المبحث الثالث مقدار ونوع المهر
فيه مسائل:
المسألة الأولى: أكثر المهر وأقله([1]).
أجمع أهل العلم على أنه لا حد لأكثر المهر وقد قال تعالى: ﴿ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا ﴾ [النساء : ٢٠]. والقنطار: المال الكثير.
واختلفوا في أقله:
القول الأول: أقله ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم خالصة من الفضة أو ما ساواهما.
وهو المشهور عند المالكية.
دليلهم: أن النكاح يقتضي استباحة عضو بمقابل مال فوجب أن يكون مقدرا ولا يوجد شيء أقرب منه يقاس عليه إلا قطع يد السارق لأن القطع استباحة عضو بمقابل سرقة المال فكانت العلة واحدة وهي الاستباحة للعضو وحيث إن يد السارق تقطع بربع دينار فصاعدا فكذلك ما قيس عليه وهو استباحة منافع البضع بعقد النكاح.
القول الثاني: أقله عشرة دراهم من الفضة فلا يقبل مهرا أقل منها.
وهو مذهب الحنفية.
دليلهم: حديث جابر أن رسول الله H قال: «لا مهر أقل من عشرة دراهم»([2]).
وأما ما جاء عن بعض الصحابة أنه تزوج في عهد رسول الله H بأقل من عشرة دراهم فيحمل على أنه تعجيل لبعض المهر والباقي مؤجل لا أنه كل المهر المطلوب منه وبهذا يجمع بين الأدلة.
القول الثالث: لا حد لأقله فيصح بما تراضى به الزوجان مما صح أن يكون ثمنا وقيمة لشيء وهو أقل ما يطلق عليه اسم المهر.
وهو مذهب جمهور أهل العلم منهم الشافعية والحنابلة وبعض المالكية وقول الظاهرية.
دليلهم: أن رسول الله H لم يحده بقدر فيصح بكل ما صح أن يكون ثمنا وتراضى عليه الزوجان وجاء عن ابن عباس L أن رسول الله H قال: «أنكحوا ما تراضى عليه الأهلون ولو قضيبا من أراك»([3]).
وعن جابر أن رسول الله H قال: «من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل». وفي رواية: «ملء يديه طعاما»([4]).
وحديث جابر الذي فيه أن أقل المهر عشرة دراهم لا يصح. وقد جاء أن بعض الصحابة تزوج في عهد رسول الله H بأقل من عشرة دراهم فعن سهل بن سعد أن رسول الله H زوج رجلا بامرأة وقال له: «التمس ولو خاتما من حديد»([5]). والخاتم من الحديد في نهاية من القلة.
وعن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف قال لرسول الله H أنه تزوج على وزن نواة من ذهب([6]).
والنواة عند جمهور العلماء تساوي خمسة دراهم وعند الإمام أحمد وغيره ثلاث دراهم وربع وكل هذا أقل من عشرة دراهم وظاهر ما في الحديثين أن المذكور كان المهر كاملا وليس هنالك تأجيل لبعضه.
وقياسه على قطع يد السارق باطل لأن الاستباحة في القطع والوطء علة مشتركة من ناحية اللفظ فقط دون المعنى فالقطع استباحة على جهة العقوبة والأذى ونقص الخلقة والوطء استباحة على جهة اللذة وسبب للمودة والألفة.
الترجيح: الراجح ما عليه جمهور أهل العلم أنه لا حد لأقله كما أنه لا حد لأكثره فلا دليل على تقدير أقله أو أكثره.
فائدة: في أفضل الصداق قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمستحب في " الصداق " مع القدرة واليسار: أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي H ولا بناته وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة. بالدراهم الخالصة نحوا من تسعة عشر دينارا. فهذه سنة رسول الله H من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله H في الصداق {قال أبو هريرة I كان: صداقنا إذ كان فينا رسول الله H عشر أواق وطبق بيديه. وذلك أربعمائة درهم} رواه الإمام أحمد في مسنده وهذا لفظ أبي داود في سننه. {وقال أبو سلمة: قلت لعائشة: كم كان صداق رسول الله H؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا. قالت أتدري ما النش؟ قلت: لا قالت: نصف أوقية: فذلك خمسمائة درهم} . رواه مسلم في صحيحه وقد تقدم عن عمر أن صداق بنات رسول الله H كان نحوا من ذلك فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله H اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة: فهو جاهل أحمق. وكذلك صداق أمهات المؤمنين. وهذا مع القدرة واليسار([7]). اهـ
وهذا بالجملة عليه الشافعية والحنابلة([8]).
وحديث أبي هريرة I قال: كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله H عشرة أواق وطبق بيديه وذلك أربع مائة([9]).
ملاحظة: الدرهم الواحد يساوي ثلاثة جرام فضة تقريبا.
والدينار الواحد يساوي أربعة جرامات ذهب وربع جرام ذهب تقريبا (4،25غ).
المسألة الثانية: مقدار مهر المثل([10]).
مهر المثل هو مهر أمثالها من النساء ويحتاج إليه في مواضع منها ما سبق ومنها ما سيأتي.
والذي عليه أهل المذاهب الأربعة أن المراد بمهر أمثالها من النساء أي من يساويها من نساء أقاربها في الدين والسن والعقل والجمال والمال والبكارة أو الثيبوبة وغيرها من الصفات التي يختلف لأجلها قدر الصداق.
فإن ساوت قريبتها في هذه الصفات فلها مثل مهرها وإن زادت عليها في بعض هذه الصفات زادت عليها في المهر بقدر الزيادة في هذه الصفات وإذا نقصت عنها في بعض هذ الصفات نقص مهرها عنها بقدر هذا النقص وإذا لم يوجد لها قريبات أو وجد لها لكنهن لم يزوجن بعد فإنه ينظر إلى مهر النساء الأجنبيات من أهل بلدها بحسب الصفات المشتركة بينها وبينهن.
واختلف الفقهاء في المراد بقريباتها من النساء اللاتي ينظر مطابقتها لهن في هذه الصفات:
القول الأول: ينظر إلى أقاربها من جهة الأب دون جهة الأم كالأخوات الشقيقات والأخوات لأب والعمات وبنات العم دون الأخوات لأم والخالات وبنات الخال.
وهذا مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وهي رواية لأحمد اختارها بعض الحنابلة كابن قدامة.
دليلهم: أن أقاربها من جهة الأب يعتبرون قومها ومن تنسب إليهم أما أقاربها من جهة الأم فليسوا قومها ولا تنسب إليهم وشرف المرأة يعتبر بنسبها فلو كانت أمها هاشمية وأبوها ليس هاشميا فإن البنت لا تكون هاشمية ولا تنسب إلى بني هاشم لأن أباها ليس هاشميا.
القول الثاني: ينظر إلى جميع أقاربها من جهة الأب ومن جهة الأم.
وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أن أقاربها من جهة الأم كأقاربها من جهة الأب يعتبر جميع نسائهم من نسائها.
الترجيح: الراجح القول الأول الذي يعتبر أقاربها من جهة الأب فقط لما سبق ذكره فإن لم يوجد ينظر لأقاربها من جهة الأم فإن لم يوجد ينظر للأجنبيات من نساء بلدها بهذا الترتيب قال الشافعية.
المسألة الثالثة: المغالاة في المهور([11]).
استحب كافة العلماء ترك المغالاة في المهور بل نص جماعة منهم على كراهية المغالاة فيه فهي سبب لقلة البركة وتعتبر من باب السرف والمباهاة وفيها تعسير على طالب الزواج مما يؤدي إلى الإعراض عن الزواج مع أنه الوسيلة الوحيدة لتكوين الأسرة واستمرار النسل وعن أبي هريرة I قال: قال رسول الله H لرجل: «على كم تزوجت» قال: على أربع أواق. فقال: «على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل...»([12]).
والأربع الأواق تساوي مائة وستين درهما فأنكر عليه هذا المهر لكثرته.
وعن عقبة بن عامر I قال: قال رسول الله H: «خير النكاح أيسره»([13]).
وعن عائشة J قالت: قال رسول الله H: «من يمن المرأة تسهيل أمرها وقلة صداقها»([14]).
وعن ابن عباس L قال: قال رسول الله H: «خيرهن أيسرهن صداقا»([15]).
وعن عمر I قال: لا تغلوا صدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، لكان أولاكم بها النبي H؛ ما أنكح شيئا من بناته ولا نسائه فوق اثنتي عشرة أوقية([16]).
وقد جاء أن امرأة اعترضت على عمر I قوله هذا فرجع عنه وقال: إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له([17]). إلا أن هذا التراجع لا يثبت عنه.
واختلفوا في حد المغالاة:
فقال المالكية: حد المغالاة ما خرجت عن عادة أمثالها إذ هي تختلف بحسب اختلاف أحوال الناس فالرخص فيه والمغالاة ينظر فيهما لحال الزوجين.
وقال الشافعية والحنابلة: يستحب ألا يزيد الصداق عن مهر زوجات رسول الله H وبناته فما زاد عنه فهو مغالاة([18]).
قلت: وعندي أنه يستحب ألا يزيد على مهر نساء رسول الله H وبناته إلا إذا تعارف الناس في بلده على أن أكثر من هذا لا يعد مغالاة وليس في دفعه عسر ومشقة على طالب الزواج ولا يقصد من ورائه المباهاة فلا يوصف في هذه الحالة بأنه مما لا يستحب وأنه من المغالاة فعن نافع أن ابن عمر كان يزوج المرأة من بناته على عشرة آلاف([19]).
وعن المغيرة بن حكيم قال: أول من سن الصداق أربع مائة دينار عمر بن عبد العزيز([20]).
وكذلك إذا دفعه طالب الزواج من ذات نفسه لسهولته عليه ورغبته في إكرامهم به فعن محمد أن الحسن بن علي تزوج امرأة فأرسل إليها مائة جارية مع كل جارية ألف درهم([21]).
تنبيه: يعمد بعض أهل القبائل بتحديد المهر بمبلغ معين لا يتعدى لغرض محاربة المغالاة في المهور وتسهيل أمر التزويج للشباب وهذا جيد وظاهرة حميدة إلا أنهم يجعلون هذا على وجه الإلزام ومن زوج وليتها بأكثر منه هجر وقوطع وسلطت الألسن للنيل من عرضه والإهانة له وهذا خطأ فليس ذلك بلازم بل هو من الأمور التي تقتضيها المروءة إلا يخرج الإنسان عما كان عليه قبيلته أو أهل بلده فالوفاء من الأمور المستحسنة وليس بلازم عليه([22])، وقد قال تعالى: ﴿ وَءَاتَيۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارٗا ﴾ [النساء : ٢٠] وهو المال الكثير.
وصح عن أبي سعيد الخدري I قال: القنطار ملء مسك الثور ذهبا. وصح عن أبي هريرة وأبي بن كعب L قالا: القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية([23]).
ومعنى الآية: أنكم إذا فارقتم النساء بعد الدخول وكنتم أمهرتموهن المال الجزيل ولو قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا مع ما سبق من الآثار قبل قليل.
المسألة الرابعة: إذا زاد الزوج في المهر بعد العقد([24]).
أي إذا زادها الزوج على صداقها بعد العقد على أنها من الصداق فهل تلحق به؟
فيه خلاف بين الفقهاء:
القول الأول: لا تلحق هذه الزيادة بالعقد إنما هي من الهبات لها حكم الهبات بشروطها فإن قبضتها صارت ملكا لها وإذا لم تقبضها لا تكون ملكا لها ولا تلزم الزوج.
وهو قول الشافعي وقول زفر الحنفي ورواية لأحمد.
دليلهم: أن الزوج ملك البضع بالمسمى بالعقد فلم يحصل بالزيادة شيء من المعقود عليه فلا تكون عوضا في النكاح وإنما هي من الهبات المجردة فهي زيادة في العقد بعد لزومه فلم تلحق به.
القول الثاني: الزيادة بعد العقد إذا قصد أنها من المهر تلحق به وتلزمه.
وهو مذهب الحنفية والمالكية والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم: قوله تعالى: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِ ﴾ [النساء : ٢٤] فالآية تتناول ما تراضيا على إلحاقه وعلى إسقاطه ولأن ما بعد العقد زمن لفرض المهر فكانت حالة الزيادة كحالة المسمى في العقد.
الترجيح: الراجح القول الثاني أنها تلحق بالعقد وتلزمه كجزء من المهر اللازم عليه وليست مجرد هبة لا تلزمه بمجرد الوعد.
تنبيه: أما اشتراط المرأة مبلغا من المال ليلة الدخلة إذا أراد البناء بها أي مجامعتها فآخر ما أفتت به اللجنة الدائمة عدم جواز ذلك فقد قالت: هذه عادة سيئة، لا يجوز فعلها ولا الاستمرار عليها، لأن استحقاق الزوج الاستمتاع ببضع امرأته يحصل شرعا بالعقد ودفع المهر. وعليه فامتناع المرأة من زوجها حتى يدفع لها مبلغا معينا من المال غير المهر محرم عليها، والواجب التعاون والتواصي بترك هذه العادة، والاكتفاء بما جاءت به الشريعة المطهرة من المهر المعروف([25]). اهـ
قلت: إذا اشترطوا عليه أثناء العقد وحددوا مقداره ووافق عليه فيلزمه دفعه ليلة الدخلة قبل البناء بها عند طلبه ويكون من تمام مهرها في هذه الحالة فإن لم يشترط عليه من البداية ولا التزم به من البداية فلا يلزمه دفعه إلا أننا ننصحه بدفعه إذا أصرت عليه المرأة من باب المداراة لها ولأهلها درأ للمشاكل والاختلاف ودفعا لكيد الشيطان.
المسألة الخامسة: إذا كان المهر من العروض والأعيان وليس من الأثمان([26]).
وذلك كالحيوان والعبد والثوب والدار والفراش وهذا المهر قد يكون معينا إما بذاته كقوله: جعلت مهرها هذا العبد أو هذا الثوب وإما بالوصف المنضبط جنسه وقدره كقوله: جعلت مهرها عبدا ويذكر صفته القائمة مقام الرؤية.
وفي هذه الحالة اتفق الفقهاء على انعقاد النكاح بهذا المهر وصحة هذا المهر ووجب على الزوج لزوجته.
وقد يكون هذا المهر معلوم الجنس لكنه مجهول الوصف كما لو أمهرها فرسا فهذا معلوم جنسه أي نوعه لكنه مجهول الوصف فليس فرسا معينا بذاته أو بالوصف المنضبط الكافي ونحوه لو قال جعلت مهرها عبدا أو ثوبا هرويا أو ثوب قطن أو فراش بيت أو عدد معلوم من الإبل أو الشياة فاكتفى هنا بذكر الجنس فقط دون الوصف له.
وفي هذه الحالة اختلف الفقهاء في صحة هذا المهر:
القول الأول: لا يصح هذا المهر ويلزمه مكانه مهر المثل.
وهو قول الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم: وجود الجهالة هنا فلا يصح مثل هذا ثمنا في البيع لعدم وجود الوصف القائم مقام الرؤية في البيع فكذلك هنا لا يصح أن يكون مهرا فالمهر عوض في عقد معاوضة فلم يصح مجهولا كعوض البيع والإجارة.
القول الثاني: يصح هذا المهر ويلزمه الوسط منه فالجنس المعلوم مشتمل على الجيد والرديء والوسط فلو تزوجها على عبد فيلزمه الوسط من العبيد فأعلى العبيد التركي والرومي وأدناها الزنجي والحبشي والوسط السندي والمنصوري.
وهو مذهب الحنفية والمالكية وبعض الحنابلة.
دليلهم: أنهم تراضوا عليه والمهر على ما تراضى عليه الطرفان وجهالة وصفه مع معرفة جنسه تعتبر جهالة يسيرة فتغتفر ويؤخذ بالوسط منها ولأنه لو تزوجها على مهر مثلها صح ويكون مقداره بالنظر إلى من يساويها من النساء في الوصف والنسب والبلد والزمن وهذه جهالة صحت فيها التسمية فهاهنا أولى فالجهالة فيه أخف ولأن النكاح يصح دون ذكر المهر ـ كما مر ـ فهاهنا أولى فليس هو بأكثر من ترك ذكره.
أما الثمن في البيع فيشترط أن يكون معلوما وذلك لأن باب النكاح أوسع من باب البيوع من هذه الناحية فيصح النكاح ولو لم يذكر المهر ولم يعين ولا يصح البيع إلا بذكر الثمن وتعيينه ويصح المهر إذا كان معلوم الجنس مجهول الوصف ولا يصح البيع إذا كان معلوم الجنس مجهول الصفة بخلاف إذا كان المهر مجهول الجنس فإنه لا يصح لأنها جهالة فاحشة كما لو قال أصدقتها حيوانا لا يصح لاحتوائه على أجناس متعددة من الحيوانات.
الترجيح: لعل القول الثاني الذي ينص على صحة هذا المهر هو القول الأرجح لقوة دليله ولا بأس بأخذ الوسط منه أو قيمته كما قاله الحنفية وإذا لم يكن لهذا الشيء وسط فتعطى من الأغلب كما نص عليه المالكية.
ملاحظة: إذا تزوجها وكان مهرها عبدا من عبيده أو ثوبا من أثوابه أو بيتا من بيوته ونحو ذلك فجوازه أوضح وهو أيضًا المذهب عند الحنابلة وذلك لأن الجهالة هنا يسيرة ويمكن تعيين ا لمستحق منها بالقرعة.
المسألة السادسة: جعل المنافع مهرا([27]).
المنافع هي الخدمة فيتزوجها ويجعل مهرها خدمته لها خدمة معينة لمدة معلومة إما بنفسه كبناء أو خياطة أو زراعة وإما عن طريق منافع أملاكه فيجعل منافع داره أو دابته مهرا لها فيكون النكاح مقابل إجارة وليس مقابل مال.
وقد اختلف العلماء في جواز هذا المهر:
القول الأول: لا يجوز أن يكون المهر منفعة فلابد أن يكون مالا.
وهو مذهب الحنفية وقول للمالكية ورواية لأحمد.
دليلهم: أن الشرع نص على أن المهر يكون من الأموال قال تعالى: ﴿ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ ﴾ [النساء : ٢٤] والمنافع ليست مالا.
وأما قوله تعالى على لسان صاحب مدين: ﴿ قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖ ﴾ [القصص: ٢٧] فلا حجة فيه لأنه شرع من قبلنا وشرعهم ليس شرعا لنا كيف وقد نص شرعنا على أن المهر يكون من الأموال والنكاح مقابل تعليم القرآن ـ سيأتي الجواب عليه في المسألة القادمة ـ.
القول الثاني: يجوز أن يكون المهر منفعة من المنافع ويلزم الزوج الوفاء به.
وهذا هو المشهور عند المالكية وهو مذهب الشافعية والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم: الأول: قول صاحب مدين ـ ذكر المفسرون أنه نبي الله شعيب ـ لموسى S: ﴿ قَالَ إِنِّيٓ أُرِيدُ أَنۡ أُنكِحَكَ إِحۡدَى ٱبۡنَتَيَّ هَٰتَيۡنِ عَلَىٰٓ أَن تَأۡجُرَنِي ثَمَٰنِيَ حِجَجٖ ﴾ [القصص: ٢٧] فجعل هذه المنفعة مقابل إنكاحه إحدى ابنتيه وشرع من قبلنا شرع لنا ـ على الراجح ـ وقد جاء من شرعنا ما يؤيده كما سيأتي.
الثاني: في حديث
سهل بن سعد أن رسول الله H زوج رجلا بما معه من القرآن وهو في الصحيحين ـ وسيأتي مزيد كلام عليه حديثيا وفقهيا في المسألة التالية ـ.
الثالث: حديث أنس بن مالك قال: تزوج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت فإن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما. وفي رواية: أن أم سليم قالت له: إن تسلم فذاك مهري وما أسئلك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها([1]). فكان انتفاعها بإسلام أبي طلحة أحب إليها من المال الذي يبذله الزوج فإن الصداق شرع في الأصل حقا للمرأة تنتفع به فإذا رضيت بإسلام الزوج مهرا لها صح ذلك.
الرابع: أنه يجوز العوض عنها في الإجارة كأن تستأجر دارا من شخص مقابل منفعة تقدمها لصاحب الدار فجاز أن تكون صداقا قياسا على الإجارة والمنافع وإن لم تكن مالا لكنها أجريت مجرى المال في الإجارة فكذلك في صداق النكاح وقول رسول الله (بأموالكم) نص على أن المهر يكون من الأموال ونصت الأدلة السابقة على أن المهر يكون أيضًا من المنافع فلا تعارض بينهما فكلاهما يصح وكلاهما ثابت.
الترجيح: الراجح أن المهر يصح إذا كان منفعة من المنافع لمدة معلومة والأولى أن يكون المهر مالا لنص القرآن ولأن المهر إنما كان على عهد رسول الله H من الأموال ولم ينقل عنه إلا لسبب فالرجل الذي زوجه رسول الله H بامرأة وجعل مهرها تعليمها سورا من القرآن إنما كان ذلك بعد عجزه عن مهرها بالمال ولو بالشيء اليسير وقد نص المالكية في المشهور عندهم على كراهية مهر المنفعة مع قولهم بجوازه.
تنبيه: ما جاء في حديث أم سليم مشى على ظاهره بعض أهل العلم وقالوا يصح أن يكون مهرها إسلام من تقدم لها إذا كان كافرا ولم يمش على ظاهره جماعة من أهل العلم فقالوا مراد أم سليم أن الإسلام يكون سببًا لاستحقاقه لها كالمهر لا أنه المهر حقيقة فلا زال المهر في ذمته ولم يسألها عن بقاء هذا المهر في ذمته لأن المعروف عندهم أن المرأة لا تزوج إلا بمهر أو أن هذا كان قبل إيجاب المهر للنساء فقد كان زواجه بها قبل الهجرة بمدة والذي حملهم على تأويل ظاهر القصة أن مثل هذا لا يصح مهرا ولو قلنا بصحة مهر المنافع لأن إسلامه لا يكون فيه تقديم منفعة لها إنما هو نفع لنفسه ومهر المنفعة لأجل تنتفع به المرأة مقابل تسليمها نفسها لطالب النكاح بها([2]).
قلت: والأحوط ألا يكتفي باعتبار إسلام الخاطب مهرا للمرأة خروجا من الخلاف واحتياطا للفروج لكن يستحب أن يخفف له في المهر ويسهل أمره أكثر من غيره ترغيبا له باعتناق الإسلام وتحبيبا له في الاستمرار عليه.
المسألة السابعة: إذا كان مهرها تعليمها القرآن أو بعضه([3]).
اختلف الفقهاء في صحة جعل تعليم القرآن مهرا للمرأة:
القول الأول: يصح أن يكون تعليمه إياها بعض القرآن أو كله مهرا لها.
وهو المشهور عند المالكية ومذهب الشافعية ووجه للحنابلة وقول ابن حزم.
دليلهم: ما جاء عن سهل بن سعد أن رسول الله H قال للرجل الذي لم يجد شيئا يعطيه مهرا لامرأة أراد الزواج بها قال له: هل معك شيء من القرآن؟» قال: معي سورة كذا وكذا. فقال: «تقرأها عن ظهر قلبك؟» قال: نعم. فقال: «ملكتكها بما معك من القرآن»([4]). أي: صحت لك زوجة بما معك من القرآن والمنفعة لها بما معه من القرآن أن يقوم بتعليمها ما معه من القرآن ويكون هذا صداقها وقد جاء هذا التفسير صريحا في بعض طرقه قال: «زوجتكها فعلمها من القرآن»([5]).
وادعاء الخصوصية بهذا الرجل أو أن المعنى زوجناكها قبل أن تعطيها المهر تكريما لك لأجل أنك من أهل القرآن ويبقى المهر عليك مؤجلا كل هذا لا يثبت فيه دليل وهو مخالف لظاهره فيبقى الحديث على ظاهره يدل على جواز جعل تعليم القرآن مهرا للمرأة ويشمل هذا الرجل وغيره فالأصل أن الأحكام عامة للجميع.
القول الثاني: لا يجوز جعل تعليم القرآن صداقا للمرأة.
مذهب أبي حنيفة وقول للمالكية وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم الأول: أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال قال تعالى: ﴿ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ ﴾ [النساء : ٢٤].
الثاني: أن تعليم القرآن لا يجوز أن يكون إلا قربة لفاعله لأنه عبادة كالصلاة والصيام.
الثالث: أن التعليم له لا ينضبط فأشبه المجهول فمدة التعليم مجهولة لأن حفظ الناس يتفاوت فقد يحتاج إلى زمن قليل أو كثير والرد على ما في حديث سهل بن سعد بالآتي:
الأول: أن هذا خاص بهذا الرجل فعن أبي النعمان الأزدي قال: إن رسول الله H قال لهذا الرجل: «لا تكون لأحد بعدك مهرا»([6]).
الثاني: أن المعنى زوجناكها قبل أن تعطيها المهر تكريما لك لأنك من أهل القرآن لا أن تعليمها هو مهرها وسكت عن ذكر المهر اللازم عليه لأنه معلوم ولابد منه فيكون باقيا لها في ذمته وقد جاء هذا صريحا في قصة هذا الرجل من حديث ابن مسعود I أن رسول الله H قال له: «تعلمها القرآن وإذا رزقك الله عوضتها»([7]).
الترجيح: الراجح القول الأول جواز جعل تعليم القرآن مهرا للمرأة. والمهر يصح أن يكون مالا للآية ويصح أن يكون من المنافع كتعليم القرآن لأدلة أخرى فلا تعارض كما مر في المسألة السابقة. وتعليم القرآن قربة وعبادة لكن يجوز أخذ الأجرة على تعليمه عند جمهور العلماء وهو الصواب فعن ابن عباس I أن رسول الله H قال: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله»([8]). فصح أن يؤخذ على القرآن أجرا وسواء كان الأجر عليه تمليك عينيات أو نقودا أو ملك بضع امرأة أو غيرها لعموم لفظه، ومع هذا الأفضل أن يكون المهر من الأموال خروجا من الخلاف واحتياطا للفروج وقد قال المالكية بكراهة جعل تعليم القرآن مهرا مع جوازه.
تنبيه: يجوز أيضًا أن يكون مهرها تعليمها علوما نافعة غير القرآن كالفقه والحديث والكتابة والقراءة وهذا أيضًا هو المذهب عند الحنابلة لأنه منفعة.
فائدة: إن طلقها قبل أن يعلمها القرآن أو غيره من العلوم فقيل يلزمه أن يعلمها ما جعله مهرا لها من العلوم لأن هذا هو المهر المسمى ويمكن أداؤه بتعليمها من وراء حجاب فليس هذا محرما وهو وجه للشافعية ووجه للحنابلة واختاره ابن حزم.
وقيل: ليس له تعليمها المسمى لها إذا طلقها لأنها صارت أجنبية عنه فلا يؤمن من تعليمها حصول الفتنة لكن يلزمه أجرة تعليمها فتقدر الأجرة اللازمة لتعليم مثل هذا وتعطى المرأة وهذا هو المذهب عند الحنابلة وهو وجه للشافعية([9]).
قلت: وهذا القول هو الأحوط بلا ريب.
المسألة الثامنة: لو تزوجها على مهر محرم([10]).
كأن يجعل مهرها خنزيرا أو خمرا أو مالا مغصوبا.
وقد اختلف الفقهاء في صحة هذا المهر:
القول الأول: يفسد عقد النكاح.
وهو رواية للحنفية وقول لمالك ورواية لأحمد.
دليلهم: أنه مهر فاسد والمهر شرط في صحة النكاح فيفسد النكاح بفساده كما في البيوع يفسد البيع بفساد الثمن. ولأنه مسمى فيمتنع مع تسميته إبداله بمهر آخر فكان نكاحا بلا مهر فلم يصح.
القول الثاني: يصح النكاح ويلغى هذا المهر ويلزم بدله مهر المثل.
وهو المذهب عند الحنفية وقول الشافعية والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أن النكاح يصح ولو بدون تسمية المهر فيصح هنا كذلك فتسمية المهر الفاسد كلا تسمية وفساد العوض لا يزيد على عدمه وليس المهر هنا منفيا حتى يبطل العقد بل هو ثابت مقر به ولم يتفقوا على نفيه والأمر هنا بخلاف البيوع فالبيع لا يصح مع جهالة الثمن أصلا فلم يصح بالثمن الفاسد. ويجب مهر المثل لأن النكاح لا يجوز بغير مهر.
القول الثالث: يفسد النكاح قبل الدخول بها ولا يفسد بعد الدخول بها.
وهو المشهور عند المالكية.
دليلهم: لعل دليلهم أن الأمر قبل الدخول سهل فلم يحصل أي وطء بعد.
الترجيح: الراجح أن النكاح يصح ويلزم مهر المثل كما قاله أهل المذهب الثاني ولا يقاس على البيوع هنا للفارق والتفريق بين الدخول وعدمه كما يقوله المالكية تفريق ضعيف لا دليل مستقيم عليه.
المسألة التاسعة: مهر السر ومهر العلن([11]).
تكمن هذه المسألة فيما لو اتفق الزوج مع زوجته أو أوليائها على مهرين: أحدهما حصل بينهما بالسر والخفاء والآخر حصل بينهما في العلن والظاهر وهو أكثر من الأول وحصل الاختلاف بينهما بعد ذلك فادعى الزوج أن المتفق عليه بينهما هو المهر الأقل وهو مهر السر وأن مهر العلن إنما جعلوه لأجل السمعة والمفاخرة أو لأجل المعتاد بين الناس وليس المراد منه التزام الزوج به وأنكر ذلك الزوجة أو أولياؤها وطالبوا بمهر العلن وهو المهر الأكثر فأيهما يعتمد ويلزم تسليمه المتفق عليه في السر أم المتفق عليه في العلن؟
وللجواب على هذا تقسم هذه المسألة إلى قسمين:
القسم الأول: إذا حصل العقد مرتين مرة في السر ومرة في العلن.
وقد اختلف الفقهاء في المهر اللازم على الزوج الذي يؤخذ به:
القول الأول: يؤخذ بمهر العلن ويلزم على الزوج لزوجته.
وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أن الزوج قد أقر بمهر العلن وعقد عليه فقد وجد منه بذلك بذل الزائد على مهر السر والرضى به فلزم عليه.
القول الثاني: يؤخذ بمهر السر ولا يلزم على الزوج مهر العلن.
وهو المشهور عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن ومذهب الشافعي وبعض الحنابلة.
دليلهم: أن النكاح صح بالعقد الأول فلزم المهر المذكور فيه وهو مهر السر أما مهر العلن فيكون ملغيا فلا يتعلق به حكم بعد صحة مهر السر.
القول الثالث: إذا أتى الزوج ببينة على أن المعتمد عليه بينهما هو مهر السر وأن ما أظهر في العلانية كان سمعة ومفاخرة أو موافقة للعادة ولم يتفقوا على لزومه عليه عمل بمهر السر وإن لم يفعل لزم عليه مهر العلانية.
وهو قول أبي حنيفة ورواية لأبي يوسف ومحمد بن الحسن وهو مذهب المالكية إلا أنهم يقبلون قول الزوج مع يمينه إذا لم توجد له بينة.
دليلهم: أن الأصل أنه ملزم بمهر العلن فقد وافق عليه وعقد عليه العقد لكن إذا أقام الزوج البينة على أن هذه الزيادة التي في مهر العلن إنما وضعوها سمعة ومفاخرة أو عادة وأن مهر العلانية لا أصل له في الحقيقة والالتزام وإنما هو أمر ظاهري فلا تلزمه هذه الزيادة الموجودة في عقد العلن ويلزمه ما في عقد السر.
الترجيح: الأرجح عندي القول الثالث أنه مطالب بمهر العلن إلا أن يبرهن على أن المتفق عليه بينهما هو مهر السر دون العلن لحرمة أخذ ماله بغير حق فهو يدعي عدم التزامه بما قالوا ومعه بينة على ذلك.
وأما الاقتصار على يمينه بدون بينة كما قاله المالكية فمحل احتمال ونظر والأقرب عندي عدم اعتباره والله أعلم.
القسم الثاني: إذا اتفقوا في السر على مهر دون عقد وعقدوا بالعلن على مهر أزيد منه.
اختلف الفقهاء كذلك هنا في المهر اللازم على الزوج:
القول الأول: يؤخذ بمهر العلن وهو اللازم عليه.
وهو مذهب الشافعية والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أن المهر المعلن به هو المهر المسمى في العقد فوجب الأخذ به ولا اعتبار بمهر السر ما دام أن العقد لم يتم عليه ولو وجدت بينة تشهد بأن المتفق عليه هو مهر السر وأن مهر العلن إنما كان لغرض سمعة ومفاخرة أو عادة فقط فالمعتبر المهر الذي تم عقد النكاح عليه.
القول الثاني: إذا برهن الزوج على أن المهر الذي أعلنوا وعقدوا عليه إنما كان لأجل سمعة ومفاخرة أو عادة وأن المهر المتراضى عليه بينهم هو مهر السر فيؤخذ بمهر السر وإذا لم توجد معه بينة فالمعتبر بمهر العلن.
وهو مذهب الحنفية وقال ابن تيمية نقل عن الإمام أحمد ما يقتضي القول به وهو مذهب المالكية أيضًا إلا أنهم يقبلون قول الزوج إذا حلف ولو بدون بينة.
دليلهم: الأصل أن المعتبر به هو مهر العلن فهو الذي حصل العقد عليه لكن إذا كانت له بينة تشهد على أن المهر المتفق عليه المتراضى عليه بينهم هو مهر السر فلا يلزم عليه مهر العلن ويكون مهر العلن مهر سمعة ومفاخرة فهو باطل.
الترجيح: الراجح القول الثاني أن اللازم مهر العلن فهو المهر المسمى في العقد ويصرف عنه إذا برهن على أنه مهر سمعة ومفاخرة لا مهر إلزام والتزام.
وهنا الترجيح أوضح مما في القسم الأول وإن كان الترجيح واحدا.
المسألة العاشرة: إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر المسمى([12]).
وصورتها: أن تدعي الزوجة أن المهر المسمى مبلغا تعينه ويدعي الزوج أن المسمى أقل منه ولم تكن هنالك بينة تشهد لأحدهما.
وقد اختلف الفقهاء فيمن يؤخذ بقوله منهما:
القول الأول: إذا كان الاختلاف حصل قبل البناء بالمرأة فيقدم قول من أتى بما يشبه في القدر دون الاخر مع يمينه ويثبت النكاح ولا فسخ فإن لم يشبه واحدا منهما أو أشبها معا تحالفا ثم يفسخ النكاح ولا شيء لها وإن كان الاختلاف بعد البناء بها فالقول قول الزوج مع يمينه.
وهو مذهب المالكية.
دليلهم: يعتمد قبل البناء قول من أتى بما يشبه في القدر لأن ذلك دليل له وإلا تحالفا كالبيع أي يحلف كل واحد منهما على صدق دعواه كما لو اختلفا في ثمن المبيع ويفسخ النكاح كما يفسخ البيع ولا شيء لها لأنه نكاح مفسوخ قبل الدخول فالخلاصة الرجوع للأشبه وانفساخ النكاح بالتحالف كالبيع أما بعد البناء بها فيقدم قول الزوج بما ادعاه من مقدار المهر مع يمينه لأنه غارم والأصل براءة ذمته عما زاد.
القول الثاني: القول قول من ادعى مهر المثل من الزوجين مع يمينه فإن ادعى ا لزوج مهر المثل أو أكثر فيؤخذ بقوله مع يمينه وإن ادعت الزوجة مهر المثل أو أقل أخذ بقولها مع يمينها فإن ادعت الزوجة أكثر من مهر المثل أو ادعى ا لزوج أقل من مهر المثل لزم مهر المثل.
وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن ورواية لأحمد.
دليلهم: أن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر والظاهر شاهد لمن يشهد له مهر المثل لأنه الموجب الأصلي في باب النكاح.
القول الثالث: يتحالفان فيحلف الزوج على قوله وتحلف الزوجة على قولها فإن حلف أحدهما ورفض الآخر كان القول قول من حلف وإن حلفا جميعا وجب مهر المثل ويلغى المهر المختلف فيه.
وهو مذهب الشافعي ورواية لأحمد.
دليلهم: أنهما اختلفا في العوض المستحق في العقد ولا بينة فيتحالفان قياسا على المتبايعين يتحالفان إذا اختلفا في الثمن إلا أنهما إذا حلفا يرد لمهر المثل ولا ينفسخ النكاح لأن النكاح يصح أصلا ولو بدون ذكر المهر بخلاف البيع لا يصح إلا مع ذكر الثمن فلهذا ينفسخ البيع في هذا.
القول الرابع: القول قول الزوج على كل حال مع يمينه إلا إذا ادعى الزوج من المهر ما يستنكر مثله فلا يقبل قوله.
وهو قول أبي يوسف الحنفي وهو المذهب عند الحنابلة.
دليلهم: الأول: أن الزوجة تدعي على الزوج الزيادة وهو منكر للزيادة فكانت البينة عليها فإن لم تفعل كان عليه اليمين لأنه مدعى عليه فعن ابن عباس L أن رسول الله H قضى باليمين على المدعى عليه([13]).
الثاني: أن الزوج غارم والأصل براءة ذمته من الزيادة وأما التحالف بينهما قياسا على التحالف في البيع فهو قياس مع الفارق حيث إنه في البيع يرجع كل واحد منهما في ماله وينفسخ البيع أما هنا فهو عوض لفرج إن كان استحله الزوج بالدخول فيلزم العوض كاملا وإن كان لم يستحله بالدخول فيلزم نصفه.
وأما إذا ادعى ما يستنكر أو ادعى مهرا لا يتزوج بمثله في العادة فإنه لا يقبل منه ولو مع يمينه لأن الظاهر يكذبه فيه.
الترجيح: الراجح القول الأخير فهو أحسن هذه الأقوال فيقبل قول الزوج بيمينه إلا أن يدعي مهرا قليلا لا تزوج المرأة بمثله عادة فلا يقبل قوله.
المسألة الحادية عشر: لو أنكر الزوج الصداق الذي عليه للزوجة([14]).
وذلك بأن يدعي الزوج أنه وفاها أو أنها أبرأته منه أو أنها لا تستحق منه شيء وتنكر المرأة كل ذلك وليست هنالك بينة لواحد منهما فمن يقدم قوله؟
فيه خلاف بين الفقهاء:
القول الأول: إذا حصل الاختلاف بينهما قبل البناء بها فيقدم قولها بيمينه وإذا حصل الاختلاف بعد البناء بها فالقول قول الزوج بيمينه.
وهو مذهب المالكية ورواية لأحمد.
دليلهم: يقدم قولها قبل البناء بها لأنها مدعى عليها فكانت اليمين عليها إذا لم يأت ببينة، أما بعد البناء يقدم قول الزوج بيمينه لأن الغالب أن المرأة لا تسلم نفسها حتى تقبض صداقها فكان الظاهر معه فيقبل قوله مع يمينه إلا إذا كان العرف عندهم تأخير الصداق إلى بعد الدخول بالمرأة فيقدم قولها مع يمينها لأن الظاهر معها هذه المرة.
القول الثاني: القول قولها قبل الدخول بها أو بعده إلا إذا دخل بها وكان المتعارف عليه عندهم تعجيل الصداق فلا يقبل قولها أو كان المتعارف عليه عندهم تعجيل بعضه فيقبل منها ما زاد على المعجل إلى تمام مهر مثلها.
وهذا الذي عليه الفتوى عند الحنفية.
دليلهم: يقدم قولها قبل الدخول وبعده لأنها مدعى عليها وهو لا بينة له وكما مر في الحديث: «اليمين على المدعى عليه» ولا يقبل قولها إذا تعارفوا على تعجيل الصداق أو بعضه لأن العرف يقوم هنا مقام البينة للزوج فتثبت دعواه بالعرف من غير حاجة إلى إثبات آخر.
القول الثالث: أن القول قولها مع يمينها فيما يوافق مهر المثل سواء قبل الدخول أو بعده.
وهو مذهب الشافعية والمذهب عند الحنابلة وقول بعض الحنفية.
دليلهم: يقدم قولها قبل الدخول أو بعده لأن الزوج يدعي تسليم الحق الذي عليه فلم يقبل منه بغير بينة كما لو ادعى تسليم ثمن المبيع أو رد الدين الذي عليه فلا يقبل منه إلا ببينة فإذا لم تكن له بينة قدم قولها مع يمينها لأنها مدعى عليها منكرة لدعواه والعرف لا تثبت به براءة ذمة الزوج فلا يكفي بينة للزوج فقد يحصل اتفاق على خلاف ما عليه العرف فللمرأة أن تطالبه بكل ما عليه بشرط ألا يزيد على مهر أمثالها من النساء.
الترجيح: الراجح المذهب الثالث أنه يقدم قولها مع يمينها وقد مر في الحديث أن رسول الله H قضى باليمين على المدعى عليه. والمرأة هنا مدعى عليها.
([1]) صحيح لغيره: رواه عبد الرزاق (10417)، والنسائي (6/114) بإسنادين حسنين إلى أنس وصححه شيخنا الوادعي في الصحيح المسند (1/79).
([2]) انظر زاد المعاد (5/179)، المحلى (9/98)، حاشية السندي على سنن النسائي (6/423).
([3]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/175)، الاستذكار (16/81)، المنتقى للباجي (3/277)، شرح مسلم للنووي (9/183)، فتح الباري (10/266)، المغني (10/103)، الإنصاف (8/231، 234)، المحلى (9/97).
([4]) رواه البخاري (5087)، ومسلم (1425).
([5]) رواه مسلم.
([6]) ضعيف منكر: رواه سعيد بن منصور (3/176)، قال الحافظ ابن حجر: مرسل ومع إرساله فيه من لا يعرف. فتح الباري (10/266).
([7]) ضعيف جدا: رواه الدارقطني (3/250) وقال: تفرد به عتبة وهو متروك الحديث. ورواه البيهقي (7/243) وقال عتبة بن السكن منسوب إلى الوضع وهذا باطل لا أصل له.
([8]) رواه البخاري (5737).
([9]) المغني (10/106)، روضة الطالبين (5/625)، الإنصاف (8/233)، المحلى (9/99).
([10]) مراجع: فتح القدير (3/358)، بداية المجتهد (2/27)، مواهب الجليل (5/187)، النجم الوهاج (7/313)، المغني (10/116)، الإنصاف (8/245).
([11]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/236)، حاشية الدسوقي (3/160)، النجم الوهاج (7/324)، المغني (10/172)، إعلام الموقعين لابن القيم (3/89)، الإنصاف (8/293)، جامع الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية (2/624)، الموسوعة الفقهية (39/203).
([12]) مراجع: فتح القدير (3/373)، مواهب الجليل (5/232)، حاشية الخرشي (4/386)، حاشية الدسوقي (3/193)، النجم الوهاج (7/363)، المغني (10/132)، الإنصاف (8/289).
([13]) رواه البخاري (2668)، ومسلم (2112).
([14]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/224)، بداية المجتهد (2/31)، حاشية الخرشي (4/390)، روضة الطالبين (5/644)، المغني (10/134)، الإنصاف (8/293)، الموسوعة الفقهية (39/202).
([1]) مراجع: فتح القدير (3/317)، حاشية ابن عابدين (4/168)، بداية المجتهد (2/18)، مواهب الجليل (5/186)، المفهم للقرطبي (4/135)، المجموع شرح المهذب (18/6)، فتح الباري (10/256، 263)، المغني (10/99)، المحلى مسألة (1834).
([2]) موضوع: رواه الدارقطني (3/245)، والبيهقي (7/133، 240)، وفي سنده ميسرة بن عبيد كذاب. ورواياه أيضًا عن علي بن أبي طالب موقوفا عليه ولا يصح عنه وقد أنكره بعض الحفاظ كالثوري والشافعي وأحمد.
([3]) ضعيف جدا: رواه الدارقطني (3/244)، والبيهقي (7/239) وفي سنده ثلاثة من الضعفاء.
([4]) ضعيف: رواه أحمد (3/355)، وأبو داود (2110)، والدارقطني (3/243)، والبيهقي (7/238) وفيه موسى بن مسلم بن رومان وقيل صالح بن مسلم بن رومان مجهول. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (456).
([5]) رواه البخاري (5135)، ومسلم (1425).
([6]) رواه البخاري (5072)، ومسلم (1427).
([7]) مجموع الفتاوى (32/194).
([8]) شرح صحيح مسلم للنووي (9/183)، الإنصاف (8/238).
([9]) صحيح: رواه عبد الرزاق (10406)، وأحمد (2/367)، والنسائي (6/117)، وابن حبان (4097)، والدارقطني (3/222)، والبيهقي (7/235) بإسناد صحيح وصححه الألباني في صحيح النسائي (3140).
([10]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/208)، حاشية الدسوقي (3/166)، حاشية الخرشي (4/344)، روضة الطالبين (5/608)، مغني المحتاج (3/295)، المغني (10/150)، الإنصاف (8/303).
([11]) مراجع: حاشية الدسوقي (3/155)، المفهم للقرطبي (4/135)، النجم الوهاج (7/298)، المغني (10/18)، زاد المعاد (5/178).
([12]) رواه مسلم (1424).
([13]) صحيح: رواه أبو داود (2117)، وابن حبان (4072)، والحاكم (2/181)، والبيهقي (7/232)، وغيرهم بإسناد صحيح. وصححه الألباني في الإرواء (1924).
([14]) حسن: رواه أحمد (6/77، 91)، وابن حبان (4095)، والحاكم (2/181)، والبيهقي (7/235) وغيرهم عن أسامة بن زيد عن صفوان بن سليم عن عروة عن عائشة به. وأسامة بن زيد يحتمل أنه الليثي ويحتمل أنه العدوي وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمة أسامة بن زيد الليثي في الكامل (1/386) فعليه يكون الإسناد حسنا فالليثي مختلف فيه والأقرب أنه حسن الحديث لا سيما أن هذا الحديث يرويه عن الليثي عبد الله بن وهب وقد ذكر ابن عدي أن ابن وهب يروي عن الليثي نسخة صالحة. اهـ. وقد حسن إسناد هذا الحديث الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيق مسند أحمد. وأما العدوي فهو ضعيف.
([15]) حسن لغيره: رواه ابن حبان (4034) وفي سنده ضعف لكن يشهد له الأحاديث السابقة.
([16]) حسن: رواه عبد الرزاق (10399)، وسعيد بن منصور (3/165)، وأحمد (1/41)، وأبو داود (2106)، والترمذي (1141)، والنسائي (6/117)، وابن ماجه (1887)، وابن حبان (4620)، والبيهقي (7/234) عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي العجفاء قال: خطبنا عمر. فذكره وله علة لكنها غير قادحة فقد رواه بعضهم عن أيوب عن ابن سيرين قال: نبئت عن ابي العجفاء. وهذا ظاهره الانقطاع ورواه بعضهم عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن أبي العجفاء عن أبيه عن عمر به. فصرح هنا بالواسطة لكن رواه سعيد بن منصور والإمام أحمد (1/48) عن أيوب عن ابن سيرين سمعه من أبي العجفاء قال سمعت عمر به. ففيه تصريح ابن سيرين بسماعه من أبي العجفاء قال الدارقطني في علله (2/237): فيشبه أن يكون ابن سيرين سمعه من أبي العجفاء وحفظه عن ابن أبي العجفاء عن أبيه. اهـ. فعليه: يثبت متصلا وأبو العجفاء هو هرم بن نسيب صدوق. وقد صحح إسناد الحديث الألباني في الإرواء (1927).
([17]) ضعيف: رواه سعيد بن منصور (3/166)، والبيهقي (7/233) وضعفه الألباني في الإرواء (6/348).
([18]) مراجع: حاشية الخرشي (4/329)، حاشية الدسوقي (3/155)، النجم الوهاج (7/298)، مجموع الفتاوى (32/194)، الإنصاف (8/328).
([19]) سنده صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/494)، والمراد من الفضة.
([20]) سنده صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/494) والدنانير من الذهب.
([21]) صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/494) ومحمد هو ابن سيرين.
([22]) نور على الدرب للعثيمين (10/243).
([23]) انظر تفسير ابن كثير سورة آل عمران آية (14).
([24]) مراجع: الفتاوى الهندية (1/312)، فتح القدير (3/329)، حاشية الخرشي (4/351)، المغني (10/178).
([25]) فتاوى اللجنة الدائمة (19/263).
([26]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/198)، فتح باب العناية (2/58)، مواهب الجليل (5/174)، بداية المجتهد (2/21)، حاشية الخرشي (4/301)، روضة الطالبين (5/588)، النجم الوهاج (7/315)، المغني (10/113)، الإنصاف (8/336).
([27]) مراجع: فتح القدير (3/339)، بداية المجتهد (2/21)، مواهب الجليل (5/194)، المفهم للقرطبي (4/131)، فتح الباري (10/267)، المجموع شرح المهذب (18/10)، المغني (10/101)، زاد المعاد (5/176)، الإنصاف (8/230).