المبحث الرابع مهر المطلقة والمتوفى عنها زوجها والموطوءة بحرام أو شبهة أو نكاح فاسد
فيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا طلقها قبل الدخول بها ولم يختل بها وكان فرض لها صداقا([1]).
أجمع العلماء على أن لها نصف الصداق المفروض سواء كانت بكرًا أم ثيبا لقوله تعالى: ﴿ وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ ﴾ [البقرة: ٢٣٧]
المسألة الثانية: إذا طلقها قبل الدخول ولم يختل بها ولم يفرض لها صداقا([2]).
نقل بعض العلماء إجماع أهل العلم على أنه لها المتعة وليس لها نصف مهر المثل لنص القرآن في قوله تعالى: ﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ ﴾ [البقرة: ٢٣٦].
وقال الإمام أحمد في رواية عنه خلاف المشهور عنه أن لها نصف مهر المثل لأنه نكاح صحيح يوجب مهر المثل بعد الدخول فكان لها نصفه بالطلاق قبل الدخول.
الراجح بلا شك أن لها المتعة بنص القرآن.
واختلفوا في حكم هذه المتعة:
القول الأول: مستحبة فقط وليست واجبة عليه.
مذهب مالك وبعض السلف.
دليلهم: قوله تعالى: ﴿ لَّا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمۡ تَمَسُّوهُنَّ أَوۡ تَفۡرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ مَتَٰعَۢا بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٢٣٦ ﴾ [البقرة: ٢٣٦]. فذكر الأمر بالمتعة وذكر أنه حق على المحسنين فدل ذلك على أن المتعة تعطى على سبيل الإحسان والتفضل والإحسان ليس بواجب لأنها لو كانت واجبة لم تخص المحسنين دون غيرهم.
القول الثاني: واجبة عليه لها.
قول جمهور العلماء منهم الحنفية والشافعية والحنابلة.
دليلهم: الأمر بها في قوله تعالى: (فمتعوهن) وفي قوله: ﴿ وَلِلۡمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِۖ حَقًّا عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ ٢٤١ ﴾ [البقرة: ٢٤١]. وأداء الواجب من الإحسان فلا تعارض بين القول بوجوبها وبين جعلها حقا على المحسنين وقوله في آخر الآية الأولى: ﴿ عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ وفي الآية الثانية: ﴿ عَلَى ٱلۡمُتَّقِينَ ﴾ تأكيد للوجوب فمن لم يأت بها فليس من المتقين.
الترجيح: الراجح: مذهب جمهور العلماء بلا ريب القائل بوجوب المتعة لها.
المسألة الثالثة: قدر هذه المتعة([3]).
المتعة من التمتع وهو الانتفاع فهي مشتقة من المتاع وهو ما يستمتع به فإذا تراضى الزوجان على مقدار معين من نقود أو كسوة حصلت المتعة المطلوبة وإن اختلفوا يرجع إلى الحاكم في تقديرها وكل هذا لا إشكال فيه إنما الإشكال في حال النزاع بين الزوجين هل تقدر بالنظر إلى حال الزوج فقط أم بالنظر إلى حالهما معا؟
فيه خلاف بين الفقهاء:
القول الأول: يعتبر النظر إلى حالهما معا في معرفة مقدار المتعة فيعتبر حال الزوج من الفقر والغنى وحال المرأة بالنظر إلى نسبها وصفاتها وفقرها أو غناها.
وهو الأصح عند الحنفية والأصح عند الشافعية ووجه للحنابلة.
دليلهم: يعتبر حال الزوج لنص القرآن: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ ﴾ [البقرة: ٢٣٦] ويعتبر حال الزوجة أيضًا لدليلين:
الأول: قوله تعالى في الآية السابقة: ﴿ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ ﴾ فمن المعروف أن كل واحدة منهن تمتع بحسب حالها فمن كانت غنية وذات نسب وصفات جيدة المعروف في حقها أن تعطى من المتعة بقدرها ومن كانت د ونها في الحالة تعطى أقل من الأولى فلو ساوينا بينهما بالمتعة مع اختلاف حاليهما لوجب للثانية ما يجب للأولى وهذا خلاف ما قاله الله تعالى: ﴿ مَتَٰعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ ﴾ .
الثاني: أن هذه المتعة كالبدل عن المهر والمهر معتبر بحال الزوجة في القلة والكثرة كما هو معروف بين الناس فكذلك تكون المتعة القائمة مقامه.
القول الثاني: يعتبر بحال الزوج فقط في تعيين مقدار المتعة.
وهو مذهب المالكية وقول بعض الحنفية وهو وجه للشافعية والصحيح عند الحنابلة.
دليلهم: أن هذا ظاهر القرآن قال تعالى: ﴿ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلۡمُوسِعِ قَدَرُهُۥ وَعَلَى ٱلۡمُقۡتِرِ قَدَرُهُۥ ﴾ [البقرة: ٢٣٦] فجعل مقدار المتعة تختلف بحسب حالة الزوج وقدرته وبالنظر لحاله تحصل المتعة بالمعروف واعتبار حال المرأة أيضًا يعتبر زيادة على النص القرآني ولما صح باعتباره أن يكون على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
القول الثالث: يعتبر بحالة الزوجة فقط دون النظر لحال الزوج.
وهو وجه للحنفية ووجه للشافعية ووجه للحنابلة.
دليلهم: أنها بدل من المهر فينظر لحالها هنا كما ينظر لحالها في امر المهر.
الترجيح: أما الاعتبار بحالها فقط فضعفه ظاهر لمخالفته لظاهر القرآن وأما اعتبار حاليهما معا فقوي لكن ليس عندنا ما يكفي من الأدلة لاعتبار حال الزوجة أيضًا والأدلة التي ذكرت لاعتبار حال المرأة أدلة محتملة فيكون الاكتفاء بالنظر لحال الزوج فقط هو الأرجح وهو نص القرآن فعلى الغني قدرا معينا وعلى المتوسط أدنى منه وعلى الفقير أدنى من المتوسط.
فائدة: ذكر الفقهاء تقديرا لها بالنظر إلى واقع الناس فقال الحنفية هي درع وخمار وملحفة لأن هذا أدنى ما تكتسى به المرأة وتستر به عند الخروج من بيتها ولا تنقص المتعة على خمسة دراهم.
وقال الشافعية: يستحب ألا تنقص على ثلاثين درهما لأنه الذي جاء عن ابن عمر رضي الله عنه وهو أعلم بقدر المتعة بالمعروف ولو نقصت عن الثلاثين درهم فجائز.
وقال الحنابلة: أدناها كسوة تجزيها في صلاتها كدرع وخمار وثوب لأن الكسوة الواجبة إذا أطلقت بالشرع تقدر بذلك.
قلت: وكل ذلك ليس بلازم لكن من باب التقريب والتسهيل للفهم وإلا فهو أمر لم يرد الشرع بتحديده وتقديره وكما مر أن الدرهم الواحد يساوي ثلاث غرامات من الفضة تقريبا ولعل الغرام الواحد حاليا يساوي مائة ريال يمني.
المسألة الرابعة: إذا اختلى الزوج بالزوجة ثم طلقها فماذا لها؟([4])
اتفق العلماء على أن الزوج إذا اختلى بزوجته ووطأها ثم طلقها أن لها المهر كاملا.
واختلفوا فيما إذا اختلى بها ولم يطأها ثم طلقها فهل لها نصف المهر كغير المدخول بها أم لها المهر كاملا كالمدخول بها:
القول الأول: إذا أقام معها مدة طويلة كالسنة ونحوها وكان قد اختلى بها فإنها تستحق المهر كاملا إذا طلقها وأما إذا اختلى بها ولم تبق معه إلا مدة يسيرة ثم طلقها فلها نصف المهر فقط.
وهو قول للمالكية.
دليلهم: أن المدة إذا طالت معه فتستحق المهر كاملا من طول تلذذه بها حتى تغير جهازها أي بلى ثيابها أما إذا كانت مدة بقائها معه يسيرة فلا تستحق إلا النصف لأنه لم يطأها أصلا.
القول الثاني: يجب المهر كاملا بمجرد الخلوة الممكنة من الجماع.
وهو مذهب أكثر السلف وقول الحنفية والمذهب عند الحنابلة والقول القديم للشافعي.
دليلهم الأول: أن هذا قضاء الخلفاء الراشدين المهديين وجماعة من الصحابة ولا يعلم لهم مخالف من الصحابة صح عنه خلافه فكان إجماعا وظاهر ما جاء عنهم أن لها الصداق كاملا سواء ادعت أنه وطأها أم لم تدعي ذلك فعن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدين المهديون أنه من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر والعدة([5]).
وعن الأحنف بن قيس قال: إن عمر وعليا قالا: إذا أغلق بابا وأرخى سترا فلها الصداق وعليها العدة([6]).
وجاء عن ابن عمر I أنه قال: إذا أجفت الأبواب وأرخت الستور وجب الصداق([7]).
وعن سليمان بن يسار أن رجلا تزوج امرأة فطلقها ولم يمسها فأرسل مروان بن الحكم إلى زيد بن ثابت فقال: لها الصداق كاملا([8]). وجاء عن جابر ومعاوية ولا يصح عنهما.
الثاني: ما جاء عن محمد بن ثوبان أن رسول الله H قال: «من كشف عن امرأة ونظر إلى عورتها فقد وجب الصداق([9]).
الثالث: ما جاء عن كعب بن زيد أو زيد بن كعب أن رسول الله H تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها أبصر بكشحها بياضا فقال: «خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا». وفي رواية: «وأكمل لها الصداق»([10]).
وما جاء عن الصحابة M لا ينافي قوله تعالى: ﴿ وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ ﴾ [البقرة: ٢٣٧] إذ أن المس هنا يمكن أن يحمل على الخلوة من باب إطلاق اسم المُسبِّب على السبب الذي هو الخلوة فالخلوة الصحيحة سبب المس ظاهرا لأن الرجل لا يمس امرأة إلا في الخلوة الصحيحة فالمس ليس بوطء حقيقة.
وكذلك قولهم لا ينافي قوله تعالى: ﴿ وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ ﴾ [النساء : ٢١] فالإفضاء هنا الخلوة دخل بها أم لم يدخل لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء فحقيقة الإفضاء الدخول في الفضاء وهو المكان الخالي وكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض. وعلى التسليم بأن المراد بالمسيس والإفضاء في الآيتين هو الجماع صراحة ولا تأويل له فالجواب: أن ما جاء عن الصحابة يبين أن الخلوة مع التخلية له من المرأة فيه الصداق كاملا ولو لم يطأها فتكون الآيتان بينتا حالة يجب فيها الصداق كاملا وآثار الصحابة بينت حالة أخرى يجب فيها الصداق كاملا أيضًا فقولهم حجة مع عدم وجود المخالف فيجب الصداق كاملا بالجماع لنص القرآن وبالخلوة الممكنة من الجماع ولو لم يوجد جماع لآثار الصحابة M.
القول الثالث: ليس لها إلا نصف المهر فقط.
وهو قول جماعة من السلف وقول للمالكية والصحيح عند الشافعية ورواية لأحمد ومذهب الظاهرية.
دليلهم: قوله تعالى: ﴿ وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ ﴾ [البقرة: ٢٣٧] فهذا نص صريح ينص على أن المرأة إذا طلقها زوجها قبل المسيس أن لها نصف المهر فقط والمسيس الظاهر من أمره أنه الجماع. وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَكَيۡفَ تَأۡخُذُونَهُۥ وَقَدۡ أَفۡضَىٰ بَعۡضُكُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا ٢١ ﴾ [النساء : ٢١] الإفضاء: الجماع.
وقد جاء عن ابن عباس أنه قال: المباشرة والمس والملامسة جماع كله لكن الله يكني ما شاء بما شاء([11]).
وما جاء عن بعض الصحابة من الاكتفاء بالخلوة في وجوب المهر كاملا يرد عليه من وجوه:
الأول: أنهم لم يقصدوا مجرد الخلوة فقط وإنما قصدوا إذا وجدت خلوة وادعت المرأة في نفس الوقت أنه وطأها وأنكر وطأها فيقدم قولها ويكون لها الصداق كاملا بمعنى أن الخلوة شهادة لها على صدق دعواها فالرجل متى خلا بامرأته أول خلوة مع حرصه عليها فإنه قلما يفارقها قبل الوصول إليها وقد جاء هذا صريحا في أثر زيد بن ثابت فيحمل ما جاء عن غيره على هذا أيضًا حتى لا تعارض أقوالهم نص القرآن.
الثاني: أن الصحابة M لم يتفقوا على هذا فقد جاء عن الشعبي عن ابن مسعود أنه قال: لها نصف الصداق وإن جلس بين رجلها([12]).
وعن ابن عباس L أنه قال: إذا طلق قبل أن يدخل فلها نصف الصداق وإن كان خلى بها([13]).
الثالث: أن هذه الآثار اجتهادات خالفت ما جاء في القرآن فلا عبرة بها.
الترجيح: الأرجح عندي أن الخلوة الممكنة من الجماع تكون سببًا لحصول المرأة لجميع الصداق كما قاله أهل المذهب الثاني لما جاء عن الصحابة ولا تستقيم الأجوبة المذكورة على رد هذه الآثار وأما الأحاديث فضعيفة كما مر.
فائدة1: حيث قلنا إن لها الصداق كاملا لمجرد وجود الخلوة الصحيحة إذا طلقها فيجب عليها العدة كذلك وقد صح هذا عن عمر وعلي L كما مر ونص عليه الحنفية والحنابلة بل نقل أيضًا عن المالكية([14]).
فائدة2: اختلفوا هل له مراجعتها في عدتها هذه أم لا؟
فقيل: له حق المراجعة ما دام أنها تعتد منه ولأن الخلوة بمنزلة الدخول.
وهذا هو المذهب عند الحنابلة.
وقيل: ليس له حق المراجعة لأنه لابد من جماع حتى تصح المراجعة ولأن جواز المراجعة لها لم ينص عليه الصحابة إنما نصوا على الصداق والعدة.
وهذا هو قول الحنفية وهو وجه للحنابلة([15]).
قلت: وهذا القول هو الأحوط فترجع له بعقد جديد ومهر جديد.
المسألة الخامسة: إذا وجدت الخلوة ووجد مانع يمنع من الوطء([16]).
سواء كان مانعا حسيا كمرض بأحدهما يمنع الجماع أم مانعا شرعيا كصيام فريضة أو إحرام بحج أو عمرة أو حيض بالنسبة للمرأة فهل يعتبر بهذه الخلوة وتعطى الصداق كاملا إذا طلقها أم لا؟
فيه خلاف عند الفقهاء:
القول الأول: لا يعتبر بهذه الخلوة ولا يجب لها عند الطلاق سوى نصف الصداق.
وهو قول الحنفية ورواية لأحمد وقول الشافعي القديم.
دليلهم: أن الخلوة قائمة مقام الوطء فلابد من عدم المانع منه.
القول الثاني: يعتبر بهذه الخلوة ويجب للمرأة الصداق كاملا إذا طلقها.
وهو الصحيح عند الحنابلة.
دليلهم: ظاهر كلام الصحابة فقد جعلوا الخلوة سببًا لاستحقاق الزوجة لجميع الصداق ولم يشترطوا عدم وجود ما يمنع من الوطء.
الترجيح: الراجح القول الثاني تكفي الخلوة لوجوب الصداق كاملا على الزوج لزوجته ولو وجد مانع يمنع من الوطء ويؤيده أن أكثر هذه الموانع قد يحصل معها الوطء ولو مع الوقوع في مخالفة شرعية فإمكانية الوطء هنا متوفرة فقد توطأ المريضة أو الحائض أو المحرمة أو الصائمة حتى قال ابن حزم على قول الحنفية إنه قول لم يأت قط عن أحد من السلف. اهـ
فائدة: المباشرة للمرأة دون الجماع كالقبلة بغير خلوة فأكثر العلماء وهو رواية لأحمد أن فيه نصف المهر فقط لعدم وجود الدليل الشرعي على وجوب الصداق كاملا في هذه الحالة وذهب الحنابلة في الصحيح عندهم إلى أن فيه الصداق كاملا أيضًا لأنه مسيس فيدخل في قوله تعالى: ﴿ وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ﴾ [البقرة: ٢٣٧] أي عند المس لها المهر كاملا ولحديث عبد الرحمن بن ثوبان السابق فجعل المهر على من نظر لعورة المرأة ولم يقيده بحالة الخلوة([17]).
والصواب: ما عليه أكثر العلماء وحديث ابن ثوبان ضعيف والآية يحمل المسيس فيها على الوطء كناية عنه أو يحمل على الخلوة لأنها سبب للوطء كما سبق في المسألة الرابعة.
المسألة السادسة: من مات عليها زوجها قبل الدخول بها([18]).
لمعرفة كم تستحق من الصداق تقسم هذه المسألة إلى قسمين:
القسم الأول: إذا مات ولم يفرض لها صداقا.
اختلف الفقهاء في هذه الحالة هل لها شيء من الصداق أم لا؟
القول الأول: لها مثل مهر مثلها من النساء.
وهو مذهب الحنفية وقول للشافعية ومذهب الحنابلة والظاهرية.
دليلهم: ما جاء عن ابن مسعود I أنه سئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق فقال ابن مسعود: لها الصداق كاملا. وفي رواية: لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة فقال معقل بن سنان الأشجعي: قضى رسول الله H في بروع بنت واشق امرأة منا مثلما قضيت. ففرح بها ابن مسعود([19]). فهذا قضاء رسول الله H بمهر المثل لمن مات عليها زوجها قبل الدخول بها ولم يفرض لها صداقا بعد.
ولا يقبل القياس إذا عارض النص الصحيح الصريح.
القول الثاني: ليس لها صداق لكن لها المتعة.
وهو قول المالكية والأظهر عند الشافعية.
دليلهم: أنها فرقة وردت قبل فرض الصداق وقبل الدخول فكانت كفرقة الطلاق إذا حصلت قبل الدخول ولم يفرض الصداق بعد فليس لها إلا المتعة.
ولأن الصداق عوض فلما لم يقبض المعوض عنه لم يجب العوض.
وردوا على حديث معقل بن سنان السابق بالآتي:
الأول: أنه ضعيف لا يصح وقد قال الإمام الشافعي إذا ثبت حديث بروع بنت واشق فلا حجة في قول أحد مع السنة. اهـ
الثاني: أنه معارض للقياس.
الترجيح: الراجح القول الأول لها مهر مثلها من النساء لثبوت الحديث فيه ولا قياس مع النص.
القسم الثاني: إذا مات وكان قد سمى لها صداقا.
فهنا يجب لها الصداق كاملا وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء لأنه لا يبطل بسبب الموت النكاح لهذا يتوارثان فكان لها الصداق كاملا ولما جاء أن رسول الله H قضى بمهر المثل لمن مات زوجها ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا وإنما يجب مهر المثل لمن يجب لها في الأصل المهر المسمى كاملا وقد نقل إجماع الصحابة على هذا.
فائدة: في كلا القسمين تلزم العدة وهذا مما لا خلاف فيه ومظانه عند الكلام على أحكام العدد في الطلاق.
المسألة السابعة: مهر من وطئت بنكاح فاسد أو شبهه([20]).
النكاح الفاسد كمن تزوج امرأة بغير ولي أو تزوجها في العدة من زوج غيره أو تزوج الخامسة في عدة الرابعة أو نكاح الشغار والموطوءة بشبهة كمن وطء أجنبية ظنا منه أنها زوجته أو كنكاح الأخت من الرضاع.
وقد اتفق أهل المذاهب الأربعة على أن من وطئت بنكاح فاسد أو وطئت بشبهة أن لها المهر مقابل ما استحل من فرجها وذلك لاستيفائه منافع البضع فأشبه النكاح الصحيح. ولما جاء عن عائشة J أن رسول الله H قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن دخل بها فالمهر بما أصاب منها...» وفي رواية: «فله المهر بما استحل من فرجها»([21]).
وخالف ابن حزم فقال: ليس لها شيء إلا من نكحت بغير إذن وليها فهذه وحدها لها الصداق كاملا لأن فيها دليلا شرعيا ولا يحكم بهذا في كل نكاح فاسد لأنه قياس بدون نص والقياس باطل والأصل حرمة أخذ أموال المسلمين إلا بنص شرعي.
قلت: والصواب ما عليه أهل المذاهب الأربعة وهذا قياس جلي متوفرة شروط الصحة فيه فالعلة واحدة وهي استحلال فرج وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه دل على لزوم المهر في النكاح الفاسد السنة والاتفاق([22]).
واختلفوا في هذه الحالة في المهر اللازم عليه:
القول الأول: يلزم لها مهر المثل حين وطئها ولا اعتبار بالمهر المسمى حال العقد إن وجد.
وهو مذهب المالكية والشافعية ورواية لأحمد.
دليلهم: أنه عقد فاسد فلا اعتبار بما جاء فيه من مهر والوطء هنا إصابه وليس بنكاح حتى يلزم المهر المسمى فيه.
القول الثاني: لها الأقل من المهرين من المهر المسمى أو مهر المثل.
وهو مذهب الحنفية.
دليلهم: لها المهر المسمى إذا كان أقل من مهر المثل لأنها رضيت به حين العقد وليس لها المهر المسمى إذا كان أكثر من مهر المثل لأن العقد فاسد فلا يعتبر بما زاد على مهر المثل.
القول الثالث: لها المهر المسمى في العقد.
وهو المذهب عند الحنابلة وقول ابن حزم.
دليلهم: أنه وطأها بناء على هذا المهر المتفق عليه فكان لازما عليه ما اتفقوا عليه إلا إذا لم يسم مهرا عند العقد فلها مهر المثل وقد جاء في بعض ألفاظ حديث عائشة السابق فلها مهرها بما أصاب منها. فقوله: مهرها إشارة إلى المهر المتفق عليه.
الترجيح: الراجح القول الثالث لها المهر المسمى فهو ظاهر حديث عائشة فإن لم يفرض مهر من البداية فلها مهر المثل.
ملاحظة: إذا لم يطأها في النكاح الفاسد أو في نكاح الشبهة ولم يختلي بها فلا شيء لها عليه بلا خلاف عند الفقهاء أما إذا اختلى بها ولم يطأها فعند جمهور أهل العلم وهو رواية لأحمد أنه لا شيء لها أيضًا لأن النص الشرعي في حديث عائشة إنما جعل لها المهر بما أصاب من فرجها وهنا لم يصبها ولا يقاس على الخلوة في النكاح الصحيح لأن آثار الصحابة إنما جاءت فيمن اختلى بزوجته وهذا القول هو الصواب.
وذهب الحنابلة في المذهب عندهم إلى أن عليه المهر أيضًا كالنكاح الصحيح([23]).
المسألة الثامنة: من أكره امرأة على الزنا أو أزال بكارتها بغير الزنا.
المراد من هذه المسألة معرفة الغرامة الواجبة على الرجل إذا أكره امرأة على الزنا أو أزال بكارتها بغير الزنا، فهذه المسألة لها حالتان:
الحالة ا لأولى: إذا أكرهها على الزنا([24]).
اختلف الفقهاء في الواجب لها عليه:
القول الأول: يجب لها مهر المثل سواء كانت بكرًا أم ثيبا.
وهو قول المالكية والشافعية والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم: أنه مقابل ما استحل من فرجها فأشبه النكاح الفاسد والوطء بشبهة فيشمله قوله H: «ولها المهر بما أصاب منها» كما سبق من حديث عائشة. ولأنه إفساد لعضو لو أفسده بحق لزم فيه المهر فكذلك لو أفسده بباطل.
القول الثاني: يجب عليه مهر المثل للبكر خاصة.
رواية لأحمد.
دليله: أنه مقابل ما أتلفه وليس في الزنا بالثيب إتلاف.
القول الثالث: لا يجب عليه مهر المثل مطلقا لا للبكر ولا للثيب.
وهو رواية للإمام أحمد وقول ابن حزم وابن تيمية.
دليلهم: عدم وجود الدليل الشرعي الذي ينص على لزوم مهر المثل لمن أكرهت على الزنا إنما عليه الحد. ولا يقاس على ما في حديث عائشة بلزوم المهر على من نكحت بغير إذن وليها لوجود الفارق بين الصورتين فالوطء بالزنا ليس نكاحا أصلا إنما هو تعدي.
الترجيح: الراجح القول الأخير الذي ينص على أنه لا يجب لها مهر المثل وأما ما عليه من الحد فليس الكلام عليه هنا فمظانه كتاب الحدود.
تنبيه1: القائلون بوجوب مهر المثل للمكرهة على الزنا يرون بتعدد المهر لها بتكرار الزنا بها لأنه لا يلحق بالنكاح والوجوب هنا مقابل التعدي بالوطء وقد تعدد هذا التعدي فيتعدد المهر.
تنبيه2: المطاوعة على الزنا لا مهر له عند أهل المذاهب الأربعة لأنه بغي ويحرم مهر البغي ولأنه إتلاف بإذن مالكه.
فائدة: لا يجب المهر بالوطء في الدبر ولا في اللواط وهذا هو المذهب عند الحنابلة لأن الشرع لم يرد بذكر عوض عنه ولا هو إتلاف لشيء ولهم وجه بلزوم مهر المثل فيه لأنه وطء في فرج.
الحالة الثانية: إذا أزال بكارتها بغير الزنا بدفعه أو بإصبعه أو بعود أو نحوها([25]).
اختلف الفقهاء في اللازم عليه لها:
القول الأول: لها مهر المثل.
وهو مذهب الحنفية ورواية لأحمد.
دليلهم: أن إتلافه بعقد النكاح يلزم منه المهر فكذلك هنا فهو إتلاف لنفس العضو.
القول الثاني: ليس فيه مهر المثل وإنما فيه الأرش.
وهو مذهب الشافعي والمذهب عند الحنابلة.
دليله: أنه لم يطأها فخالف الزنا والنكاح ولأنه إتلاف لم يرد الشرع بتقدير عوضه فيرجع فيه إلى أرشه كسائر المتلفات التي لم تقدر.
الترجيح: الراجح القول الثاني أن فيه الأرش ثم تقدير هذا الأرش تفاصيله تؤخذ من مظانه في كتاب الديات.
([1]) مراجع: بداية المجتهد (2/23)، الاستذكار (16/117)، المغني (10/122).
([2]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/178)، تفسير القرطبي (3/132)، أضواء البيان للشنقيطي (1/219)، روضة الطالبين (5/636)، النجم الوهاج (7/358)، المغني (10/139، 143)، الإنصاف (8/299).
([3]) انظر المراجع السابقة.
([4]) مراجع: فتح باب العناية (2/53)، حاشية ابن عابدين (4/183)، بداية المجتهد (1/22)، حاشية الدسوقي (3/172)، المنتقى للباجي (3/293)، معرفة الآثار للبيهقي (5/399)، مغني المحتاج (3/287)، المغني (10/153)، الاختيارات العلمية من فتاوى ابن تيمية للبعلي (ص/341)، الإنصاف (8/283، 305)، المحلى مسألة (1846).
([5]) ضعيف: رواه سعيد بن منصور (3/202)، وابن أبي شيبة (3/520)، وعبد الرزاق (10875)، والبيهقي (7/255)، وقال: هذا مرسل زرارة لم يدركهم. اهـ وهو كما قال.
([6]) صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/519)، وعبد الرزاق (10863)، والبيهقي (7/255) بإسناد صحيح. وجاء بنحوه من طرق متعددة عنهما كما في المراجع السابقة وسنن سعيد بن منصور (3/201)، وسنن الدارقطني (3/206).
([7]) صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/520).
([8]) صحيح: رواه ابن أبي شيبة (3/519)، والبيهقي (7/256)، بإسناد صحيح. ورواه سعيد بن منصور (3/202)، والدارقطني (3/207)، والبيهقي من طريق أخرى وفيه أن الرجل قال: لم أطأها وقالت المرأة قد وطئ فقال زيد: لها الصداق كاملا. وسنده صحيح.
([9]) ضعيف: رواه أبو داود في المراسيل (ص/185)، والبيهقي (7/256) ورجاله ثقات لكنه مرسل. ورواه الدارقطني (3/207) والبيهقي من طريق أخرى عن محمد بن ثوبان وفيه: ونظر إليها فلها الصداق دخل عليها أم لم يدخل. قال البيهقي: هذا منقطع وبعض رواته غير محتج به.
([10]) ضعيف جدا: رواه أحمد (3/493)، والطحاوي في مشكل الآثار (1647)، والبيهقي (7/256)، والحاكم (4/34) وفيه جميل بن زيد الطائي ضعيف جدا.
([11]) سنده صحيح: رواه البيهقي (4/321).
([12]) ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (3/520)، والبيهقي (7/255) وقال: فيه انقطاع بين الشعبي وابن مسعود. اهـ وهو كما قال فالشعبي لم يسمع من ابن مسعود.
([13]) ضعيف: رواه سعيد بن منصور (3/202)، وابن أبي شيبة (3/520)، وعبد الرزاق (10882)، والبيهقي (7/254) وفي سنده ليث بن أبي سليم، ضعيف. ورواه عبد الرزاق أيضًا (10883) عن الثوري عن طاووس عن ابن عباس به. فسقط من السند ليث بن أبي سليم فقد رواه ابن أبي شيبة أيضًا (3/520) عن وكيع عن سفيان عن ليث عن طاووس عن ابن عباس به. ولم يذكر الحافظ المزي في تهذيب الكمال في ترجمة الثوري وطاووس أن الثوري روى عن طاووس فتنبه!
ولأثر ابن عباس هذا طريق أخرى عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن طلقها قبل أن يمسها والمس الجماع فلها نصف الصداق. رواها الطبري في تفسيره عند آية (237) من سورة البقرة، والبيهقي (7/255) وعلي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وفي سنده أيضًا عبد الله بن صالح كاتب الليث فيه ضعف فالأقرب أن هذا الأثر لا يرتقي للحسن والله أعلم.
([14]) كما في الموسوعة الكويتية (19/273).
([15]) المغني (10/569)، الإنصاف (9/150).
([16]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/182)، فتح باب العناية (2/53)، مغني المحتاج (3/287)، المغني (10/155)، الإنصاف (8/285)، المحلى (9/76).
([17]) المغني (10/157)، الإنصاف (8/287).
([18]) مراجع: فتح باب العناية (2/53، 56)، بداية المجتهد (2/22، 27)، مغني المحتاج (3/287، 295)، المغني (10/149)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/63).
([19]) صحيح: رواه أحمد (1/431)، (3/480)، وأبو داود (2114، 2115)، والنسائي (6/121)، والترمذي (1177)، وابن ماجه (1891)، والبيهقي (7/245) وغيرهم بأسانيد صحيحة إلى ابن مسعود I.
([20]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/202)، فتح باب العناية (2/61)، حاشية الخرشي (4/345)، حاشية الدسوقي (3/167)، مغني المحتاج (3/217)، المجموع شرح المهذب (8/68)، المغني (9/352)، (10/186)، الإنصاف (8/305)، المحلى (9/87).
([21]) سنده صحيح: وقد مر تخريجه.
([22]) منهاج السنة (4/188).
([23]) انظر المراجع السابقة.
([24]) مراجع: حاشية الدسوقي (3/168)، المجموع شرح المهذب (18/68)، مغني المحتاج (3/297)، المغني (10/186)، الإنصاف (8/306، 309)، كشاف القناع (5/161)، المحلى (9/88).
([25]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/170-171)، المغني (10/159)، الإنصاف (8/309)، كشاف القناع (5/162).