وَعَنْ عبدالله بن زيد: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ H يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظٍ: وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرَ فَضْلِ يَدَيْهِ, وَهُوَ الْمَحْفُوظُ.
تخريج الحديث:
حديث عبد الله بن زيد: رواه الحاكم (1/253) والبيهقي (1/65)، «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ H يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ المَاءِ الذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ» ورجاله ثقات، لكن أخرجه مسلم (236) من نفس الطريق بلفظ: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرَ فَضْلِ يَدَيْهِ»، قال البيهقي: «وهذا أصح من الذي قبله». ا.هـ. وقال المصنف: وهو المحفوظ. أهـ. وحكم عليه الألباني بالشذوذ([1])، وهو كما قالوا، فهو في صحيح مسلم، وأيضًا رواته هم الأكثر.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: أخذ ماء جديد لمسح الأذنين([2]):
المنقول عن جمهور الفقهاء: أن الأفضل أن يؤخذ ماء جديد لمسح الأذنين غير ماء الرأس، كما يؤخذ ماء مستقل للفم والأنف؛ ولحديث عبد الله بن زيد قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ H، يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ مَاءً لاِذُنَيْهِ خِلاَفَ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ». ولأنه صح عن ابن عمر I. والذي عليه جماعة من السلف.
ومذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد: أن الأفضل أن تمسح الأذنان بنفس الماء الذي استخدم لمسح الرأس، فلا يؤخذ ماء جديد مستقل لمسح الأذنين، وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أن الأحاديث التي فيها مسح النبي H لأذنيه ظاهرها أن النبي H كان يمسح أذنيه بنفس الماء الذي مسح به رأسه، ولا يأخذ ماء جديدًا، ففي حديث عبد الله بن عمرو L: «ثُمَّ مَسَحَ H بِرَأْسِهِ وَأَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّاحَتَيْنِ فِي أُذُنَيْهِ وَمَسَحَ بِابهَامَيْهِ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ»، فظاهره: أن النبي H لم يأخذ ماءً جديدًا لمسح أذنيه، وإنما اكتفى بالماء الأول الذي مسح به رأسه.
الأمر الثاني: أن الأذنين من الرأس، فإذا كانتا من الرأس - أي هما من أجزائه -؛ فالجزء يمسح بنفس الماء الذي يمسح به العضو، فقد ثبت عن
رسول الله أنه قال: «الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ»، رواه أحمد (258)، وأبو داود (134) وغيرهما من حديث أبي أمامة، وسنده ضعيف، لكن له شواهد عن جماعة من الصحابة، وهو حسن بمجموعها([3]).
وأما ما جاء عن عبد الله بن زيد: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ H يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ المَاءِ الذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ»، فهو حديث شاذ لا يصح. وهو الأظهر.
ولا يقاس على الفم والأنف؛ لأن المضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، ولأن الماء بعد غسل الوجه لا يكفي لهما، فلابد من ماء جديد. وهو الأظهر.
المسألة الثانية: أخذ ماء جديد لمسح الرأس غير فضل اليدين([4]):
الذي عليه جمهور أهل العلم: أن الرأس يمسح بماء جديد غير الماء الذي أخذ لغسل اليدين لدليلين:
الدليل الأول: أن الثابت عن النبي H أنه كان يأخذ ماءً جديدًا يمسح به رأسه غير الماء الذي غسل به يديه، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن زيد I أن النبي H «مَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرَ فَضْلِ يَدَيْهِ»، أي: غير الماء المتبقي من غسل اليدين، وكذلك عن علي I في وضوء النبي H قال: «ثُمَّ جَعَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً»، فأدخل يده في إناء الماء قبل مسح الرأس، وهو حديث صحيح ـ سبق تخريجه ـ.
الدليل الثاني: أن الرأس عضو مستقل، فيؤخذ له ماء مستقل. وهو الراجح.
وأما ما رواه أبو داود (130) عن الربيع بنت معوذ J: «أَنّ النَّبِيَّ H مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ»؛ فالحديث في سنده عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد اختلف العلماء في الاحتجاج به، فلا يعارض ما صح خلافه عن النبي H.
([1]) في الضعيفة (997).
([2]) انظر المجموع شرح المهذب (1/413)، الأوسط (1/404)، الاستذكار (2/192)، الإنصاف (1/135)، مجموع الفتاوى (1/279)، شرح العمدة لابن تيمية (1/169).
([3]) نصب الراية (1/19)، تلخيص الحبير (1/92).
([4]) انظر الأوسط (1/392)، شرح مسلم (3/107)، المغني (1/181).