وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ I أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H قَالَ: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». أَخْرَجَهُ السَّبْعَةُ.
(115) 08- وَعَنْ سَمُرَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ, وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
تخريج الحديثين:
حديث أبي سعيد I: رواه البخاري (858)، ومسلم (846)، وبقية السبعة، ما عدا الترمذي.
حديث سمرة I: رواه أحمد (5/15)، وأبو داود (350)، والنسائي (3/94)، والترمذي (4972)، ولم يروه ابن ماجه من طريق الحسن البصري عن سمرة، والحسن مدلس، ولم يصرح بالسماع من سمرة.
والحديث له شواهد كلها لا تخلو من ضعف، فقد جاء من حديث أنس I عند ابن ماجه (1091)، ومن حديث جابر I عند الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/119)، ومن حديث ابن عباس L عند البيهقي (1/296)، وجاء عن غيرهم، والحديث بمجموعها يرتقي إلى الحسن([1]).
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: حكم غسل يوم الجمعة لمن أراد حضور الجمعة([2]):
هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء؛
القول الأول: يجب لمن أراد حضور الجمعة أن يغتسل، وهو قول بعض السلف، ومذهب الظاهرية، ورواية لأحمد، ودليلهم:
الحديث الأول: حديث أبي سعيد I: «غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»، والواجب: هو اللازم الحتم.
الحديث الثاني: ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر L أن النبي H قال: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»، فأمر النبي H بالغسل، والأمر يقتضي الوجوب. ونحوه ما في الصحيحين أن عمر I قال لعثمان I: «وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ H كَانَ يَأْمُرُ بِالغُسْلِ».
القول الثاني: غسل يوم الجمعة مستحب، فمن اغتسل يوم الجمعة فهو أكمل وأفضل، ومن لم يغتسل فلا إثم عليه، وهو مذهب جمهور العلماء. واستدلوا بالآتي:
الدليل الأول: حديث سمرة I أن النبي H قال: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اِغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أَفْضَلُ»، فقَوْلُهُ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ»، أي: فبالرخصة أخذ، فنعم الرخصة.
وقَوْلُهُ: «وَمَنْ اِغْتَسَلَ فَالغُسْلُ أَفْضَلُ»، جعل الغسل فيه من باب الأكمل، وليس من باب اللازم الواجب.
الدليل الثاني: حديث عائشة في الصحيحين قالت: «كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالعَوَالِيِّ، فَيَأْتُونَ فِي الغُبَارِ يُصِيبُهُمُ الغُبَارُ وَالعَرَقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ العَرَقُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ H إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ H: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا»، وفي رواية: «فَقِيلَ لَهُمْ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ»، فأمرهم النبي H بالاغتسال لهذا اليوم لوجود السبب، وهو الرائحة التي تخرج منهم؛ لأنهم يأتون من مسافة بعيدة، فيفهم منه: عدم وجوب الغسل على غير هؤلاء، وإنما يستحب في حقهم.
وأيضا النبي H قال: «لَوِ اغْتَسَلْتُمْ» وهذه صيغة تدل على الإرشاد لما هو أفضل، ولا تدل على الوجوب.
الدليل الثالث: ما رواه مسلم عن أبي هريرة I أن النبي H قال: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ، وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ»، الشاهد: أن النبي H جعل له الفضيلة والأجر والمغفرة بتحقيق هذه الأمور في الجمعة، ومنها الوضوء، ولم يذكر الغسل.
الدليل الرابع: ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر L: «بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ H فَنَادَاهُ عُمَرُ، أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ اليَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي، حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، قَالَ عُمَرُ: وَالوُضُوءَ أيضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ H كَان يَأْمُرُ بِالغُسْلِ»، وهذا الرجل هو عثمان I كما في بعض الروايات.
والشاهد: أن عثمان لم يغتسل للجمعة، فلو كان الغسل واجبًا؛ لما تركه عثمان، فحاشاه أن ينشغل بأمر من أمور الدنيا على حساب واجب من واجبات الشريعة.
وقد صح عن ابن عباس أنه قال فيه: «ليس واجبًا ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل»، رواه أبو داود (353).
وأما حديث أبي سعيد I: «غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».
فالجواب عليه: أن الواجب هنا ليس الواجب الاصطلاحي - وهو: اللازم الحتم الذي يعاقب تاركه -، وإنما المراد هنا: واجب دون ذلك، وهو الواجب الاختياري، جمعًا بين الأدلة.
والواجب الاختياري معناه: أنه يجب على سبيل الاختيار لا على سبيل الإلزام، كما تقول لصاحبك: واجب علي أن أكرمك، ولا شك أنك لا تريد هنا الواجب الاصطلاحي، وإنما أردت التأكيد على نفسك.
فلشدة استحباب غسل يوم الجمعة ولتأكده استخدم النبي H هذا اللفظ (واجب).
وهذا القول أقوى من القول الأول، ويكون هذا المستحب من آكد المستحبات.
المسألة الثانية: الغرض من غسل الجمعة([3]):
الذي عليه جمهور أهل العلم أن هذا الغسل والأمر به لأجل صلاة الجمعة؛ فعليه: من لم لا يشهد الصلاة – مثل: المريض أو المسافر -؛ فليس مأمورًا بالغسل يوم الجمعة، وكذلك من أخر الغسل إلى بعد صلاة الجمعة فقد خالف الأمر، لأن هذا الغسل لأجل صلاة الجمعة، ليس لأجل يوم الجمعة.
ودليلهم: ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر L أن النبي H قال: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ»، فجعل الأمر في حق من يأتي الجمعة. أي: الإتيان لصلاة الجمعة؛ فيكون حديث ابن عمر مقيدًا لحديث أبي سعيد الخدري: «غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».
وأما حديث عائشة J: «فَقِيلَ لَهُمْ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ»، فلفظ: «اليوم»: من طلوع الفجر إلى الغروب، لكن النبي H قال لهم ذلك؛ لما وجدت منهم الرائحة الكريهة، وأرادوا الحضور لصلاة الجمعة، فأمرهم أن يغتسلوا، حتى لا يؤذوا المصلين.
المسألة الثالثة: وقت غسل الجمعة([4]):
الذي عليه جمهور العلماء: أن غسل يوم الجمعة يكون في نهار يوم الجمعة، ولا يجزئ من الليل، ففي حديث أبي سعيد I: «غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»، واليوم هو: النهار، وهو يبتدئ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. وأما قبل طلوع الفجر؛ فإنه يعتبر من الليل، وليس من اليوم.
وهذا القول هو الصحيح، فمن اغتسل من الليل لا يجزئه، ولم يكن ممتثلًا للأمر بغسل يوم الجمعة.
المسألة الرابعة: الغسل الواحد للجنابة وللجمعة([5]):
الذي عليه جمهور أهل العلم: أن من اغتسل غسلًا واحدًا يوم الجمعة؛ لأجل الجنابة والجمعة أنه يكفي عن الغسلين؛ وذلك لأن الغرض من غسل الجنابة - وهو رفع الحدث - وغسل الجمعة – وهو النظافة - يحصل بغسل واحد؛ وهو الراجح.
([1]) حسنه الألباني في صحيح الترمذي (411).
([2]) انظر الأوسط (4/39)، التمهيد (1/79)، (14/151)، المحلى [مسألة] (178)، زاد المعاد (1/376)، فتح الباري (3/10)، فتح الباري لابن رجب (8/78)، شرح مسلم (6/116).
([3]) انظر المغني (2/345)، فتح الباري (3/9)، فتح الباري لابن رجب (8/93).
([4]) انظر المجموع شرح المهذب (2/366)، المغني (3/227)، فتح الباري (3/9).
([5]) انظر المجموع شرح المهذب (4/536)، المغني (3/228)، الاستذكار (5/39)، فتح الباري لابن رجب (8/91).