وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ I قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهِنَّ, إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ, وَبَوْلٍ, وَنَوْمٍ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ, وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ, وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ.
(62) 05- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ I قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ H ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ, وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ. يَعْنِي: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
تخريج الحديثين:
حديث صفوان I: رواه النسائي (1/83)، والترمذي (96)، وإسناده حسن.
حديث علي بن أبي طالب I: رواه مسلم (276).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: مدة المسح للمقيم والمسافر([1]):
جمهور أهل العلم على أنه يرخص للمقيم أن يمسح على الخفين يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وزيد للمسافر في الرخصة؛ لأن حاجته للمسح أكثر من حاجة المقيم، والشريعة تبني الأمور على التخفيف والتيسير.
وهذه الأحاديث مع أنها صحيحة صريحة في ذكر المدة؛ فإن هناك من خالف من أهل العلم وقال: يجوز المسح أكثر من هذه المدة المذكورة؛ وذلك لوجود أحاديث يفهم منها جواز الزيادة على المدة المحددة في هذين الحديثين، وهذه الأحاديث إما ضعيفة وإما قابلة للتأويل، وبعض هذه الأحاديث ذكرها المؤلف.
المسألة الثانية: ابتداء مدة المسح([2]):
هذه المسألة فيها قولان مشهوران:
القول الأول: مذهب جمهور أهل العلم: أنه يبتدئ حساب مدة المسح من أول الحدث بعد لبس الخفين، مثلًا: لبس الخف في الفجر، وبقي على الطهارة إلى الضحى، ثم أحدث وانتقض الوضوء، ثم توضأ في الظهر ومسح على الخفين، فكان لبس الخف في الفجر، وانتقاض الوضوء في الضحى، وأول المسح في الظهر؛ فيبدأ الحساب من الضحى؛ فله أن يمسح إلى الضحى، فإذا جاء وقت الضحى فلا يمسح على الخف، لأن المدة انتهت.
ودليله: أن المسح على الخفين له وقت محدود، وقت ابتداء ووقت انتهاء، وما كان كذلك؛ فابتداء وقته من ابتداء جواز فعله، ووقت جواز المسح على الخفين إذا حصل الحدث – أي: إذا انتقض الوضوء -؛ فيكون وقتًا لابتداء مدته، ولو لم يمسح على الخفين، فالمسح متعلق بالحدث. وأيضًا الاعتبار بالمسح يلزم منه أن من توضأ ولبسهما، ثم ترك الصلاة أيامًا، ثم عاد للصلاة؛ أن يمسح يومًا وليلة، أو ثلاثة أيام ولياليهن إذا كان مسافرًا، وهذا خلاف نص الحديث.
القول الثاني: مذهب الأوزاعي وأبي ثور، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول بعض الشافعية، واختيار جماعة من أهل العلم المعاصرين، كابن باز وابن عثيمين: أن ابتداء مدة المسح من أول مسح يمسح فيه على الخفين، فعلى المثال السابق: كان لبس الخف في الفجر، وانتقاض الوضوء في الضحى، وأول مسح في الظهر؛ فيبتدئ الحساب لمدة المسح من الظهر؛ لأنه وقت أول مسح، فله أن يمسح إلى وقت الظهر، فإذا جاء الظهر فلا يمسح.
ودليله: أن ظاهر الأحاديث في ذكر المسح على الخفين يدل على ذلك، فالأحاديث تذكر المسح ولا تذكر الحدث، فالإحالة فيها إلى المسح لا إلى الحدث، فلا يمكن أن يصدق على الشخص أنه ماسح إلا بفعل المسح، فابتداء مدة المسح من أول المسح، فلا يعتبر بالحدث.
وأيضًا روى عبد الرزاق (1/209)، والبيهقي (1/276)، عن عمر I أنه قال في المسح على الخفين: «يَمْسَحْ عَلَيْهِمَا إِلَى مِثْلِ سَاعَتِهِ مِنْ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ»، وإسناده صحيح. وظاهره: أن الحساب يبتدئ من وقت ساعة المسح. وقد رواه ابن المنذر في الأوسط (1/443) بأصرح من هذا عن عمر I قال: «يَمْسَحُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي تَوَضَّأَ فِيهَا».
وهذا القول قوي. لكن الاحتياط للصلاة يقتضي الأخذ بما عليه جمهور العلماء، فاتفاقهم عليه - مع قلة المخالف - يوقع في النفس ريبة من مخالفته.
المسألة الثالثة: الحدث الذي يمسح فيه على الخفين([3]):
لا خلاف بين أهل العلم أن الحدث الذي يمسح فيه هو الحدث الأصغر، أي: لأجل الطهارة الصغرى، وأنه لا يمسح على الخفين في الحدث الأكبر كالجنابة، فلا يلزم خلع الخفين عند إرادة الوضوء، أما عند غسل الجنابة؛ فيجب خلع الخفين، ففي حديث صفوان I «كَانَ رَسُولُ اللهِ H يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ, وَبَوْلٍ, وَنَوْمٍ»، فقَوْلُهُ: «إلا من جنابة»، استثناء، أي: لا يباح لهم المسح على الخفين عند غسل الجنابة، فإذا أراد الاغتسال من الجنابة خلع خفيه وغسل قدميه كسائر جسده.
([1]) انظر المجموع شرح المهذب (1/483)، الاستذكار (2/247).
([2]) انظر الأوسط (1/443)، المجموع شرح المهذب (1/486)، المغني (1/370)، الإنصاف (1/177)، الشرح الممتع (1/186).
([3]) انظر المجموع شرح المهذب (1/481)، المغني (1/362).