وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ, ثُمَّ جَهَدَهَا, فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ مُسْلِمٌ: «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ».
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة: رواه البخاري (291)، ومسلم (348)، وزاد فيه: «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ»، وفي سند هذه الزيادة مطر الوراق، وهو صدوق كثير الخطأ، لكن هذه الزيادة جاءت من طريق أخرى، عند أحمد (2/347)، والبيهقي (1/163)، بإسناد صحيح.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: الغسل على من جامع ولم ينزل الماء([1]):
إذا جامع الرجلُ المرأة، ولم ينزل الماء؛ لأنه نزع بسرعة قبل أن يخرج الماء، أو حصل له إكسال وربوخ، أو انحباس للمني؛ فإنه يجب عليه الغسل عند جمهور العلماء، وهو الصواب.
ودليله: حديث أبي هريرة I: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»، وشعبها الأربع: هي اليدان والرجلان.
قَوْلُهُ: «ثُمَّ جَهَدَهَا» كناية عن الجماع.
وقَوْلُهُ: «فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»، أي: بمجرد الجماع، ولم يشترط النبي H الإنزال أو خروج المني.
وفي رواية: «وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ»، وهذا صريح.
وجاء في صحيح مسلم من حديث عائشة J أن النبي H قال: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، وَمَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»، فجعل الغسل واجبًا بمجرد التقاء الختان بالختان، فظاهره: وإن لم ينزل.
وأما حديث أبي سعيد I: «المَاءُ مِنَ المَاءِ»؛ فهو حديث منسوخ، فقد كان في بدء الإسلام يرخص في أمر الغسل لمن جامع أهله ولم ينزل، فلا يجب عليه الغسل، فقد روى أحمد (5/115)، وأبو داود (215) وغيرهما عن أبي بن كعب I أنه قال: «عَنِ الفُتْيَا الَّتِي كَانَتِ المَاءُ مِنَ المَاءِ رُخْصَةٌ أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللهِ H فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالغُسْلِ»، إسناده صحيح. أي: كان ذلك رخصة في بداية الإسلام، ثم بعد ذلك أمر الشرع بالاغتسال على من جامع، سواء أنزل أم لم ينزل.
المسألة الثانية: المعتبر لوجوب الغسل عند التقاء الختانين([2]):
الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه يجب الغسل بغياب حشفة الذكر كاملة في الفرج – والحشفة: هي أعلى الذكر -، فإذا غابت أو توارت في الفرج؛ فقد وجب الغسل، فقد روى أحمد (2/178)، وابن ماجه (611) عن عبد الله عمرو I أن النبي H قال: «إِذَا التَقَى الخِتَانَانِ وَتَوَارَتِ الحَشَفَةُ، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»، وإسناده ضعيف. وله طريق أخرى أضعف منها، رواها الطبراني في «الأوسط» (4489)([3]).
وروى الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/57) عن أبي هريرة I موقوفًا عليه قال: «إِذَا غَابَتِ المُدَوَّرَةُ فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»، وإسناده حسن إن شاء الله!
ويدل عليه حديث عائشة J: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ، وَمَسَّ الخِتَانُ الخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الغُسْلُ»، وختان الرجل: هو الجلد الذي في أعلى الذكر. فإذا التقى هذا الختان - وهو الحشفة بختان المرأة - وذلك بأن تغيب الحشفة في الفرج؛ فقد حاذى ختانه ختانها، وهذا هو التقاء الختانين، هو الراجح.
([1]) انظر شرح مسلم (4/35)، فتح الباري (1/529).
([2]) انظر المجموع شرح المهذب (2/331)، المحلى [مسألة] (117)، الإنصاف (1/232).
([3]) حسنه الألباني بمجموع الطريقين في الصحيحة (3/260).