وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ I: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ H يُصَلِّي, فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
تخريج الحديث:
حديث مالك بن الحويرث: رواه البخاري (823).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: مشروعية جلسة الاستراحة([1]):
جلسة الاستراحة: هي جلسة لطيفة خفيفة، لا دعاء فيها ولا ذكر، يأتي بها المصلي عند النهوض إلى الركعة الثانية أو الرابعة.
والأصح من أقوال العلماء أنها مستحبة، فقد ثبتت عن النبي H، فعن مالك بن الحويرث I قال: «فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا»، أي: في الركعة الأولى والركعة الثالثة، فلم ينهض حتى يقعد قليلًا ثم ينهض، وثبت – أيضًا - هذا عنه H من حديث أبي حميد I، رواه أحمد (5/424) وغيره، بإسناد صحيح، وهو قول جماعة من السلف، ومذهب الظاهرية، والصحيح عند الشافعية، وهو آخر القولين عن الإمام أحمد.
وليس هناك دليل على أن النبي H إنما كان يجلسها لعلة أو لكبر سنه، فالأصل عدم ذلك.
ولم يؤثر عن النبي H أنه كان يداوم على فعلها؛ لهذا لم ينقل عنه جماعة من الصحابة فعلها.
ويستحب في جلسة الاستراحة: أن يجلس المصلي مفترشًا، ومعناه: أن يبسط اليسرى يقعد عليها، وينصب اليمنى؛ لأن هذه الهيئة هي التي ثبتت عن النبي H، كما في حديث أبي حميد I الذي أشرنا إليه سابقًا، وهو الصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة.
والمنقول عن جمهور العلماء: أن جلسة الاستراحة لا تستحب، فقد وصف جماعة من الصحابة صلاة رسول الله H ولم يذكروا جلسة الاستراحة. وأجاب بعضهم: بأن رسول الله H إنما فعلها قبل موته عندما ثقل وكبر.
المسألة الثانية: كيفية القيام إلى الركعة الثانية والرابعة([2]):
الذي عليه جماعة من السلف والمالكية والشافعية: أنه يستحب للمصلي إذا قام إلى الركعة الثانية أو الرابعة أن يعتمد بيديه على الأرض، فيتكئ على يديه وينهض، فقد روى البخاري والنسائي (2/234) عن مالك بن الحويرث I قال: «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ». وأما ما رواه أبو داود (834) عن وائل بن حجر أن رسول الله H: «إِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيهِ»، ففي سنده ضعف([3]). وكذلك ما رواه أبو داود (992)، عن ابن عمر: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ H أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ». ضعيف شاذ([4]). وبنحوه عن أبي هريرة مرفوعًا، رواه الترمذي (288) وسنده ضعيف جدًّا، قال الحافظ ابن رجب: «أسانيدها ليست قوية». اهـ. وهو الأصح.
ومذهب جماعة من السلف والحنفية والحنابلة: أنه لا يستحب الاعتماد على الأرض باليدين؛ لحديث ابن عمر ووائل وأبي هريرة، وحديث مالك بن الحويرث محمول على أن النبي H فعله لمشقة القيام عليه؛ لضعفه وكبره.
([1]) المجموع شرح المهذب (3/442)، المحلى [مسألة] (454)، فتح الباري (2/563)، فتح الباري لابن رجب (7/287).
([2]) المجموع شرح المهذب (3/442، 444)، فتح الباري لابن رجب (7/291)، المغني (2/213)، البحر الرائق (1/616).
([3]) ضعفه الألباني في الإرواء (357).
([4]) بهذا حكم عليه الألباني في صحيح أبي داود (911).