الاربعاء ، ٢٢ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

المبحث الثاني: العدل بين الزوجات في القَسْم

المبحث الثاني: العدل بين الزوجات في القَسْم
9

المبحث الثاني: العدل بين الزوجات في القَسْم

فيه مسائل:

المسألة الأولى: التسوية بين الزوجات في القسم([1]).

القسم: بفتح القاف وسكون السين: التوزيع، والمراد به هنا قسم المبيت بين الزوجات وهو توزيع الزمان عليهن.

لا خلاف بين العلماء في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم ـ المبيت ـ فإذا كان الرجل متزوجا باثنتين فبات عند إحداهما ليلة أو ليلتين أو ثلاثة لزمه أن يبيت عند الأخرى بقدر ذلك ولا تفضل إحداهما على الأخرى فيه وكذلك إذا كان متزوجا بثلاث أو أربع قال تعالى: ﴿ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً ﴾ [النساء : ٣]

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله H: «من كان له امرأتان فمال إلى أحدهما جاء يوم القيامة وشقه مائل» وفي رواية: ساقط([2]).

وعن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله H لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها([3]).

وعامة العلماء على أن الزوج يقسم للمريضة والحائض والنفساء والصغيرة لأن الغرض من القسم الأنس وإن لم يحصل الجماع ولإمكانه أن يستمتع بها بغير الوطء كالقبلة ونحوها ولا تستحق الناشز القسم وهي الممتنعة عن الطاعة الواجبة للزوج ـ كما سبق في مسالة ما يترتب على النشوز ـ

ويقسم أيضًا للمجنونة المأمونة التي لا يخاف منها الزوج بإن كانت لا تضرب ولا تؤذي لأنها كالصحيحة في هذه الحالة.

وأما إذا كان يخاف منها فلا يجب عليه أن يقسم لها لأنه لا يأمن منها على نفسه ولا حصل لها أنس ولا بها.

واختلفوا في المطلقة الرجعية إذا كانت في العدة:

القول الأول: يجب على الزوج أن يقسم لها.

وهو ظاهر كلام أكثر الحنابلة وهو قول الحنفية إذا قصد رجعتها.

دليلهم: أنها لا زالت زوجته ولها نفقة وسكنة فكذلك لها القسم.

القول الثاني: لا يجب على الزوج أن يقسم لها.

وهو مذهب الشافعية وجماعة من الحنابلة.

دليلهم: أنه قد عزلها عن فراشه بالطلاق فلا قسم لها.

ولأنها ليست زوجة من كل وجه لهذا ترجع حضانتها لابنها من الزوج الأول بعد طلاق الزوج الثاني لها ولو كان طلاقا رجعيا وهي في العدة.

الترجيح: الراجح القول الثاني أنه لا يقسم لها فإذا كانت الناشز لا يقسم لها مع أنه لم يطلقها فمثلها المطلقة الرجعية أو أولى.

المسألة الثانية: القسم على الزوج المريض([4]).

اتفقوا على أن الزوج المريض كذلك يلزمه أن يقسم لنسائه فقد كان رسول الله H يقسم في مرضه، فعن عائشة قالت: كان رسول الله H يسأل في مرضه الذي مات فيه: «أين أنا غدا أين أنا غدا([5])».

ولأن الغرض من القسم المؤانسة وهذا يحصل من المريض كالصحيح فإذا شق عليه القسم استأذن نساءه في بقائه عند إحداهن فعن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله H استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له([6]).

فإذا صح فلا يلزمه القضاء لهن لأنهن أذن له بالبقاء عند إحداهن فسقط حقهن.

وأما إذا لم يأذن له ففيه خلاف عند الفقهاء:

فقال الحنفية يختار الإقامة عند من شاء ثم يقضي مدة الإقامة للآخريات لوجوب العدل في القسم.

وقال المالكية يبقى عند من شاء لرفقها به في تمريضه لا لميله لها فيمنع من الإقامة عندها ثم إذا صح لم يلزمه قضاء القسم للباقيات لأن القسم يسقط بسبب عجزه عنه لشدة مرضه.

وقال الشافعية يبقى عند إحداهن بالقرعة ويجب القضاء لوجوب العدل في القسم.

وقال الحنابلة: يقرع بينهن ولا يختار لتساويهن في هذا الحق ويدل عليه استئذان رسول الله H لنسائه عند مرضه في البقاء عند عائشة ومن خرجت قرعتها بقي عندها ولا يقضي للباقيات لأن بقاءه عند إحداهن كان بالقرعة لا بالاختيار([7]).

وهذا القول هو الراجح كما لو أذن له وكالمسافر يأخذ معه من وقعت عليها القرعة ولا يقضي للباقيات فإن اختار من شاء لعنايتها به وحاجته لخدمتها بدون قرعة لزمه القضاء كالمسافر إذا اختار مصاحبة إحداهن قضى بعد ذلك للمقيمات.

المسألة الثالثة: كم يقسم بين نسائه([8]).

اختلف الفقهاء في عدد الليالي التي يقسمها الزوج بين زوجاته:

القول الأول: لا يجوز للرجل أن يقسم بين نسائه إلا ليلة ليلة فإن أحب الزيادة على ذلك لم يجز إلا برضاهن.

وهو المذهب عند المالكية وهو وجه للشافعية والمذهب عند الحنابلة.

دليلهم: أن النبي H كان يقسم ليلة ليلة فعن عائشة قالت: كان رسول الله H يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها([9]).

ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكل واحدة ثلاثا حصل تأخير الرابعة تسع ليال وذلك كثير وأشد منه لو جعل لكل واحدة أكثر من ثلاث لما للتأخير من آفات.

القول الثاني: يجوز له أن يقسم بينهن ليلة ليلة أو ليلتين ليلتين أو ثلاثا ثلاثا ولا يزيد على ذلك إلا برضاهن والأفضل أن يقسم بينهن ليلة ليلة.

وهو قول بعض الحنفية والمذهب عند الشافعية وقول بعض الحنابلة.

دليلهم: أن القسم من ليلتين أو ثلاث في حد القليل فهي كالليلة ولا يجوز الزيادة عليها لئلا يؤدي إلى المهاجرة والإيحاش للباقيات بطول المقام عند الضرة وقد يموت في المدة الطويلة فيفوت حقهن.

ويستحب أن يقسم لهن من ليلة ليلة لأنه الذي كان يفعله رسوله الله H.

القول الثالث: يجوز له أن يقسم بينهن سبعا سبعا أو أقل ولا يزيد عن السبع.

وهو قول بعض الحنفية وبعض المالكية وهو وجه للشافعية وقول ابن حزم.

دليلهم: ما جاء عن أم سلمة أن رسول الله H لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال: «إنه ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي([10])». ولم يذكر اشتراط رضى بقية نسائه وأيضًا اعتبار البكر العروس فإنه يبقى عندها سبعا ـ كما سيأتي ـ بدون رضى نسائه.

القول الرابع: يجوز له على الإطلاق بلا تحديد.

وهو قول بعض الحنفية.

دليلهم: أنه لا مضارة هنا حيث كان على وجه القسم بينهن بالسوية لأنها مطمئنة بمجيء نوبتها بنفس القدر.

الترجيح: القول الأول الذي يقول إنه يقسم بينهن ليلة ليلة ولا يجوز أكثر من ليلة إلا برضاهن هو القول الأرجح لقوة دليله وتعليله.

ويرد على حديث أم سلمة في التسبيع أنه حق خاص للزوجة الجديدة عند الدخول بها إذا كانت ثيبا وأرادت أن يبقى زوجها معها سبعا وبقائه عند البكر سبعا هو حق لها عند الزفاف لأجل التأنيس فلا يستدل بالحكم الخاص على إثبات حكم عام والله أعلم.

تنبيه: إذا كانت نساء الرجل في بلاد متباعدة أي معه زوجة في بلاد والأخرى في بلاد ثانية فيقسم بحسب الإمكان كالجمعة والشهر وأكثر على حسب تفاوت البلدان وبعدها ولا يلزم عليه ليلة بليلة أو ثلاث بثلاث للمشقة والحرج كما ذكره المالكية والحنابلة وغيرهم لقوله تعالى: ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ ﴾ [التغابن : ١٦] وفي الحديث: «وما أمرتكم من أمر فأتوا منه ما استطعتم» مع العدل في مدة البقاء إلا إذا تنازلت إحداهن عن بعض أيامها برضاها.

ملاحظة: للرجل أن يبدأ القسم من الليل وهو المشهور عند الفقهاء وله أن يبدأ من النهار فلا دليل يمنع منه.

المسألة الرابعة: الزمن الذي يجب فيه القسم([11]).

اتفق الفقهاء على أن الأصل في القسم وعماده الليل لأجل المبيت فالليل للسكن والإيواء فهو محط السكنة والبيتوتة يأوي إلى امرأته ليلا فيجب عليه التسوية بين نسائه فيه فيسوي في قدر إقامته في البيت في ليلة كل واحدة فإذا جاء عند إحداهما بعد المغرب وعند الأخرى بعد العشاء لم تحصل التسوية.

وأما النهار فهو للمعيشة والانتشار في الأرض فهو محط التكسب والعمل فينصرف لنفسه نهارا فعليه لا يلزمه أن يسوي بينهن في قدر إقامته في البيت فلا يلزمه أن يضبط زمان النهار فيقدر ما عاشره فيه لإحدهن فيعاشر الأخرى بقدره إنما هذا في البيتوتة وأما النهار ففي الجملة فله أن يبقى عند إحداهن أكثر من الأخرى لأنه وقت الانتشار فقد يكثر في يوم ويقل في آخر والضبط فيه عسر بخلاف الليل قال تعالى: ﴿ وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا ١٠ وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا ١١ ﴾ [النبا: ١٠، ١١] لكن يدخل النهار مع الليل تبعا في قسم كل واحدة فالنهار داخل في القسم تبعا لليلة فعن عائشة قالت: كان رسول الله H يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها([12]).

فيقسم الزوج لكل واحدة يوم وليلة فتكون إقامته في النهار في بيت صاحبة الليلة وعلى هذا عامة العلماء ولا يدخل على غيرها إلا لضرورة أو حاجة ـ كما سيأتي ـ لكن لا يلزم عليه أن يسوي بين نسائه في دخوله وخروجه في يوم كل واحدة وإنما يكون بحسب فراغه وعدم انشغاله.

تنبيه: من كان عمله في الليل دون النهار كالحارس ليلا فهذا عماد القسمة عنده النهار لأنه محل سكنته وبياته والليل صار محل تكسبه وسعيه.

المسألة الخامسة: دخول الزوج على إحدى زوجاته في نوبة الأخرى([13]).

اختلف الفقهاء في حكم دخول الزوج على إحدى زوجاته في نوبة ـ وقت ـ غيرها:

القول الأول: لا يجوز للزوج الدخول عليها في الليل إلا لضرورة كالمرض الشديد أو حالة ولادة أو حدوث حريق أو هدم أو نحوها ولا يجوز له الدخول عليها في النهار إلا لحاجة كأخذ متاع له أو عيادتها في مرض أو وضع ثيابه عندها أو تسليم نفقة أو تفقد حالها أو حال عياله أو سؤال عن أمر يحتاج له.

وهو مذهب الحنفية وقول بعض المالكية والمذهب عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة ورجحه الشيخ محمد بن إبراهيم.

دليلهم: لا يجوز له الدخول على غير صاحبة النوبة في الليل إلا لضرورة لأن عماد القسم الليل ـ كما سبق ـ وهو حق للمرأة لأجل المبيت والواجب العدل في المبيت بين النساء باتفاق العلماء ـ كما مر ـ فدخوله عند غير صاحبة النوبة لغير ضرورة يكون ظلما لصاحبة الحق.

وأما ما جاء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار([14]) فهو إما أنه برضاهن وإما أن القسم لم يكن واجبًا عليه ولكنه H كان يقوم به من باب الكمال وتطييبا لقلوبهن.

ويجوز له الدخول في النهار عند غير صاحبة النوبة لغير ضرورة إذا وجدت حاجة لأن المقصود من القسم الليل دون النهار وإنما النهار تابع لليل لأجل تحقيق كمال العدل فإذا دخل في النهار على واحدة لم يفت على صاحبة القسم حقها منه وذلك ببياته عندها ولأن رسول الله H كان يفعله فعن عائشة قالت: كان رسول الله H إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن([15]).

وعن عائشة قالت: كان النبي H لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها([16]).

ولا يجوز له الدخول على الضرة لغير ضرورة في الليل ولغير حاجة في النهار لأنه حق لغيرها ولاتفاقهم على وجوب العدل في القسم بين النساء.

القول الثاني: يجوز للزوج الدخول عند غير صاحبة النوبة في الليل أو النهار للحاجة.

وهو المذهب عند المالكية وهو وجه للشافعية ضعيف.

دليلهم: أن رسول الله H كان يدخل على نسائه ليلا ونهارا كما في حديث أنس السابق وليس فيه أن دخوله كان لضرورة.

القول الثالث: يجوز للزوج أن يدخل عند غير صاحبة النوبة في النهار لغير حاجة وأما في الليل فلا يجوز.

وهو ظاهر كلام ابن الأمير الصنعاني وكأنه وجه للشافعية.

دليلهم: عدم وجود دليل على اشتراط وجود الحاجة لجواز الدخول في النهار وظاهر فعل رسول الله H أنه كان يدخل على جميع نسائه لغير حاجة، قال الشيخ السعدي: أما تحريم الدخول إلى غيرها إلا لضرورة في الليلة أو لحاجة في النهار فالصواب في هذا الرجوع إلى عادة الوقت وعرف الناس إذا كان دخوله على الأخرى ليلا أو نهارا لا يعده الناس جورا ولا ظلما فالرجوع إلى العادة أصل كبير خصوصا في المسائل التي لا دليل عليها وهذه من هذا الباب([17]).

الترجيح: الأقرب أنه لا يجوز له الدخول على إحدى زوجاته في ليلة غيرها إلا لضرورة تحقيقا للعدل الواجب في القسم.

وما جاء عن رسول الله H من دخوله على نسائه ليلا يحمل على أن ذلك كان برضاهن أو أن القسم لم يكن واجبًا عليه فقد رخص الله تعالى له في ترك القسم لأنه H كان قد أعطي قوة ثلاثين رجلا في الجماع وبمثل هذه القوة قد لا تكفيه المرأة الواحدة في الليلة الواحدة ولكنه مع هذا لكرمه وحسن خلقه كان يعدل بقدر ما يستطيع.

وكذلك لا يجوز له الدخول عليها في النهار إلا لحاجة تحقيقا لكمال العدل في القسم فالنهار تابع لليل وما جاء عن رسول الله H يحمل على أنه لحاجة حتى لا يطول البعد عن نسائه لأنه كان متزوجا بتسع نسوة فلو لم يزر واحدة منهن إلا في يومها لغاب منها ثمانية أيام وهذا قد يحدث جفوة بينهن وبينه وأيضًا لحاجة تعليمهن وتذكيرهن([18]).

أو أن القسم لم يكن واجبًا عليه أو أنه كان برضاهن.

فائدة: ذكر ابن القيم وابن عثيمين أن الزوج يجوز له أن يمر على جميع نسائه كل يوم وأنه لا يعد جورا في القسم يؤخذ هذا من فعل رسول الله H وهو أقوم الناس عدلا. اهـ

قلت: هذا لا جور فيه لأنه كان يدخل على الجميع في يوم كل واحدة فسيقضي هنا للجميع بخلاف دخوله على إحداهن في يوم الأخرى دون العكس فلا يجوز إلا لحاجة.

المسألة السادسة: القضاء لصاحبة النوبة من وقت من دخل عليها([19]).

إذا دخل عليها ولم يلبث عندها فلا قضاء عليه باتفاق الفقهاء لأنه لا فائدة لصاحبة النوبة من قضاء الزمن اليسير لقلته.

وأما إذا لبث عندها ففي القضاء خلاف بين الفقهاء:

القول الأول: يجب عليه أن يقضي لصاحبة النوبة ممن دخل عليها بقدر ما أقام عندها سواء كان دخوله لضرورة أو حاجة أم لغير عذر.

وهو وجه للشافعية ومذهب الحنابلة.

دليلهم: وجوب التسوية بين الزوجات في القسم ولا تحصل في هذه الحالة إلا بقضاء ما أخذه من وقت صاحبة النوبة ممن دخل عليها.

ولأنه حق لآدمي وله قدرة على إيفائه فلا يسقط للعذر.

القول الثاني: يجب عليه أن يقضي لصاحبة النوبة ممن دخل عندها إذا دخل عليها ليلا ولا يجب أن يقضي إذا دخل عليها نهارا لحاجة ويجب القضاء إذا دخل لغير حاجة.

وهو المذهب عند الشافعية.

دليلهم: أن الليل عماد القسم فتجب التسوية فيه ولا تحصل هنا إلا بأن يقضي لصاحبة النوبة ممن دخل عندها ولو لضرورة.

وأما النهار فهو تابع لليل فلا تجب التسوية فيه بالتالي لا يجب عليه أن يقضي لصاحبة النوبة إذا دخل عند غيرها لحاجة.

وأما إذا دخل لغير حاجة فيجب عليه أن يقضي زمن الإقامة لأنه يعتبر متعديا.

القول الثالث: يقضي زمن إقامته في الليل ولا يقضي زمن إقامته في النهار ولو أقام لغير حاجة وسبب.

وهو وجه للشافعية.

دليلهم: أن النهار تبع فلا تجب التسوية فيه فلم يجب القضاء.

القول الرابع: لا يجب عليه القضاء لصاحبة النوبة ممن دخل عندها سواء دخل لضرورة أم لحاجة أم لغير عذر.

وهو مذهب الحنفية والمالكية.

دليلهم: عدم وجود دليل على وجوب القضاء ولأن المقصود من القسم دفع الضرر الحاصل وتحصين المرأة والتأنيس لها وذلك يفوت بفوات زمانه ويأثم بدخوله على غير صاحبة النوبة لغير ضرورة أو حاجة ولا يلزم القضاء.

الترجيح: الظاهر والله أعلم أنه لا يلزم عليه القضاء من وقت التي دخل عندها في غير وقتها إذا كان دخل لغير ضرورة أو حاجة لأنه معذور وغير متعدي بشرط أن لا يبقى إلا بقدر الضرورة أو الحاجة وأن يكون هذا اصطلاحا له مع جميع نسائه فأيهن وجدت لها ضرورة أو حاجة دخل عندها ولو كانت أقلهن عنده منزله ومحبه كما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا يجامل في هذا الأمر بدخوله على البعض دون البعض.

وأما دخوله على غير صاحبة النوبة بغير ضرورة ولا حاجة فيلزمه القضاء لصاحبة الحق بقدر ما مكثه عند غيرها في وقتها لأنه غير معذور ويعتبر متعديا لهذا يأثم بدخوله هذا فيكفره بتعويض صاحبة النوبة من يوم أو ليلة من دخل عندها.

تنبيه: يستحب عند من قال بالقضاء أن يقضي لصاحبة النوبة في نفس الزمان الذي دخل فيه على غير صاحبة النوبة ولا يجب فيجوز القضاء في أي زمن بنفس المقدار.

المسألة السابعة: الاستمتاع بغير صاحبة النوبة إذا دخل الزوج عندها لضرورة أو حاجة([20]).

عامة العلماء على أنه لا يجوز للزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة إلا بإذن صاحبة النوبة فعن عائشة قالت: كان رسول الله H إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن([21]).

وهذا يفهم منه القرب دون الوطء ويدل عليه ما جاء عنها أنها قالت: وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس. وفي رواية: ويلمس من غير مسيس. وفي رواية: ويقبل ويلمس ما دون الوقاع([22]).

وأما ما جاء عن أنس قال: كان رسول الله H يطوف على نسائه في الليلة الواحدة بغسل واحد وله يومئذ تسع نسوة([23]).

فالجواب عليه أنه خاص برسول الله H لما أعطي من قوة في الجماع فلعله لا تكفيه الواحدة في الليلة أو أن هذا كان برضاهن أو لوجود العدل فيه لأنه كان يطوف على الجميع في يوم كل واحدة.

واختلفوا في سائر الاستمتاعات في غير الجماع:

القول الأول: للزوج الاستمتاع بإحدى نسائه في نوبةالأخرى في غير الجماع إذا دخل عندها لضرورة أو حاجة.

مذهب جمهور الفقهاء، فهو ظاهر مذهب الحنفية وظاهر مذهب المالكية والصحيح عند الشافعية والصحيح عند الحنابلة.

دليلهم: ما سبق أعلاه من حديث عائشة.

القول الثاني: لا يجوز له الاستمتاع بإحدى نسائه في نوبة الأخرى في جماع أو غيره إذا دخل عندها لضرورة أو حاجة.

وهو وجه للشافعية ووجه للحنابلة.

دليلهم: أن ذلك مما يحصل به السكن فأشبه الجماع ولأنه يدعو إلى الجماع.

الترجيح: الراجح أنه يجوز له الاستمتاع بمن دخل عندها فلا يوجد مانع منه، ولما سبق ذكره من فعل رسول الله H، والأفضل والأكمل في العدل أن يفعل هذا مع كل زوجة من زوجاته إذا دخل عليها في غير نوبتها لعذر كما 

يفهم من حال رسول الله H.

المسألة الثامنة: ما فات من القسم لإحدى الزوجات([1]).

إذا كان ما فوته الزوج عن بعض زوجاته في النهار فلا شيء على الزوج لأن عماد القسم الليل والنهار تابع فهو للمعاش والتكسب والانتشار ـ كما سبق ـ وكذلك إذا كان في أجزاء من الليل جرت العادة بالانتشار فيها فهو جائز لا شيء عليه كأول الليل وآخره والخروج إلى الصلاة فالرجوع في ذلك إلى العرف الغالب فبعض الناس عمله يستمر إلى فترة من الليل وكذلك إذا كان خروجا يسيرا لا لبث فيه فجائز.

وأما ما عدا ذلك إذا كان في الليل وحصل التأخر أي اللبث والإقامة إما لعذر كشغل أو حبس أو خروج لسفر حاجة وإما لغير عذر.

فقد اختلف العلماء في وجوب القضاء عليه لمن فوت عليها من قسمها ـ نوبتها ـ:

القول الأول: لا يجب عليه القضاء لمن فوت عليها من نوبتها.

وهو مذهب الحنفية والمالكية.

دليله: أن المقصود من القسم دفع الضرر وتحصين المرأة والتأنيس لها وهو يفوت بفوات زمانه وهذا يخالف بقية الحقوق الآدمية لأن الحقوق إنما وجب دفعها بعد زمانها لحصول المصلحة منها بعد زمانها وأما حق القسم فإن مصلحته تفوت بفوات زمانه فلا معنى للقضاء ولأن في قضائه ظلم لصاحبة الليلة الأخرى.

مع ملاحظة أنه يأثم بتفويته من قسم إحداهن بدون عذر لأنها معصية.

القول الثاني: يجب عليه القضاء لمن فوت عليها من نوبتها ـ قسمها ـ

وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

دليله: إقامة العدل الواجب عليه ما دام أن التخلف حصل بسبب منه لعذر أو لغير عذر وليس بسبب منها كنشوزها أو منعها إياه من الدخول عليها.

ولأنه حق لآدمي فوجب أداؤه فإن فات وجب قضاؤه كسائر الحقوق.

وكيفية القضاء إما أن ينفرد بنفسه بليلة فيأوي إلى من فاتها القسم قدر المدة التي فوت عليها ويبقى ما بقي من الليل في منزل له أو لغيره فينفرد عنها وعن سائر نسائه.

وإما أن يقسم ليلة بين نسائه ويفضل من فات من قسمها بقدر ما فات من حقها وإما أن يترك من ليلة كل واحدة بقدر ما ترك من ليلة هذه.

وإما أن يقسم المتروك بينهن مثل أن يترك من ليلة إحداهما ساعتين فيقضي لها من ليلة الأخرى ساعة واحدة فيكون الفائت من ليلة كل واحدة منهما ساعة ويستحب أن يكون القضاء في نفس الوقت من النصف الأول من الليل أو من النصف الثاني منه لأنه أبلغ في المماثلة وأما إذا ترك ليلة كاملة فيقضي ليلة كاملة.

الترجيح: الراجح أنه إذا تركه لعذر لا يلزمه القضاء لأنه لم يتعد بشرط أن تكون هذه عادته مع جميع نسائه ولو أخذ رضاهن في هذا وبين لهن حصول الحرج عليه وعليهن في القضاء فوافقنه كان أحوط له ويخرج به الخلاف.

وأما إذا تركه لغير عذر فإنه يكون آثما بلا شك لحصول الظلم والتعدي منه والظاهر أنه لا يلزمه القضاء أيضا فلا دليل عليه ولوجود مشقة في تطبيقه ويقع بسببه في ظلم الأخريات لكن يحاول إرضاء من ظلمها بما يصلح شرعا وأما إذا ترك ليلة كاملة فيقضي لها ليلة كاملة سواء تركها لعذر أم لغير عذر لأنه في هذه الحالة لم يكن أعطاها قسمها فكأنه لم يقسم لها.

فائدة: بناء على ما سبق ترجيحه: المسافر إذا قدم من سفره يبقى عند من جاء عليها الدور ولو كان سافر من عند إحدى نسائه ليلا فيرجع للتي بعدها فلا يلزم عليه أن يقضي للتي سافر من عندها ولا يقضي للأخرى التي وصل عندها بعد ذهاب فترة من ليلتها([2]).

ومن باب أولى لا يقضي لمن فوت عليها زمنا من النهار بسبب سفره لأن النهار للمعيشة والانتشار.

وأما من فوت عليها ليلة كاملة بسبب سفره فيرجع إليها ولو كان بقي معها جزءا من النهار سواء قدم من السفر ليلا أو نهارا ولا يضر لو زادها فترة من النهار لعدم وجوب التسوية في الدخول في النهار.

والأفضل للزوج أن يصطلح مع نسائه على كيفية القسم بينهن إذا رجع من سفره وعند من يدخل إذا قدم من السفر هل يدخل على من سافر من عندها وبقي من قسمها أو يدخل عند التي بعدها ممن جاء دورها وإن كان قد فات جزء من قسمها ويجب عليه أن لا يتعمد السفر في ليلة إحداهن مع عدم الحاجة لسفره في هذه الليلة لغرض ألا يسافر في نوبة الأخرى فيفوت من بعض وقتها.

المسألة التاسعة: القسم للزوجة إذا سافرت([3]).

سفر المرأة له حالات:

الحالة الأولى: أن تسافر بغير إذنه.

وفي هذه الحالة لا قضاء لهذه المرأة عند عامة العلماء لأنها تعتبر ناشزا بسفرها بغير إذنه ـ كما مر معنا في مبحث النشوز ـ.

الحالة الثانية: أن تسافر بإذنه لحاجة أو غرض لها كعمرة أو زيارة لأقاربها أو تجارة لها.

اختلف الفقهاء هل يقضي لها الزوج ما فاتها من القسم أم يسقط حقها فيه؟

القول الأول: يسقط حقها في القسم فلا يقضي لها زوجها إذا رجعت.

وهو مذهب الحنفية والمالكية والصحيح عند الشافعية والمذهب عند الحنابلة.

دليلهم: أن القسم لغرض التأنيس وقد فات بسبب من جهتها ولأن القسم لها في مقابل الاستمتاع بها وقد تعذر ذلك بسببها ولأنها اختارت ترك حقها من القسم بسفرها.

القول الثاني: لا يسقط حقها في القسم ويلزم أن يقضي لها الزوج ما فات من القسم.

وهو قول للشافعية ووجه للحنابلة.

دليلهم: أنها غير ناشز فقد سافرت بإذنه.

الترجيح: الراجح ما عليه جمهور الفقهاء أن حقها في القسم يسقط ولا قضاء لها لما استدل به أهل هذا القول.

الحالة الثانية: أن تسافر بإذنه لحاجة وغرض له.

وقد اختلف الفقهاء في حقها في القسم:

القول الأول: لا يسقط حقها في القسم ويقضي لها الزوج ما فات من القسم إذا رجعت.

وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

دليلهم: أن حقها من القسم فات بسبب من جهته مع تمكينها نفسها له فلم يسقط حقها في القسم.

القول الثاني: يسقط حقها في القسم ولا يقضى لها ما فاتها من القسم.

وهو ظاهر مذهب الحنفية وظاهر مذهب المالكية.

دليلهم: أن القسم لغرض التحصين للمرأة والتأنيس لها وقد فات هذا بفوات وقته فلا يقضى.

الترجيح: القول الأول هو الأرجح فيقضي لها زوجها ما فاتها من الأيام بحسب ما تستحقه لو كانت حاضرة لوجاهة ما استدلوا به.

المسألة العاشرة: هبة المرأة حقها من القسم أو بيعه لزوجها أو لبعض ضرائرها([4]).

اتفق الفقهاء على أنه يجوز لإحدى الزوجات أن تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها لأنه حق لها فيجوز لها التنازل به لمن شاءت فعن عائشة J قالت: إن سودت وهبت يومها لها فكان رسول الله H يقسم لعائشة يومها ويوم سودة([5]).

ولا يجوز إلا برضى الزوج لأن حقه بالاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه فله حق بالاستمتاع بالواهبة.

وللواهبة الرجوع عن هبتها متى شاءت لأنها هبة لم تقبض فلم يحرم الرجوع فيها فحقها من القسم لم يجب بعد فلم يسقط بإسقاطها فهي هبة لأمر مستقبلي فكل يوم هو غير اليوم الذي قبله ولما يحصل لها من الغيرة فلا قدرة لها على الوفاء.

واختلفوا إذا وهبت يومها لزوجها فهل له جعله لمن شاء من نسائه؟

القول الأول: لا يجوز للزوج أن يجعله لمن شاء من نسائه بل تقدر الواهبة كالعدم فإن كان له أربع نساء قسم على ثلاث بإسقاط الواهبة.

وهو المذهب عند المالكية وهو وجه للشافعية.

دليلهم: أن جعله لبعضهن دون البعض يورث الوحشة والحقد ولأجل العدل فلو جعله للبعض فاضل في القسم فعلى هذا تجعل الواهبة كالمعدومة.

القول الثاني: للزوج أن يجعله لمن شاء من نسائه.

وهو قول الحنفية وبعض المالكية والمذهب عند الشافعية ومذهب الحنابلة.

دليلهم: أن الواهبة جعلت حقها له فيضعه حيث شاء وليست مفاضلة لأنه قد أعطى كل واحدة حقها وهذا حق إحداهن جعلته له يضعه حيث يشاء.

الترجيح: الراجح القول الثاني أن له أن يضعه حيث شاء فقد صار ملكا له بهبته إياه.

واختلفوا في بيع المرأة يومها لزوجها أو لضرتها:

القول الأول: لا يصح ذلك.

وهو مذهب جمهور الفقهاء فهو مذهب الحنفية ومذهب الشافعية والصحيح عند الحنابلة.

دليلهم: أن مقامه عندها ليس بمال وإنما حقها في كون الزوج عندها فلا يجوز مقابلته بمال ولأن الاستمتاع لا يقابل بالعوض ولأنه اعتياض عن حق لم يجب بعد ولأنه عقد على ظلم.

القول الثاني: يصح ذلك مع الكراهة.

وهو مذهب المالكية وقال ابن تيمية: القياس في المذهب جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره. اهـ

دليلهم: أنه حق لها فجاز لها بيعه كما جاز لها هبته ولما سئل الإمام مالك عنه قال: الناس يفعلونه وغيره أحب إلي.

الترجيح: الأقرب والله أعلم أنه يجوز للمرأة بيع يومها لزوجها أو لضرتها لعدم وجود دليل كافي يمنع منه فكما ملكت هبته بلا مقابل لأنه حق لها جاز لها هبته بمقابل لأنه حق لها لكنه مع جوازه يكره لأنه أخذ لعوض بلا مقابل من عين أو منفعة وبالتالي إذا جاز فله أن يجعله لمن شاء من نسائه ـ وهذا إذا باعته لزوجها ـ وهو المعتمد عند المالكية كما لو وهبته له.

المسألة الحادية عشر: القسم للزوجة الجديدة([6]).

اختلف العلماء في المدة التي يبقاها 

الزوج مع المرأة التي تزف إليه وعنده زوجة أخرى أو زوجات:

القول الأول: إذا كانت الزوجة الجديدة بكرًا فيبقى عندها ثلاث ليال وإذا كانت ثيبا يبقى عندها ليلتين.

وهو قول بعض السلف.

دليله: ما جاء عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله H قال: «البكر إذا نكحها رجل وله نساء لها ثلاث ليال وللثيب ليلتان([1])»

وعن عمرو بن شعيب وابن إسحاق قالا: قال رسول الله H: «للبكر ثلاث([2])»

القول الثاني: إذا كانت الزوجة الجديدة بكرًا بقي عندها سبعا وإذا كانت ثيبا بقي عندها ثلاثا ثم يقسم بين الجميع بالسوية ولا يقضي للباقيات.

وهو مذهب جمهور العلماء منهم المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية.

دليله: ما جاء عن أنس I أنه قال: السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم([3]).

فقوله السنة يعني سنة رسول الله H كما هو المشهور في مصطلح علم الحديث.

وقوله ثم يقسم أي بعد تلك المدة يبدأ القسم بينهن من جديد ولا يقضي للباقيات.

وعن أم سلمة أن رسول الله H لما تزوجها أقام عندها ثلاثا ثم قال: «إن شئت سبعت عندك وإن سبعت لك سبعت لنسائي وإن شئت ثلثت لك ثم درت» قالت: ثلث. وفي رواية قال: «للبكر سبع وللثيب ثلاث([4])».

وهذا حق خص به الشرع الزوجة الجديدة لما تحتاج من تأنيس وائتلاف ولما يحتاج الزوج من استمتاع بها أكثر لأنها جديدة عليه.

فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم الأدلة القاضية بوجوب العدل في القسم بين النساء استثناها الشرع ومن خالف هذا الأمر ليس معه دليل فالحجة مع من أدلى بالدليل.

ولما كانت الثيب مباشرة للرجال مستوحشة منه خاصة اكتفت بالثلاث والبكر مستوحشة من الرجال مطلقا احتاجت لسبع فحياء البكر أكثر فتحتاج إلى إمهال أكثر.

القول الثالث: أن الزوجة الجديدة لا تفضل على غيرها في القسم فلابد من التسوية بينها وبين غيرها من يوم الزفاف وله أن يبقى عندها ثلاثا أو سبعا ثم يقضي للباقيات مثل هذه المدة.

وهو قول بعض السلف ومذهب الحنفية.

دليله: الأدلة من القرآن والسنة التي نصت على وجوب العدل بين الزوجات وهي أدلة عامة تشمل جميع الزوجات ولأن القسم من حقوق النكاح فلا فرق بين جديدة وغيرها بل الزوجة السابقة أولى بالتفضيل لأن الوحشة من جانبها أكثر حيث أدخل عليها من يغيظها ويحزنها.

وما ثبت في الحديث «أن للبكر سبعا وللثيب ثلاثا» يحمل على أن المراد منه التفضيل في الابتداء دون الزيادة فله أن يبدأ بالجديدة قبل البقية وأن يبقى عندها سبعا أو ثلاثا ثم يقضي للباقيات مثلها فالحديث المذكور لا يدل على نفي التسوية بل على اختيار الدور بالسبع أو الثلاث.

وبهذا يجمع بينه وبين بقية الأدلة القاضية بوجوب التسوية في القسم بين الزوجات مطلقا.

الترجيح: الراجح مذهب جمهور العلماء أنه حق على الزوج للزوجة البكر المزفوفة سبع ليال وللزوجة الثيب المزفوفة ثلاث ليال ولا يقضي للباقيات لثبوت هذا الحكم في السنة النبوية.

المسألة الثانية عشر: إذا طلبت الثيب المزفوفة من زوجها أن يبقى عندها سبعا([5]).

اختلفوا في الثيب إذا طلبت من زوجها أن يبقى عندها سبعا:

القول الأول: تجاب لهذا فيبقى عندها سبعا ثم يقضي للأخريات.

وهو مذهب جمهور العلماء منهم الحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وهو قول بعض المالكية.

دليله: حديث أم سلمة السابق وفيه «إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي».

القول الثاني: لا تجاب إلى هذا فلا يبقى عندها إلا ثلاثا.

وهو المشهور عند المالكية.

دليله: حديث أنس السابق ليس فيه أن للثيب إذا طلبت منه أن يبقى عندها سبعا أنه يجيبها إليه وما أراد فعله مع أم سلمة لعله من خصائصه لأنه خص في النكاح بخصائص دون غيره.

الترجيح: الراجح ما عليه جمهور العلماء أنها تجاب لذلك فيبقى عندها سبعا ويقضي للبقية فحديث أم سلمة نص في المسألة ولا يعارض حديث أنس وإنما فيه زيادة فائدة وحكم.

واختلفوا إذا سبع للثيب كم يقضي للأخريات:

القول الأول: يقضي لهن ما زاد على الثلاث الليالي أي يقضي لكل واحدة أربعا.

وهو المذهب عند الشافعية وقول بعض الحنابلة.

دليله: أن الثلاث مستحقة لها ففي حديث أم سلمة السابق «إن شئت ثلثت لك ثم درت» وفي حديث أنس السابق قال في الثيب «أقام عندها ثلاثا ثم قسم».

فلو أقام عندها ثلاثا لم يجب عليه أن يقضي زوجاته فكذلك إذا أقام عندها سبعا فلا يجب قضاء الثلاثة الأول وإنما يقضي الأربع الزائدة بعد الثلاث وهذا هو المراد من قوله لأم سلمة «وإن سبعت لك سبعت لنسائي».

القول الثاني: يقضي لكل واحدة سبعا.

وهو مذهب الحنفية والمذهب عند الحنابلة وقول بعض الشافعية وقول الظاهرية.

دليله: أن قوله H لأم سلمة: «إن سبعت لك سبعت لنسائي» نص صريح بأنه يقضي لهن سبعا، والنص الذي أوجب لها ثلاث ليال تخص بها دون ضرائرها هو الذي أسقطها إن سبع عندها فلا عبرة بفهم أحد أمام النص الصريح.

الترجيح: الراجح القول الثاني أنه إذا أقام عند الثيب سبعا أقام عند البقية سبعا لكل واحدة فحديث أم سلمة صريح في هذا وما تأوله المخالف بعيد.

فائدة: اختلف العلماء في هذا القسم الابتدائي ـ سبع للبكر وثلاث للثيب ـ هل هو حق للمزفوفة إذا كانت عند الزوج زوجة أخرى أم هو عام؟

فذهب أكثر العلماء إلى أنه حق للمرأة بسبب الزفاف سواء كان عند الرجل زوجة أم لا، فعن أنس I قال: السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا([6]). وهذا عام فلم يخص من عنده زوجة.

وقال جماعة من العلماء: هذا الحق لمن عنده زوجة أو زوجات ففي الحديث نفسه ـ في رواية أخرى ـ إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم([7]).

فيحمل المطلق على المقيد.

وأيضا قوله «ثم قسم» دليل على وجود زوجات أخر ولأن من لا زوجة له مقيم مع هذه كل دهره مؤنس لها متمتع بها مستمتعة به بلا قاطع وهذا بخلاف من له زوجات فإنها جعلت هذه الأيام للجديدة تأنيسا لها متصلة لتستقر عشرتها له وتذهب حشمتها ووحشتها منه ويقضي كل واحد منهما لذته من الآخر فلا ينقطع هذا بدورانه على غيرها.

والقول بأن ذلك لها وإن لم يكن له زوجة لا معنى له ولا يتصور ولا يلتفت إليه وهذا القول هو الأرجح([8]).

المسألة الثالثة عشر: اتخاذ الزوج مسكنا مستقلا يدعو كل واحدة من نسائه في يومها إليه([9]).

اتفق الفقهاء ـ في الجملة ـ على أن الأولى للزوج أن يأتي كل امرأة من نسائه في بيتها ولا يدعوهن إلى بيته الخاص به اقتداء برسول الله H فهذه كانت حاله ولأن ذلك أصون لهن واستر حتى لا يخرجن من بيوتهن.

واختلفوا في حكم اتخاذ الزوج مسكنا مستقلا يدعو كل واحدة من نسائه إليه في ليلتها:

القول الأول: يجوز له ذلك ولا يشترط رضاهن.

وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

دليلهم: أنه حق للزوج ولأن له نقل زوجته حيث شاء بمسكن يليق بها ولأنه يجوز له السفر بها وهذا أخف منه.

القول الثاني: لا يجوز له ذلك إلا برضاهن.

وهو مذهب المالكية.

دليلهم: أنه خلاف فعل رسول الله H.

الترجيح: الأرجح القول الأول أنه يجوز للزوج أن ينفرد بمسكن تأتي إليه نساؤه لعدم وجود مانع منه مع ما سبق من الأدلة، ولكن لا يجوز له أن يأتي بعضهن إلى بيوتهن والبعض الآخر يدعوهن إليه لما فيه من تفضيل بعضهن على بعض مما يتنافى مع العدل المطلوب فالفارق بين الحالين ملموس وواضح وهذا هو الصحيح عند الشافعية وقول بعض الحنابلة.

فائدة: لا يلزمها الإتيان إلى بيت ضرتها إذا دعاها زوجها إلى الإتيان إليه ولا تكون ناشزا لأن عليها ضررا في الإتيان إلى ضرتها ولما بينهن من الغيرة والاجتماع يزيدها ولأن الإتيان لبيت الضرة شاق على النفس ولعل هذا الحكم محل اتفاق بين الفقهاء.

وأما ما جاء عن أنس قال: كان للنبي H تسع نسوة فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها([10]). فيحمل على أن هذا الاجتماع كان برضاهن.

 

 

 

([1]) ضعيف جدا: رواه الدارقطني (3/284) وفي إسناده الواقدي متروك.

([2]) ضعيف جدا: رواه عبد الرزاق (10650) وإسناده معضل.

([3]) رواه البخاري (5214)، ومسلم (1461).

([4]) رواه مسلم (1460).

([5]) مراجع: المراجع السابقة.

([6]) رواه البخاري (5213).

([7]) متفق عليه: سبق تخريجه.

([8]) انظر إكمال المعلم (4/662)، الاستذكار (16/141)، شرح مسلم للنووي (10/38)، فتح الباري (10/395)، شرح الزرقاني على الموطأ (3/189).

([9]) مراجع: الذخيرة (4/465)، حاشية الدسوقي (3/208)، شرح مسلم للنووي (10/40)، البيان في مذهب الشافعي (9/515)، النجم الوهاج (7/401)، مغني المحتاج (3/322)، الإنصاف (8/368)، كشاف القناع (5/203)، الموسوعة الفقهية (3/197).

([10]) رواه مسلم (1462).

 

([1]) مراجع: الذخيرة (4/456)، حاشية ابن عابدين (4/286)، حاشية الدسوقي (3/204)، روضة الطالبين (5/668)، البيان في مذهب الشافعي (9/517)، المغني (10/243)، الموسوعة الفقهية (33/201).

([2]) أحكام القسم بين الزوجات (ص/122).

([3]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/486)، الذخيرة (4/456)، حاشية الدسوقي (3/205)، روضة الطالبين (5/660)، البيان في مذهب الشافعي (9/510)، المغني (10/252)، الإنصاف (8/370).

([4]) مراجع: فتح القدير (3/436)، حاشية ابن عابدين (4/288)، الذخيرة (4/458، 460)، مواهب الجليل (5/253، 261)، حاشية الدسوقي (3/209)، حاشية الخرشي (4/404، 406)، شرح مسلم للنووي (10/42)، مغني المحتاج (3/329)، حاشيتا قليوبي وعميرة (3/461)، المغني (10/250)، الإنصاف (8/371)، زاد المعاد (5/152)، المحلى مسألة (1903)، الموسوعة الفقهية (33/202، 204).

([5]) رواه البخاري (5212)، ومسلم (1463).

([6]) مراجع: حاشية بن عابدين (4/287)، فتح باب العناية (2/78)، البحر الرائق (3/316)، الذخيرة (4/461)، حاشية الدسوقي (3/206)، حاشية الخرشي (4/402)، شرح الزرقاني على الموطأ (3/187)، شرح مسلم (10/38)، البيان في مذهب الشافعي (9/519)، النجم الوهاج (7/408)، المغني (10/256)، الإنصاف (8/374)، المحلى مسألة (1896).

 

([1]) مراجع: حاشية ابن عابدين (4/282، 285)، حاشية الخرشي (4/399)، حاشية الدسوقي (3/204)، المجموع شرح المهذب (16/425)، مغني المحتاج (3/320)، المغني (10/235، 236)، (11/227)، مجموع فتاوى ابن تيمية (32/269)، الإنصاف (8/367)، (9/153)، كشاف القناع (5/198، 201).

([2]) سنده صحيح: رواه أحمد (2/295، 347، 471)، وأبو داود (2133)، والنسائي (7/63)، والترمذي (1173)، وابن ماجه (1969)، وغيرهم عن همام بن يحيى عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة مرفوعا به وهذا إسناد على شرط مسلم انفرد برفعه همام بن يحيى وخالفه هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة فروياه عن قتادة ولم يرفعاه ولا يضر فهمام ثقة حافظ وقد عده بعض الأئمة من أثبت الناس في قتادة، قال الترمذي في سننه لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث همام وهو ثقة حافظ. اهـ وقال في العلل الكبير (ص/166) حديث همام أشبه وهو ثقة حافظ. اهـ وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/227): صححه الحاكم وابن دقيق العيد وقال عبد الحق الإشبيلي خبر ثابت. اهـ وصححه الألباني في الإروء (2017) وقال: تتابع العلماء على تصحيحه. اهـ

([3]) سنده حسن: رواه أحمد (6/108)، وأبو داود (2135)، والدارقطني (3/284)، والحاكم (2/186)، والبيهقي (7/35) بإسناد حسن وحسنه الألباني في الإرواء (2018).

([4]) مراجع: المراجع السابقة.

([5]) رواه البخاري (3774)، ومسلم (2443).

([6]) رواه البخاري (3099).

([7]) أحكام القسم بين الزوجات د/ المشيقيح (ص57)، أحكام المعاشرة الزوجية ت/ زينب الشرقاوي (ص260).

([8]) مراجع: البحر الرائق (3/317)، حاشية ابن عابدين (4/289)، الذخيرة (4/459)، المنتقى شرح الموطأ (3/295)، حاشية الدسوقي (3/208)، روضة الطالبين (5/663)، المجموع شرح المهذب (16/429)، مغني المحتاج (3/325)، المغني (10/248)، الإنصاف (8/364)، كشاف القناع (5/203)، المحلى مسألة (1898).

([9]) رواه البخاري (2593).

([10]) رواه مسلم (1460)

([11]) مراجع: فتح القدير (3/433)، الفتاوى الهندية (1/340)، حاشية ابن عابدين (4/289)، المفهم للقرطبي (4/205)، حاشية الدسوقي (3/205، 206)، روضة الطالبين (5/662)، الحاوي الكبير (9/573، 576)، المجموع شرح المهذب (16/429)، مغني المحتاج (3/325)، المغني (10/142)، الموسوعة الفقهية (33/193).

([12]) رواه البخاري (2593).

([13]) المراجع: حاشية ابن عابدين (4/289)، فتح القدير (3/435)، الفتاوى الهندية (1/340)، البحر الرائق (3/317)، حاشية الخرشي (4/403)، حاشية الدسوقي (3/206)، شرح الزرقاني على الموطأ (3/188)، الذخيرة (4/457)، روضة الطالبين (5/662)، شرح مسلم للنووي (10/40)، الحاوي الكبير (9/576)، فتح الباري (10/504)، مغني المحتاج (3/323)، المغني (10/244)، زاد المعاد (5/152)، معونة أولي النهى (7/401)، كشاف القناع (5/202)، سبل السلام (3/344)، فتاوى محمد بن إبراهيم (10/281).

([14]) رواه البخاري (268).

([15]) رواه البخاري (5268)، ومسلم (1474).

([16]) سنده حسن: سبق تخريجه.

([17]) الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (2/627).

([18]) فتح ذي الجلال والإكرام للعثيمين (11/445).

([19]) مراجع: فتح القدير (3/435)، حاشية ابن عابدين (4/286)، الذخيرة (4/456)، حاشية الدسوقي (3/205)، حاشية الخرشي (4/401)، روضة الطالبين (5/662)، مغني المحتاج (3/324)، المغني (10/244)، معونة أولي النهى (7/401)، كشاف القناع (5/202).

([20]) مراجع: الفتاوى الهندية (1/340)، حاشية ابن عابدين (4/289)، مواهب الجليل (5/259)، حاشية الخرشي (4/404)، روضة الطالبين (5/662)، النجم الوهاج (7/404)، مغني المحتاج (3/324)، المغني (10/244)، الإنصاف (8/367)، كشاف القناع (5/203)، أحكام القسم بين الزوجات د/ خالد المشيقح (ص136).

([21]) رواه البخاري (5268)، ومسلم (1474).

([22]) سنده حسن: سبق تخريجه.

([23]) رواه البخاري (5215)، ومسلم (309) واللفظ له.

9 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة