وَلِلسَّبْعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ I: «لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ, وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا».
تخريج الحديث:
حديث أبي أيوب: رواه البخاري (394)، ومسلم (264) وغيرهما.
فقه الحديث:
مسألة: استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة([1]):
ظاهر حديث أبي أيوب النهي مطلقًا عن استقبال القبلة أو استدبارها في حال البول أو الغائط، وبه أخذ جماعة من أهل العلم، وحملوا ما ظاهره الجواز أنه خاص برسول الله H.
وجاءت أحاديث يظهر منها تجويز استقبال القبلة أو استدبارها عند البول أو الغائط، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر I قال: «ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله H يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ»، فلم يشرق النبي H أو يغرب عند قضاء حاجته.
وروى الإمام أحمد (3/360)، وأبو داود (13)، والترمذي (9)، وابن ماجه (325) عن جابر I قال: «كَانَ رَسُولُ الله H قَدْ نَهَانَا عَنْ أَنْ نَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَقْبِلَهَا بِفُرُوجِنَا إِذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ، قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ، يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ»، وإسناده حسن([2])، وفيه أن النبي H بال مستقبل القبلة. وقد قال بجوازه مطلقًا جماعة من أهل العلم، وجعلوا هذه الأحاديث ناسخة لأحاديث النهي.
وجمع جمهور أهل العلم بين هذه الأحاديث بالآتي:
- يحرم استقبال القبلة أو استدبارها في أثناء قضاء الحاجة إذا كان ذلك في الفضاء، ولا دليل يصرفه إلى الكراهة، ولا دليل على نسخه.
- لا يحرم استقبال القبلة أو استدبارها في أثناء قضاء الحاجة إذا كان ذلك في البنيان وعند وجود الساتر، فقد رأى ابن عمر رسول الله H على حاجته مستدبر القبلة في بيت حفصة. وحديث جابر I، يدل على جواز استقبال القبلة مطلقًا، فليس فيه أن النبي H كان في البنيان أو كان هنالك ساتر بينه وبين القبلة، لكن المعروف عن النبي H، والمعهود عنه أنه كان إذا بال يستتر عن أعين الناس بشيء، بل يبالغ في الاستتار، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر I قال: «وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ الله H لِحَاجَتِهِ، هَدَفٌ، أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ».
والهدف: هو المكان المرتفع.
وحائش النخل: هو حائط النخل.
وقد ذكر هذا التفصيل ابن عمر I، فروى أبو داود (11) عن مروان الأصفر قال: «رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: بَلَى، إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلا بَأْسَ»، وفي إسناده ضعف([3]).
وهذا التفصيل الذي ذهب إليه جمهور أهل العلم هو الأرجح؛ جمعًا بين الأدلة.
والصحيح أنه يكره استقبال القبلة أو استدبارها عند البول والغائط في البنيان وعند وجود الساتر، فحديث ابن عمر وجابر M يصرفان النهي إلى الكراهة، فيحرص المسلم على جعل مراحيض بيته غير مستقبلة أو مستدبرة للقبلة.
([1]) انظر الاستذكار (7/170)، المحلى [مسألة] (146)، المغني (1/220)، فتح الباري (1/330)، المجموع شرح المهذب (2/80).
([2]) وأعله بعض أهل العلم. تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود (1/18).
([3]) وحسنه الألباني في الإرواء (61).