وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَاصِمٍ I فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ - قَالَ: وَمَسَحَ رسول الله بِرَأْسِهِ, فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَفِي لَفْظٍ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ, حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ, ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ.
تخريج الحديث:
حديث عبد الله بن زيد: رواه البخاري (85)، ومسلم (235).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: القدر المجزئ في مسح الرأس([1]):
مذهب أبي حنيفة والشافعي: أنه يجزئ مسح بعض الرأس؛ لقوله تعالى: ﴿ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ ﴾ [المائدة: ٦]، أي: وامسحوا ببعض رؤوسكم، ولما رواه أبو داود (148) وغيره عن أنس ـ في وضوء رسول الله ـ قال: «فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ»، فاكتفى بمسح مقدم رأسه.
ومذهب مالك، والصحيح من مذهب الحنابلة: أن الواجب في مسح الرأس: استيعاب جميع الرأس، ولا يجزئ مسح بعض الرأس، فهذا الذي يظهر من فعل رسول الله، فعن عبد الله بن زيد I قال: «فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ»، وهذا يقتضي استيعاب جميع الرأس.
والباء في قوله D: ﴿ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ ﴾ للإلصاق وليست للتبعيض، والمعنى: وامسحوا رؤوسكم بيد ملاصقة للماء، أي: باليد المبتلة بالماء، وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ ﴾ [ النساء: ٤٣ ]، فالباء هنا للإلصاق، أي: فامسحوا وجوهكم وأيديكم باليد الملاصقة للتراب، ولا يصح أن تكون للتبعيض؛ لأنه يشترط استيعاب مسح جميع الوجه واليد في التيمم.
ومما يدل على أن الباء في قَوْلُهُ: ﴿ وَٱمۡسَحُواْ بِرُءُوسِكُمۡ ﴾ للإلصاق: فعل
رسول الله؛ حيث مسح برأسه فأقبل بيده وأدبر، فهو بيان للمجمل في هذه الآية، فيكون الواجب استيعاب جميع الرأس قدر الإمكان.
وأما حديث أنس: «فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ العِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْقُضْ العِمَامَةَ»؛ ففي سنده ضعف([2])، ولو ثبت؛ فيحمل على أنه مسح مقدمة الرأس وأكمل المسح على العمامة، وهذا المذهب الثاني هو الأرجح.
المسألة الثانية: كيفية مسح الرأس([3]):
السنة في كيفية مسح الرأس في الوضوء: أن يبدأ المتوضئ بمقدمة رأسه، ويذهب بيديه إلى مؤخرة رأسه، ثم يرد يديه من المؤخرة إلى مقدمة رأسه، فمن المقدمة إلى المؤخرة، ثم من المؤخرة إلى المقدمة. وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة وغيرهم من أهل العلم، فعن عبد الله بن زيد I ـ في صفة وضوء رسول الله ـ: «بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى المَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ».
وروى أحمد (6/358) وأبو داود (126) وغيرهما عن الربيع بنت معوذ J ـ في وضوء النبي H ـ قالت: «بدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ ثُمَّ بِمُقَدَّمِهِ»، أي: عكس الصفة التي ذكرها عبد الله بن زيد I. والجواب عليه بالآتي:
الأول: أن هذا الحديث في سنده كلام، ففيه عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف فيه، وقد تكلم فيه العلماء من جهة حفظه، فلعله أخطأ فيه، وحديث عبد الله بن زيد I أصح.
الثاني: على صحة حديث الربيع بنت معوذ J يحمل على الجواز، فالسنة أن تبدأ بمقدمة الرأس، ثم ترجع إليها، وليست هذه الصفة واجبة، وإنما مستحبة.
والمشهور عند من يقول باستيعاب المسح للرأس: أن الواجب في المسح هي المسحة الأولى من المقدمة إلى المؤخرة، أما الرجوع إلى مقدمة الرأس؛ فهو من السنة، فيستحب ولا يجب.
([1]) انظر المغني (1/175)، مجموع الفتاوى (21/122)، فتح الباري (1/391).
([2]) ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (25).
([3]) انظر سنن الترمذي (1/106)، التمهيد (20/125)، فتح الباري (1/392).