المبحث ا لأول: حكم تعدد الزوجات والحكمة منه.
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم تعدد الزوجات في الإسلام([1]).
أجمع العلماء على أنه يجوز للرجل أن يجمع بين أربع زوجات في وقت واحد قال تعالى: ﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ﴾ [النساء : ٣] وعامة العلماء إلا من شذ على أنه لا يجوز للرجل أن يجمع أكثر من أربع نسوة في وقت واحد كما مر معنا سابقا.
فإن خاف ألا يعدل بين النساء فيما وجب عليه من العدل كالقسم بينهن وحسن العشرة فإنه يقتصر على واحدة لقوله تعالى: ﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ﴾ [النساء : ٣]
واختلفوا في حكم التعدد لمن قدر على العدل ولم يخش الوقوع في الظلم:
فذهب الحنفية إلى أنه يباح تعدد الزوجات إلى أربع إذا أمن الزوج عدم الجور بينهن.
وذهب الظاهرية والإمام أحمد في رواية إلى أنه يستحب الزيادة على واحدة فقد جمع النبي H أكثر من زوجة وهو لا يفعل إلا الأفضل.
ولقول رسول الله: «تزوجوا الولود الودود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة»([2]).
وهو اختيار الشيخ العثيمين فقد قال: كلما كثرت الزوجات كان أفضل والتعدد إذا استطاع الرجل أن يقوم بواجباته أفضل من الاقتصار على واحدة قال ابن عباس خير هذه الأمة أكثرها نساء. وفي الحديث: تزوجوا تكاثروا...».
وقال أيضا: تعدد الزوجات أفضل من الاقتصار على واحدة لكن بشروط ثلاثة:
- أن يكون عنده قدرة مالية.
- أن يكون عنده قدرة بدنية.
- أن يكون عنده قدرة في العدل([3]).
وهو اختيار الشيخ ابن باز في بعض فتاواه فقد سئل: هل تعدد الزوجات مباح في الإسلام أو مسنون؟
فقال: تعدد الزوجات مسنون مع القدرة لقوله تعالى: ﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ﴾ [النساء : ٣] ولفعله O، ولما في تعدد الزوجات من المصالح العظيمة للرجال وللنساء وللأمة الإسلامية فإن تعدد الزوجات يحصل به للجميع غض الأبصار وحفظ الفروج وكثرة النسل وإقدام الرجال على العدد الكثير من النساء([4]).
وقال الألباني: نحن نقول في التثنية ـ يعني الزواج بثانية ـ نحض على هذا الزواج مع ملاحظة الشروط ولو في حدود الاستحباب بشرط تلك الملاحظة ـ أي مراعاة ما قد يحدث وما قد يطرأ على هذا الزواج الثاني([5]) ـ.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يستحب أن لا يزيد الرجل في النكاح على امرأة واحدة من غير حاجة ظاهرة إن حصل بها الإعفاف لما في الزيادة عن الواحدة من غير حاجة ظاهرة من التعرض للحرام بترك العدل بين الزوجات أو التقصير فيه قال تعالى: ﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ﴾ [النساء : ٣] وقال أيضا: ﴿ وَلَن تَسۡتَطِيعُوٓاْ أَن تَعۡدِلُواْ بَيۡنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡ ﴾ [النساء : ١٢٩]
وأما رسول الله H فإنه كان يأمن على نفسه من الظلم والجور بين الزوجات.
وقول رسول الله: «تزوجوا...» المراد به الحث والحض على النكاح لا على التعدد.
الترجيح: الخلاصة عندي أنه إذا خشي عدم العدل بين النساء أو لم يقدر على مسئوليات ومتطلبات التعدد أنه يحرم عليه الزيادة على واحدة، وإذا علم من حاله أنه يقدر على العدل ويقدر على أمر التعدد فيباح له الزيادة على واحدة ولا أقول باستحبابه لعدم وجود دليل واضح يدل على الحث والحض عليه ولما فيه من تحمل مسئوليات قد يعجز عنها ولما يخشى من وقوعه في الظلم والجور ولكنه يستحب إذا وجدت حاجة ظاهرة أو مصلحة شرعية تأسيا برسول الله H، فرسول الله H كان إكثاره من النساء لحاجة فقد أُعطي قوة في الجماع وكذلك لمصلحة من حماية للدين الإسلامي ونصرة له ومن تأليف قلوب بعض زعماء المشركين ومن إيواء اليتامى مع أمهم ومن جبر خاطر المرأة ورفع قدرها ومن خوف على المرأة المؤمنة أن يفتنها أهلها المشركون كما هو معروف من سيرته في الداعي لزواجه ببعض النساء([6]).
قال الشيخ ابن باز: تعدد الزوجات سنة لمن قوي عليه وأراد بذلك عفة فرجه وغض بصره وتكثير نسله أو تشجيع الأمة على ذلك ليستغنوا بما أحل الله عما حرم الله وليأخذوا بأسباب تكثير الأمة الإسلامية وتكثير من يعبد الله في الأرض أو نحو ذلك من المقاصد الصالحة([7]).
المسألة الثانية: المصالح المستفادة من تعدد الزوجات([8]).
يجب على المسلم الرضى بحكم الله وشرعه ولا يكره ما شرعه الله للعباد ويجب عليه التسليم لله في تشريعه علم الإنسان الحكمة أم لم يعلمها.
وتعدد الزوجات مما شرعه الله وأحله للرجال بشروط وضوابط معلومة في الكتاب والسنة، والله تعالى الخبير بعباده لا يشرع لهم إلا ما فيه مصلحتهم وينتظم به أمرهم والقول بوجود بعض المفاسد فيه.
يجاب عليه بأن المصالح والفوائد المستفادة منه أكثر وأعظم والمشروع من العمل ما كانت مصلحته محضة أو مصلحته راجحة وإن وجدت فيه بعض المفاسد والحلال هو ما كانت منفعته محضة أو منفعته راجحة ولو وجدت فيه بعض المضار فكثير مما أباحه الله وشرعه لا يخلو من مضرة أو مفسدة لكن منفعته ومصلحته أكثر قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهٞ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡٔٗا وَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ﴾ [البقرة: ٢١٦] قال الشيخ ابن باز: من كره ما أنزل الله حبط عمله قال تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٩ ﴾ [محمد : ٩] فالذي يكره تعدد الزوجات ويرى الشريعة قد ظلمت أو أن حكم الله في هذا ناقص أو غير طيب أو أن مما يفعلونه في بلاد النصارى من الواحدة أولى وأفضل هذا كله ردة عن الإسلام كالذي يقول إن فرض الصلاة ليس بمناسب ولو ترك الناس بدون صلاة كان أحسن أو بدون صيام أو بدون زكاة، من قال هذا فهو كافر. اهـ
وسئل الشيخ الفوزان عن حكم من يكره أو يكره الناس من الزواج بأربع فقال: لا يجوز للمسلم أن يكره ما شرعه الله وينفر الناس منه وهذا يعتبر ردة عن دين الإسلام لقوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ ٩ ﴾ [محمد : ٩] فالأمر خطير وسببه التأثر بدعايات الكفار الذين ينفرون من الإسلام التي منها تشريع تعدد الزوجات لما فيه من مصلحة للنساء قبل الرجال.
وقوله تعالى: ﴿ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ... ﴾ [النساء : ٣] تدل على أن الذي عنده الاستعداد للقيام بحقوق النساء على التمام فله أن يعدد الزوجات إلى أربع... وذكر أيضًا أن ما فيه من مضرة تقابله مصالح راجحة قال والعاقل يقارن بين المصالح والمفاسد ويعتبر الراجح منها اهـ
قلت: وأحيانا ينفر الناس منه بسبب سوء تعامل الرجال معه حيث يحصل منهم الميل والظلم والقسوة وعدم الصبر والحلم إما مع الزوجة الجديدة وإما مع الزوجة الأولى فتجد الخوف والقلق يدب في نفوس النساء فالأولى تخاف أن يميل للجديدة ويظلمها ويتغير عليها والجديدة تخاف أن يظلمها ويميل للأولى لأنها الأصل أو أم أولاده فلهذا تحارب المرأة الأولى الزواج عليها وترفض الثانية القبول لهذا الزواج ولو التزم الزوج العدل والتسوية بين جميع نسائه لحصلت الطمأنينة له إن شاء الله ولارتضاه الجميع لما فيه من المصالح والفوائد للجميع ونذكر هنا من المصالح والفوائد الحاصلة من مشروعية تعدد الزوجات الآتي:
الأولى: أن نسبة النساء يفوق نسبة الرجال إما لكثرة المواليد من الإناث وقلة ذلك في الذكور وإما لما يتعرض له الرجال من الفناء بسبب الحروب والحوادث وكثرة الأسفار ومشاق ومخاطر السعي والكسب فعدم التعدد يبقي كثيرا من النساء بلا زواج فتتضرر كثير من النساء بسبب الحاجة للمعاشرة الزوجية بسبب الحاجة للنفقة والسكنة وغيرها فإباحة التعدد يقضي على هذه المشكلة ويقلل من عدد العانسات.
الثانية: الفارق بين فترة الإنجاب والقوة الجنسية بين الرجل والمرأة فالرجل قد تمتد عنده فترة الإنجاب وكذلك القوة الجنسية إلى بعد السبعين غالبًا بخلاف المرأة فإن فترة الإنجاب عندها والقوة الجنسية تصل ما بين الأربعين إلى الخمسين فمنع الرجل من التعدد مع قوته ونشاطه الجنسي أو رغبته بإنجاب الذرية ظلم له.
الثالثة: قوة الأمة بزيادة نسلها فتزيد اليد العاملة فيكثر الإنتاج الصناعي والزراعي والتجاري ويقوى أمر الجهاد في سبيل الله وسد ثغور البلاد الإسلامية ومجال الدعوة إلى الله إلى الناس كافة.
فالتعدد يزيد من النوع البشري الذي ينهض بهذه المهمات يقول مارتن بورمان نائب هتلر في وثيقة بخط يده كان قد كتبها عام 1944م يقول فيها: إن هتلر كان يفكر جديا في ان يبيح للرجل الألماني الزواج من اثنتين لضمان قوة الشعب الألماني. اهـ
الرابعة: القوة الجنسية عند كثير من الرجال بحيث لا تكفيه واحدة مع ما يطرأ للمرأة من حيض ونفاس وقد تطول فترتهما ويطرأ الحمل فيحصل بسبب ذلك من الآلام والضعف فيتعذر على الرجل قوي الشهوة الصبر فربما اتجه للحرام فإباحة التعدد له يساعد على حل هذه المشكلة.
الخامسة: أنه قد يطرأ للمرأة بعض الأمراض المزمنة أو أمراض مانعة من الجماع أو تكون عقيمة والرجل يحتاج للجماع أو يحتاج للإنجاب ولا يريد أن يفارق المرأة وهي كذلك لا تريد أن يفارقها فيكون الحل الأسلم للاثنين إباحة الزواج له بثانية.
السادسة: أن رسول الله H يباهي بهذه الأمة يوم القيامة فلهذا أمر بتكثيره فقال: «تزوجوا فإني مباهي بكم الأمم يوم القيامة([9])».
([1]) مراجع: تفسير الجصاص (2/346، 348)، حاشية ابن عابدين (4/282)، الجامع لأحكام القرآن (6/33، 37)، إتحاف السادة المتقين (6/188)، المجموع شرح المهذب (17/212)، البيان في مذهب الشافعي (11/189)، مغني المحتاج (3/165)، الإنصاف (8/16)، كشاف القناع (5/9)، الشرح الممتع (12/10)، الموسوعة الفقهية (41/221)، الفتاوى الإسلامية للمسند (2/365)، إتحاف الخلان (ص285)، الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة لأمين الوزان (2/544).
([2]) صحيح: سبق تخريجه.
([3]) نور على الدرب (10/261).
([4]) مجلة البلاغ العدد (1028)، نقلا عن كتاب فضل تعدد الزوجات (ص18).
([5]) سلسلة الهدى والنور (787) نقلا عن فتاوى المرأة المسلمة (2/631).
([6]) انظر تعدد الزوجات في الإسلام للدكتور/ عبد الثواب هيكل (ص128).
([7]) الفتاوى الإسلامية (2/365).
([8]) مراجع: المنتقى د/ الفوزان (3/230، 233)، إتحاف الخلان (ص318)، لماذا تعدد الزوجات ت/ خالد الجريشي (ص45)، الكلمات في بيان محاسن تعدد الزوجات ت/ هاشم الرفاعي (ص39)، تعدد الزوجات ت/خاشع حقي، فضل تعدد الزوجات ت/ أبي عبد الرحمن، فتاوى اللجنة الدائمة (19/175)، فتاوى نور على الدرب لابن باز (3/1643).
([9]) سبق تخريجه.