وَعَنْ أنس بن مالك قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H يَدْخُلُ الْخَلَاءَ, فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً, فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تخريج الحديث:
الحديث من حديث أنس أيضًا، رواه البخاري (150)، ومسلم (271).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: الاستنجاء بالماء والاستجمار بالحجارة([1]):
الاستنجاء: غسل محل التبول والتغوط بالماء.
وقد كره بعض السلف الاستنجاء بالماء، واستحبوا الاستجمار؛ لأن الاستنجاء بالماء لم يكن على عهد النبي H، ولأن الماء مطعوم، ففيه امتهان له وإسراف في نفس الوقت، وكذا يده تمس النجاسة مباشرة.
وجمهور أهل العلم على مشروعية الاستنجاء بالماء بلا كراهة، وهذا القول هو الصحيح، فالنبي H قد استنجى بالماء؛ فعن أنس قال: «كَانَ
رَسُولُ الله H يَدْخُلُ الْخَلاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلامٌ نَحْوِي إداوة من مَاء»، والإداوة: هي عبارة عن وعاء من الجلد فيها الماء. قال: «فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ»، فهذا يدل على الجواز بلا كراهة.
وأما الاستجمار بالحجارة؛ فعامة العلماء على جوازه، ولو مع وجود الماء، فقد أمر به رسول الله وفعله، ولم يشترط لجوازه عدم وجود الماء.
المسألة الثانية: استخدام مزيل للرائحة من اليد بعد الاستنجاء([2]):
استحب أهل المذاهب الأربعة أن تغسل اليد بعد الاستنجاء بشيء من المطهرات والمزيلات، وذلك لأن المستنجي يلمس النجاسة بيده عندما يغسل قبله بعد البول أو يغسل دبره بعد الغائط، فإذا غسلها بالماء كان كافيًا، لكن يستحب أن يستخدم مع الماء شيئًا من المزيلات لإذهاب الرائحة بالكامل.
وقد روى الإمام أحمد (2/454)، والنسائي (1/45) عن أبي هريرة I قال: «دَخَلَ رَسُولُ الله H الْخَلَاءَ، فَأَتَيْتُهُ بِتَوْرٍ فِيهِ مَاءٌ فَاسْتَنْجَى، ثُمَّ مَسَحَ بيَدَهُ فِي الْأَرْضِ»، ففيه أن النبي H استخدم مطهرًا بعد الاستنجاء، ولكن هذا الحديث ضعيف، ويغني عنه ما في الصحيحين عن ميمونة J قالت: «وَضَعْتُ لِرَسُولِ الله H مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ،... ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ»، فالشاهد: أنه غسل فرجه ثم دلك يده بالأرض، والغرض منه: زيادة التطهير والتنظيف لإذهاب الرائحة.
([1]) راجع شرح مسلم (3/140)، المغني (1/207)، فتح الباري (1/337)، المنتقى للباجي (1/46).
([2]) انظر المغني (1/213)، المجموع شرح المهذب (2/129)، حاشية الدسوقي (1/175)، حاشية ابن عابدين (1/486).