المبحث الثالث: النزاع بين الزوجين
فيه مسائل:
المسألة الأولى: المعاشرة الحسنة بين الزوجين([1]).
حث الشرع كل واحد من الزوجين على معاشرة الآخر بالمعروف وذلك بأن يبذل كل واحد منهما الحق الذي عليه لصاحبه بطيب نفس وبشاشة وطلاقة وجه ولا يماطله حقه مع قدرته ولا يتبعه عليه أذى ولا منَّة ويكف كل منهما أذاه عن الاخر فلا يؤذيه بقول أو فعل بتحسين كل واحد منهما الخلق مع صاحبه بالرفق به والصبر عليه والصحبة الجميلة والتلطف في الكلام وعدم الغلظة والفضاضة في الكلام والمعاملة وعدم البغض والإحسان بالقول والفعل، قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ ﴾ [النساء : ١٩] وقال: ﴿ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وقال أيضا: ﴿ قَدۡ عَلِمۡنَا مَا فَرَضۡنَا عَلَيۡهِمۡ فِيٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ ﴾ [الاحزاب : ٥٠]. وقال تعالى أيضا: ﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ ﴾ [النساء : ٣٤]
وقال رسول الله : «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم([2])».
وعن أبي هريرة I أن رسول الله H قال: «استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرا([3])».
وعن أبي هريرة I قال: قال رسول الله H: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر([4])». والفرك: البغض.
وعن معاوية بن حيدة أن رسول الله H سئل عن حق الزوجة فقال: «لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت([5])».
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله H: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا وخيارهم خيارهم لنسائهم([6])».
وعن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله H: «لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها([7])».
وعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله H أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فيما يكره([8])».
وعن حصين عن عمته أن رسول الله H قال لها: كيف أنت لبعلك؟» قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. فقال: «انظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك([9])».
المسألة الثانية: نشوز المرأة وكيفية تعامل الزوج معها([10]).
النشوز معصية الزوج فيما أوجب الله على المرأة من طاعة، وأصل النشوز الترفع فالزوجة ترفعت على الزوج بمخالفته فيما فرض الله عليها من طاعته وذلك كأن تمنعه الاستمتاع بها أو تتثاقل إذا دعاها للفراش أو تخرج من بيته بغير إذنه لغير ضرورة.
وقد اتفق العلماء على أن الزوج يؤدب زوجته الناشز بالوعظ والهجر في المضجع والضرب قال تعالى: ﴿ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًا ﴾ [النساء : ٣٤] فقوله: ﴿ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ أي تعلمون نشوزهن فيبدأ الزوج أولا بالوعظ برفق ولين فيخوفها من عذاب الله وما يلحقها من الإثم بسبب عصيانه لما أوجب الله عليها له وأن الناشز يسقط حقها الواجب لها على زوجها ويهددها بالهجر والضرب إذا أصرت على النشوز فإن لم ينفع معها الوعظ هجرها في المضجع ومعناه أن لا يضاجعها في الفراش.
وهذا هو المشهور عند الحنفية ومذهب المالكية والمشهور عند الشافعية ومذهب الحنابلة، وهو ظاهر القرآن.
وله هجرها في المضجع ما شاء بدون تقدير مدة حتى ترجع عن النشوز أو يرى أنه لا ينفع معها فينتقل لغيره وهو ظاهر مذهب الحنفية وهو مذهب الشافعية والحنابلة وقول ابن حزم لأن الله سبحانه لم يقيده بوقت ولأن العرض منه أن ترجع إلى الطاعة فقيد بوقت رجوعها أو اليأس منها.
وقال المالكية لا يبلغ به الهجر الأربعة الأشهر لأنها أقصى ما يباح في الإيلاء ولا يجوز للمولي الزيادة عليه قال تعالى: ﴿ لِّلَّذِينَ يُؤۡلُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ تَرَبُّصُ أَرۡبَعَةِ أَشۡهُرٖ ﴾ [البقرة: ٢٢٦]
والأول هو الأرجح ولا يقاس على الإيلاء لأن سبب الترك في الإيلاء من الزوج عندما حلف ألا يطأ زوجته فوق أربعة أشهر وأما النشوز فمن الزوجة بسبب نشوزها وإعراضها عن طاعة زوجها.
واختلفوا في هجرها بترك الكلام معها:
القول الأول: لا يهجرها في الكلام أكثر من ثلاثة أيام.
وهو ظاهر مذهب الحنفية والمالكية وهو المذهب عند الشافعية والحنابلة.
دليلهم: أن القرآن نص على هجر الناشز في المضجع ومعناه ترك المضاجعة لها ولم ينص الشرع على هجرانها في الكلام ولما روي عن أبي أيوب أن رسول الله H قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام([11])». فدل الحديث على عدم جواز هجر المسلم أكثر من ثلاثة أيام وهو عام فتدخل فيه الزوجة الناشز فلا يجوز هجرها أكثر من ثلاثة أيام.
القول الثاني: يجوز هجرها في الكلام ولو أكثر من ثلاثة أيام إذا كان فيه إصلاح لها.
وهو قول بعض السلف وبعض الحنفية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة.
دليلهم: أنه يجوز هجر المسلم المبتدع والفاسق ونحوهما إذا كان فيه صلاح دين الهاجر والمهجور كما هو معروف عن السلف فكذلك يجوز هجر الناشز لأنها عاصية لله بترك الطاعة الواجبة للزوج إذا قصد بهجرها ردها عن المعصية وإصلاح دينها وليس لأجل حظ نفسه والانتقام منها.
الترجيح: الأحوط عدم هجرانها في الكلام لما يفهم من قوله تعالى: ﴿ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ ﴾ [النساء : ٣٤] فإن رأى الزوج أن ترك هجرها في الفراش لا يؤثر فيها ولا تبالي به إلا إذا ترك الكلام معها أو أنها لا ترتدع وتصلح إلا بترك الكلام معها فله ترك الكلام معها ولكن لا يهجرها في السلام فيسلم عليها ويرد عليها السلام فالسلام يرفع الهجر على الصحيح من أقوال العلماء([12]).
فإذا رجعت الزوجة عن نشوزها وجب عليه ترك الهجر في المضجع والكلام لأنها رجعت للطاعة فلا تستحق الهجر.
فإن لم يُجدِ فيها الهجر فله ضربها ويكون ضربا غير مبرح أي غير شديد فلا يتلف عضوا ولا يكسر عظما ولا يجرح ولا يخدش بدنا ولا يشوه خلقه ولا يؤلم جدا لأن المقصود التأديب والإصلاح لا الإتلاف والتعذيب فعن جابر قال قال رسول الله H: «فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح([13])».
وعن عمرو بن الأحوص قال رسول الله H: «... فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح([14])».
وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع الخطرة كالصدر والدبر والقبل حتى لا يحصل الضرر عليها وقد جاء عن معاوية بن حيدة أن رسول الله H قال: «... ولا تضرب الوجه ولا تقبح([15])».
فائدة: يجوز أيضًا تأديب الزوج لزوجته بالهجر والضرب إذا تركت فرائض الله كالصلاة المكتوبة وصيام رمضان والغسل من الحيض والجنابة بعد وعظها ونصحها كما نص عليه المالكية والحنابلة وغيرهم قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا ﴾ [التحريم: ٦]
المسألة الثالثة: ما يترتب على النشوز([16]).
يترتب على نشوز المرأة الآتي:
أولا: تأديب الزوج لها بالهجر والضرب كما سبق.
ثانيا: سقوط النفقة عن الزوج.
اختلف العلماء في سقوط نفقة الناشز:
القول الأول: تسقط النفقة عن الزوج في حال نشوز المرأة.
وهو مذهب جمهور العلماء منهم الحنفية والمالكية في المشهور عندهم ومذهب الشافعية والحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
دليلهم: أن المرأة إنما وجبت لها النفقة بتسليمها نفسها إلى الزوج وتفريغها نفسها لمصالحه فإذا امتنعت من ذلك فوتت ما كان يجب النفقة لها باعتباره فلا نفقة لها ولأن حقها من المضاجعة والصحبة يسقط بسبب نشوزها بقوله تعالى: ﴿ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ ﴾ [النساء : ٣٤] مع أنه حق للاثنين فتسقط نفقتها عليه من باب أولى لأن النفقة لها خاصة ولا يسقط مهرها لأنه وجب بمجرد العقد لذلك لو مات الزوج بعد العقد وقبل الدخول عليها وجب لها المهر من ماله ولا تجب النفقة.
القول الثاني: لا تسقط نفقة الناشز.
وهو قول بعض السلف وبعض المالكية وابن حزم الظاهري.
دليلهم: أن الأدلة في وجوب النفقة على الزوج عامة فتشمل الناشز وغير الناشز ولا دليل من كتاب أو سنة أو إجماع على سقوطها ولأن المهر لا يسقط بسبب النشوز فكذلك النفقة.
الترجيح: الراجح أن نفقة المرأة لا تجب لها في حالة نشوزها كما قال جمهور العلماء لأن النفقة حق لها بمقابل الحق الذي عليها للزوج فإذا أسقطت حقه سقط حقها قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ ﴾ [البقرة: ٢٢٨]
فائدة: إذا كانت الزوجة الناشز حاملا فلا تسقط النفقة عن الزوج كما نص عليه جماعة من العلماء لأن النفقة تكون لأجل الحمل فلا يسقط حق الجنين بسبب عصيانها.
ثالثا: سقوط حق الناشز في السكنة.
والخلاف فيه كالخلاف في سقوط النفقة فلا سكنى لها على الزوج على الراجح.
رابعا: سقوط حق الناشز في القسم.
وذلك إذا كان الرجل متزوجا بأكثر من واحدة، قال ابن قدامة المقدسي: وفي هذا تنبيه على سقوطهما ـ يعني النفقة والقسم ـ إذا سافرت بغير إذنه فإنه إذا سقط حقها في ذلك لعدم التمكين بأمر ليس فيه نشوز ولا معصية فلأن يسقط بالنشوز بالمعصية أولى وهذا لا خلاف فيه نعلمه. اهـ
وقد نص على سقوط حقها في القسم الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية ورجحه ابن تيمية.
دليلهم: أن حقها عليه في القسم في حال طاعته في حقه الواجب عليها لا في حالة النشوز وعدم الوفاء بما يجب عليها له فلا تستحق المقابل من نفقة أو سكنه أو قسم ولأن الشرع أذن في هجرها في المضجع فدل ذلك على إباحة أن يأتي غيرها من أزواجه ويسقط قسمها.
والمعتمد عند المالكية عدم سقوط القسم بالنشوز فقد قالوا: وجاز البيات عند ضرتها في ليلتها إن أغلقت بابها دونه ولم يقدر يبيت بحجرتها لمانع فإن قدر على البيات بحجرتها لم يذهب لضرتها سواء كانت ظالمة أو مظلومة على المعتمد وتكون ناشزا لإغلاقها الباب دونه لأنها وإن ظلمته لم يسقط حقها ولم تأذن أن تعطي حقها لضرتها.
وهو ظاهر كلام الشيخ ابن عثيمين فقد سئل: هل يجوز أن يذهب الزوج لزوجته الثانية إذا هجر الأولى لسبب شرعي؟
فأجاب: يجب أن يبقى معها من أجل القسم([17]).
الترجيح: الراجح عندي أن الناشز لا تستحق قسما كما أنها لا تستحق نفقة لعدم مجيئها بالعوض والمقابل فأسقطت حق نفسها ولكن لا يكون هذا الترك للقسم لها إلا لأمر تكون بسببه ناشزا شرعا بلا شك كمنعها له من الاستمتاع بها بغير عذر أو خروجها من بيته بلا إذن لغير عذر ويكون بعد وعظها وهجرها في المضجع ـ أي الفراش ـ دون البيت وفي حديث معاوية بن حيدة أن رسول الله H قال: «لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا بالبيت»([18]). فإن أصرت على النشوز فلا يقسم لها.
المسألة الرابعة: نشوز أو إعراض الرجل عن زوجته([19]).
وذلك بأن يرغب الزوج عن المرأة وينفر منها ولا يريد بقاءها معه فيريد أن يطلقها ويتزوج بأخرى أو يطلقها ويبقي ضرتها إذا كان متزوجا بأخرى.
فتطلب منه الزوجة أن يبقيها ولا يطلقها وتسقط عنه بعض حقوقها من قسم أو نفقة أو كسوة أو غير ذلك فتسترضيه بذلك لتطيب بذلك نفسه فيوافقها فيصطلحان على ذلك.
وعامة أهل العلم على جوازه لقوله تعالى: ﴿ وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا ﴾ [النساء : ١٢٨] فعن عائشة J في قوله: ﴿ وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضٗا ﴾ قالت: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها يريد طلاقها ويتزوج غيرها فتقول له: أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري فأنت في حل من النفقة علي والقسم لي([20]).
وأما إذا كرهها وأراد إسقاط حقها من قسم أو نفقة ورفض طلاقها فلا يجوز له ذلك وتجب عليه النفقة والقسم وإلا كان ظالما.
فائدة: يجوز للمرأة أن ترجع عما وضعته عن زوجها من حقوقها التي تراضيا على وضعها ثم زوجها بالخيار إن شاء أمسكها وأعطاها حقها وإن شاء طلقها وعلى هذا جمهور الفقهاء.
المسألة الخامسة: المحاكمة بين الزوجين([21]).
إذا اشتد الشجار والشقاق بين الزوجين وتمادى الشر وأشكل أمرهما ولم يعرف المحق من المبطل ولم يتبين من هو المسيء منهما بعث الحاكم حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة والحكمان يكونان من أهل الزوجين لأنهما أقرب لمعرفة أحوالهما وأشفق بهما إلا إذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما أرسل حكمين من غيرهما ويشترط في الحكمين أن يكونا من أهل العدالة وحسن النظر بالفقه ويصلحا لهذه المهمة دينا وعقلا فيسمعان من الاثنين ويسعيان في إصلاح ما بينهما ومعرفة المحق من المبطل والظالم من المظلوم فإن اتفقا الحكمان على رأي كان قولهما نافذا وإن اختلفا لم يكن قولهما نافذا.
وما سبق عليه عامة العلماء لقوله تعالى: ﴿ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ ﴾ [النساء : ٣٥]
واختلف العلماء إذا رأى الحكمان أن الخير للزوجين التفرقة هل لهما أن يفرقا بينهما أم لا؟
القول الأول: ليس لهما أن يفرقا بينهما بطلاق أو خلع إلا بإذن الزوجين أو توكيل منهما.
وهو قول بعض السلف والحنفية وقول للشافعي والمشهور عند الحنابلة وقول ابن حزم الظاهري.
دليلهم: أن الشرع أوكل أمر الطلاق إلى الزوج فلا يقع إلا منه أو بإذنه وأوكل أمر بذل المال في الخلع إلى الزوجة فلا يقع إلا منها أو بإذنها ولا يوجد نص من الشرع على أن الفرقة تكون بيد الحكمين فهما رسولان وشاهدان فقط ووكيلان عن الزوجين فلا يفرقان إلا بتوكيل من الزوجين لهما.
القول الثاني: لهما أن يفرقا بين الزوجين إذا رأيا أن الخير في التفرقة بينهما بعوض أو بغير عوض ولو بغير رضى الزوجين ولا توكيل منهما.
وهو قول جماعة من السلف والمالكية والقول الآخر للشافعي ورواية لأحمد ومذهب الظاهرية عدا ابن حزم واختاره ابن تيمية وابن القيم.
دليلهم: أن الله سماهما حكمين ولم يسميهما وكيلين ولم يعتبر رضا الزوجين ولو كانا وكيلين لقال: ليبعث وكيلا من أهله ولتبعث وكيلا من أهلها.
ولقوله تعالى: ﴿ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا ﴾ فجعل الأمر إليهما.
ولما جاء عن علي I أنه قال للحكمين بين الزوجين: إن رأيتما أن تفرقا فرقتما وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله ورفض الرجل فقال له علي: كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بمثل الذي رضيت([22]). فنص علي I على أن الحكمين لهما أن يفرقا إذا رأيا ذلك وألزم الزوج بالرضا بذلك.
وعن عكرمة بن خالد عن ابن عباس قال: بُعثت أنا ومعاوية حكمين فقيل لنا إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما. قال معمر ـ أحد رواة السند ـ وبلغني أن الذي بعثهما عثمان([23]).
الترجيح: أثر علي I استدل به كلا الطرفين فقال من لم يجعل لهما الحق في التفريق بينهما أنه يفهم منه أن قول الحكمين بالفرقة إنما يكون برضى الزوجين، وجعله حجة لمن قال إن لهما أن يفرقا أقرب وأظهر فالقول الثاني إن لهما أن يفرقا بينهما بدون إذنهما أو توكيل منهما هو الأقرب وقد نقل عن عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية، قال ابن القيم: لا يعرف لهم من الصحابة مخالف إنما يعرف الخلاف بين التابعين فمن بعدهم. اهـ
ملاحظة: يشرع أن يختار الزوجين حكمين يحكمان بينهما وينفذ حكمهما كما نص عليه بعض أهل العلم لكن هنا لا يفرقان بينهما حتى يأذنان لهما ويوكلانهما بذلك فالخطاب في الآية بإرسالهما للحكام دون الزوجين.
فائدة: يستحب للحاكم قبل إرسال الحكمين أن يرسل ثقة صالحا يسكن معهما أو بجوارهما أو يسكنان بجواره حتى يشرف عليهما ويبحث عن حالهما كما ذكره المالكية والشافعية والحنابلة.
([1]) مراجع: بدائع الصنائع (2/334)، أحكام القرآن للجصاص (3/47)، جامع أحكام القرآن للقرطبي (4/52)، (6/159)، شرح مسلم للنووي (10/49)، تفسير ابن كثير سورة النساء آية (19)، البيان في مذهب الشافعي (9/501)، فتح الباري (10/317، 627، 635، 642)، المغني (10/220)، كشاف القناع (5/184)، المحلى مسألة (1904).
([2]) حسن لغيره: سبق تخريجه.
([3]) رواه البخاري (5184)، ومسلم (1468).
([4]) رواه مسلم (1469).
([5]) صحيح: سبق تخريجه.
([6]) صحيح لغيره: رواه أحمد (2/250) وغيره بإسناد حسن وله شواهد ترقيه للصحة.
([7]) صحيح لغيره: سبق تخريجه.
([8]) صحيح لغيره: سبق تخريجه.
([9]) سنده محتمل للتحسين: سبق تخريجه.
([10]) المراجع: أحكام القرآن للجصاص (3/149)، بدائع الصنائع (2/334)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/282)، حاشية الدسوقي (3/209)، حاشية الخرشي (4/408)، روضة الطالبين (5/674)، فتح الباري (10/380)، النجم الوهاج (7/416)، المجموع شرح المهذب (16/445)، مغني المحتاج (3/330)، الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي (9/90)، المغني (10/259، 261)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/270، 277)، الإنصاف (8/349)، المحلى مسألة (1884).
([11]) رواه البخاري (6077)، ومسلم (2560).
([12]) انظر سبل السلام (4/323).
([13]) رواه مسلم (1218).
([14]) حسن لغيره: سبق تخريجه.
([15]) صحيح: سبق تخريجه.
([16]) المراجع: المبسوط (5/164)، بدائع الصنائع (2/334)، البحر الرائق (3/316)، حاشية ابن عابدين (4/286)، (5/227)، بداية المجتهد (2/55)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/288)، الذخيرة (4/457)، التبصرة للخمي (5/2049)، مواهب الجليل (5/259، 552)، حاشية الدسوقي (3/207، 487)، الأم للشافعي (6/485)، روضة الطالبين (5/659)، مغني المحتاج (3/321، 556)، المغني (10/249، 252)، (11/410)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/278، 279)، الإنصاف (8/370)، (9/380)، كشاف القناع (5/204)، المحلى مسألة (1918).
([17]) فتاوى العلماء في مسائل نسائية (ص412).
([18]) صحيح: سبق تخريجه.
([19]) مراجع: أحكام القرآن للجصاص (3/269)، المبسوط (5/192)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (7/161)، أحكام القرآن لابن العربي سورة النساء آية (128)، الاستذكار (16/380)، المجموع شرح المهذب (16/451)، روضة الطالبين (5/667)، البيان في مذهب الشافعي (9/532)، فتح الباري (9/144، 10/381)، المغني (10/262)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/270)، زاد المعاد (5/152).
([20]) رواه البخاري (5206).
([21]) مراجع: بدائع الصنائع (2/334)، أحكام القرآن للجصاص (3/150)، بداية المجتهد (2/98)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/289)، حاشية الدسوقي (3/210)، المجموع شرح المهذب (16/451)، المغني (10/263)، زاد المعاد (5/189)، المحلى مسألة (1917).
([22]) إسناده صحيح: رواه عبد الرزاق (6/512)، والطبري في تفسيره (6/718)، والدارقطني (3/395)، والبيهقي (7/305).
([23]) إسناده فيه ضعف: رواه عبد الرزاق (6/512)، والطبري في تفسيره (6/725) وهو منقطع فعكرمة بن خالد لم يسمع من ابن عباس شيئا.