الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

المبحث الخامس: العيوب في النكاح

المبحث الخامس: العيوب في النكاح
1

المبحث الخامس: العيوب في النكاح

فيه مسائل:

المسألة الأولى: فسخ النكاح بالعيب في أحد الزوجين([1]).

اختلف العلماء في حق فسخ النكاح لأحد الزوجين بسبب عيب يجده في الآخر على ثلاثة أقوال:

القول الأول: لا حق للزوج في فسخ النكاح لعيب يجده في الزوجة فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها ووفاها حقوقها ولا حق للزوجة في فسخ النكاح لعيب تجده في الزوج فإن شاءت بقت معه وإن شاءت افتدت نفسها.

مذهب الظاهرية واختاره الإمام الشوكاني.

دليله: أن حق خيار الفسخ في النكاح بالعيب في الزوج أو الزوجة لم يثبت عن رسول الله H لا من قوله ولا من فعله ولم يصح في ذلك عن أحد من الصحابة ولو صح عن أحد منهم فلا حجة فيه لأنه لا حجة في قول أحد دون رسول الله H.

وقد جاء عن عائشة J أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني فبت طلاقي، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي، وإنما معه مثل الهدبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته»([2]). فشبهت ذكره بالهدبة في عدم الانتشار فلم يفرق بينهما رسول الله H ولا أجل له مدة معينة لها الفسخ بعدها.

وقياس النكاح على البيع بالرد بالعيب باطل لأن النكاح لا يشبه البيع بل هو خلافه فالبيع المراد منه المال والنكاح ليس كذلك فالمال فيه تابع غير مقصود والنكاح جائز بغير ذكر صداق في عقده ولا يجوز البيع بغير ذكر ثمن والخيار جائز في البيع مدة مسماة ولا يجوز في النكاح وأيضًا الإجماع على عدم الرد في النكاح بكل عيب ويرد البيع بكل عيب.

القول الثاني: يثبت خيار فسخ النكاح للزوجة إذا وجد العيب في الزوج ولا يثبت خيار فسخ النكاح للزوج إذا وجد العيب في الزوجة.

مذهب الحنفية.

دليله: أما الزوج فلا يثبت له الخيار لأنه يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق فإن الطلاق بيده ويستطيع أن يستمتع بزوجة غيرها مع وجودها.

ولقول علي I: «أيما رجل تزوج امرأة فوجدها مجنونة أو مجذومة أو برصاء أو قرنا فهي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها»([3]).

ولما جاء عن ابن مسعود أنه قال: لا ترد الحرة بعيب([4]).

وما جاء عن رسول الله H في هذا الباب لا يثبت وأيضًا ظاهر حديث كعب بن زيد ـ وسيأتي متنه وتخريجه ـ أنه طلقها وليس فيه أنه فسخ ورجع بالمهر على من غره.

وأما الزوجة فيثبت لها الخيار لأن الطلاق ليس بيدها ولا تستطيع الاستمتاع بغيره فيحصل لها الضرر.

وما جاء عن عمر I ـ سيأتي ذكره وتخريجه ـ قد خالفه فيه علي وابن مسعود L.

القول الثالث: يثبت حق خيار الفسخ لكل واحد من الزوجين إذا وجد العيب في الآخر.

مذهب جمهور العلماء منهم المالكية والشافعية والحنابلة.

دليله: دل على ثبوت الفسخ بالعيب لكلا الزوجين الكتاب والسنة والأثر والقياس والنظر الصحيح:

فمن الكتاب والسنة قوله تعالى: ﴿ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖ ﴾ [البقرة: ٢٢٩] ومن لم يوف المرأة حقها من الجماع لعيب فيه لم يمسكها بالمعروف فتعين التسريح لها.

وما جاء عن كعب بن زيد أو زيد بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار، فلما دخل عليها فوضع ثوبه، وقعد على الفراش، أبصر بكشحها بياضا، فانحاز عن الفراش، ثم قال: «خذي عليك ثيابك». وفي رواية: «الحقي بأهلك»([5]). أي أبصر برصا بخصرها أو بطنها فردها إلى أهلها.

ومن الأثر ما جاء عن سعيد بن المسيب عن عمر أنه قال: من تزوج امرأة وبها برص أو جنون أو جذام فلها الصداق بما أصاب منها ويرجع هو على من غره([6]). فقضى عمر I بالرد بالعيب في المرأة.

وأما القياس والنظر الصحيح فإن العيوب تمنع من الاستمتاع المقصود من النكاح وتعدي السليم وتسري إلى النسل وتشبيها للنكاح بالبيع فكما يفسخ البيع بالعيب فكذلك النكاح.

وللرجل حق الفسخ أيضًا كالمرأة فقد فعله رسول الله H ونص عليه عمر I ـ كما مر عنهما ـ والرجل يعتبر مغبونا بتزويجه بالمرأة التي فيها عيب يؤثر في النكاح ويمنع الوطء ويخشى منه التعدي إلى نفسه أو نسله فكان له حق الفسخ كالمرأة ولأن المرأة أحد العوضين في النكاح فجاز ردها بالعيب كالرجل.

وأما حديث رفاعة القرظي فلا حجة فيه لمن منع الفسخ بالعيب لأنها لم تقصد العنة بل كانت كناية عن معنى آخر وهو دقة القضيب وضعفه وأيضًا هذا كان بعد طلاقه لها ولم تذكر هذه الدعوى قبل ذلك حتى تصح أن تكون حجة لمن قال بعدم ثبوت الفسخ لوجود هذه العلة([7]).

الترجيح: الأرجح عندي ما ذهب إليه جمهور العلماء من جواز الفسخ بالعيب المؤثر في النكاح الموجود في أحد الزوجين فالقياس والنظر الصحيح يقتضيه وما جاء عن عمر I هو أصح ما في هذا الباب.

المسألة الثانية: العيوب التي يرد بها النكاح([8]).

مذاهب العلماء في العيوب التي يرد بها النكاح كالتالي:

المذهب الأول: المذهب عند الحنفية.

ثبوت الخيار للمرأة في الجب وهو قطع الذكر والعنة وهو العجز عن الجماع لعدم انتشار الذكر، والخصاء وهو قطع الأنثيين.

دليلهم: أن المرأة يثبت لها حق المطالبة لزوجها بالإمساك بالمعروف ومن ذلك أن يوفيها حقها في الجماع الذي هو المقصود من النكاح فإذا عجز عنه لأنه مجبوب أو عنين أو مخصي تعين عليه التسريح بالإحسان وهو الطلاق وإمساكها في هذه الحالة يكون ظلما لها.

وأما بقية العيوب كالجنون والبرص والجذام فلا يفوتها حقها ولا تعدم من استيفاء المقصود من النكاح وهو الجماع وإنما تقل رغبتها فيه أو تتأذى بالصحبة والعشرة معه وذلك لا يثبت لها الخيار كما لو وجدته سيء الخلق أو مقطوع اليدين أو الرجلين، وإمساك الزوج لها في هذه الحالة لا يكون ظلما لها مع صدق حاجته إليها ولأن الأصل عدم الخيار لما فيه من إبطال حق الزوج.

المذهب الثاني: مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة.

إن العيوب التي يثبت بها خيار الفسخ بين الزوجين إما عيوب معينة محدودة مشتركة بين الرجال والنساء وهي ثلاثة: الجنون والبرص ـ وهو بياض على الجلد ـ والجذام ـ وهو علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم ينقطع ويتناثر ـ وزاد المالكية العذيطة ـ وهو حصول الحدث من أحد الزوجين عند الجماع ـ

وأما عيوب خاصة بالرجل وهي الجب والعنة وزاد المالكية الخصاء.

وأما عيوب خاصة بالمرأة وهي عند المالكية كل داء في الفرج يمنع من الجماع كالقرن ـ وهو عظم ولحم في الفرج يمنع الوطء ـ والرتق ـ وهو التصاق أو التحام محل الوطء فلا يمكن معه الوطء ـ والعفل ـ قيل لحم ينبت من الفرج فيسده وقيل رغوة في الفرج تحدث عند الجماع فتمنع الوطء أو تضعفه.

وعند الشافعية: الرتق والقرن فقط.

وعند الحنابلة: القرن والعفل والفتق ـ وهو انخراق بين الفرج والدبر ـ

دليلهم: أما العيوب المشتركة وهي الجنون والبرص والجذام فلأن الطبع ينفر من مصاحبة من هو مبتلى بواحد منها فيخل بالمقصود من النكاح وهو قضاء الشهوة ولا يرجى البرؤ منها في الأغلب والجنون يخشى ضرره والبرص والجذام يخشى تعديه إلى النفس والنسل، فعن أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «فر من المجذوم فرارك من الأسد»([9]).

وما سبق في المسألة الأولى أن رسول الله H رد نكاح امرأة تزوجها عندما وجد فيها بياضا أي برصا وأن عمر I أثبت الخيار للزوج إذا تزوج بامرأة بها برصا أو جنون أو جذام وهو لا يعلم.

وأما العيوب الخاصة بالرجال أو النساء فلأنه يتعذر معها الوطء فيفوت المقصود من النكاح وهو الجماع.

وأما ما عداها من العيوب كالجرب والبهق والعمى والعقم والبله ونتن الفم أو الفرج والقروح السيالة من الفرج فلا يثبت فيها خيار الفسخ لأنه لا يتعذر معها الجماع ولا تمنع الاستمتاع ولا يخشى تعديها ولا تقع نفرة كبيرة بسببها وكثير منها يرجى برؤه في الأغلب فلا تقاس على العيوب السابقة لما بينهما من الفرق.

ولا تقاس على العيوب في البيع لفوات المقصود من البيع بسببها، وأما النكاح فلا تفوت هذه العيوب مقصوده.

المذهب الثالث: عدم قصر الفسخ على العيوب المتقدمة بل تلحق بها غيرها لمعنى يقتضي الإلحاق.

وهو قول بعض السلف وبعض الفقهاء. قال محمد بن الحسن الحنفي للمرأة حق الخيار إذا كان الزوج على حال لا تطيق المقام معه كما لو كان مجنونا أو أبرصا أو مجذوما لأنه تعذر عليها الوصول إلى حقها لمعني فيه فكان بمنزلة المجبوب أو العنين فلها الخيار لرفع الضرر عن نفسها. اهـ

وقال بعض الشافعية: يثبت خيار الفسخ بالعيوب التي تجتمع فتنفر تنفير البرص وتكسر سورة التائق كالقروح السيالة وما في معناه.

وقال أيضًا بعض الشافعية: يثبت الخيار في المرض المزمن الذي لا يمكن زواله ويتعذر معه الجماع. اهـ

وقال بعض الحنابلة: يثبت الخيار في الفروج السيالة والبخر ـ وهو نتن الفرج أو الفم ـ والباسور واستطلاق البول والغائط لأنها تثير نفرة.

وقال ابن تيمية: العقد المطلق يوجب سلامة المرأة من العيوب التي تمنع كمال الاستمتاع كخروج النجاسات منه أو منها ونحو ذلك في أحد الوجهين في مذهب أحمد وغيره. اهـ ومال إلى أن المرأة ترد بكل عيب ينفر من كمال الاستمتاع.

وقال ابن القيم: القياس أن كل عيب ينفر أحد الزوجين من الآخر ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة فإنه يوجب الخيار وهو أولى من رد البيع بوجود عيب كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع وكتمان هذه العيوب من أقبح التدليس والغش وهو مناف للدين والإطلاق عند العقد يقتضي السلامة من العيوب فهو كالمشروط عرفا. اهـ

وقال ابن عثيمين: والصواب أن العيب كل ما يفوت به مقصود النكاح، ولا شك أن من أهم مقاصد النكاح المتعة والخدمة والإنجاب، فإذا وجد ما يمنعها فهو عيب، وعلى هذا فلو وجدت الزوج عقيماً، أو وجدها هي عقيمة فهو عيب، ولو وجدها عمياء فهو عيب؛ لأنه يمنع مقصودين من مقاصد النكاح وهما المتعة والخدمة... وهذا الذي اخترناه هو الذي اختاره ابن القيم ـ رحمه الله ـ وكذلك أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض الأصحاب ـ رحمهم الله ـ، وحجة المذهب أن هذا هو الوارد عن السلف من الصحابة والتابعين، فيقال: إن الوارد عن السلف من الصحابة والتابعين قضايا أعيان، يقاس عليها ما يشبهها، أو ما كان أولى منها. اهـ

الترجيح: الراجح أن حق خيار الفسخ يثبت لكلا الزوجين بالعيوب التي نص جمهور العلماء عليها ويلحق بها ما في معناها مما يماثلها في الضرر أو يزيد عليها فيه كالإيدز وما شابهه.

واختار هذا لجنة بحوث الموسوعة الفقهية الكويتية([10]).

ودليل الإلحاق هنا القياس الجلي الصحيح فالمعنى الذي وجد في العيوب المنصوص عليها، ـ عند جمهور العلماء ـ إذا وجد في غير المنصوص عليها فإن غير المنصوص يلحق المنصوص لأن العلة واحدة فغير المنصوص يلحق بالمنصوص في الحكم إذا كانت علة الحكم في المنصوص موجودة في غير المنصوص كما هو مقرر في علم أصول الفقه.

تنبيه: ما ذكر في هذه المسألة هو في حق من وجد العيب ولم يشترط السلامة منه وأما إذا اشترط أحدهما صفة ما أو سلامة من عيب في الآخر فلم يجد ما اشترطه فله خيار الفسخ وقد سبقت هذه المسألة.

المسألة الثالثة: إذا علم أحد الزوجين بعيب الآخر ولم يطالب بالفسخ ثم أراد الفسخ بعد ذلك([11]).

هذه المسألة لها حالتان:

الحالة الأولى: إذا علم أحدهما بعيب الآخر قبل عقد النكاح أو علم به بعده ورضي به:

اتفق الفقهاء ـ الذين يرون الفسخ بالعيب ـ أن أحد الزوجين إذا علم بوجود العيب في الآخر قبل العقد أو في أثنائه أو علم به بعد العقد ورضي به أن حقه في الفسخ يلغى ولا خيار له بعد ذلك إلا العنين ففيه خلاف كما سيأتي.

والدليل على سقوط الخيار: أن عقده مع العلم بالعيب دليل على رضاه به وكذلك إذا رضي به بعد الاطلاع عليه لأنه حق لآدمي أسقطه فلا حق له بالمطالبة به بعد إسقاطه وهذا كمن اشترى سلعة فيها عيب ورضي بالعيب فليس له حق فسخ البيع بعد ذلك.

واختلفوا في الخيار للمرأة إذا علمت بعنة ا لزوج قبل العقد أو علمت بعنته بعد العقد ورضيت به على قولين:

القول الأول: يثبت لها الخيار إلا إذا رضيت به بعد انقضاء مدة التأجيل له وهي سنة كاملة ـ كما سيأتي ـ فلا خيار لها.

وهو المذهب عند الشافعية.

دليلهم: أن العنة تحصل في حق امرأة دون أخرى وفي نكاح دون نكاح فيثبت الخيار للزوجة بالعنة وإن كان قادرًا على جماع غيرها، ولأنها رضيت بإسقاط حقها قبل ثبوته لأن حقها في الفسخ إنما يثبت بعد انقضاء مدة التأجيل للعنين وهي سنة فلم يسقط حقها.

القول الثاني: لا خيار لها.

وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة ووجه للشافعية.

دليلهم: أنها رضيت بالعيب فسقط حقها في الخيار كسائر العيوب. والعنة التي هي سبب الفسخ موجودة وإنما المدة كالبينة على وجود العنة.

الترجيح: الراجح القول الثاني إذا رضيت بالعنة فليس لها الخيار بعد ذلك ولو قبل مضي سنة فلا يظهر فرق بين هذا العيب والعيوب الأخرى.

الحالة الثانية: إذا علم أحدهما بعيب الآخر وسكت فترة:

اختلف العلماء فيما إذا علم أحد الزوجين بعيب الآخر ولم يفسخ فورا فهل له الفسخ بعد ذلك؟

فيه قولان:

القول الأول: ليس له الفسخ بعد ذلك فخيار الفسخ على الفور.

وهو المذهب عند الشافعية ووجه للحنابلة.

دليلهم: أن السكوت يدل على الرضى فمن أخر الفسخ مع العلم وإمكان الفسخ دل ذلك على رضاه به فبطل خياره.

القول الثاني: له الفسخ بعد ذلك فخيار الفسخ على التراخي إلا إذا صدر منه ما يدل على الرضى فلا خيار له بعد ذلك.

وهو مذهب الحنفية ووجه للشافعية والمذهب عند الحنابلة.

دليلهم: أنه خيار لدفع ضرر متحقق فكان على التراخي، ولأن التأخير بطلب الفرقة قد يكون للتجربة ورجاء العافية لا للرضا به فلا يبطل الحق بالشك والاحتمال.

الترجيح: الراجح القول الثاني أن الخيار على ا لتراخي لوجود احتمال الرضى وعدمه إلا بقرينة تدل على الرضى كالوطء مع العلم بالعيب.

المسألة الرابعة: حدوث العيب المؤثر في أحد الزوجين بعد العقد([12]).

اختلف العلماء في حق خيار الفسخ للزوجين إذا حدث عيب بأحد الزوجين بعد العقد على قولين:

القول الأول: لوجب الزوج أو صار عنينا بعد الدخول على المرأة ولو مرة واحدة فلا خيار لها بعد ذلك.

وهو مذهب الحنفية.

دليلهم: حصول حقها بالوطء مرة وما زاد عليها فهو مستحق ديانة لا قضاء فقضاء يكفي وطؤها مرة واحدة وديانة يأثم إذا ترك الوطء تعنتا مع القدرة عليه.

القول الثاني: يثبت حق خيار الفسخ للزوجة دون الزوج.

وهو مذهب المالكية والقول القديم للشافعي.

دليلهم: أن الزوج قادر على فراقها والتخلص من ذلك بالطلاق إن تضرر لأن الطلاق بيده بخلاف المرأة فلذا يثبت لها الخيار.

القول الثالث: يثبت خيار الفسخ لكلا الزوجين.

وهو الصحيح عند الشافعية والأصح عند الحنابلة.

دليلهم: أن كل عيب يثبت لأجله الخيار إذا كان موجودا حال العقد يثبت لأجله الخيار إذا حدث بعد العقد كالإعسار بالنفقة على الزوجة أو العجز عن أداء المهر أو الرق فلو أعتقت الأمة تحت العبد خيرت بين البقاء معه والفراق له ـ كما سيأتي ـ فكذلك العيوب التي يثبت للزوجين الخيار فيها.

ولأن النكاح عقد على منفعة فحدوث العيب للمعقود عليه يثبت الخيار كالإجارة عقد منفعة حدوث العيب بها يثبت الخيار.

ولا فرق بين الزوج والزوجة في هذا الحق فما دام أنه ثابت لهما حال العقد فهو ثابت لهما بعد العقد والقول بأنه يمكنه أن يطلق ينتقض بالعيب الموجود حال العقد فإنه يمكن للزوج أن يطلق لأن الطلاق بيده ومع هذا يثبت له خيار الفسخ.

القول الرابع: لا يثبت الخيار لأحد منهما بالعيب الذي يحدث للآخر بعد العقد.

وهو وجه للحنابلة.

دليلهم: أنه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد فلا خيار فيه كالعيب الحادث في السلعة بعد البيع لا خيار فيه للمشتري، ولأنه عيب حدث فيما صار ملكا له فكان ذلك عليه كما لو مات أحدهما، ولأنه لم يحصل غرر ولا تدليس فلا يعلم الغيب إلا الله فلم يثبت الخيار.

الترجيح: الأقرب عندي عدم ثبوت الخيار بالعيب الحادث بعد العقد إلا في بعض العيوب التي تحدث في الزوج فلا يحصل للزوجة الإمساك بالمعروف وتخشى أذاه بسبب هذا العيب وذلك كالجنون المطبق ـ أي الدائم ـ وإلى نحو هذا ذهب الشيخ ابن عثميين وقال: أما بعض العيوب فلا ينبغي أن يكون في ثبوت الفسخ فيه خلاف. اهـ

المسألة الخامسة: اشتراط سلامة طالب التفريق بالعيب من العيوب([13]).

اختلف العلماء في اشتراط سلامة طالب الفسخ من العيوب على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يشترط لطالب التفريق بالعيب سلامته من العيوب.

وهو ظاهر مذهب الحنفية ووجه للحنابلة.

دليلهم: وجود العيب المؤثر في النكاح من كلا الزوجين فالنقص حاصل بالاثنين.

القول الثاني: لا يشترط لطلب التفريق بالعيب سلامة طالب التفريق من العيوب.

وهو الأظهر عند المالكية والأصح عند الشافعية والأصح عند الحنابلة.

دليلهم: أن نفس الإنسان تعاف من عيب غيره وتنفر منه ولو كان به نفس العيب ولا تعاف نفسه وتنفر من عيبه، ولوجود السبب المثبت للخيار وهو العيب.

القول الثالث: إن كان العيب من جنس واحد مثلا كلاهما أبرص كان للزوج طلب التفريق دون الزوجة، وإن كان العيب من جنس آخر كان لكل واحد من الزوجين طلب التفريق.

وهو قول بعض المالكية.

دليلهم: أن الزوج بذل الصداق لسالمة فوجدها دونها ممن يكون صداقها أقل من ذلك فكان له طلب الفرقة ولو كان فيه نفس العيب.

القول الرابع: إذا كان العيب فيهما من جنس واحد بأن كان كلاهما أبرص أو أجذم مثلا فلا يثبت الخيار لواحد منهما، وإن كان العيب فيهما من جنسين متغايرين كأن يكون أحدهما أبرص والآخر أجذم ثبت الخيار لكل واحد منهما.

وهذا وجه للشافعية ووجه للحنابلة.

دليلهم: أن العيبين إذا كانا من جنس واحد فإن الزوجين يكونان متساويين في النقص فلا مزية لأحدهما على الآخر فأشبها الصحيحين.

الترجيح: الأرجح عندي القول الأخير أن طالب الفسخ إذا كان فيه عيب مماثل فليس له خيار الفسخ فلا مزية له على الآخر وإذا كان عيبه غير مماثل فله طلب الفسخ لبرئه هو من هذا العيب.

المسألة السادسة: اشتراط وقوع الفرقة الثابتة بالعيب عند الحاكم([14]).

اختلف الفقهاء في اشتراط وقوع هذه الفرقة عند الحاكم على قولين:

القول الأول: لا تكون هذه الفرقة إلا عند الحاكم فيشترط فيها الرفع إلى الحاكم.

وهو مذهب الحنفية والمالكية والأصح عند الشافعيةومذهب الحنابلة.

دليلهم: أنها فرقة مجتهد فيها فلابد من نظر الحاكم واجتهاده، ولأنها تحتاج إلى الدعوى والدعوى لا تكون إلا عند حاكم، ولأن في بعض العيوب ما هو مختلف فيه وحكم الحاكم يرفع الخلاف.

القول الثاني: لا يشترط في الفرقة بالعيب الرفع إلى الحاكم فلكل واحد من الزوجين الانفراد بالفسخ بوجود العيب المؤثر في الآخر فلا تتوقف الفرقة على حكم الحاكم إلا عند التنازع فيرفع إلى الحاكم.

وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشيخ ابن عثيمين وهو وجه للشافعية لكنهم استثنوا العنة فيشترط فيه الرفع إلى الحاكم.

دليلهم: عدم وجود دليل على اشتراط الحاكم وقياسا على الفسخ بالعيب الثابت في المبيع فلا يشترط فيه حكم الحاكم، ولأن الحاجة إلى الحاكم عند النزاع ليرفع الخلاف وأما عند الاتفاق فلا حاجة للحاكم.

ومن استثنى العنة فلعله لأجل الأجل الذي يضرب له ـ كما سيأتي ـ فهذا يكون عند الحاكم والله أعلم.

الترجيح: القول الأول هو الأقرب وهو أن هذه الفرقة تحتاج إلى الحاكم لأنه عقد نكاح فيحتاط له أكثر ثم هذه الفرقة يقوم بها الحاكم بنفسه وله بعد أن يحكم بها أن يردها إلى من له الخيار وهو أحد الزوجين فيفوضه بها على الأصح من أقوال العلماء.

المسألة السابعة: نوع الفرقة الثابتة بالعيب([15]).

اختلف العلماء في الفرقة 

الثابتة بالعيب في الزوج هل هي طلاق أم فسخ:

القول الأول: أنها طلاق بائن فتحسب طلقة ولا ترجع له المرأة إلا بعقد ومهر جديدين.

وهو مذهب الحنفية والمالكية.

دليلهم: أنها تعتبر فرقة من جهة الزوج لأنه عجز عن الإمساك بالمعروف لوجود العيب فيه وإنما ناب القاضي عنه لما امتنع من التطليق فكأنه طلقها بنفسه وهي بائنة لا رجعية لأنها لو لم تكن بائنة تبقى المرأة معلقة بالمراجعة من الزوج فلم يندفع الظلم عن الزوجة الذي هو المقصود من هذه الفرقة.

القول الثاني: أنها فسخ لا طلاق.

وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

دليلهم: أن الفرقة من جهة المرأة فهي كالأمة إذا أعتقت تحت عبد فاختارت الفرقة فإنها فسخ ـ كما سيأتي ـ ولأنها فرقة بالعيب فلم تكن طلاقا وإنما فسخا.

الترجيح: الراجح أنها فسخ فلا ينقص عدد الطلاق لأنه ليس بطلاق وللزوج مراجعتها بعقد جديد ومهر جديد.

ملاحظة: الفرقة من الزوج لامرأته المعيبة تعتبر طلاقا ولا إشكال في ذلك لأن الفرقة من جهة الزوج.

المسألة الثامنة: تأجيل العنين([1]).

عامة العلماء على أن العنين يؤجله الحاكم سنة كاملة فإن جامع زوجته في هذه السنة ارتفعت العنة ولا خيار للزوجة، وإن مضت السنة ولم يجامعها كانت بالخيار بين الإقامة معه أو المفارقة له وذلك لأن العجز عن الوطء قد يكون من أصل الخلقة وقد يكون لعارض فإذا كان لعارض فإنه سيتمكن من وطئها خلال السنة مع تنوع جوها من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة فالسنة تشتمل على الفصول الأربعة وإذا مضت السنة ولم يقدر على الوطء علم أن العجز من أصل الخلقة وليس للمرأة الخيار في الفسخ قبل انقضاء هذه المدة المضروبة للزوج فعن سعيد بن المسيب عن عمر I أنه قال في العنين: يؤجل سنة فإن قدر عليها وإلا فرق بينهما ولها المهر وعليها العدة([2]).

وعن ابن مسعود قال: يؤجل العنين سنة فإن جامع وإلا فرق بينهما([3]).

وعن علي I قال: يؤجل سنة فإن وصل وإلا فرق بينهما([4]).

وعن المغيرة بن شعبة قال: يؤجل العنين سنة([5]).

وهؤلاء لا مخالف لهم من الصحابة فدل على أنه إجماع.

وقال جماعة من الحنابلة: لها الفسخ في الحال كالفسخ لأي عيب آخر.

الترجيح: الراجح القول الأول لا يثبت لها خيار الفسخ إلا بعد مضي سنة فقد جاء عن جماعة من الصحابة ـ كما مر ـ ولا أعلم لهم مخالفا من الصحابة صح عنه فكان حجة، ويكفي أن يطئها مرة واحدة ليسقط حقها في الخيار لأنه بها قد ثبتت قدرته على الوطء وبطل كونه عنينا فحقها قضاء يحصل بالوطء مرة واحدة وعلى هذا اتفق فقهاء المذاهب وأكثر العلماء.

المسألة التاسعة: إذا ادعت الزوجة أنه لم يطأها وادعى الزوج أنه وطأها([6]).

اختلف العلماء فيما إذا ادعت المرأة أنه لم يطأها وأنكر الزوج دعواها:

القول الأول: إذا كانت بكرًا والبكارة باقية فالقول قولها وإذا كانت ثيبا أو بكرًا وقد زالت بكارتها فالقول قول الزوج.

وهو مذهب الحنفية والشافعية ورواية لأحمد.

دليلهم: أما إذا كانت بكرًا والبكارة باقية فالقول قولها لأن وجود بكارتها يدل على عدم الوطء إذ لو وطأها لزالت بكارتها.

وإما إذا كانت بكرًا وقد زالت بكارتها فالقول قوله لأن الظاهر أن البكارة لا تزول إلا بالوطء وزوالها بسبب آخر خلاف الظاهر.

وكذلك إذا كانت ثيبا فالقول قوله لأنه لا يمكنه إقامة البينة عليه ولأن الأصل السلامة من العيوب ولأنها مدعية ولا بينة لها وهو منكر فالقول قوله كالمنكر في سائر الدعاوى.

القول الثاني: القول قول الزوج سواء كانت بكرًا أم ثيبا.

وهو المشهور عند المالكية.

دليلهم: أن الأصل سلامته وقدرته على الوطء.

القول الثالث: إذا كانت بكرًا وزالت بكارتها فالقول قوله وإذا كانت ثيبا أو بكرًا وبكارتها باقية فالقول قولها.

وهو المذهب عند الحنابلة.

دليلهم: أما كون القول قوله إذا كانت بكرًا وقد زالت بكارتها لأنه تبين كذبها والأصل أن البكارة لا تزول إلا بالوطء وفي دعواه سلامة العقد وأما كون القول قولها إذا كانت بكارتها باقية فلأن وجودها يدل على عدم الوطء وكذلك القول قولها إذا كانت ثيبا لأن الأصل عدم الإصابة واليقين معها لثبوت العنة فيه.

الترجيح: الراجح القول الأول أن القول قول المرأة إذا كانت بكرًا ولم تزول بكارتها والقول قول الزوج إذا تزوجها ثيبا أو كانت بكرًا وزالت بكارتها فالأصل القدرة على الوطء ولأنه يتعذر إثبات البينة على الوطء.

المسألة العاشرة: مهر الزوجة إذا وجد العيب المؤثر في أحد الزوجين واختار الآخر الفسخ([7]).

ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الفرقة إذا كانت قبل الدخول بالمرأة أن جميع المهر يسقط فلا مهر للمرأة على الرجل سواء كان الفسخ من الرجل أو من المرأة بعيب فيها أو بعيب فيه.

دليلهم: أنه إذا كان الفراق منه لعيب فيها فلا مهر لها عليه لأن الفراق لمعني وجد فيها وهو العيب الذي أخفته فصارت الفرقة كأنها منها.

وإذا كان الفراق منها لعيب منه فلا مهر لها عليه أيضًا لأن الفرقة جاءت منها فلا شيء لها.

وإما إذا كان الفراق بعد الدخول بأن لم يعلم بعيبها أو لم تعلم بعيبه إلا بعد الدخول فلها المهر كاملا.

دليلهم: أنه إذا كان الفراق منها لعيب منه فلها المهر بسبب تدليسه عليها وإذا كان الفراق منه لعيب فيها فلأن النكاح صحيح وجد بشروطه وأركانه والفراق جاء منه بعد دخوله عليها فقد استقر المهر لها بالدخول عليها فالمهر يجب بالعقد ويستقر بالدخول فلا يسقط بحادث بعده.

ومذهب أبي حنيفة يتفق مع الأئمة الثلاثة إذا كان الفراق من المرأة لعيب في الرجل وأما إذا كانت الفرقة من الرجل لعيب في المرأة فمذهبه أن لها نصف المهر قبل الدخول لعدم الاعتبار بعيب المرأة عندهم كما سبق.

والراجح: أنه لا مهر لها كما هو في المذاهب الثلاثة لأنها مدلسة بإخفائها عيبها.

ملاحظة: العنين إذا أُجّل سنة ولم يقدر على وطء زوجته وطلبت المفارقة بعد مضي السنة فمذهب الحنفية والمشهور عند المالكية والقول القديم عند الشافعي ومذهب الحنابلة أن لها الصداق كاملا.

ودليلهم الأول: أنه قضاء عمر I فعن سعيد بن المسيب عن عمر أنه قال في العنين: يؤجل سنة فإن قدر عليها وإلا فرق بينهما ولها المهر([8]).

الثاني: أن الخلوة التامة تقوم مقام الوطء في الأحكام ومنها لزوم المهر كاملا على الزوج.

ومذهب الشافعي الجديد ورواية لمالك لها نصف المهر.

ودليله: التحقق من عدم حصول الوطء منه فلا يلزم عليه إلا النصف([9]).

الترجيح: الراجح المذهب الأول أن لها المهر كاملا لقضاء عمر I وسبق معنا في فصل الصداق الخلاف في الخلوة الممكنة من ا لوطء هل تقوم مقام الوطء أم لا؟

المسألة الحادية عشر: رجوع الزوج في المهر الذي دفعه للزوجة المعيبة على من غره([10]).

اختلف العلماء في رجوع الز وج في المهر على من غره على قولين:

القول الأول: لا يرجع على من غره في المهر الذي دفعه للزوجة التي علم بعيبها بعد الدخول عليها.

وهو مذهب الحنفية والأصح عند الشافعية ورواية لأحمد رجع عنها.

دليلهم: أنه استوفى بدله وهو الوطء فلا يرجع به على غيره كما لو كانت السلعة المشتراة معيبة فأكلها أو أتلفها.

وجاء هذا عن علي I ـ مر معنا تخريجه في أول مسائل هذا المبحث ـ

القول الثاني: يرجع في المهر على من غره إما على ولي المرأة إذا كان يعلم بالعيب وإما على المرأة إذا كان وليها لا يعلم بالعيب.

وهو مذهب المالكية وقول الشافعي القديم ومذهب الحنابلة.

دليلهم: أنه غره في النكاح بما يثبت به الخيار فلزمه الضمان وهذا قضاء عمر I ـ مر تخريجه في أول مسائل هذا المبحث ـ

الترجيح: الراجح القول الثاني يرجع على من غره الولي أو المرأة ما دام أننا جعلنا له حق خيار الفسخ وإلا فلا فائدة من ذلك وإنما لم يقل به الحنفية لأنهم يرون أن المرأة لا ترد بعيب أصلا.

المسألة الثانية عشر: إذا اعتقت الأمة خيرت في زوجها([11]).

اتفق العلماء على أن الأمة إذا أعتقت أنها تخير في زوجها إذا كان عبدا فإن شاءت بقت معه وإن شاءت فارقته لأنه ليس كفؤا لها فهو ناقص بالرق وهي صارت حرة ولأنها تتضرر ببقائها تحت عبد وهي حرة.

واختلفوا لو اعتقت وكان زوجها حرا هل تخير فيه أم لا؟

على قولين:

القول الأول: تخير في زوجها الحر فإن شاءت بقت معه وإن شاءت فارقته.

وهو قول بعض السلف ومذهب الحنفية ورواية لأحمد وقول ابن حزم وابن تيمية.

دليلهم الأول: أنها كانت مجبرة عند النكاح لأن لمولاها أن يزوجها بغير رضاها فإذا أعتقت ملكت رقبتها فلا تنكح إلا باختيارها ولم يثبت عن النبي H أنه اشترط لتخييرها أن يكون زوجها عبدا ولم يقل إنه إنما خير بريرة في زوجها عندما أعتقت لأنه كان عبدا فيبقى التخيير على العموم.

الثاني: أن رسول الله H خير بريرة في زوجها عندما أعتقت وكان زوجها حرا، فعن عن الأسود ين يزيد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: اشتريت بريرة، فاشترط أهلها ولاءها. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أعتقيها، فإن الولاء لمن أعطى الورق» قالت: فأعتقتها. قالت: فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخيرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما بت عنده، فاختارت نفسها قال الأسود: وكان زوجها حرا([12]).

وعن الأسود عن عائشة قالت: كان زوج بريرة حرا فلما اعتقت خيرها رسول الله H فاختارت نفسها([13]).

القول الثاني: أنها لا تخير في زوجها الحر بل تبقى في عصمته.

وهو مذهب جمهور العلماء منهم المالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة ومذهب الظاهرية حاشا ابن حزم.

دليلهم: أن زوجها الحر كفؤ لها ومساو لها ولا ضرر عليها بالبقاء تحته، وإنما خير رسول الله H بريرة في زوجها بعد عتقها لأن زوجها كان عبدا ولو كان حرا لم تخير، فعن ابن عباس L قال: رأيته عبدا. يعني زوج بريرة([14]). وفي رواية: وكان زوج بريرة عبدا أسود([15]). ولم تختلف الروايات عن ابن عباس في أن زوجها كان عبدا. وحديث عائشة السابق أصح الروايتين فيه أن زوجها كان عبدا.

الترجيح: الراجح ما عليه جمهور العلماء لا تخير إذا اعتقت وكان زوجها حرا لوجود الكفاءة بينهما.

وإذا كان زوجها عبدا وأعتقت واختارت المفارقة فإنها تكون فسخا لا طلاقا عند جمهور العلماء لأنها فرقة من جهة المرأة وليست من الزوج فكانت فسخا وهذا هو الراجح.

ومذهب مالك وغيره أنها تكون طلاقا بائنا.

 

 

 

([1]) مراجع: بدائع الصنائع (2/322)، البحر الرائق (4/192)، حاشية ابن عابدين (5/133، 135)، بداية المجتهد (2/51)، حاشية الدسوقي (3/110)، البيان في مذهب الشافعي (9/302)، مغني المحتاج (3/263)، المغني (10/83، 88)، الإنصاف (8/186، 188).

([2]) صحيح: رواه عبد الرزاق (6/253)، وابن أبي شيبة (4/207)، والدارقطني (3/305)، والبيهقي (7/226) ورجاله ثقات. وانظر ما سبق من كلام على رواية ابن المسيب عن عمر عند أول مسائل هذا المبحث. وله طرق أخرى إلى عمر I كلها لا تخلو من ضعف. انظر عبد الرزاق (6/253)، وابن أبي شيبة (4/206)، وسعيد بن منصور (3/2/53)، والدارقطني (3/267)، والبيهقي (7/226)، فهذا الأثر ثابت عن عمر I.

([3]) سنده صحيح: رواه عبد الرزاق (6/253)، وابن أبي شيبة (4/206)، والدارقطني (3/306)، والبيهقي (7/226).

([4]) ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (4/206)، والبيهقي (7/227)، عن الضحاك عن علي وهذا مرسل وفيه ابن إسحاق مدلس ولم يصرح بالتحديث ورواه عبد الرزاق (6/254) عن الحاكم عن علي وهذا مرسل أيضًا وفي سنده الحسن بن عمارة متروك.

([5]) ضعيف: رواه عبد الرزاق (6/254)، وابن أبي شيبة (4/206)، والدارقطني (3/306)، والبيهقي (7/226) والراوي له عن المغيرة وقع اختلاف في اسمه واسم أبيه وهو مجهول حال.

([6]) مراجع: حاشية ابن عابدين (5/138)، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (5/153)، حاشية الدسوقي (3/112)، البيان في مذهب الشافعي (9/306)، المغني (10/91)، معونة أولي النهى (7/197)، الإنصاف (8/190).

([7]) مراجع: المبسوط (5/94، 95)، حاشية ابن عابدين (4/186)، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (5/158)، حاشية الدسوقي (3/117)، البيان في مذهب الشافعي (9/297)، مغني المحتاج (3/261)، المغني (10/62)، الإنصاف (8/201)، كشاف القناع (5/113).

([8]) رجاله ثقات: رواه عبد الرزاق (6/253)، والبيهقي (7/226)، ورواه عبد الرزاق (6/254) أيضًا عن عطاء عن عمر ورجاله ثقات لكنه مرسل.

([9]) انظر حاشية ابن عابدين (4/186)، فتح القدير (4/300)، حاشية الدسوقي (3/113)، المغني (10/283)، الأوسط لابن المنذر (8/451)، اختلاف العلماء للمروزي (ص128).

([10]) مراجع: كتاب الحجة لمحمد بن الحسن الحنفي (3/319)، مواهب الجليل من أدلة خليل (3/89)، حاشية الدسوقي (3/118)، البيان في مذهب الشافعي (9/299)، المغني (10/64)، الإنصاف (8/202).

([11]) مراجع: فتح باب العناية (2/69)، حاشية الدسوقي (3/125)، مواهب الجليل من أدلة خليل (3/94)، شرح مسلم للنووي (9/120)، فتح الباري (10/511، 515)، المغني (10/68-70)، زاد المعاد (5/168)، الإنصاف (8/176)، المحلى مسألة (1942).

([12]) رواه البخاري (6754)، وقال قول الأسود منقطع ـ أي مدرج من قوله ـ وقول ابن عباس رأيته عبدا أصح. اهـ

([13]) سنده صحيح: رواه أحمد (6/42، 170)، والنسائي (6/163)، والترمذي (1189)، وابن ماجه (2074)، والبيهقي (7/223).

وقولها: «كان زوجها حرا» مدرج من قول الأسود بن يزيد كما في رواية البخاري السابقة. وعلى تقدير أن يكون موصولا فهي رواية شاذة تفرد بها الأسود بن يزيد عن عائشة وخالفه غيره، فرووه عن عائشة قالت: كان زوجها عبدا. قال الحافظ إبراهيم بن أبي طالب: خالف الأسود الناس في زوج بريرة فقال: إنه حر. وقال الناس: بأنه كان عبدا. سنن البيهقي (7/224).

والذين خالفه هم عروة بن الزبير عند مسلم (1504/13)، والنسائي (6/163)، والقاسم بن محمد عند مسلم (1504/11) وغيره وعمره عند البيهقي (7/221).

وقد رجح جماعة من المحققين رواية أن زوجها كان عبدا منهم ابن حجر وابن القيم والألباني. انظر فتح الباري (10/515)، وزاد المعاد (5/168)، والإرواء عند حديث (1873).

([14]) رواه البخاري (5280).

([15]) رواه البخاري (5282).

 

([1]) مراجع: بدائع الصنائع (2/327)، فتح القدير (4/306)، فتح باب العناية (2/165)، بداية المجتهد (2/50)، المنتقى شرح الموطأ (3/278)، المجموع شرح المهذب (17/275)، البيان في مذهب الشافعي للعمراني (9/290، 302)، المغني (10/56)، زاد المعاد (5/181)، المحلى مسألة (1895، 1930)، نيل الأوطار (4/245).

([2]) رواه البخاري (5260)، ومسلم (1455).

([3]) ضعيف: رواه سعيد بن منصور (3/1/212)، والبيهقي (7/215) عن الشعبي عن علي I والشعبي لم يسمع من علي إلا حرفا واحدًا لم يسمع غيره كما قاله الدارقطني في علله (4/97) فالسند منقطع.

([4]) ضعيف: رواه ابن أبي شيبة (4/177) عن النخعي عن ابن مسعود والنخعي لم يلق ابن مسعود فالسند منقطع.

([5]) ضعيف جدا: رواه أحمد (3/493)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/107)، ورواه الحاكم (4/34) عن زيد بن كعب بن عجرة عن أبيه به. ورواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (2/104)، والبيهقي (7/213) عن ابن عمر به. وفي جميع طرق الحديث جميل بن زيد الطائي ضعيف جدا وقد اضطرب في صحابي الحديث. انظر الإرواء (1912).

([6]) رجاله ثقات: رواه مالك في الموطأ (2/526)، وابن أبي شيبة (4/175)، وسعيد بن منصور (3/1/212)، والدارقطني (3/267)، والبيهقي (7/214) وقد اختلف العلماء في سماع سعيد بن المسيب من عمر فقد توفي عمر I وهو في الثامنة من عمره. التمهيد لابن عبد البر (12/116)، وتهذيب التهذيب (4/86)، والصحيح أنه سمع من عمر شيئا وهو يخطب عندما نعى النعمان بن مقرن. تذكرة الحفاظ (1/54) لكنه أكب على المسألة في شأن عمر وأمره كأنه رآه وكان ابن عمر يرسل إلى سعيد بن المسيب يسأله عن قضايا عمر فيفتي بها. تهذيب الكمال (11/74)، زاد المعاد (5/183).

([7]) انظر بدائع الصنائع (2/323).

([8]) مراجع: بدائع الصنائع (2/327)، المبسوط للسرخسي (5/88)، فتح القدير (4/305)، الاستذكار (16/94)، المنتقى شرح الموطأ (3/278)، مواهب الجليل شرح مختصر خليل (5/146)، مواهب الجليل على أدلة خليل (3/87)، روضة الطالبين (5/511)، النجم الوهاج (7/232)، مغني المحتاج (3/259)، المغني (10/57)، الاختيارات العلمية من الاختيارات الفقهية لابن تيمية (ص/318)، مجموع فتاوى ابن تيمية (29/175)، زاد المعاد (5/182)، الشرح الممتع (12/219)، الموسوعة الفقهية الكويتية (29/67).

([9]) رواه البخاري (5707)، ومسلم (2223).

([10]) انظر الموسوعة الفقهية الكويتية (29/69)

([11]) مراجع: حاشية ابن عابدين (5/133، 137)، حاشية الدسوقي (3/103)، روضة الطالبين (5/515، 517)، النجم الوهاج (7/237، 249)، مغني المحتاج (3/260)، المغني (10/61، 86)، الإنصاف (8/200).

([12]) مراجع: البحر الرائق (4/190)، حاشية ابن عابدين (5/133)، المنتقى شرح الموطأ (3/279)، حاشية الدسوقي (3/105)، روضة الطالبين (5/514)، المجموع شرح المهذب (16/271)، المغني (10/60)، الشرح الكبير (20/511)، معونة أولي النهى (7/202)، كشاف القناع (5/111)، الشرح الممتع (12/222).

([13]) مراجع: حاشية ابن عابدين (5/132)، حاشية الدسوقي (3/103)، روضة الطالبين (5/513)، المجموع شرح المهذب (16/271)، المغني (10/60)، معونة أولى النهي (7/202)، الموسوعة الفقهية الكويتية (29/70).

([14]) مراجع: بدائع الصنائع (2/336)، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (5/154)، النجم الوهاج (7/243)، المغني (10/62)، الإنصاف (8/200)، الاختيارات العلمية من الاختيارات الفقهية لابن تيمية (ص/319)، الشرح الممتع (12/226).

([15]) مراجع: فتح القدير (4/300)، حاشية الدسوقي (3/112)، الإشراف لابن المنذر (5/83)، البيان في مذهب الشافعي (9/308)، المغني (3/84)، كشاف القناع (5/113).

1 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة