وَعَنْ مُعَاوِيَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ, فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَالطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ: «وَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ».
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ دُونَ قَوْلِهِ: «اسْتَطْلَقَ الْوِكَاءُ». وَفِي كِلَا الْإِسْنَادَيْنِ ضَعْفٌ.
(81) 15- وَلِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا, عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا». وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا.
تخريج الأحاديث:
حديث معاوية I: رواه أحمد (4/97) مرفوعا، ورواه البيهقي (1/118) موقوفًا وهو الصواب، والله أعلم.
وحديث علي I: رواه أحمد (1/111)، وأبو داود (203) وغيرهما، وفي سنده انقطاع، فهو من طريق عائذ بن عبد الرحمن عن علي I، وهو لم يسمع من علي I([1])، وفيه بقية بن الوليد، يدلس تدليس التسوية، ولم يصرح بالسماع في جميع السند، فالأقرب أن الحديث لا يرتقي للحسن([2]).
حديث ابن عباس J: رواه أبو داود (202) وغيره، وسنده ضعيف، فيه أبو خالد الدالاني، كثير الخطأ، وقد أنكر الحفاظ عليه هذا الحديث([3]).
فقه الأحاديث:
مسألة: النوم المستغرق:
الصحيح من أقوال أهل العلم: أن النوم إذا كان مستغرقًا – أي: كثيرًا - فلا يشعر الشخص بما خرج منه أن وضوءه ينتقض، والنوم ليس حدثًا بنفسه، ولكنه مظنة لوقوع الحدث، فربما يحدث وهو لا يشعر، وهذا القول هو مذهب بعض السلف، والمذهب عند المالكية والحنابلة. ولا فرق فيه بين نوم المضطجع أو نوم الجالس، ما دام مستغرقًا في نومه، ذهب عنه الإحساس والشعور بما يخرج منه.
ودليلهم على هذا الآتي:
الدليل الأول: من النص حديث: «العَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ»، ووكاء: أي رباط. والسه: أي: الدبر. فإذا نام انحل هذا الوكاء، أي: الرباط.
وأيضًا، حديث صفوان بن عسال I: «كَانَ رَسُولُ اللهِ H يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ»، وهو حديث حسن، رواه الترمذي (96) وغيره، فيفهم منه: أن النبي H اعتبر النوم حدثًا، وقرنه بحدث أخر، وهو البول والغائط.
الدليل الثاني: من القياس: أن عامة العلماء على أن من زال عقله بسبب إغماء أو سكر أن وضوءه ينتقض، فمن القياس الجلي الواضح: أن من زال عقله بسبب نوم عميق مستغرق أنه ينتقض وضوءه، فكلاهما بمعنى واحد.
الدليل الثالث: من الواقع: فالمشاهد أن الشخص ينام، وقد يحدث، وإذا استيقظ لا يعرف أنه خرج منه شيء.
وأما إذا كان النوم خفيفًا - أي: مقدمات النوم -؛ فلا ينتقض الوضوء، وقد سبق الكلام على ذلك عند حديث أنس I، أول هذا الباب.
([1]) علل ابن أبي حاتم (1/47).
([2]) حسنه الألباني بمجموع الطريقين في الإرواء (113).
([3]) الاستذكار لابن عبد البر (2/72).