وَعَنْ عَلِيٍّ I قَالَ: انْكَسَرَتْ إِحْدَى زَنْدَيَّ فَسَأَلَتُ رَسُولَ اللَّهِ H فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ وَاهٍ جِدًّا.
(136) 11- وَعَنْ جَابِرٍ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ L فِي الرَّجُلِ الَّذِي شُجَّ, فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ, وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً, ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ, وَفِيهِ اِخْتِلَافٌ عَلَى رُوَاتِهِ.
تخريج الحديثين:
الحديث الأول: حديث علي I، رواه ابن ماجه (1/215) بسند واه جدًّا؛ ففي سنده عمرو بن خالد الواسطي، متهم بالكذب. وجاء أيضًا من حديث أبي أمامة I، رواه الطبراني في الكبير (8/131)، وسنده ضعيف جدًّا أيضًا.
والحديث الثاني: حديث جابر I، رواه أبو داود (336) بسند فيه ضعف، فهو من طريق الزبير بن خريق عن عطاء عن جابر I، والزبير بن خريق ليس بالقوي.
وجاء أيضًا عن الأوزاعي: بلغني عن عطاء عن ابن عباس L به. رواه أبو داود (337)، والأوزاعي لم يسمعه من عطاء، والواسطة هو إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف، كما نبه عليه أبو حاتم وأبو زرعة([1]).
وله طريق ثالثة عن الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عطاء عن ابن عباس L: «أَنَّ رَجُلا أَجْنَبَ فِي شِتَاءٍ فَسَأَلَ، فَأُمِرَ بِالغُسْلِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ H فَقَالَ: مَا لَهُمْ؟ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ، ثَلاثًا، قَدْ جَعَلَ اللهُ الصَّعِيدَ أَوِ التَّيَمُّمَ طَهُورًا»، رواه ابن خزيمة (273)، وابن حبان (1314) وإسناده حسن.
والخلاصة: أن هذا الحديث يثبت مختصرًا.
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: مشروعية المسح على الجبيرة([2]):
الجبيرة: تكون على الكسر. والعصابة: تكون على الجرح.
ذهب الظاهرية إلى أن الجبائر والعصائب لا يُمسح عليها ولا يتيمم لها عند الوضوء أو الغسل، وذلك لأن الأدلة التي مضت على المسح على الجبائر أدلة ضعيفة، وقد قال الله D: ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ ﴾ [التغابن: ١٦]، وقال E: ﴿ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا ﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقال النبي H: «وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
وذهب جمهور أهل العلم إلى المسح على الجبائر والعصائب بالماء عند الوضوء أو الغسل.
ودليلهم الآتي:
الأول: حديث علي بن أبي طالب I قال: «اِنْكَسَرَتْ إِحْدَى زَنْدَيَّ فَسَألتُ رَسُولَ اللهِ H فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الجَبَائِرِ»، والزندان: هما العظمان في الذراع.
الثاني: حديث جابر I في الرجل الذي شج، قال النبي H: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا».
الثالث: ما رواه عبد الرزاق (884)، والبيهقي (1/228، 232) وغيرهما، عن ابن عمر L: «أنَّهُ تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ، فَمَسَحَ عَلَى العَصَائِبِ وَغَسَلَ سِوَى ذَلِكَ»، وإسناده صحيح، ولا مخالف له من الصحابة.
الرابع: القياس على الخفين، فالخف يستر عضوًا يحتاج للماء عند الطهارة، وكذلك الجبيرة والعصابة تستر عضوًا يحتاج للماء عند الطهارة، فالمعنى واحد، بل المسح على الجبيرة أظهر وأهم، فالخف يلبس للحاجة، والجبيرة تستخدم للضرورة، والخف يمسح عليه للحاجة، وأما الجبيرة يمسح عليها للضرورة، فإذا جاز المسح على الخف لأجل الحاجة؛ فالمسح على الجبيرة للضرورة من باب الأولى، وهو الراجح.
وإذا كانت الجبيرة زائدة على مكان الحاجة؛ فإن المكان الزائد لا بد أن يغسل.
المسألة الثانية: اشتراط الطهارة في المسح على الجبيرة([3]):
الصحيح من أقوال أهل العلم: أنها تلبس ويمسح عليها، ولو لبست على غير طهارة؛ فلا تشترط الطهارة لأجل المسح على الجبيرة أو العصابة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وهي رواية لأحمد، وعليها جماعة من الحنابلة؛ لعدم وجود دليل من نص أو إجماع أو قول صحابي على اشتراط الطهارة قبل لبس الجبيرة أو العصابة، ولأن فيه مشقة ويحصل سبب لبس الجبيرة والعصابة فجأة، فيصعب الوضوء معه، فلا تقاس على الخف.
المسألة الثالثة: القدر الذي يمسح عليه من الجبيرة([4]):
فيه خلاف بين العلماء:
فمذهب المالكية والحنابلة، والمشهور عند الشافعية: لا بد من استيعاب جميع الجبيرة عند المسح، فيمسح على الجبيرة بأكملها؛ لأنها مكان عضو يغسل بأكمله.
وقال بعض الشافعية: يمسح على أدنى جزء منها، مما يسمى مسحًا في العرف.
ومذهب الحنفية: أنه يمسح على أكثرها، ولا يلزم المسح على جميعها، لأن المسح على جميع الجبيرة فيه مشقة وحرج، ولا يمسح على القليل؛ لأن الأصل الاستيعاب في المسح؛ فهي نيابة عن غسل هذا العضو.
قُلْتُ: القول الأول أولى وأحوط.
المسألة الرابعة: اشتراط التيمم مع المسح على الجبيرة([5]):
إذا مسح الشخص على الجبيرة أو العصابة؛ فهل يتيمم – أيضًا - مع المسح، أم يكفي المسح فقط؟
فيه خلاف بين العلماء، والصحيح من أقوال أهل العلم: أنه لا يلزم التيمم فيكفي المسح، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، والمشهور عند الحنابلة، وذلك لأن العضو الذي عليه الجبيرة مطالب بطهارة واحدة، فإلزام الشخص بالمسح والتيمم إلزام بطهارتين، وفي حديث علي I قال: «فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الجَبَائِرِ»، ولم يذكر أن النبي H أمره بالتيمم أيضًا، ولكن الحديث ضعيف، وحديث جابر I الذي فيه يتيمم ويمسح على الخرقة، لا حجة فيه لضعفه.
المسألة الخامسة: الجرح أو الكسر ليست عليه جبيرة([6]):
اختلف العلماء: هل يمسح عليه أو يتيمم له؟
القول الأول: مذهب الشافعية، وجماعة من الحنابلة: يتيمم له ما دام أن هذا الكسر أو الجرح ليست عليه جبيرة أو عصابة يمسح عليها، لأن المسح إنما أذن به إذا كانت هنالك جبيرة أو عصابة، ولأثر ابن عباس L في الرجل الذي به الجروح أو القروح لا يستطيع الغسل، قال: «يتيمم»، وكالمريض يخشى على نفسه إذا استخدم الماء يتيمم.
والقول الثاني: مذهب الحنفية والمالكية، والصحيح عند الحنابلة: يمسح بالماء على الجرح أو الكسر، وإن لم تكن عليه جبيرة أو عصابة، ولا يتيمم له، وذلك لأن العضو الذي فيه الكسر أو الجرح الأصل أن الطهارة له تكون بالماء، فإذا صعب غسله بالماء، وأمكن مسحه بالماء؛ فهو أولى من أن يؤتى بطهارة من جنس أخر وهو التراب، ولأنه بعض الغسل؛ فوجب، كمن عجز عن الركوع والسجود ولزمه الإيماء، ولقول النبي H: «وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، فهذا لا يستطيع أن يغسل الجرح، لكنه يستطيع أن يمسحه بالماء، وكلا القولين قوي. فيستحب - خروجًا من الخلاف - أن يجمع الشخص بين المسح على الجرح بالماء والتيمم له.
إلا إذا كان مسحه بالماء يضره أو كان الجرح نجسًا؛ فيقتصر على التيمم.
المسألة السادسة: إذا أمكن المريض غسل بعض جسده([7]):
هذه المسألة على حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان أغلب البدن، أو أغلب أعضاء الوضوء يمكن غسلها؛ فأهل المذاهب الأربعة على أنه يجب غسلها، ويدل عليه حديث جابر I: «فِي الرَّجُلِ الذِي شُجَّ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ...»، فقال النبي H: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ».
الحالة الثانية: إذا كان أغلب البدن، أو أغلب أعضاء الوضوء لا يمكن غسلها؛ ففيه خلاف بين العلماء؛ والصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يجب كذلك غسل هذا الجزء المتبقي من الأعضاء أو البدن، وذلك لأن التيمم أو المسح على الجبيرة إنما هو للضرورة، وما عداه ليس هنالك ضرورة حتى يرخص بالمسح عليه أو التيمم له فيجب غسله، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
([1]) علل ابن أبي حاتم (1/37).
([2]) انظر المحلى [مسألة] (209)، المغني (1/355)، المجموع شرح المهذب (2/324)، مجموع الفتاوى (21/466)، بدائع الصنائع (1/13).
([3]) انظر المراجع السابقة.
([4]) انظر المراجع السابقة والعناية شرح النقاية (1/161).
([5]) انظر المراجع السابقة والإنصاف (1/188).
([6]) انظر المراجع السابقة، وكشاف القناع (1/326)، وفتاوى اللجنة الدائمة (5/248).
([7]) انظر المغني (1/336)، مجموع الفتاوى (21/462).