وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ J قَالَتْ: كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ.
تخريج الحديث:
حديث أم عطية: رواه البخاري (326) دون لفظ: «بَعْدَ الطُّهْرِ»، ورواه أبو داود (307)، بزيادتها وإسناده صحيح.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: خروج الكدرة والصفرة من المرأة([1]):
الكدرة: هي سائل أغبر يشبه الماء المتسخ، أو غسالة اللحم.
والصفرة: تشبه الصديد الأصفر.
وقد اختلف العلماء في حكم الكدرة والصفرة الخارجة من المرأة، والصحيح الذي عليه كثير من السلف، ومذهب الحنفية والحنابلة، ورواية لمالك ووجه للشافعية: أن الكدرة والصفرة في أيام الحيض تعتبران حيضًا، ولو لم يتقدم عليهما خروج الدم، فلا تصلي المرأة ولا تصوم، وأما في غير أيام حيض المرأة؛ فلا تعتبران حيضًا، فلا تلتفت المرأة لهما، فتصلي وتصوم، لحديث أم عطية: «كُنَّا لَا نَعُدُّ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا»، أي: كنا في زمن النبي H لا نعتبر خروج الكدرة والصفرة بعد زمن الحيض حيضًا. وهذا له حكم الرفع على المشهور عند العلماء.
والمذهب عند الشافعية، ورواية لمالك: أن الكدرة والصفرة تعتبران حيضًا في أيام الحيض وفي غيرها؛ لأنه دم صادف زمن الإمكان، أي: إمكان أن يكون حيضًا - كما سبق - عندهم في أكثر الحيض وأقل الطهر، فأشبه إذا رأت الكدرة والصفرة في أيام الحيض.
المسألة الثانية: إذا اتصلت الكدرة أو الصفرة بزمن الحيض في أوله أو آخره([2]):
أولًا: إذا اتصلت الكدرة أو الصفرة بزمن الحيض في آخره:
إذا انقطع الدم من المرأة بعد انتهاء مدتها المعتادة، واستمر خروج الكدرة أو الصفرة منها قبل الطهر؛ فمذهب أبي حنيفة، والمشهور عن مالك والشافعي، وقول بعض الحنابلة: أنه حيض، فما زالت المرأة حائضًا، مثلًا: المرأة تحيض سبعة أيام من الشهر، وفي اليوم السابع انقطع الدم كالمعتاد، ولم تر الطهر، وإنما خرجت منها الكدرة أو الصفرة متصلة بمدتها، فلا تزال المرأة حائضًا ولو استمرت إلى أقصى مدة الحيض، فدم الحيض يبدأ قويًّا، ثم يرق فيحمر، ثم يضعف فيصفر، وقد ثبت عن عائشة J أن النساء كن يبعثن بالكرسف فيه الصفرة، فتقول: «لا تَعجَلْن حتى تَرَيْن القَصَّةَ البيضاءَ» رواه مالك في الموطأ (1/59). وعن عمرة: أرسلت امرأة بكرسف فيها كالصفرة تسألها أن قد طهرت، فقالت: «لا، حتى تري البياض خالصا» رواه الدارمي (1/214).
والمشهور عند الحنابلة: أنها حيض إذا تكررت ثلاث مرات. أي: في ثلاث حيضات حتى تتيقن أنها من الحيض، والقول الأول هو الأرجح، وعليه اللجنة الدائمة وابن عثيمين.
ثانيًا: إذا اتصلت الكدرة والصفرة بزمن الحيض في أوله:
إذا اعتادت المرأة على خروج الكدرة أو الصفرة قبل أيام الحيض المعروفة؛ فقال الشيخ ابن باز: «تعتبر حيضًا؛ لأنها متصلة بالحيض، فهي من جملة الحيض». وقال الشيخ ابن عثيمين: «لا تكون حيضًا إلا إذا علمت المرأة أن هذه الكدرة أو الصفرة هي مقدمة الحيض، فتكون حيضًا، ويعرف ذلك بالأوجاع والمغص الذي يأتي الحائض عادة». اهـ
قُلْتُ: القول الأول أرجح ـ والله أعلم ـ.
المسألة الثالثة: علامة الطهر في المرأة([3]):
ذكر الفقهاء أن المرأة تعرف طهرها بعد الحيض بعلامتين:
الأولى: خروج القَصَّة البيضاء، وهي سائل أبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله، يدفعه الرحم ليدل على صفاء الرحم، لذا يخرج أبيض، وهي علامة الطهر عند أغلب النساء، وقد كانت نساء الصحابة والتابعين يأمرن النساء بالانتظار وعدم الصلاة والصيام حتى يخرج هذا السائل، فروى الدارمي (1/214)، وابن المنذر (2/234) عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر J: «كُنَّا نَكُونُ فِي حِجْرِهَا فَكَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ ثُمَّ تَطْهُرُ فَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، ثُمَّ تَنْكُسُهَا الصُّفْرَةُ اليَسِيرَةُ، فَتَأْمُرُنَا أَنْ نَعْتَزِلَ الصَّلَاةَ حَتَّى لَا نَرَى إِلَّا البَيَاضَ خَالِصًا»، وإسناده حسن. وثبت عن عائشة J: «إِذَا رَأَتْ الدَّمَ، فَلْتُمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَرَى الطُّهْرَ أَبْيَضَ كَالقَصَّةِ، ثُمَّ تَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي»، رواه الدارمي وابن المنذر، وكذلك عن عمرة - كما سبق -.
ولو خرج هذا السائل الأبيض مخلوطًا بالصفرة أو الحمرة؛ فلا تستعجل، ففي الأثر السابق: «حَتَّى لَا نَرَى إِلَّا البَيَاضَ خَالِصًا»، أي: البياض الصافي.
الثانية: الجفوف أو الجفاف، وهذه علامة عند بعض النساء اللاتي لا تخرج منهن القصة البيضاء، وكذلك المرأة إذا تأخر عنها خروج القصة البيضاء زمنًا لا يتوقع معه أن تبقى حائضًا - في عرف النساء - فعلامة الطهر لها: الجفاف، وذلك بان تحشو المرأة فرجها بخرقة بيضاء بعد انتهاء زمن العادة وتخرج هذه الخرقة، فإذا خرجت لا شيء عليها لا صفرة ولا غبرة ولا حمرة، فيكون دليلًا على طهرها.
([1]) المحلى [مسألة] (254)، المغني (1/413)، فتح الباري لابن رجب (2/126)، المجموع شرح المهذب (2/395)، الموسوعة الفقهية الكويتية (18/296).
([2]) شرح السنة للبغوي (2/156)، المجموع شرح المهذب (2/392)، المغني (1/434)، فتح الباري لابن رجب (2/127، 158)، كشاف القناع (1/213)، مجموع فتاوى ابن باز (10/207)، 52 سؤال من الحيض لابن عثيمين (ص/34)، الفتاوى الجامعة للمرأة (1/150).
([3]) الأوسط (2/234)، فتح الباري (1/558)، فتح الباري لابن رجب (2/122)، الشرح الممتع (1/433)، الفتاى الجامعة للمرأة (1/147).