الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولُ:

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولُ:
6

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ I أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ H قَالَ لَهُ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ: لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَأَبُو دَاوُدَ, وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ.

(324) 60- وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ I قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ H: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا الْمَوْتُ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانِيُّ: «وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ».

تخريج الحديثين:

حديث معاذ I: رواه أحمد (5/244)، وأبو داود (1522)، والنسائي (3/53)، وإسناده صحيح.

حديث أبي أمامة I: رواه النسائي في الكبرى (9/44) وإسناده حسن، وزاد الطبراني في الكبير (7534): ( وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )»، وهي زيادة ضعيفة منكرة، انفرد بها بعض المتهمين([1]).

فقه الحديثين:

المسألة الأولى: الدعاء بعد الانتهاء من الصلاة([2]):

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لا يستحب الدعاء بعد السلام من الصلاة لغير عارض عند الأئمة الأربعة». اهـ. وقال به بعض أهل العلم؛ لعدم وجود الأدلة الصحيحة الصريحة التي تدل على مشروعية الدعاء بعد السلام، وإنما تشرع بعد السلام الأذكار. وأما الدعاء؛ فهو في آخر الصلاة قبل السلام، فهذا الذي يعرف من هدي النبي H، والمشهور عند الفقهاء مشروعية الدعاء بعد السلام من الصلاة المفروضة.

واستدلوا على ذلك بالآتي:

الدليل الأول: ما رواه مسلم عن ثوبان I قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ H إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا»، والاستغفار: طلب المغفرة، وهذا دعاء.

الدليل الثاني: ما رواه مسلم عن البراء I قال: «كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ H أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ»، وهذا دعاء، وظاهره أنه بعد الانتهاء من الصلاة حين يلتفت إليهم.

الدليل الثالث: حديث معاذ I: «لَا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولُ: (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)»، ودبر كل صلاة المقصود به: بعد الانتهاء من الصلاة، أي: بعد السلام عند أكثر أهل العلم؛ لأن النبي H ذكر مجموعة من الأذكار، ونص على أنها تقال في دبر كل صلاة، ولا خلاف بين أهل العلم أنها بعد السلام، كالتسبيح والتحميد والتكبير، وكقَوْلُهُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، فيكون المذكور في حديث معاذ I كذلك، حتى يثبت ما يدل على خلافه.

وذهب بعض أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية: إلى أن المراد بـ(دبر الصلاة) في حديث معاذ I: آخر الصلاة قبل السلام، فالدبر: آخر الشيء؛ فعلى هذا: إذا كان المقيد بـ(دبر الصلاة) من الأذكار فهو بعد السلام؛ لأنه موضع الذكر، وإذا كان المقيد بدبر كل صلاة من الأدعية؛ فهو قبل السلام؛ لأنه محل للدعاء، وليس بعد السلام محل للدعاء.

الدليل الرابع: ما رواه الترمذي (3499) وغيره عن أبي أمامة I قال: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ، وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ»، وإسناده ضعيف فيه انقطاع، وأيضًا قَوْلُهُ: «وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» شاذ، وإنما المحفوظ من الحديث بذكر الشطر الأول: «جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرِ»، وقد أعله الحافظ ابن حجر بثلاث علل([3]).

الدليل الخامس: ما رواه النسائي (3/73)، وابن خزيمة (745) عن صهيب I قال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ H كَانَ يَقُولُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ صَلاتِهِ: (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي جَعَلْتَهُ لِي عِصْمَةَ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي...»، وسنده ضعيف، فيه مجهول([4]).

وقد ذكر جماعة من العلماء قيودًا لمشروعية الدعاء بعد السلام:

الأول: ألا يكون الدعاء جماعيًا.

الثاني: ألا يكون الدعاء جهريًّا، فالدعاء الجماعي، وكذلك الجهر به يعتبر بدعة، فلم يكن على عهد النبي H، ولم ينقل عن السلف.

الثالث: عدم رفع الأيدي فيه، وإن كان الأصل رفع اليدين في الدعاء، لكن في بعض المواطن لا يشرع رفع اليدين؛ لاعتبارات معينة، كالدعاء قبل السلام، وكذا الدعاء في خطبة يوم الجمعة؛ إذ لو كان الرفع هنا مشروعًا لنقل لنا عن النبي H، أو عن السلف.

وزاد العلامة ابن القيم شرطًا رابعًا: ألا يكون بعد السلام مباشرة، وإنما بعد الانتهاء من الأذكار، فليس من هدي النبي H أنه كان يدعو بعد السلام مباشرة، وإنما كان هديه الإتيان بالأذكار بعد السلام، فالدعاء بعد الانتهاء من الذكر يكون دعاء بعد الأذكار، لا دعاء بعد السلام.

والذي عندي - والله أعلم - أن الدعاء بعد السلام جائز بقيود:

ألا يداوم عليه، وألا يكون جماعيًّا، وألا يجهر به، ولا ترفع فيه الأيدي. والأحوط بعد الانتهاء من الأذكار، ولا يقال بمشروعية الدعاء بعد السلام مطلقًا؛ لعدم وجود ما يدل على ذلك، والصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فلو كان الدعاء يشرع فيها مطلقًا؛ لنقل إلينا عن النبي H.

وما نقله ابن تيمية عن الأئمة الأربعة من عدم استحباب الدعاء إلا لعارض، يُحمل - والله أعلم - على الدعاء مع عدم الالتزام بالشروط المذكورة.

المسألة الثانية: قراءة آية الكرسي والمعوذتين بعد الانتهاء من الصلاة([5]):

استحب جماعة من الفقهاء أن يقرأها المصلي بعد الانتهاء من صلاته، ولا تقرأ بصوت جماعي، ولا يجهر بقراءتها، وما جاء في حديث أبي أمامة I: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ»، المراد به: بعد السلام من الصلاة بلا شك. ولا يقال: إنها قبل السلام؛ فليس هنالك قرآن يقرأ قبل السلام، وإنما يقرأ القرآن في الصلاة حين القيام.

وقَوْلُهُ: «لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إِلَّا المَوْتُ»، هذا بيان لفضل المداومة عل قراءة آية الكرسي بعد الصلاة، فمن داوم عليها استحق أن يدخل الجنة، ولا فاصل بينه وبين الجنة إلا الموت، فإذا مات؛ فهو من أهل الجنة. وتقرأ بعد الأذكار؛ لما يظهر من هدي النبي H أنه كان يبتدئ بالأذكار بعد السلام، ولأن الأذكار أوكد منها.

ويستحب قراءة المعوذتين (الفلق والناس)؛ فعن عقبة بن عامر I قال: أمرني رسول الله H أن أقرأ دبر كل صلاة بالمعوذات». صحيح لغيره([6])، رواه أحمد (4/155، 201)، وأبو داود (1520)، والنسائي (3/68)، والترمذي (2903)، وغيرهم.

وأما قراءة سورة الإخلاص؛ فاستحبها بعض العلماء؛ للزيادة في حديث أبي أمامة، ولحديث عقبة. فقَوْلُهُ: «بالمعوذات» جمع، وأقل الجمع ثلاثة، فتدخل سورة الإخلاص فيها تغليبًا، ولم يذكر استحبابها بعض العلماء؛ لاحتمال أن يراد بالمعوذات: آيات السورتين، فجمعهما باعتبار أن ما يستعاذ منه كثير فيهما، وهو الأقرب، وزيادتها في حديث أبي أمامة ضعيف.

 

([1]) السلسلة الصحيحة (972).

([2]) المجموع شرح المهذب (3/485)، الفتاوى الكبرى (1/53)، فتح الباري (12/418)، فتح الباري لابن رجب (7/418)، فتاوى اللجنة الدائمة (7/103).

([3]) نتائج الأفكار (2/246).

([4]) ضعفه الألباني في تمام المنة (ص/230).

([5]) مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/508)، طريق الهجرتين لابن القيم (ص/316)، زاد المعاد (1/303)، الاختيارات الفقهية للبعلي (ص/85)، نتائج الأفكار (2/291، 294)، كشاف القناع (1/366)، نيل الأوطار (2/105)، سبل السلام (1/403)، المنهل العذب المورود (8/186)، عون المعبود (4/270)، فتاوى اللجنة الدائمة (7/108).

([6]) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (640).

6 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة