأجل ولم تقبض مهرها كاملا كان كما لو كان حالا ابتداء.

الترجيح: الراجح القول الثاني ليس لها حبس نفسها عنه إذا كان مهرها كله أو بعضه مؤجلا ولو حل الأجل لأن المهر إنما وجب مؤجلا وتسليمها لنفسها وجب من البداية.

فائدة: إذا كان المهر معجلا فسلمت نفسها له قبل قبضه فليس لها أن تمتنع منه بعد ذلك إذا لم يسلمها المهر كما لو سلم البائع المبيع قبل قبض ثمنه فليس له أخذ المبيع بعد ذلك وقد ذهب إلى هذا المالكية والشافعية ومحمد بن الحسن وأبو يوسف الحنفي وهو المذهب عند الحنابلة.


([1]) مراجع: فتح القدير (3/370)، فتح باب العناية (2/64)، حاشية ابن عابدين (4/168)، حاشية الدسوقي (3/155)، المجموع شرح المهذب (18/10)، شرح مسلم للنووي (9/182)، المغني (10/115، 147)، مجموع الفتاوى (32/195)، كشاف القناع (5/134).

([2]) ضعيف: رواه أبو داود (2128)، وابن ماجه (1992)، بسند فيه ضعف وانقطاع، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (366).

([3]) صحيح: رواه أبو داود (2125، 2126)، والنسائي في الكبرى (3/332)، وابن سعد في الطبقات (8/20)، وابن حبان (6945)، والبيهقي (7/234، 252)، والطبراني في الكبير (1200)، والأوسط (2870). وقد اختلف في وصله وإرساله وقد وصله جماعة فالحديث صحيح موصولا وصححه شيخنا الوادعي في الصحيح المسند (1/491).

([4]) مراجع: فتح القدير (3/370)، فتح باب العناية (2/64)، المجموع شرح المهذب (18/10)، المغني (10/115)، كشاف القناع (5/134).

([5]) مراجع: فتح باب العناية (2/64)، الفتاوى الهندية (1/318)، مواهب الجليل (5/189)، بداية المجتهد (2/22)، المغني (10/115)، الإنصاف (8/244)، الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي (ص/331).

([6]) منار الإسلام للعثيمين (2/544).

([7]) فتاوى اللجنة الدائمة (18/406).

([8]) مراجع: فتح القدير (3/370)، فتح باب العناية (2/64)، مغني المحتاج (3/284)، الإنصاف (8/310)، كشاف القناع (5/163)، الشرح الممتع (12/314).

1 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة