المبحث الثالث نكاح أهل الشرك
فيه مسائل:
المسألة الأولى: نكاح المسلم المشركة ونكاح المشرك المسلمة([1]).
هذه المسألة الكلام عليها على قسمين:
القسم الأول نكاح المشرك للمسلمة.
والقسم الثاني: نكاح المسلم للمشركة.
القسم الأول: نكاح المشرك للمسلمة.
أجمع العلماء على أن المشرك لا ينكح المسلمة بأي وجه سواء كان كتابيا أم وثنيا لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْ ﴾ [البقرة: ٢٢١] وهذا عام في كل مشرك ولقوله تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة : ١٠] أي لا تحل المسلمة لكافر ولا يحل كافر لمسلمة. وقوله تعالى: ﴿ وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء : ١٤١] فلو جاز نكاح الكافر للمؤمنة لثبت له عليها سبيل وهذا لا يجوز فلا ولاية لكافر على مسلمة، ولأن النكاح نوع رق فلم يجز للكافر أن يسترق هذه المسلمة فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
القسم الثاني: نكاح المسلم للمشركة:
هذا القسم تحته ثلاث حالات:
الحالة الأولى: نكاح المسلم للمشركة غير الكتابية والمجوسية.
لا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج بالمشركة إذا لم تكن يهودية أو نصرانية أو مجوسية وذلك لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّ ﴾ [البقرة: ٢٢١] ولا دليل على جواز نكاح المسلم للكافرة غير الكتابية والمجوسية.
الحالة الثانية: نكاح المسلم للمشركة الكتابية.
نقل بعض العلماء إجماع أهل العلم على أنه يجوز للمسلم أن يتزوج بالكتابية اليهودية أو النصرانية لقوله تعالى: ﴿ ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَ ﴾ [المائدة: ٥] وهذه الآية تعتبر مخصصة لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّ ﴾ [البقرة: ٢٢١] لأن الآية التي في سورة البقرة عامة والتي في سورة المائدة خاصة، والخاص مقدم على العام فلا يجوز نكاح المشركة عامة ما عدا الكتابية.
ويحتمل أن تكون هذه الآية ناسخة لها فقد اتفق العلماء على أن المائدة نزلت بعد سورة البقرة والآية المتأخرة تنسخ الآية المتقدمة إذا تعارضتا ولأنهم أهل كتاب فليس في أصل دينهم شرك لكنهم ابتدعوا الشرك وقد جاء عن جابر بن عبد الله I أنه قال قال رسول الله H: «نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا»([2]).
وجاء عن بعض السلف أنه منع نكاح المسلم بالكتابية لأنها مشركة تقول: ربي عيسى، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّ ﴾.
الترجيح: الراجح ما عليه جماهير أهل العلم من جواز نكاح المسلم الكتابية كما تحل ذبائحهم دون غيرهم لقوله تعالى: ﴿ ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُ ﴾ [المائدة: ٥] وهذه الآية نص صريح في المسألة ومع هذا قال الفقهاء: الأولى للمسلم عدم التزوج بالكتابية لأنه ربما مال إليها قلبه فتفتنه وربما كان بينهما ولد فيميل إليها ولا سيما في هذه الأزمنة التي كثر فيها التأثر بالكفار والثقة بهم مع رقة وضعف في الدين([3]).
الحالة الثالثة: نكاح المسلم للمجوسية:
المجوس هم عبدة النار.
وقد اختلف العلماء في حل نكاح المسلم للمجوسية على قولين:
القول الأول: يحل للمسلم أن يتزوج بالمجوسية.
وهو قول طائفة من السلف وأبي ثور والظاهرية.
دليلهم الأول: أن المجوس أهل كتاب فقد أخذ رسول الله H الجزية من مجوس هجر([4]). فأخذ الجزية منهم يدل على أنهم أهل كتاب لقوله تعالى: ﴿ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حَتَّىٰ يُعۡطُواْ ٱلۡجِزۡيَةَ عَن يَدٖ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ ٢٩ ﴾ [التوبة: ٢٩] وأهل الكتاب تحل نساؤهم للمسلمين.
الثاني: ما جاء عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه أن عمر ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم! فقال عبد الرحمن بن عوف: نشهد لسمعت رسول الله H يقول: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»([5]). فأمر أن نستن بهم سنة أهل الكتاب وسنتنا في أهل الكتاب التزوج بنسائهم.
الثالث: ما جاء عن زيد بن وهب قال: كنت عند عمر فذكر المجوس فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد بالله على رسول الله H لسمعته قال: «إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب»([6]).
القول الثاني: لا يحل للمسلم أن يتزوج بالمجوسية.
وهو قول جمهور أهل العلم.
دليلهم الأول: عموم قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّ ﴾ وقوله: ﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ [الممتحنة : ١٠] وإنما استثنى E نساء أهل الكتاب والمجوس ليسوا أهل كتاب فلا دليل على أنهم أهل كتاب ولو كان لهم كتاب فلا تحل نساؤهم أيضًا لأنه لا كتاب بأيديهم الآن ولا نتيقنه من قبل فنحتاط بمنعه.
وأخذه الرسول الجزية من مجوس هجر يحتمل أحد أمرين:
الأول: أن الجزية تؤخذ من المجوس كما أنها تؤخذ من أهل الكتاب وإن لم يكن المجوس من أهل الكتاب لدليل خاص بهم.
الثاني: أن فيه دليلا على جواز أخذ الجزية من كل مشرك لا فرق بين كتابي وغير كتابي.
وأما حديث «إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب» فهو حديث ضعيف والعلماء مجمعون على أنهم ليسوا أهل كتاب إلا من شذ من أهل العلم.
وحديث «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» هو كذلك حديث ضعيف.
وأيضا يحمل على أننا نسن بهم سنة أهل الكتاب في حقن دمائهم بالجزية دون نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم.
وقد جاء عن الحسن بن محمد بن علي قال: كتب رسول الله H في المجوس أن لا ننكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم([7]). قال ابن تيمية: هذا مرسل والمرسل من أهل العلم من هو حجة عنده ومنهم من هو حجة عنده إذا عضده قول جمهور العلماء أو مرسل آخر فمثل هذا حجة باتفاق العلماء([8]). اهـ
الترجيح: الراجح ما عليه جمهور العلماء أن نساء المجوس لا تحل للمسلمين كالوثنيات فلم يثبت أنهم من أهل الكتاب والجزية تؤخذ من المشركين جميعا الكتابي وغيره على الراجح من أقوال أهل العلم([9]).
المسألة الثانية: إذا أسلم الكافر وأسلمت معه نساؤه وعنده أكثر من أربع نسوة أو عنده أختان([10]).
اختلف العلماء فيمن يمسك منهن:
القول الأول: يختار أربعا ممن يشاء من نسائه بلا فرق بين الأوليات والمتأخرات ويختار أحد الأختين بلا فرق بين متقدمة ومتأخرة.
وهو مذهب جمهور العلماء بما فيهم المالكية والشافعية والحنابلة.
دليلهم الأول: حديث ابن عمر أن غيلان بن سلمة أسلم وله عشر نسوة فأسلمن معه فأمره رسول الله H أن يتخير أربعا([11]).
والشاهد منه: أن رسول الله H أمره أن يختار أربعا من نسائه ولم يعين له الأربع اللاتي تزوجهن أولا.
الدليل الثاني: ما جاء أن فيروز الديلمي قال: أسملت وعندي أختان فأمرني رسول الله H أن أطلق إحداهما. وفي رواية: أن أطلق أيتهما شئت([12]).
والشاهد منه: أن رسول الله H خيره بين الاثنتين ولم يفرق بين أولى وثانية.
الدليل الثالث: أنه نكاح على طريقة أهل الكفر وكله صحيح عندهم فلم يكن هنالك فرق بين متقدمة ومتأخرة بخلاف ما في ملة الإسلام من تحريم الزيادة على أربع والجمع بين الأختين فكان له أن يختار من شاء منهن.
القول الثاني: يختار من نسائه الأربع اللاتي تزوجهن أولا ويفارق الخامسة ومن بعد ويختار الأخت التي تزوجها أولا ويفارق الثانية.
وهو مذهب الحنفية وجماعة.
دليلهم: أن الزائدة عن الأربع هي المحرمة والزائدة من الأختين هي المحرمة، فيكون نكاح الأربع الأوائل صحيح وما بعدهن باطل ونكاح الأخت الأولى صحيح والثانية باطل كما أن العقد على الأواخر والأخت الثانية فاسد في الإسلام وما دام أنهم أسلموا فوجب التعرض لهم بحسب ما في الإسلام وحديث فيروز وابن عمر ضعيفان.
الترجيح: الراجح ما عليه جمهور أهل العلم أنه يتخير من نسائه من شاء ومن الأختين أيتهما شاء لقوة دليلهم والقياس الذي ذكره المخالفون ضعيف، وكذلك يلحق بهذه المسألة إذا أسلم وتحته امرأة وعمتها أو خالتها وأسلمتا معه فإنه يختار من شاء منهن ولا يجمع بينهما لحرمة ذلك في الإسلام كما مر معنا.
المسألة الثالثة: إذا أسلم أحد الزوجين ولم يسلم الآخر([13]).
إذا أسلم الزوج وكانت زوجته كتابية ولم تسلم فإنها تبقى معه وفي عصمته ولا يفرق بينهما وهذا مما لا يعلم فيه خلاف وذلك لأنه يجوز له التزوج بالكتابية ابتداء ـ كما مر معنا ـ فالبقاء أولى وما يصلح ابتداء يصلح استدامة.
وأما إذا أسلم الزوج ورفضت الزوجة أن تسلم ولم تكن كتابية أو أسلمت المرأة ورفض زوجها أن يسلم فإنه يجب التفريق بينهما ولا يجوز أن يبقيا معا فتحرم المعاشرة الزوجية بينهما من لحظة إسلام أحدهما فيحال بينه وبينها فلا يطأها ولا حكم له عليها ولا نفقة ولا تحل له ولا يحل لها، لأن الإسلام أبطل تلك الزوجية فقال تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة : ١٠] فبين أن العلة عدم الحل بالإسلام وقال أيضا: ﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ [الممتحنة : ١٠] فنهى المسلم أن يمسك بعصمة كافرة ووجب عليه فراقها، وكما أنه لا يجوز ابتداء النكاح بين المسلمة والكافر والمسلم والكافرة غير الكتابية فكذلك هنا.
وهذا مما أجمع عليه العلماء.
وجاء عن عبد الله بن يزيد الخطمي أن امرأة أسلمت ولم يسلم زوجها فكتب عمر بن الخطاب أن خيروها فإن شاءت فارقته وإن شاءت قرت عنده([14]).
فمعنى قوله: «وإن شاءت قرت عنده» أي بقيت معه وبعصمته.
والجواب عليه: أن هذا الأثر من رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد وقد رواه حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد عن عمر بن الخطاب وفيه: «إن شاءت فارقته وإن شاءت أقامت عليه»([15]).
ومعنى قوله: «أقامت عليه» أي تظل قائمة على عقد النكاح انتظارا لإسلامه لا أنها تبقى معه قال ابن القيم V عقب هذا الأثر: وليس معناه أنها تقيم تحته وهو نصراني بل تنتظر وتتربص فمتى أسلم فهي امرأته. اهـ
ويترجح هذا اللفظ الثاني «وإن شاءت أقامت عليه» لأمرين:
الأول: لأنه لا مطعن في سنده ولا متنه لهذا صحح هذا اللفظ ابن حزم وابن القيم وابن حجر.
الثاني: لأنه لا يخالف نص القرآن في قوله: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ ﴾ وقوله: فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ ﴾ [الممتحنة : ١٠]
أما اللفظ الأول فيمكن الطعن في سنده ومتنه بأن يقال: إن لفظه غلط ربما كان من النساخ لهذا لم يذكر هذا اللفظ ابن حجر ولا ابن حزم ولا ابن القيم ولا غيرهم بل ذكر ابن حزم اللفظ الذي رواه حماد بن سلمة وقال عقبه: رواه معمر بمثله. اهـ وربما كان الغلط من عبد الرزاق فقد قال عنه الدارقطني ثقة لكنه كان يخطئ على معمر بأحاديث([16]).
وربما كان الخطأ من معمر نفسه ففي روايته عن أهل العراق كلام وأيوب شيخه في الحديث بصري عراقي قال ابن معين: إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه أو فخفه إلا عن الزهري وابن طاووس فأما اهل الكوفة وأهل البصرة فلا([17]). اهـ
وقال ابن رجب كان يضعف حديثه عن أهل العراق خاصة([18]).
وقال الإمام أحمد كان معمر يحدث حفظا فيحرف([19]). اهـ
وجاء هذا الأثر من طريق يزيد بن إبراهيم التستري ثقة عن أيوب عن ابن سيرين عن عبد الله بن يزيد عن عمر قال: يخيرن([20]).
وقوله: «يخيرن» لفظ محتمل للأمرين.
وجاء عن عامر الشعبي عن علي I قال: إذا أسلمت النصرانية امرأة اليهودي أو النصراني كان أحق ببضعها لأن له عهدا([21]).
فقوله: «أحق ببضعها» البضع يطلق على الجماع فالمراد أنه أحق بجماعها ومعاشرتها.
والجواب عليه من وجوه:
الوجه الأول: أن البضع يطلق على عقد النكاح ويطلق على الجماع فكما يحتمل أن معناه هو أحق بجماعها ومعاشرتها يحتمل أيضًا أن معناه هو أحق بنكاحها أي أنه إذا أسلم رجعت إلى نكاحه وعصمته بدون عقد نكاح فهو أحق بها لا أنها تبقى معه مع كفره.
ويرجح الاحتمال الثاني فقد روى عن علي I من طريق أخرى عن سعيد بن المسيب عنه قال: هو أحق بنكاحها ما كانت في دار هجرتها([22]).
الوجه الثاني: لو افترضنا أنه أراد أنها تبقى في عصمته مع كفره فإنه يكون قولا شاذا روى الشافعي عن الشعبي عن علي I قال: هو أحق بها. قال الشافعي: ولسنا ولا إياهم ولا أحد علمناه يقول بهذا. اهـ
قلت: لا شك أنها لا تبقى في عصمة الكافر ولا تباح المعاشرة الزوجية بينهما إذ في القرآن والسنة والإجماع تحريم فروج المسلمات على الكفار([23]).
الوجه الثالث: أن إسناده ضعيف كما مر في التخريج.
المسألة الرابعة: إذا أسلم الزوجان المشركان([24]).
هذه المسألة لها حالتان:
الحالة الأولى: أن يسلم الزوجان معا في آن واحد.
أجمع العلماء على أنهما يقران على نكاحهما الأول إلا أن يكون بينهما نسب أو رضاع يوجب التحريم وكل من كان له العقد عليها في الشرك كان له المقام معها إذا أسلما معا لأن عامة أصحاب رسول الله H كانوا كفارا فأسلم كثير منهم بعد التزويج وأقروا على النكاح الأول ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام ولم يسألهم رسول الله H عن شروط النكاح ولا عن كيفيته.
الحالة الثانية: أن يسلم أحدهما أولا ثم يسلم الثاني بعده.
إذا أسلم الزوج وكانت امرأته كتابية فإنها تبقى في عصمته ولو لم تسلم وهذا بلا خلاف بين العلماء، وما عدا هذه الصورة فيه خلاف بين العلماء:
القول الأول: إذا كانا في دار الحرب فأسلم أحدهما فهي امرأته ما لم تنقضي عدتها وإذا كانا في دار الإسلام وأسلم أحدهما عرض الإسلام على الآخر فإن أسلم فهي امرأته وإن رفض فرق بينهما مباشرة فإن أسلم بعد ذلك رجعت له بعقد جديد سواء أسلم وهي في عدتها أم أسلم بعد انتهائها.
وهو مذهب الحنفية.
دليلهم: أما في دار الإسلام فيخير من لم يسلم من الزوجين بين الإسلام وبين الفرقة مباشرة وذلك لما جاء أن عبادة بن النعمان كان نصرانيا فأسلمت امرأته فعرض عمر I الإسلام عليه فأبى ففرق بينهما([25]).
وأما في دار الحرب فلا يفرق بينهما مباشرة لأن عرض الإسلام عليه متعذر لانعدام الولاية ولابد من التفريق بينهما لأن المشرك لا يصلح للمسلم فإذا تعذر إقامة سبب الفرقة وهو رفضه للإسلام بعد عرضه عليه أقمنا شرط الفرقة وهو مضي مدة عدتها مقام السبب فإذا مضت هذه المدة كان مضيها بمنزلة تفريق القاضي فإن أسلم من تخلف منهما قبل انتهاء عدتها رجعت إليه وإلا وقعت الفرقة بينهما ولا ترجع له إلا بعقد جديد إذا أسلم بعد ذلك من تخلف منهما.
القول الثاني: إذا أسلم الرجل قبل امرأته عرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا فرق بينهما مباشرة وإذا أسلمت المرأة قبل الرجل وقف الأمر على العدة فإن أسلم في العدة فهي امرأته وإلا وقعت الفرقة.
وهو مذهب المالكية.
دليلهم: أما اعتبار العدة إذا أسلمت المرأة قبل الرجل فلأن الفرقة حصلت من الزوج بسبب عدم إسلامه فكان له الحق في الارتجاع وهذا لا يكون إلا في العدة فكان لابد من اعتبار العدة كما لو طلقها طلاقا رجعيا.
وقد جاء عن الزهري قال: إن امرأة صفوان بن أمية أسلمت ثم أسلم صفوان بعد ذلك فلم يفرق رسول الله H بينهما. قال الزهري: وكان بين إسلام صفوان وإسلام امرأته نحو من شهرين([26]). فلم يفرق رسول الله H بينه وبين امرأته وردها له بدون عقد جديد لأن إسلامه وقع قبل انقضاء عدتها فقد كان بعد إسلامها بنحو شهر.
وأما عدم اعتبار العدة إذا أسلم الرجل قبل المرأة وإنما يفرق بينهما مباشرة فلقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ [الممتحنة : ١٠] أي: لا تبقوهن بعصمتكم فعموم هذا الآية يقتضي المفارقة على الفور واستثنيت الصورة السابقة لدليل خاص بها.
القول الثالث: يتوقف الأمر على العدة فإن أسلم الآخر قبل انقضاء العدة فهما على النكاح الأول وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها فلا ترجع إليه إلا بعقد جديد ولا فرق بين أن يكونا في دار إسلام أو دار حرب وبين أن يسلم الرجل أولا أو أن تسلم المرأة أولا.
وهو مذهب جماعة من السلف منهم مجاهد والزهري وعطاء ومذهب الشافعية والصحيح عند الحنابلة وبه تفتي اللجنة الدائمة([27]).
دليلهم: أن هذا هو الذي كان يحصل في عهد رسول الله H فمنه ما رواه الزهري وهو المذكور سابقا فقد ردها إليه بعد إسلامها بشهر وهذا لا شك أنه قبل انقضاء عدتها.
وروى الشافعي قال أخبرنا جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد قبلهم : أن أبا سفيان بن حرب أسلم بمر الطهران ورسول الله H ظاهر عليها فكانت بظهوره وإسلام أهلها دار إسلام وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة ومكة يومئذ دار حرب ثم قدم عليها يدعوها إلى الإسلام فأخذت بلحيته وقالت اقتلوا الشيخ الضال وأقامت أياما قبل أن تسلم ثم أسلمت وبايعت النبي H فثبتا على النكاح([28]). وهذا لا شك كان قبل انتهاء عدتها فالفرق بين إسلامه وإسلامها يسير.
وهكذا وقع لجماعة من الصحابة أسلمت نساؤهم قبلهم كحكيم بن حزام وعكرمة بن أبي جهل ولم ينقل أنه جددت عقود أنكحتهم كما اتفق عليه أهل المغازي وهذا محمول على أن إسلام الزوج وقع قبل انقضاء عدة امرأته التي أسلمت قبله.
وجاء عن عطاء قال ابن عباس: كان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه([29]).
والآثار والقياس تقتضي أنه لا فرق في اعتبار العدة هنا بين أن تسلم المرأة قبل الرجل أو يسلم هو قبلها وأنه لا فرق بين كونهما في دار إسلام وبين كونهما في دار كفر.
ولا يصح أن يقال بأنهما على نكاحهما إذا تأخر إسلام الآخر إلى بعد انتهاء العدة وذلك لقوله تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾.
وقوله: ﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ [الممتحنة : ١٠] مع الإجماع المنعقد على تحريم فروج المسلمات على الكفار ولأن العلماء لم يختلفوا على أن النكاح ينفسخ بعد انقاض العدة ولا تعود له حينها إلا بعقد جديد ولم يخالف إلا النخعي شذ به عن عامة العلماء.
القول الرابع: تقع الفرقة مباشرة بإسلام أحد الزوجين وينفسخ النكاح ولا تنتظر انقضاء العدة فإذا أسلم الآخر فلا ترجع إليه امرأته إلا بعقد جديد سواء كان هذا في أثناء عدتها أم بعد انتهاء عدتها.
وهذا قول الحسن وطاووس وأبي ثور وابن المنذر وغيرهم وهو رواية لأحمد واختاره ابن حزم. ونُقل هذا عن ابن عباس فقد جاء عنه أنه قال في اليهودية أو النصرانية تكون تحت اليهودي أو النصراني فتسلم قال: يفرق بينهما الإسلام يعلو ولا يعلى عليه([30]).
دليلهم: قوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ... ﴾ [الممتحنة : ١٠]
ووجه الدلالة من هذه الآية على هذا القول يستفاد من وجوه:
الأول: أنه حرم رجوع المؤمنة إلى الكافر وصرح بإباحة نكاحها لغيره.
الثاني: قوله: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ يدل على تحريم أحدهما على الآخر في كل وقت.
الثالث قوله: ﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ فيه أن المسلم مأمور ألا يمسك عصمة امرأته إذا لم تسلم وهذا يدل على انقطاع عصمة الكافرة منه أول إسلامه.
القول الخامس: إذا أسلم أحدهما لم ينفسخ النكاح بإسلامه فإذا أسلم الآخر ردت إليه زوجته بغير نكاح جديد بل بالعقد الأول ولو أسلم بعد سنين ما لم تنكح زوجا غيره.
وهو مذهب النخعي وحماد بن أبي سليمان وداود الظاهري وقول ابن تيمية وابن القيم واختاره الشيخ ابن عثيمين([31])، وقال الشوكاني عقب كلام ابن القيم: وهو كلام غاية في الحسن والمتانة([32]). وجعله ابن حزم وابن حجر مذهب علي بن أبي طالب I لما جاء عنه أنه قال: إذا أسلمت امرأة اليهودي أو النصراني كان أحق ببضعها لأن له عهدا([33]). وجعله ابن القيم قول عمر بن الخطاب لما صح عنه أنه قال: تخير إن
شاءت فارقته وإن شاءت أقامت عليه([1]). أي: خيرها بين مفارقته أو انتظاره حتى يسلم فتكون زوجته.
دليلهم الأول: أنه أسلم خلق كثير مع نسائهم على عهد رسول الله H ولا شك أنه في بعض الأحيان لم يكن إسلام الزوجين في وقت واحد بل يسلم أحدهما أولا ثم يسلم الآخر بعده ولا يعرف أن رسول الله H أمر بتجديد نكاح زوجين سبق أحدهما الآخر بإسلامه لا في العدة ولا بعدها بل يبقيهما على نكاحهما الأول ولو وقع أنه جدد عقد زوجية لهذا السبب لنقل إلينا بالأسانيد الصحيحة.
الثاني: ما جاء عن ابن عباس قال: رد رسول الله H ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا. وفي لفظ: بعد ست سنين. وفي لفظ بعد سنين([2]). وأبو العاص أسلم بعد إسلام زوجته بسنين، فقد قيل إنه أسلم سنة ست من الهجرة وقيل سنة ثمان من الهجرة وزوجته هاجرت في السنة الثانية للهجرة وحرمت المسلمات على المشركين في عام الحديبية وذلك في السنة السادسة هجرية، ولا شك أن عدتها قد انقضت وأن رجوعها لزوجها كان بعد انقضاء العدة.
فدل هذا الحديث على أن أحد الزوجين إذا أسلم لم ينفسخ عقد النكاح الذي بينهما وأنه متى أسلم الآخر رجعت إليه بنفس العقد الأول ولو بعد انتهاء عدتها ما لم تنكح غيره.
وأجاب جمهور العلماء على حديث ابن عباس المذكور بالآتي:
الجواب الأول: أنه حديث ضعيف ويدل على ذلك أمرين:
الأمر الأول: أنه جاء في حديث آخر أن رسول الله H رد زينب لأبي العاص بعقد جديد فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: إن رسول الله H رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد وعقد جديد([3]).
الأمر الثاني: أن ابن عباس راوي هذا ا لحديث كان يرى بتعجيل الفرقة بينهما ـ كما مر ـ فلو كان هذا الحديث ثابتا عنه لما خالفه.
الجواب الثاني: أنه منسوخ بالآيات في تحريم المسلمة على المشرك كما في سورة الممتحنة.
الجواب الثالث: يحمل على أن عدتها تطاولت وهذا قد يحصل لبعض النساء فأسلم زوجها قبل انقضاء عدتها.
الجواب الرابع: أنه حديث متروك لا يجوز العمل به عند جميع العلماء فقد أجمعوا على أن المرأة لا ترد له بعد انقضاء العدة إلا بعقد جديد.
ورد من أخذ بظاهر حديث ابن عباس على هذه الأجوبة بالآتي:
الرد الأول: أن حديث عمرو بن شعيب الذي فيه أنه ردها له بعقد جديد ضعيف، وأما الحديث الذي فيه أنه أقرهما على النكاح الأول فله شواهد يصح بها.
وقد صحح الإمام أحمد هذا الحديث وضعف حديث عمرو بن شعيب كما مر. ونقل الترمذي في سننه عن يزيد بن هارون أنه قال حديث ابن عباس أجود إسنادا. اهـ
وقال الدارقطني في سننه الصواب حديث ابن عباس. اهـ
ونقل البيهقي عن الترمذي أن البخاري قال حديث ابن عباس أصح في هذا الباب. اهـ
فلا يعارض بحديث عمرو بن شعيب الضعيف الحديث الذي شهد الأئمة بصحته ولم يأت عن ابن عباس أنه خالف هذا الذي رواه إنما كان يرى أنها لا تبقى في عصمته بل تحرم عليه وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ـ كما سبق ـ ولم يصرح ابن عباس بأنها لا ترد إليه بالعقد الأول وقد روى عنه البخاري في المهاجرة إن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه([4])، فظاهره أن زوجها إذا هاجر قبل النكاح ردت إليه وإن كانت قد حاضت وهذا يوافق ما رواه ابن عباس في رد زينب لأبي العاص بالنكاح الأول.
الرد الثاني: أن القول بالنسخ مجرد دعوى بلا برهان وهذه الآية في سورة الممتحنة نزلت في قصة صلح الحديبية باتفاق أهل العلم ورد زينب على أبي العاص كان بعد ذلك إما في زمن الهدنة من نفس السنة وإما قبل فتح مكة في السنة الثامنة([5])، فسواء أسلم سنة ست أم سنة ثمان فرد زينب عليه كان متأخرا عن نزول هذه الآية.
وأيضا لا تعارض بين هذه الآية وهذا الحديث فتحريم المسلمة على زوجها المشرك لا يناقض تربص المرأة بنكاحها إسلام زوجها فإن أسلم كانت زوجته بالنكاح الأول وإلا فهي بريئة منه.
الرد الثالث: أن القول بأن عدتها تطاولت هو مجرد ادعاء لا دليل عليه ولم ينقل ذلك أحد ولم يحدد النبي H بقاء النكاح بمدة العدة حتى يقال لعل عدتها تأخرت مع أن القول بأن عدتها أمدت إلى سنين قول في غاية البعد فهو خلاف ما طبع الله تعالى عليه النساء.
الرد الرابع: إن من نقل الإجماع على عدم العمل بهذا الحديث فإنما هو بحسب علمه واطلاعه وإلا فالخلاف موجود قديما وحديثا.
الترجيح: الراجح عندي القول الأخير الذي ينص على أنه إذا أسلم أحد الزوجين ثم أسلم الآخر بعده وأراد الزوجان الرجوع لبعضهما أنه يكفي العقد الأول ولا يحتاجان إلى عقد جديد ولو كان هذا بعد انتهاء عدتها.
وأما القول بانفساخ العقد مباشرة فيرده أن هنالك من أسلم من الأزواج وكان إسلام أحد الزوجين قبل الآخر وردت الزوجة لزوجها ولم ينقل أن هذا كان بعقد جديد ولو حصل ذلك لنقل إلينا لا سيما مع كثرة حصول مثل هذه الواقعة.
وأما القول بأن العقد الأول ينفسخ بانتهاء عدة المرأة فهذا مع أنه تحديد لا دليل عليه فهو يخالف ما جاء صريحا أن رسول الله H رد ابنته زينب لأبي العاص بالنكاح الأول.
وأما التفريق بين حال وآخر كما هو عند الحنفية والمالكية فهو أبعد الأقوال فلا دليل عليه والأصل أنه لا فرق بين حال وأخرى ما دام أن العلة واحدة والسبب واحد وقال قال الإمام ابن حزم: لا يعلم عن أحد قبلهما ـ يعني أبا حنفية ومالكا ـ قاله.
تنبيه: الذين قالوا إنها ترد في العدة إما مطلقا وإما في بعض الحالات اختلفوا في مقدار هذه العدة، هل هي كعدة الحرة تتربص بنفسها حتى تضع حملها إن كانت حاملا أو ثلاثة قروء إذا لم تكن حاملا أو ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض أم هو استبراء تعتد بحيضة واحدة فقط لأجل براءة الرحم؟
وجمهورهم على الأول أي أن عدتها كعدة طلاق الحرة.
المسألة الخامسة: إذا ارتد عن الإسلام أحد الزوجين([6]).
هذه المسألة لها صورتان:
الصورة الأولى: إذا حصلت الردة بعد العقد وقبل الدخول بالمرأة انفسخ النكاح في قول عامة أهل العلم وحكي عن داود الظاهري أنه لا ينفسخ لأن الأصل بقاء وصحة عقد النكاح.
الصورة الثانية: إذا حصلت الردة بعد الدخول بالمرأة.
هذه الصورة فيها خلاف بين العلماء:
القول الأول: تحصل الفرقة مباشرة ولو رجع للإسلام من ارتد من الزوجين فلا ترجع إليه زوجته إلا بعقد جديد ولو كان الرجوع قبل انقضاء العدة.
وهو مذهب الحنفية والمالكية وهو رواية لأحمد وقول ابن حزم الظاهري وغيره.
دليلهم الأول: قوله تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [الممتحنة : ١٠] وقوله: ﴿ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ ﴾ [الممتحنة : ١٠] وغيرها من الآيات الدالة على أن المسلمة لا تحل للكافر والكافرة لا تحل للمسلم فهذه الآيات اقتضت الفرقة الفورية.
الثاني: أن الردة منافية للعصمة موجبة للعقوبة لأنها تبيح النفس والمال وتبطل الملك والنكاح والمنافي لا يحتمل التراخي بخلاف الإسلام فإنه غير مناف للعصمة.
الثالث: أنهم أجمعوا على انفساخ النكاح إذا كانت الردة قبل الدخول بالمرأة وهذه مثله وبمعناه ولا فرق.
القول الثاني: يقف الأمر على العدة فإن أسلم المرتد قبل انقضاء العدة رجعت إليه امرأته بالنكاح الأول وإن لم يسلم حتى انقضت عدتها بانت منه ولا ترجع له إلا بعقد جديد.
وهو مذهب الشافعية والمذهب عند الحنابلة.
دليلهم الأول: أن هذه الردة فرقة كالطلاق الرجعي والمطلقة رجعيا إذا رجع لها زوجها قبل العدة فتكفي المراجعة وإن رجع لها بعد انقضاء عدتها فلابد من تجديد النكاح بعقد جديد ومهر جديد.
الثاني: قياسا على ما إذا أسلم أحد الزوجين كما مر في المسألة السابقة.
القول الثالث: إذا ارتد أحدهما ثم تاب من ارتد ثم أرادا الرجوع لبعضهما صح ذلك بالعقد الأول ولا يحتاجا إلى عقد جديد ولو بعد مدة طويلة.
وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
دليلهم الأول: القياس على إسلام أحد الزوجين ثم إسلام الآخر بعده كما مر في المسألة السابقة.
الثاني: أنه قد ارتد على عهد رسول الله H وعلى عهد الخلفاء الراشدين خلق كثير ومنهم من لم ترتد امرأته ثم عادوا إلى الإسلام وعادت إليهم نساؤهم وما عرف أن أحدا منهم أُمر أن يجدد عقد نكاحه مع العلم بأن منهم من عاد إلى الإسلام بعد مدة أكثر من مدة العدة ومع العلم بأن كثيرا من نسائهم لم ترتد ولم يستفصل رسول الله H ولا خلفاؤه أحدا من أهل الردة هل عاد إلى الإسلام بعد انقضاء عدة المرأة أم قبلها بل المرتد إن استمر على ردته قتل وإن عاد إلى الإسلام فامرأته وماله باقيان.
الثالث: أن في تعجيل الفرقة تنفير لهم عن العود إلى الإسلام والمقصود تأليف القلوب على الإسلام بكل طريق.
الترجيح: القول بأنها ترجع إليه بدون تجديد عقد النكاح ولو بعد فترة طويلة ما لم تكن قد صارت تحت عصمة غيره هو القول الراجح لقوة الأدلة التي ذكرها أهل هذا القول.
وكون أمر المرتد أشد وأغلظ من الكافر الأصلي في بعض الأحكام لا يلزم منه أن انفساخ النكاح وبطلانه فورا بل إذا ارتد أحدهما فلا يبقيان معا، ثم إ ن تاب المرتد بعد ذلك ورجع للإسلام وأراد الرجل أن يرجع للمرأة جاز ذلك وترجع له بدون تجديد النكاح فتكفي توبة المرتد والله أعلم([7]).
([1]) سبق تخريجه في المسألة التي قبل هذه.
([2]) حسن لغيره: رواه أحمد (1/217)، وأبو داود (2237)، والترمذي (1143)، ابن ماجه (2009)، والدارقطني (3/252)، والبيهقي (7/187)، وهو من طريق محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس.
وابن إسحاق مدلس لكنه صرح بالتحديث هنا في بعض الطرق.
وداود بن الحصين ثقة لكن في روايته عن عكرمة ضعف، قال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة إلا في عكرمة. اهـ
ولهذا الحديث شواهد مرسلة صحيحة الإسناد وليس فيها ذكر الزمن بين إسلامها وإسلامه:
الأول: عن الشعبي رواه ابن سعد في الطبقات (8/32) وسعيد بن منصور في سننه (2/3، 73).
والثاني: عن قتادة أخرجه كذلك ابن سعد وسعيد بن منصور والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/260).
الثالث: عن عمرو بن دينار رواه سعيد بن منصور في سننه (2/3، 73). فالحديث حسن بمجموع هذه الطرق. وقد صحح هذا الحديث الإمام أحمد في سننه (2/208) وابن حزم في المحلى (5/372) قال ابن القيم شهد الأئمة بصحته. أحكام أهل الذمة (2/681) وصححه الألباني بشواهده في الإرواء (1921).
([3]) ضعيف: رواه أحمد (2/208)، والترمذي (1142)، وابن ماجه (2010)، والدارقطني (3/253)، والبيهقي (7/188) وفي سنده الحجاج بن أرطأة فيه ضعف وهو مدلس أيضًا ولم يصرح بالتحديث هنا بل قال الإمام أحمد عقبه لم يسمعه الحجاج بن أرطأة من عمرو بن شعيب إنما سمعه من محمد بن عبيد الله العرزمي. اهـ
قلت: والعرزمي هذا متروك. وضعف الألباني الحديث في الإرواء (1922).
([4]) سبق نصه وتخريجه.
([5]) انظر البداية والنهاية لابن كثير (6/252)، الإصابة لابن حجر (4/221).
([6]) مراجع: فتح القدير (3/428)، مواهب الجليل (5/137)، روضة الطالبين (5/478)، المغني (10/38)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/190-191)، أحكام أهل الذمة (2/695)، الإنصاف (8/215)، المحلى (939)، الشرح الممتع (12/248).
([7]) انظر فتاوى اللجنة الدائمة (18/267).
([1]) مراجع المسألة: تفسير ابن جرير الطبري سورة البقرة آية (221)، تفسير القرطبي سورة البقرة آية (221)، وسورة المائدة آية (5)، تفسير الرازي سورة البقرة آية (221)، تفسير البحر المحيط لأبي حيان سورة البقرة آية (221)، فتح القدير (3/228-231)، بدائع الصنائع (2/271)، التمهيد لابن عبد البر (12/21، 24)، موسوعة الإمام الشافعي (10/11، 13، 19)، روضة الطالبين (5/472)، فتح الباري (10/522)، مغني المحتاج (3/240)، المغني (9/545-548)، (10/10)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/178-190)، المحلى مسألة (1821، 1822)، فتاوى اللجنة الدائمة (18/279).
([2]) ضعيف مرفوعا: رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (3/716) وأشار لضعفه وفي سنده شريك القاضي سيء حفظ وأشعث بن سوار ضعيف يعتبر به. وروى عبد الرزاق في مصنفه (6/83) عن جابر بن عبد الله نحوه موقوفا عليه وإسناده صحيح.
([3]) روضة الطالبين (5/472)، المغني (9/546)، فتاوى اللجنة الدائمة (18/316).
([4]) رواه البخاري (3157)، من حديث عبد الرحمن بن عوف.
([5]) ضعيف: رواه مالك في الموطأ (669)، وابن أبي شيبة (3/223)، وعبد الرزاق (6/68)، والبيهقي (9/189) وغيرهم وهو منقطع محمد بن علي بن الحسين لم يدرك عمر وضعف الأثر الألباني في الإرواء (1248).
([6]) ضعيف: رواه الطبراني في الأوسط (3442) وفي سنده روح بن المسيب أبو رجال الكلبي مختلف فيه، قال ابن حجر في كتابه موافقة الخبر الخبر (2/181): لين الحديث. وذكر في لسان الميزان في ترجمة روح بن المسيب هذا الحديث وقال: غريب جدا.
([7]) رجال سنده ثقات مع إرساله: رواه ابن أبي شيبة (12/241)، وعبد الرزاق (10/356)، والبيهقي (9/193)، وقال: مرسل وإجماع أكثر المسلمين عليه يؤكده. اهـ
([8]) مجموع الفتاوى (32/188) بتصرف.
([9]) بداية المجتهد (1/389)، فتح الباري (6/393)، المغني (13/31، 208)، الإنصاف (9/217)، الشرح الممتع (8/63).
([10]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/281)، بداية المجتهد (2/49)، الاستذكار (18/143)، مواهب الجليل (5/139)، المجموع شرح المهذب (16/244)، فتح الباري (10/174)، المغني (9/472).
([11]) حديث حسن بمجموع طرقه مر معنا تخريجه في المسألة الحادية عشر من المبحث الأول من هذا الفصل.
([12]) ضعيف: رواه أحمد (4/232)، وأبو داود (2243)، والترمذي (1159، 1160)، وابن ماجه (1951)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/255)، (4/227)، وابن حبان (4155)، والدارقطني (3/273)، والبيهقي (7/184) وغيرهم، عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز عن أبيه به. وأبو وهب الجيشاني والضحاك كلاهما لم يوثقه معتبر فهما مجهولا حال. وقال ابن حجر فيهما: مقبولان. في تقريب التهذيب، ويعني بقوله: مقبول: إن توبع وإلا فلين الحديث، كما ذكر هذا في مقدمة التقريب. ولا نعلم لكل واحد منهما متابعا. وضعف هذا الحديث البخاري في التاريخ الكبير (3/249)، فقال: في إسناده نظر. وقال أيضًا في تاريخه (4/333): لا يعرف سماع بعضهم من بعض. اهـ وكذلك ضعفه العقيلي وغيره. انظر تلخيص الحبير (3/200). وصحح إسناده الدارقطني كما في تهذيب التهذيب (4/448)، والبيهقي في سننه، وقال الشيخ الألباني: الحسن محتمل. الإرواء (6/335).
([13]) مراجع: تفسير القرطبي سورة الممتحنة آية (10)، حاشية ابن عابدين (4/267، 270)، شرح معاني الآثار (3/258)، المنتقى للباجي (3/344)، موسوعة الإمام الشافعي (10/148، 152)، (11/10، 12)، المجموع شرح المهذب (16/299)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/335)، أحكام أهل الذمة (2/646، 662)، السيل الجرار (2/306)، فتاوى اللجنة الدائمة (18/292).
([14]) رجاله ثقات: رواه عبد الرزاق (6/84).
([15]) سنده صحيح: قال ابن حجر: رواه حماد بن سلمة في مصنفه وصححه في فتح الباري (10/528) وذكر أيضًا هذا السند والمتن ابن حزم في المحلى (5/370)، وابن القيم في زاد المعاد (5/139) وصححاه وهو كما قالوا.
([16]) ميزان الاعتدال (2/609).
([17]) تهذيب التهذيب (10/244)، شرح علل الترمذي لابن رجب (ص/334).
([18]) شرح علل الترمذي (ص/334).
([19]) المعرفة والتاريخ للفسوي (2/201).
([20]) صحيح: رواه ابن أبي شيبة (5/91).
([21]) إسناده ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (5/91)، فالشعبي لم يسمع من علي I إلا حديثا واحدا عندما أقام علي I حد الرجم. قال الدارقطني: سمع الشعبي من علي I حرفا ما سمع غير هذا. تهذيب التهذيب (ترجمة الشعبي) علل الدارقطني (4/97). قال الحازمي: لم يثبت أئمة الحديث سماع الشعبي من على الاعتبار (ص/160).
([22]) إسناده صحيح: رواه ابن أبي شيبة (5/91)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/260).
([23]) التمهيد لابن عبد البر (12/24).
([24]) مراجع: شرح معاني الآثار (3/258)، فتح القدير (3/418، 421)، حاشية ابن عابدين (4/267، 270)، التمهيد لابن عبد البر (12/23)، بداية المجتهد (2/49)، المنتقى للباجي (3/343-346)، المجموع شرح المهذب (16/295-300)، روضة الطالبين (5/480)، فتح الباري (10/527-528)، المغني (10/7، 11)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/175)، زاد المعاد (5/133) وما بعد، أحكام أهل الذمة (2/640-694)، المحلى (939)، عون المعبود مع تهذيب السنن (6/230).
([25]) ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (5/90)، وعبد الرزاق (6/83) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/259) وله طريقان:
الأول: فيها يزيد بن علقمة مجهول عين.
والثانية: فيها داود بن كردوس مجهول عين والسفاح بن مطر مجهول حال.
([26]) ضعيف: رواه مالك في الموطأ (1/597)، وعبد الرزاق (7/170)، والبيهقي (7/186) وهو مرسل ومراسيل الزهري من أضعف المراسيل.
([27]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (18/292).
([28]) ضعيف: رواه البيهقي (7/186) وهو مرسل مع إبهام بعض رجال السند.
([29]) معل: رواه البخاري في صحيحه (5286)، وقد أعله أبو مسعود الدمشقي وجماعة بأن عطاء هنا هو الخراساني كما ذكر ذلك ابن المديني وعطاء لم يسمع من ابن عباس وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني. فتح الباري (10/524).
([30]) سنده صحيح: رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/257)، ورواه ابن أبي شيبة (5/89)، وفيه: فهي أملك بنفسها. ورواه سعيد بن منصور في سننه (2/46)، ولفظه: يفرق بينهما لا يملك نساءنا غيرنا نحن على الناس والناس ليسوا علينا. وسنده صحيح. وفي البخاري (10/526) قال ابن عباس: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه.
([31]) الشرح الممتع (12/247).
([32]) نيل الأوطار (6/162).
([33]) سبق تخريجه في المسألة التي قبل هذه.